بعد تطبيع متشعب.. المغرب يخرج بخفي حنين مع تجاهل إسرائيل قضية الصحراء

بعد سنة ونصف من تطبيع العلاقات مع المغرب، لا تزال إسرائيل تتهرب من اتخاذ موقف واضح بشأن قضية "إقليم الصحراء الغربية" التي كانت السبب الرئيس في اندفاع المملكة نحو ذلك الخيار بتشجيع أميركي.
ومنذ تعيين "دافيد غوفرين" رئيسا لمكتب الاتصال الإسرائيلي بالمغرب في 11 يناير/كانون الثاني 2021، دأب الممثل الدبلوماسي على ما سماه المغاربة بـ"سياسة الغموض" في جميع تصريحاته الإعلامية المتعلقة بموقف إسرائيل من قضية إقليم الصحراء.
وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، اعتراف بلاده بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، المتنازع عليه بين الرباط وجبهة "البوليساريو".
وبالتوازي أعلن ترامب استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والمغرب، بعد توقفها عام 2000.
وفي وقت تتجاهل فيه إسرائيل التصريح بموقف واضح حول هذا الملف الذي تعده المملكة "قضية سيادية"، يقدم المغرب تنازلات كبيرة ويعزز علاقاته بتوقيع اتفاقيات غير مسبوقة وبشكل كبير تتنوع بين السياسية والعسكرية والسياحية وأيضا الثقافية.
تهرب متواصل
وضمن آخر تصريحاته حول ملف إقليم الصحراء، تطرق غوفرين في منتدى سياسي بمدينة الدار البيضاء في 30 مايو/أيار 2022، إلى موقف إسرائيل من النزاع الإقليمي الذي بدأ منذ عام 1975.
وعندما سُئل كيف ستدعم إسرائيل المغرب في جهوده لتأكيد السيادة على الصحراء، قال غوفرين: "أعتقد أن هذه المسألة ستجرى مناقشتها عاجلا وليس آجلا بين قادة البلدين".
عدم تصريح غوفرين بموقف إسرائيلي واضع من النزاع ليس الأول من نوعه، بل هو الموقف الذي دأب على اتخاذه كلما وجهت إليه أسئلة من هذا القبيل.
وفي حوار له مع وكالة الأنباء الاسبانية خلال أكتوبر/تشرين الأول 2021، قال معلقا على الأمر، إن "إسرائيل كدولة ديمقراطية تدعم أي حل سلمي للنزاعات، وتدعم من حيث المبدأ، المفاوضات المباشرة بين جميع الأطراف المعنية".
وردا على سؤال وجه إليه كذلك حول ما إذا كانت العلاقات بين المغرب وإسرائيل بمعزل عن الموقف الأميركي من نزاع الصحراء، قال رئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي إن "العلاقات بين البلدين مستقلة ولها جذور تاريخية وثقافية واجتماعية، لهذا السبب نركز جهودنا على توطيد العلاقات الثنائية في جميع المجالات".
وبدوره، شدد السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، توماس نايدز، على أهمية المغرب بالنسبة إلى إسرائيل، مؤكدا متابعتهم عن قرب تطور النقاش الأميركي المغربي حول قضية الصحراء.
وقال نايدز خلال تصريحات صحفية في 11 فبراير/شباط 2022، إن "الخارجية الإسرائيلية تركز بشدة على حل قضية الصحراء، وتعمل عن كثب مع المغاربة والكونغرس في هذا الشأن".
والنزاع حول الصحراء ممتد منذ أن أنهى الاحتلال الإسباني وجوده بالمنطقة في 1975، وتحول إلى مواجهة مسلحة توقفت عام 1991، بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، برعاية الأمم المتحدة.
وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا للإقليم تحت سيادتها، بينما تدعو "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر (جارة المغرب)، التي تستضيف لاجئين من الإقليم.
