"تيكون أولام".. سر العبارة التوراتية في "إعلان القدس" بين أميركا والاحتلال

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

وقعت أميركا والكيان الصهيوني وثيقة باسم "إعلان القدس للشراكة الإستراتيجية المشتركة"، على هامش زيارة الرئيس جو بايدن إلى إسرائيل في 14 يوليو/تموز 2022، تعبر عن التزام واشنطن بأمن دولة الاحتلال وضمان تفوقها مستقبلا على سائر دول المنطقة.

ورغم أن "إعلان القدس" لم يأت بشيء جديد عمليا، وورد به الجمل المعتادة عن حماية أميركا لإسرائيل، إلا أنه تضمن عبارات توراتية مثيرة للجدل حول "إصلاح العالم"، على غير المعتاد.

ولم يقتصر الالتزام الأميركي الدائم بأمن إسرائيل هذه المرة على تعهدات واتفاقات عسكرية، لكنه حرص على إرسال رسائل لحركات المقاومة في فلسطين ولبنان، بوصفها "وكلاء ومنظمات إرهابية" تابعة لإيران.

لهذا قال مسؤول إسرائيلي كبير لموقع "مونيتور" الأميركي في 15 يوليو 2022، "لقد أعادت أميركا والحزب الديمقراطي الثقة لنا وأظهرتنا للعالم قوة غير عادية، وقعنا على إعلان مهم وعمقنا حوارنا الإستراتيجي، وهذه ليست أشياء تافهة ".

"تيكون أولام"

تحدث "إعلان القدس" عن "شراكة إستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل تقوم على أسس متينة من القيم والمصالح المشتركة والالتزام بالديمقراطية وسيادة القانون"، وذكر ما أسماه دعوة "تيكون أولام" أو "Tikkun Olam" لإصلاح العالم كأحد هذه الأسس.

و"تيكون أولام" عبارة عبرية تعني حرفيا "إصلاح العالم" أو "شفاء العالم"، وتتبني مفهوما فلسفيا تاريخيا للحاخامات يستند إلى تفسيرات الحاخامات الخاصة للحياة والكون.

وكان هذا المصطلح يُستخدم ضمن التعاليم الحاخامية الكلاسيكية التي تم تقنينها حوالي عام 200 ميلاديا، حسبما يذكر موقع "ماي جويش ليرننيج" اليهودي الديني.

لكن في العصر الحديث أصبح "تيكون أولام" مصطلحا شائع الاستخدام في الدوائر اليهودية الليبرالية، وبعضهم يستخدمه كـ"مزحة"، وفق الموقع.

ويستخدمه حاليا العديد من المنظمات والمفكرين اليهود للإشارة إلى برامج العمل الاجتماعي والمقاربات اليهودية التقدمية للقضايا الاجتماعية، لكنه أصبح مرتبطا أكثر بـ"الكابالا" اليهودية، أو تعاليم الحاخامات، مع معنى لاهوتي أعمق.

والغريب أن "تيكون أولام" التي استند إليها الإعلان الأميركي الإسرائيلي تزعم أنها تسعي لتحقيق "العدالة الاجتماعية"، بينما يسرق الاحتلال الأرضي الفلسطينية ويمارس سياسة عنصرية دفعت الفلسطينيين لرفع لافتات "ابارتهيد" أمام بايدن.

وركزت بنود الإعلان الرئيسة على ثلاث قضايا هي: ضمان التفوق العسكري لإسرائيل على باقي دول المنطقة، وتأكيد التزام أميركا بحماية أمن إسرائيل بوصفها وكيلا رسميا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

وثالثا، طمأنة دولة الاحتلال أن إيران لن تهددها نوويا لأن واشنطن تقف بجانبها.

لكن الجديد في الإستراتيجية الجديدة لأميركا هو تنصيب إسرائيل وكيلا رسميا للعديد من المجالات التي تحتاجها الدول العربية من التكنولوجيا الحديثة التي تمتلكها الولايات المتحدة.

