حفلات أنقرة.. أحدث "الفضائح" التي تطارد حزب الشعب الجمهوري المعارض بتركيا

"تواجه بلدية أنقرة الكبرى تحقيقات موسعة حول شبهات فساد مالي تتعلق بتنظيم الحفلات والفعاليات خلال السنوات الأخيرة"
بعد أن ارتبطت بلدية إسطنبول الكبرى بجدل واسع منذ تولي أكرم إمام أوغلو رئاستها عام 2019، عاد الجدل هذه المرة إلى بلدية أنقرة الكبرى، وكلاهما يتبع حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا.
وفي السياق، نشرت صحيفة “حرييت” مقالا للكاتب التركي "نديم شينير"، ذكر فيه أنّ ما يدور حول الفساد في البلديات التركية لم ينته بعد، لكن بخلاف إسطنبول، فإن جذور النقاش في أنقرة تعود إلى فترة حكم الرئيس السابق للبلدية مليح غوكشيك.
تحقيقات متشعبة
وقال الكاتب التركي: إن الجدل القديم انفجر عام 2015 عندما صرّح السياسي البارز في حزب العدالة والتنمية بولنت أرينتش بأن مليح غوكشيك "باع أنقرة قطعة قطعة للكيان الموازي" (في إشارة إلى منظمة فتح الله غولن). وهذا التصريح كان صادما حينها، وعلى إثره أصبحت عبارة "قطعة قطعة" مثلاً سياسياً شائعاً.
واليوم وبعد مرور سنوات، تكررت المشاهد لكن هذه المرة بعبارة جديدة: "لقد نهبوا أنقرة حفلاً حفلاً"، وذلك في إشارة إلى شبهات فساد مرتبطة بالإنفاق على الحفلات والفعاليات في عهد الرئيس الحالي للبلدية منصور يافاش.
وأردف الكاتب: إن القضية ليست وليدة اللحظة. ففي نوفمبر الماضي ظهرت ادعاءات عن إنفاق 69 مليون ليرة تركية على الحفلات، وعلى إثر ذلك، أقال منصور يافاش بعض المسؤولين وفتح تحقيقاً داخلياً. ورغم أن التحقيق لم يكشف عن نتائج حاسمة، إلا أن الملف انتقل إلى جهات عليا وهي:
- وزارة الداخلية عبر مجلس تفتيش الإدارة
- مجلس التحقيق في الجرائم المالية
- النيابة العامة في أنقرة
- خبراء محلفون
وقد تطور الملف سريعاً؛ إذ أعلنت النيابة العامة أن الحفلات التي أقيمت بين عامي 2014 و2021 تسببت بخسارة عامة قُدرت بـ 154 مليون ليرة تركية، وتمّ إصدار قرارات توقيف بحق 13 شخصاً بينهم موظفون في البلدية.
وأضاف: أن التحقيقات كشفت عن معطيات لافتة أيضاً؛ فخلال الفترة من يناير 2021 حتى نوفمبر 2024، نظمت بلدية أنقرة 234 حفلا وفعالية، وقد صُرف عليها إجمالي 759 مليونا و148 ألف ليرة. وتبيّن على إثر التحقيقات أن 154 مليونا و453 ألف ليرة من هذه الأموال تمثل خسارة مباشرة للمال العام. ومن أصل المبلغ الكلي، ذهبت 608 ملايين و47 ألف ليرة فقط لأربع شركات.
لكنّ المفاجأة كانت في أن هذه الشركات غير موجودة فعلياً في العناوين المسجلة، إذ اتضح أنها تعمل من خلال مكاتب افتراضية وتصدر فواتير وهمية. أما إحدى الشركات المستفيدة، "يالين أياك لتنظيم الفعاليات"، فليست سوى مطعم ومكان ترفيهي داخل مركز تسوق في أنقرة.
من جهته، أكد مليح غوكشيك أن خَلَفَه منصور يافاش قدّم ضده نحو 100 بلاغ، لكنها جميعاً انتهت بحفظ التحقيق وصادق عليها مجلس الدولة. غير أنّ أنصار غوكشيك يرون أن قضية "الحفلات" قد تكون نقطة ضعف ليافاش نفسه.
أما منصور يافاش، فقد حاول من البداية إظهار الجدية عبر إقالة بعض الموظفين وفتح التحقيقات الداخلية، لكنّ حجم الأموال المتداولة واتساع الشبكة المتورطة جعلا القضية تأخذ بعداً وطنياً لا محلياً فقط.