وفي تعليق على ذلك، قال موقع "الأيام 24" المغربي إنه "رغم التوقيع على اتفاقيات أبراهام والاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء ودعم مقترح الحكم الذاتي للرباط عليها، لا يزال الممثل الدبلوماسي لإسرائيل بالرباط، يتخذ سياسة الغموض واللا موقف في جميع خرجاته (تصريحاته) الإعلامية بخصوص موقف إسرائيل من قضية الصحراء".
ولفت الموقع خلال مقال نشره في 28 مايو إلى أنه "منذ توقيع الاتفاقيات سنة 2020، والعمل على تنزيل (تطبيق) ذلك من خلال تنسيق ثنائي بين المسؤولين في البلاد على مستوى مجموعة من القطاعات الحيوية الكبرى، إلا أن إسرائيل لم تعلن إلى اليوم عن موقفها الصريح والرسمي من الصحراء المغربية".
تصرف صادم
ويُشكل عدم تأكيد الممثل الدبلوماسي اعتراف إسرائيل بسيادة المملكة على الصحراء “صدمة” في الرباط، خصوصا أن كثيرين راهنوا على أن يشكل استئناف العلاقات فرصة لنيل المغرب دعما صريحا في قضية الصحراء سواء من قبل تل أبيب أو واشنطن.
وكشفت صحيفة "Ecsaharaui" الإسبانية، أن "العلاقات بين إسرائيل والمغرب تمر ببرود ملحوظ، توجت برفض الملك محمد السادس استقبال الدبلوماسي غوفرين".
ولفتت خلال مقال نشرته في 22 يناير 2022 إلى أن "المغرب أرجأ افتتاح سفارته لدى إسرائيل، بسبب موقف الأخيرة من نزاع الصحراء، وغياب الدعم الإسرائيلي للرباط لدى واشنطن".
وأشارت إلى أن "الأوساط المطلعة على العلاقات ترجح وجود برود بين الجانبين، مرده انتظار المغرب من إسرائيل توضيحات في المواقف (..) ولن يقدم على الترخيص بفتح السفارة حتى التزام الطرف الآخر".
وتابعت الصحيفة: "لا يفهم المغاربة تردد إسرائيل في الاعتراف بمغربية الصحراء بعد الاعتراف الأميركي، وكان تصرف غوفرين صادما للمغاربة عندما صرح لوكالة الأنباء الإسبانية (إيفي) خلال أكتوبر/تشرين الأول 2021 بالتزام بلاده الحياد في النزاع والاكتفاء بدعم الأمم المتحدة، وكانت تصريحاته بتأثير القنبلة الكبيرة".
ورأت الصحيفة الإسبانية أن "اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة لم يلعب دورا بارزا في الدفاع عن قضايا المغرب، ومنذ مجيء الديمقراطيين إلى الحكم بزعامة جو بايدن (في 20 يناير 2021)، تعرضت مصالح الرباط إلى هزات عنيفة".
كما صوت الكونغرس ضد اتفاقيات بيع أسلحة إلى المغرب، وأيضا تتبنى الخارجية الأميركية لهجة غامضة في ملف الصحراء، وفق قولها.
وأفادت"Ecsaharaui" بأن "إسرائيل تعتقد أن اتفاقات إبراهيم قد تنتهي إذا لم يحقق المغرب هدفه، وهو المضي قدما لدعم موقفه من ملف الصحراء".
وأصبح المغرب رابع دولة عربية توافق على التطبيع مع إسرائيل خلال العام 2020، بعد الإمارات والبحرين والسودان، فيما بات يُعرف بـ"اتفاقات أبراهام".
أصوات سياسية في المغرب ظلت تحذر من اتفاق التطبيع على ملف الصحراء، ومن بينهم رئيسة الحزب "الاشتراكي الموحد"، نبيلة منيب.
