عمليات تسليم الأسرى.. كيف حولتها حماس إلى مشهد مهين لإسرائيل؟

أرسلت القسام العديد من الرسائل المبتكرة للدلالة على بقائها
"نحن الطوفان.. نحن اليوم التالي"، واحد من ضمن شعارات عديدة رفعتها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس أخيرا في ظل استمرار الحديث الدولي عن مستقبل غزة.
وخلال تسليم دفعات الأسرى الإسرائيليين، أرسلت القسام العديد من الرسائل المبتكرة للدلالة على بقائها ضمن ما يسمى “اليوم التالي لقطاع غزة”، مع فشل كل مخططات تل أبيب وواشنطن الخاصة بالتهجير والقضاء على المقاومة.
ومع كل تسليم دفعة جديدة، تزداد الصدمة في إسرائيل وأيضا التساؤلات عن كيفية تنظيم حماس استعراضات عسكرية بجيبات دفع رباعي وأسلحة اغتنموها من جيش الاحتلال ولقطات من الأنفاق.
ويأتي ذلك بعد حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طيلة 15 شهرا من العدوان على غزة، عن هدف "تحقيق النصر الكامل" على حماس وادعاء قادة جيشه تدمير الكثير من قدرات الحركة العسكرية.

رسائل لا تتوقف
وكانت أكثر الرسائل قوة ودلالة جاءت في 8 فبراير/شباط 2025، عند تسليم 3 أسرى إسرائيليين في دير البلح وسط قطاع غزة، ضمن الدفعة الخامسة من المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
وسلمت القسام الأسرى وسط انتشار مقاتليها في المنطقة حاملين رشاشات وأسلحة استخدم بعضها خلال المعارك الأخيرة مثل بندقية الغول للقنص، ومرتدين هنداما عسكريا مرتبا ونظيفا.
وعلى منصة التسليم، علقت القسام صور قادتها والقادة السياسيين الذين استشهدوا خلال الحرب، مثل القائد العام للكتائب محمد الضيف، ونائبه مروان عيسى، ورئيسي المكتب السياسي السابقين لحركة حماس يحيى السنوار وإسماعيل هنية.
كذلك كتبت القسام بالعبرية عبارة "النصر المطلق" التي اشتهر بها نتنياهو في رسالة تهكمية لطالما دأب بعض السياسيين الإسرائيليين ووسائل الإعلام على التهكم منها.
وجاء تسليم الأسرى في دير البلح، المنطقة الوحيدة بقطاع غزة التي لم تتعرض لاجتياح بري واسع خلال العدوان والأقل تعرضا للغارات الجوية والمدفعية، في دلالة على فشل الاحتلال الاستخباراتي.
ومن على المنصة، ظهر ملثم من "القسام" يتحدث العبرية بطلاقة وحاور الأسرى الثلاثة، الذين أكدوا أن "الطريق الوحيد لإعادة جميع المحتجزين من غزة إلى الوطن هي من خلال إتمام الصفقة".
وفي المرحلة الأولى من الاتفاق المكون من 3 مراحل مدة كل منها 42 يوما، تنص البنود على الإفراج تدريجيا عن 33 إسرائيليا محتجزا بغزة سواء الأحياء أو جثامين الأموات مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين والعرب يُقدر بين 1700 و2000.
لكن نتنياهو يماطل في البدء بمشاورات المرحلة الثانية ويهدد بين حين وآخر بالعودة إلى الحرب وسط ضغط من بعض وزراء تحالفه الحكومي الأكثر تطرفا وتشجيع من الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي اقترح أخيرا خطة لتهجير الغزيين.
وعلى غير ما جرت عليه صفقات التبادل السابقة، بدأت مراسم التسليم الأخيرة إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بعد بيان تلاه أحد عناصر القسام قال فيه، إنه يتم البدء "بتنفيذ مراسم الإفراج عن 3 أسرى إسرائيليين معتقلين لديهم في معركة طوفان الأقصى".
وبعد التسليم بساعات، عرضت كتائب القسام مقطع فيديو يظهر وجود الأسرى الثلاثة داخل أحد أنفاقها، حيث يتم إخراجهم منه من أجل الإفراج عنهم.
وخلال المراسم، ظهر مقاتل من القسام يحمل قذيفة تاندوم 85 للدروع، مكتوبا عليها “دور ع حالك”، وهي جملة اشتهرت خلال العدوان قالها مقاوم بعد تدميره دبابة إسرائيلية، وعرضت ضمن فيديوهات الكتائب أثناء المعارك.
وقال ناشطون:: إن كتابة الكلمة جاء للرد على خطة ترامب للتهجير بطريقة تهكمية، حيث تعني الجملة “افعل ما بدا لك”، في إشارة إلى أن مقترحه لن يمر.
كما ظهر مقاتل بين الحشود مبتور القدم يتكأ على عكازين لكنه يمتشق سلاحه، في إصرار على البقاء والقتال حتى تحقيق المقاومة أهدافها.