وظهر هذا في احتفاء وسائل الإعلام الإسرائيلية باستعانة السعودية بخدمات شركة إسرائيلية من أجل تحديد ملامح رؤية الرياض 2030، حسبما نقل موقع "i24" الإسرائيلي عن مؤسس شركة "إنتفيو للتكنولوجيا" شموئيل بار، وهو عضو سابق بالمخابرات الإسرائيلية.

وقال "بار" إن "السعودية استعانت بخدمات الشركة من أجل مسح بيانات المواطنين السعوديين المتعلقة برؤية المملكة لعام 2030"، مشيرا إلى أن "التطبيع التكنولوجي سبق التطبيع الدبلوماسي بين إسرائيل والسعودية".

وكرر بايدن، في وثيقة "إعلان القدس"، تأييده لحل الدولتين، لكنه قال بوضوح، إن "هدف حل الدولتين قد يبدو بعيد المنال بسبب القيود التي تفرض على الفلسطينيين".

وادعي رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد، أن التركيبة السياسية في إسرائيل، حيث الأغلبية يمينية ولا يمكن تشكيل حكومة من دون أحزاب يمينية، ترفض قيام دولة فلسطينية، ولا تسمح بتقدم نحو حل الدولتين. 

لذا اتفقا فقط على الالتزام بدفع "مبادرات تعزز الاقتصاد الفلسطيني وجودة حياة الفلسطينيين" مع بقائهم تحت الاحتلال.

ومجرد صدور البيان من القدس وباسم "إعلان القدس" لا تل أبيب، يعد اعترافا من إدارة بايدن بعد سلفه دونالد ترامب بأن القدس عاصمة لإسرائيل ومن ثم انتهاء الحديث عن دولتين.

وأكد إعلان القدس التأكيد على تنفيذ بنود مذكرة تفاهم لدعم إسرائيل بما يعادل 38 مليار دولار، ووعود بزيادة هذا الدعم في المستقبل، كما أكد على زيادة تمويل الدفاع الصاروخي لإسرائيل بمليار دولار.

خلاف حول إيران

برغم تعهد أميركا في إعلان القدس بـ"الالتزام بعدم السماح لإيران أبدا بامتلاك سلاح نووي"، وأنها "مستعدة لاستخدام جميع عناصر قوتها الوطنية لضمان هذه النتيجة"، ظهرت خلافات بين رؤية الطرفين تجاه التعامل مع إيران.

وكشف المؤتمر الصحفي بين بايدن ولابيد عمق الخلاف، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، في 15 يوليو 2022.

فحاول لبيد دفع بايدن، في المؤتمر الصحفي لاستخدام لغة "القوة" بوضوح في التزامه العلني بمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، لكن بايدن تحدث عن "الدبلوماسية".

وقال لبيد: "الكلمات لن توقفهم، الشيء الوحيد الذي سيوقف إيران هو معرفتها أنها إذا استمرت في تطوير برنامجها النووي، فإن العالم الحر سيستخدم القوة ووضع تهديد عسكري حقيقي على الطاولة".

في المقابل، قال بايدن إن "الدبلوماسية هي أفضل طريقة لمواجهة التهديدات الإيرانية"، وهو ما يعكس أساس النهج المختلف لبلديهما في التعامل مع طموحات إيران النووية، حسب الصحيفة.

وشرح الجنرال عاموس يادلين، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الاسرائيلية لصحيفة معاريف العبرية في 14 يوليو، نقطة الخلاف، بالقول إن أميركا ترفض تحديد "خط أحمر" للتعامل مع إيران عسكريا إذا تجاوزته.

وعرف "يادلين" هذا الخط الأحمر بأنه "trip wire" أو "سلك تشغيل لغم مفخخ"، مشيرا أنها نقطة معينة إذا عبرتها إيران ستطلق آلية أميركية إسرائيلية متفقا عليها خيارا عسكريا ضدها.

