3 قتلى من جنود الاحتلال في كمين نوعي.. جباليا تقاتل تحت القصف والتجويع

اعترف جيش الاحتلال بمقتل 3 جنود برتبة رقيب أول في كمين جباليا
رغم استمرار الحصار والتجويع والقصف الإسرائيلي لأكثر من 600 يوم على قطاع غزة، ينفذ مقاتلو المقاومة الفلسطينية عمليات موجعة ويخوضون اشتباكات ضارية مع قوات الاحتلال.
وكان آخر تلك العمليات كمين صعب نفذته المقاومة شرق مخيم جباليا شمال القطاع، فيما تحدثت وسائل إعلام عبرية عن “كمين مركب وصعب”، استهدف "عربة عسكرية" من طراز هامر، بصاروخ مضاد للدروع.
وأعلنت حركة المقاومة الإسلامية حماس في 2 يونيو/حزيران 2025 أن مقاتليها يخوضون اشتباكات ضارية مع جنود الاحتلال شرق مخيم جباليا ويوقعونهم بين قتيل وجريح.
وفي صباح اليوم التالي اعترف جيش الاحتلال بمقتل 3 جنود برتبة رقيب أول، ينتمون للكتيبة التاسعة في لواء المشاة غفعاتي، قائلا: إنهم قتلوا جراء تفجير شديد فيما أصيب جنديان آخران بجروح خلال الحادث.
وقبلها بساعات، أفادت وسائل إعلام عبرية بأن الاشتباكات في جباليا أسفرت عن مقتل 3 جنود وإصابة 11، موضحة أن 3 مروحيات عسكرية إسرائيلية عملت على إجلاء الجنود الجرحى في العملية بصعوبة؛ بسبب كثافة الاشتباكات والنيران.
وفي وقت سابق وضمن عمليات التصدي المستمرة، أعلنت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، أنها استهدفت تجمعا وموقعا لجيش الاحتلال في قطاع غزة بقذائف هاون وصواريخ.
وقالت الكتائب، في بيان: "بعد عودتهم من خطوط القتال، أكد مجاهدو القسام استهداف تجمع لقوات العدو شرق بلدة القرارة شرق مدينة خان يونس جنوب القطاع بـ 13 قذيفة هاون عيار 120 و60 ملم".
كما جرى "استهداف موقع العين الثالثة شرق المدينة بـ3 صواريخ رجوم قصيرة المدى في 31 مايو"، حسب البيان.
وفي بيان ثانٍ، أفادت "القسام" بأن مجاهديها استهدفوا "جرافة عسكرية من نوع (D9) بقذيفة الياسين 105، في 1 يونيو، جنوب خان يونس.
وتأتي العمليات ضمن رد الفصائل الفلسطينية على الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال بدعم أميركي، على غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مرتكبا جرائم حرب تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا قسريا، خلفت أكثر من 54 ألف شهيد وعشرات آلاف الجرحى.
في الأثناء، تشهد الإدارة الأميركية تغييرات مفاجئة شملت إقالة مسؤولين كبار معروفين بتأييدهم لتل أبيب، ما أصاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالقلق بحسب مصادر إسرائيلية.
وأكدت المصادر لصحيفة “يديعوت أحرونوت” أن الإقالات تعكس اتساع الهوة بين إسرائيل وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كاشفة عن حركة تغييرات مفاجئة في واشنطن شملت إقالة مسؤولين كبار معروفين بتأييدهم لتل أبيب بينهم إسرائيلية مختصة بالشأن الإيراني.
وأوضحت أن نتنياهو قلق جدا من هذه التغييرات ومن التأثير المتزايد للتيار الانعزالي على الرئيس ترامب من جانب شخصيات تعمل على إيهامه بأن إسرائيل تجر الولايات المتحدة إلى الحرب.
وأعرب ناشطون على منصات التواصل عن سعادتهم بعملية القسام في جباليا، وفخرهم واعتزازهم بجرأة المقاومين وقدرتهم على التخطيط وتنفيذ عمليات نوعية دقيقة.