وهذه ليست المرة الأولى التي تستعرض فيها حماس قوتها لدى تسليمها الأسرى، حيث أثارت في المرات السابقة ردود فعل إسرائيلية غاضبة دفعت الاحتلال للتهديد بتأخير إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين.
وفي كل مرة، تمنح القسام المفرج عنهم “شهادة إفراج” كهدية في خطوة نظرت إليها إسرائيل على أنها ساخرة ومستفزة.

استعراض القوة
وخلال عملية التسليم الأخيرة، ظهر مقاتل من كتائب القسام وهو يحمل بندقية رشاشة غنمتها الحركة خلال عملية طوفان الأقصى 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وفي ذلك اليوم، هاجمت حماس قواعد عسكرية ومستوطنات بمحاذاة غزة، فقتلت وأسرت إسرائيليين ردا على جرائم الاحتلال الإسرائيلي اليومية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، ولا سيما المسجد الأقصى.
وعلقت هيئة البث العبرية في نفس اليوم بالقول إن مقاتلا من القسام كان يحمل بندقية رشاشة من طراز "نيغيف" يظهر على أسطوانتها السفلية نقش عبري يحمل اسم الرقيب الإسرائيلي "تومر ناغار" الذي قُتل خلال الهجوم على موقع "كيسوفيم" العسكري في 7 أكتوبر.
وأشارت إلى أن حماس غنمت خلال اقتحامها للقواعد والمواقع العسكرية يوم 7 أكتوبر 2023، كمية كبيرة من الأسلحة التي كانت بحوزة الجنود الإسرائيليين.
وهذه ليست المرة الأولى التي تظهر فيها أسلحة إسرائيلية في أيدي مقاتلي "القسام" خلال مراسم إطلاق سراح أسرى إسرائيليين.
ففي 25 يناير/كانون الثاني 2025، ظهر عدد من مقاتليها خلال إطلاق سراح 4 مجندات إسرائيليات في ميدان فلسطين بمدينة غزة وهم يحملون بنادق إسرائيلية من طراز "تافور" التي يحملها جنود ما تسمى قوات النخبة الإسرائيلية.
ووقتها، نقل المراسل العسكري لموقع "واللا" العبري أمير بوحبوت عن مصدر عسكري إسرائيلي لم يسمه بقيادة المنطقة الجنوبية قوله: "اختارت حماس خلال إطلاق سراح المجندات أن تضم مقاتلين من وحدة النخبة يحملون بنادق تافور التابعة لنخبة الجيش الإسرائيلي".
وأضاف المصدر ذاته أن "هذه البنادق جرى الاستيلاء عليها على الأرجح في 7 أكتوبر 2023".
وخلال عملية التسليم الرابعة في الأول من فبراير، تجول عناصر من كتائب القسام في مركبة عسكرية إسرائيلية غنمتها خلال طوفان الأقصى.
وإلى جانب الأسلحة الإسرائيلية، حرصت كتائب القسام على إبراز الكثير من عتادها العسكري خلال عمليات تسليم الأسرى لتقول للداخل والخارج إنها ما زالت تحظى بالقوة والسيطرة، على الرغم من حرب الإبادة الإسرائيلية.
ويقول الصحفي الفلسطيني ياسر محمد إن “التنظيم العسكري الكبير واستعراض أسلحة جديدة في كل عملية تسليم، موجه لإسرائيل ولدول عربية كانت تنتظر سقوط حماس”.
وأوضح لـ"الاستقلال" أن “القسام تبتدع مع كل عملية تسليمٍ أفكارا جديدة لاستفزاز إسرائيل وحلفائها في المنطقة للتأكيد على أنه لا يوم تاليا بدونها وأن القرار يعود لأهل غزة وليس لنتنياهو أو ترامب”.
ولاحظ محمد تصاعد قسوة رسائل القسام بعد بدء حديث ترامب عن خطة تهجير أهل غزة، حتى باتت تثير شكوك الإسرائيليين أنفسهم وسخريتهم من إمكانية تطبيقها.
وتابع: “حماس تريد أن تقول إن هذا هو شكل اليوم التالي، لا يوم تاليا بدون المقاومة وسلاحها، أو يوم تاليا تأتي فيه سلطة محمود عباس إلى غزة على ظهر الدبابة الإسرائيلية”.

ردود إسرائيلية
ولم تكن إسرائيل بعيدة عن رصد استعراضات القسام وتحليل آثارها النفسية على الجمهور الإسرائيلي وكشفها لأكاذيب نتنياهو بشأن النصر المطلق.
ولطالما احتج نتنياهو على مراسم عمليات التسليم والحشد الجماهيري حول الأسرى الإسرائيليين وقال: إن الأمر غير مقبول ومهين ويعرض حياة المحتجزين للخطر.
وردا على ذلك، أخر نتنياهو إطلاق سراح 110 أسرى فلسطينيين، في أعقاب الغضب الإسرائيلي من الحشود التي التفت حول المحتجزتين أربيل يهود، وغادي موزيس، و5 محتجزين تايلنديين أثناء تسليمهم إلى الصليب الأحمر في 31 يناير.
