ضاعفت أسعار المستهلكين.. هل تشهد أزمة سلاسل التوريد تحسنا في 2022؟
.jpg)
لعل أزمة "سلاسل التوريد" هي العنوان الأبرز الذي سيطر على الاقتصاد العالمي في عام 2021، فبعد أن كانت تعتبر إحدى إنجازات العولمة الحديثة، باتت يعود إليها شلل حركة التجارة ونقص كثير من المنتجات والخدمات، ناهيك عن زيادة الأسعار.
يأتي كل ذلك في ظل تقلبات المشهد الوبائي لفيروس كورونا بين سيطرة نسبية في بعض الدول تعصف بها بشكل متكرر طفرات ومتحورات جديدة ترجع بالوضع مجددا إلى الوراء.
ففي أول يوم من عام 2021، أجازت منظمة الصحة العالمية استخدام اللقاح المضاد لكورونا، المنتج من قبل تحالف فايزر وبيونتيك الأميركي الألماني وبعدها توالى إنتاج أنواع عديدة منها.
لكن لم يتحقق هدف تطعيم 40 بالمئة من سكان العام بحلول نهاية العام، وفق الأمم المتحدة.
ونتيجة لنهج "الاكتناز، وأنا أولا، وشراء بعض الدول الغربية الغنية لقاحات أكثر من الحاجة"، تعذر وصول التطعيمات للشرائح الأفقر في العالم.
وهو ما أدى إلى ظهور طفرات جديدة من الفيروس تضعف أمامها اللقاحات المطروحة وتزيد من تداعيات الوضع الاقتصادي المتهالك.
وفي آخر أيام 2021، تباينت التوقعات الصادرة من مؤسسات دولية معنية بشأن مستقبل أزمة سلاسل التوريد في 2022.
فبينما تبنت شركة "ماكينزي آند كومباني" الأميركية نظرة متفائلة مع ترقب طفرات كورونا، خيم التشاؤم على دراسات شركة "سي-إنتليجنس" الدنماركية، ورأت كيانات أخرى أن المتحور الجديد المعروف باسم "أوميكرون" لا يبشر بالخير.
أما في الوقت الراهن، فلا يزال العالم يشهد حالة من التضخم بمستويات مرتفعة تدعو إلى القلق وسط قلة المعروض، مقابل تنامي الطلب، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات.
سلسلة التوريد
وفق مجلة "هارفرد بيزنس ريفيو" الأميركية المتخصصة بقطاع الإدارة والأعمال، يقصد بسلسلة التوريد أو الإمداد، منظومة متكاملة من العمليات المنفصلة التي يجري توصيلها معا؛ من أجل تأمين تسليم المنتجات إلى المستهلك.
وتدور عجلة سلسلة التوريد بتنظيم المواد الخام المتاحة ونقلها، وصولا إلى عملية التصنيع، ثم التخزين، ومن ثم النقل إلى المستهلك.
واستخدم مصطلح سلسلة التوريد لأول مرة من طرف الأميركي "كيث أوليفر"، وهو استشاري في شركة "بوز ألن هاملتون" في مقابلة لصحيفة "فاينانشيال تايمز" عام 1982.
ولجأ المنتجون والشركات إلى سلاسل التوريد كأحد مظاهر العولمة الاقتصادية عبر الاستفادة من المزايا النسبية المتاحة في كل دولة لإنتاج مكون/ مكونات محددة في إطار عملية إنتاج السلعة النهائية.
وهو ما أدى إلى اعتماد المنتج النهائي، على مستوى كل شركة، على مجموعة من الموردين لتوريد مجموعة من المنتجات الأولية أو الوسيطة التي تدخل في إنتاج هذا المنتج، كهاتف أيفون الذي يدخل في إنتاجه عشرات الموردين من أكثر من دولة.
وعندما انطلقت أزمة كورونا من الصين في ديسمبر/ كانون الأول 2019، توقف عديد من سلاسل التوريد عن العمل، ما أدى إلى توقف شركات كبرى داخل الصين وخارجها عن الإنتاج.