وقال مسؤول أمني إسرائيلي كبير لموقع "المونيتور" في 15 يوليو، طالبا عدم الكشف عن هويته، أنه لهذا لم يتفق الطرفان، فلا يوجد موعد نهائي محدد أو رسمي للتوصل إلى اتفاق مع إيران، ولا "سلك تفجير" لهجوم عسكري.

ورغم تعهد بايدن في "إعلان القدس" باستخدام بلاده "جميع عناصر قوتها الوطنية لمنع إيران من حيازة السلاح النووي"، يرى مراقبون أنه ليس تهديدا بقدر ما هو "عصا" يلوح بها لتحفيز طهران على تسريع إبرام الاتفاق النووي الذي بات شبه جاهز.

حرص "إعلان القدس" على شيطنة حركات المقاومة في فلسطين وتأكيد أنها تابعة لإيران، لا حركات تدافع عن أرضها المحتلة.

وذكر أن "الولايات المتحدة تؤكد التزامها بالعمل مع شركاء آخرين لمواجهة عدوان إيران، وأنشطتها سواء بشكل مباشر أو من خلال وكلاء ومنظمات مثل حزب الله في لبنان وحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين".

وهو ما يطرح سؤالا: لماذا تعادي أميركا المقاومة وتتفق مع تل أبيب في تصنيفها كحركات إرهابية تستهدف أمن إسرائيل لا كحركات تحرر وطني تسعى لاستعادة أرضها المحتلة كما فعلت أميركا نفسها مع الاحتلال البريطاني؟

ويفسر الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني عبد الله العقاد، محاربة الإدارة الأميركية لحماس في الإعلان "لأنها تهدد أي مشروع يستهدف تصفية القضية الفلسطينية"، بحسب وكالة "شهاب" في 16 يوليو.

وأكد أن الهدف الأميركي الأساسي هو دمج الكيان الصهيوني في المنطقة حتى تصبح دولة صديقة، ومن ثم إفشال المقاومة التي تقودها حركة المقاومة الإسلامية حماس.

لكن العقاد، رأى زيارة الرئيس الأميركي بايدن لإسرائيل وتوقيع وثيقة "إعلان القدس" يعني أن الدولة الصهيونية في أزمة حقيقية وتخشى أميركا على أمنها وبقائها.

ولهذا السبب أيضا استهدف إعلان القدس أيضا حركات مقاطعة إسرائيل، وخصوصا اللجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة BNC، التي تقود حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) عالمياً.

لأنها تعمل على عزل إسرائيل على الأصعدة الاقتصادية والأكاديمية والثقافية والعسكرية والسياسية في العالم كله.

مكاسب إسرائيل

لأن زيارة بايدن لم تغير شيئا في واقع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بل ربما رسخت الاحتلال، ولم تغير الواقع الإقليمي أيضا، قالت صحيفة "هآرتس" العبرية إن الساسة الصهاينة عبروا عن رضاهم من نتائج الزيارة.

وقالت في تحليل نشرته في 15 يوليو: "من النادر أن ترى رئيسا أميركيا يغني، لكن في إسرائيل هذا الأسبوع، غنى جو بايدن للبلد المضيف "لن تمشي وحدك أبدا".

أشارت إلى أنه "عندما تقدم قوة عظمى 38 مليار دولار من المساعدات العسكرية على مدى 10 سنوات لإسرائيل وتهدد إيران لصالح إسرائيل فمن الطبيعي أن يكون السياسيون الإسرائيليون مبتهجين ويرون الزيارة ذات أبعاد تاريخية".

وامتنع بايدن عن طرح مطالب أمام إسرائيل فيما يتعلق بالفلسطينيين، فلم يطلب تجميد البناء في المستوطنات، ولم يطرح قضية إطلاق النار على الصحفية شيرين أبو عاقلة رغم جنسيتها الأميركية.

