هل يحرر النفط الصخري تركيا من أغلال الطاقة الأجنبية؟.. الأناضول تجيب

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

تقول السلطات التركية: إن شركة «كونتننتال ريسورسز» الأميركية لإنتاج النفط تُقدِّر احتياطي النفط الصخري في حوض ديار بكر، بجنوب شرقي تركيا، بما يصل إلى 6.1 مليارات برميل.

ووقَّعت «كونتننتال ريسورسز» ومؤسسة البترول التركية، اتفاقية مشروع مشترك، في مارس/ آذار 2025، لتطوير حقول النفط الصخري بالمنطقة.

وفي السياق، نشرت وكالة الأناضول مقالا للكاتب التركي "يونس فورونجو"، سلط فيه الضوء على خصائص النفط الصخري وأهميته لأمن إمدادات الطاقة في تركيا.

فرصة إستراتيجية 

شهدت تركيا أخيراً نقلة نوعية في ملف الطاقة بعد إعلان وزير الطاقة والموارد الطبيعية، ألب أرسلان بيرقدار، عن تقديرات باحتياطي ضخم من النفط الصخري في حوض ديار بكر، حيث يصل إلى نحو 6.1 مليارات برميل. 

وهذا الإعلان، الذي استند إلى تقرير صادر عن شركة أميركية، أثار اهتماماً واسعا ليس فقط لدى الخبراء بل أيضاً لدى الرأي العام، وأعاد إلى الواجهة تساؤلات مهمة: ما هو النفط الصخري؟ وما مدى قدرة هذا الاكتشاف على تخفيف اعتماد تركيا على واردات الطاقة؟

ويختلف النفط الصخري عن النفط التقليدي من حيث مكان وجوده وطريقة استخراجه. فهو يوجد محاصراً في الصخور غير النفاذة، ولا يمكن استخراجه بالطرق المعهودة، بل يتطلب تقنيات متقدمة مثل التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي. 

وعلى الرغم من اختلاف طريقة استخراجه، إلّا أنّه لا يختلف في نوعيته عن النفط العادي. وقد أدت هذه التقنية في استخراج النفط الصخري خلال السنوات الأخيرة إلى تحولات كبيرة في سوق الطاقة العالمية. 

فقد تحولت الولايات المتحدة من أكبر مستورد للطاقة إلى أكبر منتج لها بفضل هذه التقنية. ووفقاً للبيانات بلغ إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري عام 2023 نحو 8.3 ملايين برميل يومياً، وهو ما يعادل 64 بالمئة من إنتاجها الإجمالي. 

ومن جهة أسهم النفط الصخري في رفع الاحتياطي العالمي بنحو 10 بالمئة، وقدم مساهمة مماثلة في الإنتاج العالمي، ما جعله عنصراً فاعلاً في المشهد الطاقوي الدولي. 

أما على الصعيد المحلي، فإن لاحتياطي ديار بكر أهمية بالغة؛ فتركيا تستورد سنوياً حوالي 220 مليون برميل من النفط الخام، وقد يصل هذا الرقم إلى 350 مليون برميل عند احتساب المنتجات المكررة.

ومع أن التقديرات تشير إلى إمكانية استخراج نحو 10 بالمئة فقط من الاحتياطي الصخري، إلا أن هذه الكمية كافية لتغطية واردات تركيا لثلاث سنوات، ما يعزز أمن الطاقة المحلي ويقلل من التبعية الخارجية.

وتطوير هذا المورد المحلي يمثل مكسباً إستراتيجياً واقتصادياً، إذ من المتوقع أن تسهم الاستثمارات في هذا المجال في خلق فرص عمل جديدة، وتنشيط قطاعات اللوجستيات والخدمات، خاصة في منطقة جنوب شرق الأناضول. 

وبهذا لا تقتصر الفوائد على قطاع الطاقة فقط، بل تمتد إلى تحفيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة.

وامتلاك احتياطيات كبيرة من النفط الصخري يمنح تركيا أوراق قوة جديدة في دبلوماسية الطاقة. 

فالتقليل من الاعتماد على الخارج لا يعني فقط تخفيض الفاتورة الطاقوية، بل أيضاً توسيع هامش المناورة السياسية وتعزيز الاستقلالية الإستراتيجية في عالم لا يزال مرتهناً بالطاقة كمورد حيوي ومؤثر.

تحديات بيئية

وقد أعاد اكتشاف احتياطي ضخم من النفط الصخري في حوض ديار بكر جنوب شرق تركيا إلى الواجهة نقاشاً واسعاً حول مستقبل الطاقة في البلاد، خاصة في ظل مساعي أنقرة لتقليل اعتمادها على واردات الطاقة وتحقيق ما يُعرف بـ"الاستقلال الطاقي". 

ومع تقدير حجم الاحتياطي بنحو 6.1 مليارات برميل، تتجه الأنظار إلى إمكانية استغلال هذا المورد الاستراتيجي، لكنّ ذلك لا يخلو من تحديات بيئية وتقنية جادة.

والنفط الصخري بخلاف النفط التقليدي يوجد في مسامات الصخور غير النفاذة، ويتطلب تقنيات خاصة مثل التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي لاستخراجه. 

وهذه التقنيات، رغم فعاليتها الاقتصادية، تحمل في طياتها مخاطر بيئية لا يستهان بها. 

فالسوائل المستخدمة في التكسير قد تتسبب بتلوث المياه الجوفية، وقد يؤدي استخدام كميات كبيرة من المياه إلى زيادة الضغط على الموارد المائية، خاصة في المناطق القاحلة. 

كما أن حفر عدد كبير من الآبار قد يهدد التوازن البيئي ويؤثر سلباً على التنوع الحيوي في المناطق المتأثرة.

وتجربة الولايات المتحدة في هذا المجال جديرة بالدراسة، فقد استطاعت بفضل تشريعات صارمة ورقابة مستمرة تقليلَ المخاطر البيئية المرتبطة بإنتاج النفط الصخري. 

على سبيل المثال، فرضت بعض الولايات مثل وايومنغ على الشركات الإفصاح الكامل عن المواد الكيميائية المستخدمة، كما اعتمدت أنظمة تقنية تضمن العزل التام للأنابيب ومنع التسرب، بالإضافة إلى إعادة تدوير سوائل التكسير لتقليل الضغط على الموارد الطبيعية.

ودخلت تركيا فعليا مرحلة جديدة في قطاع الطاقة، وذلك مع إدخال احتياطات الغاز المكتشفة في البحر الأسود إلى الإنتاج، وتفعيل حقول النفط في جبل غابار. 

إضافة إلى ذلك تأتي إمكانات النفط الصخري لتضيف بعداً جديداً لهذه الطفرة، وتفتح المجال أمام تنويع مصادر الطاقة المحلية بشكل أكبر. 

ومع ذلك، فإن النجاح في هذا الملف يتطلب ليس فقط استثمارات ضخمة وتكنولوجيا متقدمة، بل أيضاً رؤية بيئية شاملة تأخذ في الحسبان الاستدامة والتوازن بين التنمية والحفاظ على الطبيعة.

ويمكن القول إن النفط الصخري يمثل لتركيا فرصة إستراتيجية نادرة لتعزيز أمنها الطاقي وتقليل تبعيتها للخارج، لكنه في الوقت نفسه اختبار لقدرتها على إدارة مواردها الطبيعية بطريقة رشيدة ومسؤولة. 

وإذا ما أُحسن استغلال هذه الموارد وفق معايير بيئية صارمة وتجربة دولية ناضجة، فقد تتحول تركيا من مستورد للطاقة إلى لاعب محوري في سوق الطاقة الإقليمي.