ومع اتساع رقعة انتشار الفيروس وانتقاله إلى أوروبا والولايات المتحدة، اتخذت أزمة سلاسل التوريد طابعا عالميا أكثر من كونها مشكلة صينية.
بداية الأزمة
تشبه صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أزمة سلاسل التوريد بـ"زحام مروري" تسبب به ازدياد الطلب المفاجئ بعد الانتعاش الاقتصادي من تداعيات قيود عالمية فرضت لمواجهة انتشار فيروس كورونا.
في مقابل انخفاض في الإنتاج والمخزونات، وعدم قدرة البنية التحتية لوسائل النقل (البواخر، والقطارات، والموانئ، والشاحنات) على مواكبة الطلب المتصاعد.
ويرجع هذا "الزحام" إلى الانتشار السريع لكورونا بداية 2020 ما أدى إلى فرض إغلاق واسع النطاق للمصانع والشركات في جميع أنحاء العالم، وسط انتشار أجواء الغموض حول الفيروس وطبيعته ومخاطره.
وفي ظل الإغلاقات والقيود الاجتماعية، كان الطلب من المستهلكين حول العالم ضعيفا والنشاط الصناعي منخفضا، لكن مع إنتاج اللقاحات ورفع الإغلاقات تدريجيا، زاد الطلب بشدة.
غير أن سلاسل التوريد كانت معطلة حينذاك وتواجه تحديات ضخمة، ما أدى إلى شلل حركة التجارة وفوضى لمصنعي وموزعي السلع الذين لم يستطيعوا العودة إلى مستويات الإنتاج والضخ في فترة ما قبل الجائحة لأسباب مختلفة، أهمها نقص العمالة والمواد الخام وموارد الطاقة.
وكنتيجة لفشل سلاسل التوريد في مواجهة هذا التغير المفاجئ، كشفت صحيفة "إيكونوميست" البريطانية في 16 سبتمبر/أيلول 2021، أن متوسط كلفة نقل حاوية كبيرة طولها 40 قدما، تجاوز 10 آلاف دولار، وهذا يمثل أربعة أضعاف السعر في 2020.
وعلى سبيل المثال فإن إرسال هذه الحاوية من ميناء شنغهاي الصيني إلى نيويورك بالولايات المتحدة، كان يكلف في 2019 حوالي 2500 دولار، وحاليا وصلت الكلفة إلى 15 ألفا، فيما تصل إلى 20 ألفا لوصولها إلى الساحل الغربي الأميركي.
كما زاد أيضا عدد الأيام التي تنتظرها السفن والناقلات البحرية الضخمة في الموانئ من أقل من يوم واحد تقريبا في 2019 إلى 8 أيام في بداية 2021 ثم إلى 13 يوما حاليا مع تزايد إصابات كورونا.
وهذه الأمور ساهمت في تكدس ملايين الشاحنات على سطح السفن بالبحار والمحيطات ما أدى إلى نقص حاد بعدد الشاحنات المطلوبة لنقل السلع، في ظل ضعف الاستثمارات منذ سنوات في قطاع الشحن البحري، الذي تمارس ضغوط كبيرة عليه لمسؤوليته عن 2.7 بالمئة من الانبعاثات الكربونية في العالم.
نقص الطاقة
وتعد مشكلة نقص الطاقة حول العالم من أبرز الأسباب التي عمقت أزمة سلاسل التوريد، حيث طالت مختلف أنواع الوقود (الفحم، النفط والغاز الطبيعي وحتى مصادر الطاقة المتجددة) وكانت تداعياتها محسوسة في مختلف الدول، لا سيما في الصين وأوروبا والولايات المتحدة.
وأوضحت وكالة بلومبرغ الأميركية خلال تقرير في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 أن دولا كثيرة حاولت تنفيذ عملية تحول إلى إمدادات طاقة أكثر صداقة للبيئة، بيد أن ذلك جرى دون أن يسبقه توفير البدائل الكافية.
وهذا دفع اليابان وألمانيا، إلى الإعلان عن عزمهما التخلي عن التزاماتهما السابقة بشأن الطاقة النووية، في وقت شهدت الصين أيضا عجزا في الكهرباء منذ بداية جائحة كورونا بسبب هذا النهج أيضا.