وأبدوا عبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي “إكس” و"فيسبوك"، ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #جباليا، #غزه_تقاوم_وستنتصر، #جباليا_العظمى_مصنع_الرجال، وغيرها، تفاؤلهم واستبشارهم بالعملية، متحدثين بفخر واعتزاز عن المخيم وتاريخه النضالي وصموده.
وسلط ناشطون الضوء على وقع عملية جباليا وضغط الشارع الإسرائيلي على حكومة الاحتلال وغضبه من سياسة نتنياهو، مؤكدين أنها مثلت صدمة كبيرة داخل الكيان وأظهرت تعاظم عزيمة المقاومة وأثبتت أن غزة ستظل ساحة مفتوحة للمقاومين.
حفاوة وترحيب
وحفاوة بالعملية التي نفذها المقاومون، تحفظ الباحث نور الدين المغربي على وصفها بأنها مجرد حدث أمني كما يعلن العدو، أو مجرد كمين كما تعلن المقاومة في المعتاد، مؤكدا أنها معركة حربية ضارية تكبد فيها العدو خسائر فادحة.
وقال: "اليوم لدينا خسائر في معركة واحدة في اشتباك واحد تعد من الأكبر على مدار هذه الحرب"، مشيرا إلى أن هذه الضربة تأثيرها يتعدى جباليا حيث توقفت بشكل كبير تحركات العدو شمال غرب مدينة غزة.
ولفت المغربي إلى أن تحركات العدو توقفت أيضا في خان يونس وكأن الكيان وجيشه في حالة صدمة، متوقعا أن الضربة سيكون لها صدى قوي جدا على الصعيد العسكري في الكيان وفي أميركا.
ورأى محمد النجار أن ما جرى في جباليا لا يعد انتصارا تكتيكيا فحسب، بل كشفاً إستراتيجيا لفشل مفاهيم السيطرة المؤقتة التي يعتمدها الجيش الإسرائيلي.
وأشارت إلى أن ثلاث عمليات مركبة ودقيقة نفذت في منطقة دمرت بنيتها، وتعرضت لتوغلات متكررة، وتصنف وفق العقيدة العسكرية الإسرائيلية على أنها آمنة.
وأكد أن هذا وحده يُظهر أن المقاومة لا تزال قادرة على الكمون، والتخطيط، والتنفيذ المحكم حتى في أكثر البيئات المعادية، قائلا: إن جباليا لم تتحرر، لكنها أيضا لم تُحكم السيطرة عليها لا المقاومة خرجت منها بالكامل، ولا الجيش استطاع تثبيت واقع ميداني دائم فيها.
وأضاف النجار أن ما يحدث هي حرب مواقع متحركة، تُدار على وقع مفاجآت وكمائن، ونقاط تماس غير متوقعة، مبينا أن الدمار وحده لا يصنع نصرا، وأن القدرة على الحركة والرصد، وضرب نقاط الضعف مازالت بيد من يجيد القتال داخل الفراغ؛ داخل البيوت المهدمة، والأنفاق، والركام.
وتابع: "في جباليا يبدو أن من يملك زمام المبادرة ليس من يرفع العلم، بل من يطلق أول قذيفة في وقت لا يُتوقع فيه شيء".
وقال محمد عزت أبو سمرة: "في شرق جباليا ارتفعت الآيةُ لا الراية ودوّى التكبير لا الصدى، حين صعدت المقاومةُ إلى مقامٍ لا تطؤه جيوش الأرض، ولا تحمله جيوش الخذلان".
وأضاف: "ما كادت أقدامُ نخبةِ غولاني تنزل من مركبة الغرور، حتى نزلت عليهم قُدرةٌ لا تُرى، في صاروخٍ لا يُطلقه إلا من عرف الله حق معرفته.. تفتّح الحديدُ عن لحمٍ مهزوم، وتطايرت الرُتبُ قبل أن تنزعها أيدي المجاهدين، ثم زُجّ بمن بقي منهم إلى مبنى مفخخ، ما صُمّم للسكن، بل للدفن".
وتابع أبو سمرة: "وترنّحوا فيه كالأشباح، وسقطوا فيه كما تسقط أوراق الخريف في وادٍ لا شمسَ فيه ولا مأوى. ولمّا هرعت طائرة الإخلاء، تلقّاها سهمٌ خرج من رحم الأرض، من نفقٍ لم يحفره مهندس، بل حفره يقين".