وقالت منيب إن "هناك مشكلة باستكمال الوحدة الترابية، وسياسة التطبيع ترهن مسألة سيادة البلاد، لأن القرار لم يعد في يدنا وسيادتنا تسلب منا".
وانتقدت خلال ندوة نظمها حزبها في 12 ديسمبر/كانون الأول 2021، مسار تطبيع العلاقات المغربية الإسرائيلية، قائلة: "كيف يمكن غدا أن نطالب بسبتة ومليلية، والشركات الإسرائيلية جاءت للتنقيب؟".
وتخضع مدينتا "سبتة" و"مليلية" للنفوذ الإسباني، رغم وجودهما في أقصى الشمال المغربي.
الخطيئة الكبرى
رئيس "المرصد المغربي لمناهضة التطبيع"، أحمد ويحمان، قال إن "أكبر جريمة جرى ارتكابها بحق وحدتنا الترابية في موضوع أقاليمنا الصحراوية هي ربطها بالكيان الإجرامي العنصري المحتل، رمز التطهير العرقي في العالم، ناهيك عما يمثله بالنسبة للشعب المغربي".
وتابع في حديث لـ"الاستقلال" أن "الاحتلال دمر حارة المغاربة الملاصقة للمسجد الأقصى وقتل المغاربة وشردهم في مخيمات اللجوء بالبلدان المجاورة، ينتظرون العودة إلى منازلهم وحقولهم وبلداتهم وأوقافهم التي صادروها في القدس وعين كارم وغيرهما".
وتطرق إلى وجود "عدوان يومي على مقدسات المغاربة في مسرى رسولهم الذي يسعون فيه، عقديا وإستراتيجيا، لهدمه وإقامة الهيكل المزعوم مكانه".
وشدد ويحمان على أن "هذه هي الخطيئة الكبرى للجانب الرسمي الذي اقترفها بخصوص قضية حساسة لا يمكن أن تتحمل اللعب، ناهيك عن هذا العبث المقامر بكل شيء!".
وعن تهرب غوفرين من الإدلاء بموقف واضح من قضية الصحراء، قال رئيس "المرصد المغربي لمناهضة التطبيع" إن "ممثل كيان الإرهاب الصهيوني منسجم مع مخططهم في المغرب الذي يسعى لتفكيكه إلى عدة كيانات، وإشعال الفتنة والاحترابات الداخلية، على أسس عرقية ومناطقية وقبلية".
ولفت إلى أن "رئيس وزراء الكيان السابق، الإرهابي بنيامين نتنياهو، في نفس الأسبوع الذي جرى فيه التوقيع على اتفاقية الشؤم والخزي، تعمد الإدلاء بتصريح صحفي جاعلا في خلفيته خريطة المغرب مبتورة منه صحراؤه"، وفق وصفه.
وتابع: "ثم إن على المتتبعين أن يستحضروا تصريح هذا المخرب الذي قال، بحسب ما أفادت به مستشارته (المغربية) شامة درشول، بأنه يتعمد إهانة الدولة المغربية".
وبشأن أحاديث إعلامية عن غضب سلطات المملكة من غوفرين بشأن ذلك، تساءل ويحمان: "ماذا يفيد غضب لا يتبعه قرار في مستوى الأعمال التخريبية والخطيرة التي ما انفك ممثل الكيان الإرهابي الصهيوني يقوم بها؟".
واستطرد: "لقد قلنا إن التطبيع مع هذا العدو الخطير للمغرب ولكل الأمة هو الطريق السيار للخراب.. وللأسف فإن مركبة المغرب تمشي بسرعة جنونية على هذا الطريق".
وختم ويحمان حديثه لـ"الاستقلال" بالقول: "المصير يبعث على القلق ما لم يجر التدارك بإلغاء كل الاتفاقيات وقطع أي علاقة مع هذا الكيان العنصري بالإسراع إلى إغلاق وكر هذا الشر المطلق؛ مكتب الاتصال الصهيوني بالرباط".