وأضافت الوكالة أن عمل شبكات الطاقة العالمية كان يسير على نحو جيد في بداية الجائحة.
غير أنه مع تقدم التعافي الاقتصادي، لم تتوافر إمدادات كافية من الغاز الطبيعي لتلبية الطلب المتزايد، في ظل خفض إنتاج الغاز، وتقلص أعمال التنقيب عنه بسبب الجائحة، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار.
ففي المملكة المتحدة، صعدت أسعار الغاز الطبيعي 700 بالمئة خلال 12 شهرا، في حين أن أوروبا تعرضت إلى خطر عدم توافر إمدادات طاقة تكفي احتياجاتها خلال شتاء 2021.
من جانبها رأت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية خلال تقرير في 22 ديسمبر 2021 أن الحكومات الأوروبية تعرضت إلى وابل من الانتقادات مع ارتفاع أسعار الطاقة، أما روسيا فقد انتشت لرؤية أوروبا تتوسل للحصول على المزيد من الغاز الذي أمضت سنوات تحاول التخلص من تبعيتها له.
ومن ناحيتهم، سارع المشرعون الأميركيون، الذين كانوا فيما مضى يتفاخرون بهيمنة واشنطن على الطاقة وزيادة صادرات النفط والغاز، إلى المطالبة بفرض حظر على صادرات النفط، أما الصين فعادت لتكتشف مزايا الفحم الرخيص.
وأرجعت سبب أزمة الطاقة إلى الانتعاش السريع الذي تلا الانحسار النسبي للوباء، بالولايات المتحدة وأوروبا والصين، بينما منتجو الطاقة وشركات الشحن في جميع أنحاء العالم كانوا يعانون من الإغلاق، ما أدى إلى اختلال التوازن بين العرض والطلب.
إضافة إلى الطقس القاسي وموجات البرد والفيضانات التي ساهمت في زيادة استهلاك الغاز الطبيعي، في ظل الركود الذي أصاب مزارع الرياح وتدمير مخزونات الفحم.
كما لعبت السياسة السيئة وقصر النظر دورا كبيرا أيضا بأزمة الطاقة، فعلى غرار الولايات المتحدة، اختارت أوروبا التوجه نحو تحرير أسواق الطاقة، واتبعت الصين نهجا مماثلا وكانت النتيجة عدم التوافق بين تكلفة الإنتاج وما كان المستهلكون على استعداد لتحمله.
الحل عبر الأقلمة
تتجه بعض دور الخبرة العالمية إلى تبني نظرة متفائلة حول مستقل أزمة سلاسل التوريد، وثمة آمال في العودة إلى مرحلة التصنيع الكامل، ومن ثم استقرار معدلات الأسعار، فيما تتبنى مؤسسات أخرى نظرة مخالفة.
شركة "ماكينزي آند كومباني" الأميركية للاستشارات رجحت نظرة متفائلة عامة حيال الأزمة، مع ترقب الوضع الوبائي لفيروس كورونا وطفراته.
وقالت خلال تقرير في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2021إن الشركات عالجت جزئيا فقط نقاط الضعف في سلاسل التوريد العالمية التي كشفتها جائحة كورونا، لكن يبقى إنهاء المهمة أكثر إلحاحا.
وأضافت أنها استطلعت آراء كبار المسؤولين التنفيذيين في سلاسل التوريد العالمية من مختلف الصناعات والمناطق الجغرافية.
وأكد 93 بالمئة منهم أنهم يعتزمون جعل سلاسل التوريد الخاصة بهم أكثر مرونة.
وأوضحت أنه في التحديات الحالية تبقى سياسة أقلمة سلاسل التوريد هي الأولوية، لافتة إلى أن 90 بالمئة من هؤلاء المسؤولين أكدوا أنهم سيتابعون سياسة الأقلمة خلال السنوات الثلاث المقبلة.
وأشارت أن قادة سلاسل التوريد اتخذوا إجراءات حاسمة استجابة لتحديات الوباء، كالتكيف بشكل فعال مع طرق العمل الجديدة، وتعزيز المخزونات، وتكثيف قدراتهم الرقمية، وإدارة المخاطر.