وأكد أن غزة لم تنتصر في معركة، بل أعلنت من جديد أنها الأصل، وأن البأس لا يُشترى، وأن من باع الله لا يُخيف من اشتراه.
وخاطب أبو سمرة المطبعين قائلا: "غزة تزرع الموت في صفوف العدو، وأنتم تزرعون الذلّ في وجدان الأمة.. فصهٍ عن ذكرها فأنفاسكم لا تليق بترابها".
ووصف محمد وازن الكمين بأنه "أخطر عملية منذ أسابيع"، متسائلا: “ جباليا.. هل كُسرت المعادلة؟” ورأى أن التساؤل الحقيقي: “هل تل أبيب هتغطي على الخسائر؟ ولا هنشوف رد انتقامي واسع؟”
إشادة وثناء
وإشادة بالمقاومين قال المحلل السياسي إياد إبراهيم القرا: "عندما تطالع التفاصيل لمنطقة تم مسحها أربع مرات تمامًا تجد أن هناك رجالا لا يستسلمون، بل يصنعون من العدم شيئا".
وحيا باسل الرفايعة منفذي العملية، قائلا: " ألا سلمت الأيادي.. لم تنشف العروقُ من الجوع والعطش واللظى، ولم ترتجف".
وأشار إلى أن الجميعُ تركَ غزة وحيدة في الحريق، بعضهم أحضرَ الحطب، مؤكدا أن ما مِن جريمة حرب واقعية أو خيالية إلا واقترفها الهمج.
واستنكر الرفايعة أن جيشا مدججا بالتقنية والحقد والانتقام التوراتي ينكسرُ ويُهانُ أمام مقاومة بحجم أمّة، فيتوحّش بقصف كلّ ما يتحرك في غزة، ويغرق في العار.
وقال: "هذه جباليا مجددًا.. لن تتوقف هذه المحرقة إلا إذا احترق مزيدٌ من المجرمين، ولا خيارات.. المشهابُ من المسافة صفر، كما يجدرُ بالبطولةِ والأبطال".
وأشار الباحث علي أبو رزق إلى أن الحدث الأمني الذي قابله الناس بمنتهى الفرح وقع في منطقة منكوبة، أو تم تسويتها بالأرض تماما اسمها جباليا.
وبيّن أن العملية “نفذها شباب جائعون، محاصرون، مخذولون، لم يتناولوا وجبة ساخنة واحدة منذ عدة أشهر، ولم يسمح لهم الحارس العربي الأمين بإدخال رصاصة واحدة منذ عشرين شهرا”.
وقال: "لا نعرف هل مثل هذا الكمين هو مدعاة للفرح والفخر لغير أصحابه ومنفذيه، أم مدعاة للألم والقهر لأمة إسلامية وشعوب عربية فرّطت في أعدل قضاياها وخيرة رجالها وصفوة أبنائها، وتركتهم وحدهم لمصيرهم، ولاحتمال ضئيل جدا، ألا ينفجر صاروخ واحد من الصواريخ المئة".
وكتب هيثم عماد: “كلما اقترب نتنياهو من إعلان ما يسمى النصر المطلق، برز له مقاتل جائع من جباليا”.
وأردف: “كلما استشرى فينا الألم وبلغ القهر والظلم والتنكيل مبلغه، بزغت لنا إشارة أمل من مقاتل جائع من جباليا؛ بيت الرجال والعز والكرامة”.
جباليا الجبل
ووصفت الإعلامية مايا رحال مخيمَ جباليا بأنه "الجبل الذي لا ينهار أمام بطولات فصائل المقاومة في غزة، بكمائن مركبة وعقد قتالية وحرب عصابات ومن المسافة صفر تبدع المقاومة في قتال الشوارع والمدن".
وتوقعت أن قتلى جنود الاحتلال بالعشرات ويفوق ما يعلن عنه، مؤكدة أن ذلك يسبب استنزافا عسكريا حادا وأزمة بحكومة المتطرف نتنياهو.