لهذا اعتبر الكاتب سليمان أبو إرشيد في موقع عرب 48 يوم 14 يوليو، زيارة بايدن "تكريس لتهميش القضية الفلسطينية"

وأوضح أن الموقف الأميركي الذي تكرس في عهد ترامب والمتمثل بالتوقف عن التعامل مع القضية الفلسطينية بوصفها القضية السياسية الكبرى، أو إحدى القضايا السياسية الكبرى في المنطقة، وعدها قضية إسرائيلية داخلية، استمر مع بايدن.

وأشار إلى أن هذا يعني التسليم بالاحتلال، وبصيغة السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 والاكتفاء بالعمل على تحسين مكانة الفلسطينيين ضمن تلك المعادلة (تحت الاحتلال).

واستدرك أبو إرشيد: بل إن البيان قال إن "الولايات المتحدة تفخر بالوقوف إلى جانب دولة إسرائيل اليهودية والديمقراطية ومع شعبها"، وهو ما يعني الاعتراف بيهودية الأرض المحتلة وترسيخ الاحتلال.

وقال البيت الأبيض في وثيقة نشرها على موقعه في 14 يوليو، إن بايدن سيعلن عن "مبادرات لدعم الشعب الفلسطيني"، تشمل "تعزيز قطاعات الرعاية الصحية والتكنولوجيا، ودعم شبكة اتصالات الجيل الرابع، وتعزيز النمو الاقتصادي، وتقديم الخدمات الحيوية للاجئين الفلسطينيين".

وكان لافتا أن بايدن شدد إثر هبوطه في مطار بن غوريون على أنه "صهيوني"، حيث قال: "لا تحتاج أن تكون يهوديا حتى تكون صهيونيا"، كما أظهر تعاطفا غير عادي مع الإسرائيليين عادًّا نفسه واحدا منهم.

ووصفت صحيفة "ذا هيل" القريبة من الكونغرس في 15 يوليو علاقته بإسرائيل بأنها "قصة حب متبادلة".

فبايدن زار إسرائيل لأول مرة في عام 1973 عندما كانت غولدا مائير رئيسة للوزراء، ولم تكن لإسرائيل علاقات مع أي دولة عربية ولا مع الهند أو الصين أو الاتحاد السوفيتي وكانت معزولة في الأمم المتحدة.

لكن، وفق "ذا هيل"، يزور بايدن إسرائيل هذه المرة وهي تتمتع بعلاقات مع 6 دول عربية وعلاقات وثيقة مع الصين والهند وروسيا.

وقالت إن عشق بايدن لإسرائيل ظل كما هو منذ زيارته الأولى وهو في سنته الأولى بمجلس الشيوخ الأميركي، إلى درجة أنه أصبح يتفاخر بأنه صهيوني كما تفاخر مرارا بخدماته للمصالح الإسرائيلية أثناء رئاسته.

وأضافت أن الإسرائيليين يشعرون بحظ كبير لأن لديهم صديقا مخلصا في البيت الأبيض.

من جانبه، قال موقع "مونيتور" الأميركي في 15 يوليو، نقلا عن محللين أن "بايدن أسر قلوب الإسرائيليين"، لأن "حبه لإسرائيل أصيل ويوحي بالثقة، ولا يخجل منه متفاخرا به".

وخلال تقليد الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ لبايدن في 14 يوليو/تموز 2022، وسام الشرف الرئاسي وهو "أرفع وسام للصداقة" قال إنه مكافأة لحفاظ بايدن على أمن إسرائيل.

وقال بايدن، خلال مؤتمر صحفي مع هرتسوغ: "لدي حب عميق لإسرائيل"، ووصف حصوله على أرفع وسام للصداقة من تل أبيب، بأنه "أحد أعظم لحظات الشرف" في مسيرته المهنية!!.

وأضاف: "ما دامت الولايات المتحدة موجودة، فلن تكون إسرائيل وحيدة أبدا"، كما لفت إلى أن "التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل سيبقى قائما".