واستدركت: لكن مع هذا التقدم، لا تزال سلاسل التوريد عرضة للصدمات والاضطرابات، حيث تكافح العديد من القطاعات حاليا للتغلب على النقص في جانب العرض والقيود على القدرات اللوجستية.
وأكدت أن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة لمسؤولي سلسلة التوريد، وسيتبين إن كانوا سيبنون على الزخم الذي جرى خلال الوباء، أم سيتراجعون إلى طرق العمل القديمة ويبقون عرضة للصدمات والاضطرابات.
وفي نفس الاتجاه، تبنت شركة "أكسفورد إيكونوميكس" البريطانية المتخصصة في التنبؤ العالمي والتحليل الكمي نظرة متفائلة حيال أزمة سلاسل التوريد.
ورجحت في مذكرة بحثية نشرت منتصف ديسمبر 2021 أن اختناقات النقل التي تواجه صناعة الشحن العالمية قد تستمر حتى النصف الثاني من عام 2022.
واعتبرت أن عام 2022 سيشهد بداية التطبيع في سلاسل التوريد وسيعود الإنتاج الصناعي للنمو على المدى المتوسط.
وكانت وول ستريت جورنال نقلت في 21 نوفمبر 2021 عن لويس كويس، رئيس قسم الاقتصاد الآسيوي في "أكسفورد إيكونوميكس"، قوله إنه "على الصعيد العالمي، تركنا الأسوأ خلفنا فيما يخص أزمة سلاسل التوريد".
وتوقعت الصحيفة الأميركية أن يتم الانتهاء من تفريغ الموانئ الأميركية في أوائل عام 2022، بعد موسم العطلات.
معضلة مستمرة
في المقابل نقلت وكالة بلومبيرغ دراسة عن شركة "سي-إنتليجنس" الاستشارية للبيانات البحرية تفيد بأن قطاع الشحن البحري يحتاج إلى أكثر من عامين للعودة إلى المستويات الطبيعية.
وأرجعت الدراسة المنشورة في 16 نوفمبر 2021العودة إلى الوضع الطبيعي في فترة بين 26 و30 شهرا إلى شدة الاختناقات المرورية وارتفاع أسعار وقود النقل.
كما نقلت بلومبيرغ في 27 ديسمبر 2021 عن سايمون هيني، المحلل في شركة "دريوري" للاستشارات البحثية البحرية قوله إن 2022 سيكون عاما آخر مليئا بالاضطرابات الشديدة، في ظل نقص الإمدادات، والتكلفة الباهظة المفروضة على مالكي الشحنات".
وقالت إن قطاع النقل يتأهب لسنة متقلبة أخرى من الاضطرابات في سلاسل التوريد، التي تمتد من البحارة الذين يرفضون العودة على متن السفن، إلى سائقي الشاحنات، ممن يفوق قلقهم من إغلاق الحدود المرتبط بكورونا تأثير زيادة الأجور.
وأوضحت أنه مع تزايد الإصابات بمتحور أوميكرون وتشديد الحكومات للقيود، لا تستطيع شركات الخدمات اللوجستية في جميع أنحاء العالم، بدءا من المؤسسات العالمية العملاقة وحتى الشركات الصغيرة، العثور على عدد كاف من الموظفين.
وأضاف المحلل هيني: "مرة أخرى، الفيروس هو المسؤول عن كل هذا".
المصادر
- Supply-Chain Problems Show Signs of Easing
- A perfect storm for container shipping
- The Supply-Chain Crunch Is Like a Traffic Jam. Allow Us to Explain.
- Key themes 2022: Supply chains to begin normalising
- Expect More Shipping Chaos as Omicron Forces Transport Workers to Quit
- Container Shipping Rates May Take Two Years to Fall to Normal
- How COVID-19 is reshaping supply chains
- How the Energy Crisis Made 2021 Feel Like the ’70s
- Supply Chains and the COVID-19 Crisis: Current Problems and Potential Future Trends
- حصاد عام 2021: اللقاح ضد كوفيد-19 يرى النور لكنه يظل بعيدا عن متناول كثيرين
- ما هي سلسلة التوريد؟