وقال خالد أبو صالح: إنه "المخيم الذي لا ينام إلّا على هدير البنادق، ولا يعرف الراحة إلا حين تُكفن جثث الغزاة!.. جباليا ليست مخيمًا.. إنها جبهةٌ لا تنكسر، وأسطورةٌ تُكتَب الآن، لا تُروى".
وخاطب أبناء الأمة قائلا: "هذا ليس حيًا صغيرًا في شمال غزة.. هذه جباليا، مخيم الفقراء الذين علموا العالم أن الجوع لا يُهين الكرامة، وأن الركام لا يدفن العزيمة، وأن الصمت ليس خنوعًا… بل كمينا!".
وقال أبو صالح: "فليُسجل التاريخ أن هذا المخيم واجه الاجتياحات الأربعة في خضم هذه الإبادة بصدور مكشوفة، وبقلب لا يرتجف، وبإيمان لا يُقهَر!".
وأضاف: “ما زالت جباليا تشتعل كأنها قِدر من لهبٍ لا ينطفئ.. كل بيت فيها أصبح خندقًا، كل حجر بندقية”.
وقال يمنى سعيد: "الصاروخ اللى مش هينفجر فينا ويقطعنا هنعيد تدويره ونعمله قنبلة نفجرها فيكم ولا هيفرق معانا مجاعة ولا حصار وقصف".
ورفض أنس أحمد أبو صهيب، التعامل مع الكمين على أنه خبر عادي، قائلا: "لمجرد إلقائك نظرة عالماشي حتعرف إنه صعب تقدر تعيش في جباليا ناهيك إنك تقدر تقاتل هناك؛ حيث لا بيوت ولا ماء ولا طعام؛ حرفيا أنت تقاتل في صحراء بائنة معالمها ككف اليد".
وأضاف: "طبعا هذا بالمقاييس المادية العادية أما جباليا فهي خارج كل المقاييس وفوق كل توقع كأنها إذ تقول لهم عبثا تحاول لا فناء لثائر أنا كالقيامة ذات يوم آت".
صفعة لنتنياهو
وتسليطا للضوء على رد فعل الشارع الإسرائيلي على العملية ووقعها على رئيس وزراء الاحتلال، قال محمد ريان: إن الإسرائيليين علقوا بأن "نتنياهو هو من قتلهم.. أوقفوا هذه الحرب المجنونة".
وأكد المحلل السياسي ياسر سعد الدين أن نتنياهو في موقف صعب سياسيا وعسكريا، مع تزامن صاروخ اليمن (أطلق في 2 يونيو)، مع عملية جباليا، وتخلف الكثير من جنود الاحتياط، وإقالة مناصريه من إدارة ترامب والانتقادات السياسية الغربية غير المعهودة.
وتساءل: "من سيهرع لإنقاذه بهدية سياسية جديدة أو بموقف داعم له من خلال الإعلان عن شراكة أمنية وربما أكثر؟ قائلا "ننتظر لنرى!!!".
وأكد ربيع حبشي أن صلابة نتنياهو الظاهرية تخفي هشاشة لا تصمد أمام الضغط العسكري المتواصل، ولا أمام العمليات النوعية التي يخوضها أبطال المقاومة في غزة.
ورأى الباحث ماجد أبو دياك أن “المجاهدين في جباليا قضوا على حلم النصر الكامل لدجالهم نتنياهو، وقالوا للعالم أجمع: إن حرب الإبادة والتجويع لن تستطيع تركيع هذا الشعب”.
وأكد أن حكومة الاحتلال ليس أمامها إلا القبول بوقف إطلاق النار والانسحاب من غزة، وتأمين تدفق المساعدات بما يحفظ كرامة وأمن هذا الشعب بعيدا عن شركات الأمن الأميركية والإسرائيلية التي تسعى لإذلال الناس.
وقال: إن تعاظم خسائر الاحتلال، وبشكل يومي في غزة، إضافة للأزمات الداخلية والخارجية للحكومة، يجب أن يدفعها للقبول بصيغة تحقق مطالب الشعب الفلسطيني، وتعيد أسراه مقابل المئات من أسرانا، وتوقف المذبحة التي يتعرض لها جنوده، وإلا فإنها ستواجه هزيمة.