وقالت صحيفة تايمز أوف إسرائيل وقتها إن المسؤولين الإسرائيليين أجروا "محادثات صعبة للغاية" مع الوسطاء بشأن “الفوضى التي أعقبت تسليم خان يونس، وقالوا لهم، إن مسؤوليتكم هي ضمان ممر نظيف وآمن يقود الرهائن إلى مركبات الصليب الأحمر”.
وتابع المسؤولون للوسطاء: "ابحثوا عن طريقة لفعل ذلك. هذه المرة، كنا بعيدين خطوة واحدة عن الإعدام خارج نطاق القانون. لن ندع هذا يمر في صمت إذا حدث مرة أخرى "، وفق ما نقلت الصحيفة.
لكن القسام لم تلق بالا لتأخير نتنياهو إطلاق سراح الأسرى عدة ساعات ولا تهديداته المتكررة وزادت في المرات اللاحقة عدد مقاتليها خلال عمليات التسليم وزادت من استعراض القوة.
وقالت صحيفة جيروزاليم بوست في 25 يناير بعد تسليم القسام في نفس اليوم 4 محتجزين: “لقد استغلت حماس المناسبة لإظهار شعورها بأنها حققت النصر على إسرائيل”.
وأردفت: “نظمت الجماعة عرضا في غزة يهدف إلى إذلال إسرائيل وأيضا إلى خلق صورة لحماس كمنظمة عسكرية تعمل على تسليم عسكري لأسرى الحرب. هذه هي روايتهم الخاصة”.
وتابعت: “احتفال حماس في غزة يصور المنظمة على أنها قوية. فبعد 15 شهرا من الحرب، تحاول المجموعة إظهار أنها خرجت من بين الأنقاض وأنها تسيطر بشكل كامل على القطاع”.
وهذا على الرغم من تقييمات إسرائيل على مدار العام 2024 التي تفيد بأن ما يصل إلى 20 ألف عضو من حماس جرى القضاء عليهم في القطاع.
وعلى مدار العام المذكور، زعم الجيش الإسرائيلي تحقيق العديد من النجاحات ضد مرتكبي هجوم السابع من أكتوبر، ومعظم قادة السرايا والكتائب والألوية، وفق الصحيفة.
ولكن خرج عدد من قيادات القسام الكبار الذين زعم الاحتلال نجاح عمليات اغتيالهم ما وضع جيش الاحتلال في حرج أمام جمهوره.
وبدورها، قالت صحيفة يديعوت أحرونوت في 21 يناير إن “الدعاية التي تبثها حماس ليست موجهة إلى إسرائيل فحسب، بل أيضاً إلى الفلسطينيين والعالم العربي على نطاق أوسع، بهدف الترويج لرواية النصر وتعزيز سيطرتها العسكرية والمدنية”.
أما صحيفة "معاريف" فقد ركزت على الصور التي أظهرت عناصر حماس مبتسمين وفخورين بما وصفته بـ"الغنائم" التي حصلوا عليها من جيش الاحتلال، خاصة البنادق من نوع "تافور".
وقالت الصحيفة في الأول من فبراير: إن هذه الاستعراضات تهدف إلى تعزيز صورة حماس كمنظمة منتصرة وقوية. محذرة من تأثيره على الروح المعنوية في إسرائيل.
من جانبها، طرحت القناة الـ13 العبرية تساؤلات حادة حول أداء الجيش الإسرائيلي خلال الفترة التي سبقت عملية الإفراج.
وتساءلت القناة عن العدد الكبير من عناصر حماس الذين ظهروا اليوم مدججين بالسلاح وبكامل زيهم العسكري، قائلة “من أين خرج كل هؤلاء؟ ماذا كان يفعل الجيش طوال 15 شهرًا؟ ما الذي حققه في غزة؟”
وأشارت إلى تصريحات سابقة لوزير الجيش السابق يوآف غالانت، التي أعلن فيها القضاء على ألوية حماس في رفح وخان يونس والشمال، زاعما أن الحركة أصبحت مشتتة ومنهكة.
وبدورها، قالت صحيفة وول ستريت جورنال: إن حماس تريد توجيه رسالة إلى العالم مفادها أنها لا تزال مسؤولة عن غزة، وذلك عن طريق تحويل إطلاق سراح الأسرى إلى مشهد مهين لإسرائيل.
ورأت الصحيفة في الأول من فبراير، أن هذا النمط بدأ مع إطلاق سراح أول دفعة، عندما تجمعت حشود من الرجال حول عربات حماس التي تحمل المحتجزات الإسرائيليات، مما جعلهن يركضن إلى مسؤولي الصليب الأحمر.
وأكدت أن حماس تحاول أن تجعل من كل إطلاق للمحتجزين حدثا معقدا، يظهر قوتها ويذل عدوها، على الرغم من إمكانية تأثير ذلك على مناقشات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، وفق الصحيفة.