حفلات مشبوهة
وتواجه بلدية أنقرة الكبرى تحقيقات موسعة حول شبهات فساد مالي تتعلق بتنظيم الحفلات والفعاليات خلال السنوات الأخيرة.
وتشير التحقيقات إلى أن بعض الشركات التابعة للبلدية أو المتعاقدة معها قامت بإصدار فواتير وهمية مقابل خدمات لا تمتّ بصلة لأنشطتها، ما أدى إلى تحويل أكثر من 304 ملايين ليرة تركية بشكل مشبوه عبر الحفلات الموسيقية والفعاليات.
وكان من أبرز الشركات التي تم الكشف عن تورطها: تشتينكايا لمواقف السيارات وألْطاش للمنسوجات؛ حيث أصدرت كل منهما فواتير بمبالغ ضخمة تتعلق بالحفلات. كما حصلت أربع شركات أخرى هي:
إنفيست، وفيستيفا، وإيفران على 608 ملايين ليرة من أصل 759 مليون ليرة صُرفت على الفعاليات، وتبين وجود علاقات عائلية بين أصحاب هذه الشركات، وأن الأموال المدفوعة حُولت إلى حسابات شخصية.
ويمكن أن نجد أن شركة إنفيست كانت قد شاركت أيضا في إدارة حملة منصور يافاش الانتخابية، وهذا ما يثير التساؤلات حول العلاقة بين الإنفاق العام والسياسة المحلية.
ووفقاً للتقرير، فقد جرى تحويل 163 مليون ليرة عبر بعض الشركات إلى مطعم ومكان ترفيهي في إسطنبول يُدعى "يول كيناري".
وأضاف: لقد أظهرت التحقيقات أن الفنانين الذين قدموا عروضا لم يحصلوا سوى على 20% فقط من المبالغ المدفوعة، بينما استقرت 80% المتبقية في حسابات الشركات المتهمة بالمخالفات.
كما لاحظ الخبراء أن بعض الحفلات أقيمت في نفس المكان واليوم، لكن تم تسجيل تكاليف إعداد مسرح جديد وخدمات إضافية في كل مرة، ما أسهم في تضخيم الفواتير.

اتهامات متبادلة
وتابع الكاتب التركي أن الجدل مستمر بين رئيسي بلدية أنقرة السابق والحالي، حيث يتبادل كل من مليح غوكشيك ومنصور يافاش الاتهامات بالفساد.
حيث أصدرت إدارة يافاش بياناً أكدت فيه أن بلدية أنقرة رفعت نحو 100 شكوى ضد غوكشيك ومسؤولين من فترته، بتهم "التلاعب بالمناقصات" و"إلحاق ضرر بالمال العام".
ووفقاً للبيان تم إنهاء 55 ملفا بقرار بعدم الملاحقة استناداً إلى تقارير الخبراء، بينما تم حفظ 11 ملفًا دون الحاجة إلى الاستعانة بالخبراء.
وقد جرى تحويل 11 ملفاً إلى لوائح اتهام، دون صدور أي حكم قضائي أو قرار بتوقيف أحد. في الوقت نفسه، لا تزال 5 ملفات قيد النظر منذ 6 سنوات، منها ملفان يتعلقان بغوكشيك شخصياً.
وقد أكّدت الإدارة على ضرورة إجراء التحقيقات بشكل عادل ومتساوٍ للجميع، دون منح أي طرف أيّ امتيازات، وذلك لضمان تحقيق العدالة.
واستدرك الكاتب: تكشف التحقيقات الحالية عن واحدة من أكبر فضائح الإنفاق على الحفلات في تاريخ بلدية أنقرة، وتشير إلى وجود شبكات شركات وهمية وفواتير مضللة، حيث تم تحويل المبالغ الكبيرة إلى حسابات شخصية بينما حصل الفنانون على جزء بسيط فقط.
وشدد على أن القضية هنا تُبرز الحاجة إلى محاسبة الجميع بلا استثناء، وضمان عدم استخدام أي حجج سياسية لتغطية عمليات الفساد.
وأضاف: وإذا صحت الادعاءات المتعلقة بالشركات الوهمية والمبالغ الضخمة المهدورة، فإن الأمر قد يشكل ضربة قوية لصورة منصور يافاش، الذي يُنظر إليه كأحد أبرز وجوه المعارضة التركية.
ويبقى السؤال: هل ستظل عبارة "حفلاً حفلاً" تتردد كما فعلت عبارة "قطعة قطعة"، لتتحول إلى رمز جديد للفساد في الذاكرة السياسية التركية؟