أطفأها السوريون في مهدها.. هكذا حاولت إيران إشعال فتنة طائفية بمدن الساحل

مصعب المجبل | منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

تمكنت الإدارة السورية الجديدة من إخماد أول محاولة لإشعال "فتنة طائفية" في الساحل السوري معقل الطائفة العلوية بعد سقوط نظام الأسد، والتي لم تخلُ من "البصمات الإيرانية" في الوقوف خلفها.

واشتعلت احتجاجات في محافظات حمص وطرطوس واللاذقية قادها فلول نظام الأسد البائد من أبناء الطائفة العلوية في 25 ديسمبر/ كانون الأول 2024 ورددوا هتافات وشعارات طائفية.

"فتنة طائفية"

وجاءت تلك الاحتجاجات بعد نشر حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي تسجيلا مصورا لحرق مقام "أبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي"، قرب ثكنة هنانو في حلب شمالي سوريا، وهو من رموز الطائفة العلوية ومشايخها.

وقد قاد المعمم الشيعي المنحدر من الطائفة العلوية الشيخ "لقمان بدر غرة" مظاهرة اللاذقية وتوعد قائلا "أي أحد يستفزنا سنقطع رأسه"، بينما كان العشرات من حوله يرددون "علوية - يا علي".

وقالت وزارة الداخلية السورية عبر تلغرام إن الفيديو المنتشر قديم، ويعود إلى ما قبل سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر 2024، وتحديدا أواخر نوفمبر من العام المذكور، مشيرة إلى أن مجموعات مجهولة تقف وراء هذا العنف.

وشددت وزارة الداخلية التابعة للإدارة السورية الجديدة، على أن من "ينشر الفيديو الآن يبدو أنه يسعى إلى إثارة فتنة طائفية" في البلاد.

وبعد ساعات من الاحتجاجات تدخلت قوى الأمن التابعة للداخلية السورية ولاحقت فلول النظام السابق، وألقت القبض على العشرات منهم.

وقد كان لافتا خروج الشيخ "لقمان غرة" (70 عاما) في تسجيل مصور وقدم الاعتذار للسوريين وأعلن خضوعه إلى "الإدارة الجديدة في سوريا تحت قيادتها العسكرية أحمد الشرع".

ولم يكتفِ "غرة" بذلك؛ بل وصف إيران في التسجيل المصور بأنها "جاءت لسوريا لاحتلالها" زاعما أنه "لا ينتمي إلى إيران".

والشيخ "لقمان بدر غرة" هو سوري ينحدر من مدينة اللاذقية، وهو من أتباع المرجع العراقي الشيعي صادق الحسيني الشيرازي المقيم في قم بإيران.

وإبان تدخل إيران بسوريا عام 2012 توسع نفوذ الشيرازيين في حي السيدة زينب جنوب دمشق، وتقرب الشيخ لقمان غرة منهم أكثر.

وقد كان "غرة" دائم التردد على ما يسمى "الحوزة العلمية الزينبية في سوريا" بدمشق وهي أول حوزة شيعية بسوريا وثالث حوزة بالعالم تتبع "الشيرازيين".

وتزامنت الاحتجاجات مع مقتل 14 عنصر أمن وإصابة 10 آخرين، في كمين نصبه فلول نظام بشار الأسد ضد قوات الأمن التابعة للإدارة الجديدة بمحافظة طرطوس غرب البلاد، وفق ما أعلن وزير الداخلية بالإدارة الجديدة محمد عبد الرحمن في تصريح لوكالة الأنباء السورية "سانا".

وفي اليوم التالي للاحتجاجات، تمكن الأمن السوري الجديد في 26 ديسمبر من القبض على رئيس القضاء العسكري السابق محمد كنجو الحسن، المسؤول عن الإعدامات الميدانية في سجن صيدنايا قرب دمشق، مع عشرين من عناصره خلال حملة أمنية في قريته خربة المعزة في محافظة طرطوس.

وبعد حملة أمنية قُبض فيها على العشرات من فلول النظام البائد في قرى الساحل، تمكن الأمن السوري الجديد من بسط الهدوء وفرض السيطرة الأمنية هناك، كما أكدت الداخلية استمرارها في ملاحقة فلول الأسد الهارب إلى روسيا.

ويقدر عدد أبناء الطائفة العلوية في سوريا بحوالي 4 ملايين نسمة، من أصل عدد سكان البلاد البالغ 24 مليون نسمة.

وبدا واضحا سرعة استجابة الداخلية السورية لبسط الأمن في حمص وطرطوس واللاذقية وملاحقة مثيري "الفتن الطائفية" هناك.

إذ وصلت تعزيزات عسكرية كبيرة إلى محافظتي طرطوس واللاذقية المطلتين على البحر الأبيض المتوسط.

في المقابل، دعا ممثلون من المجتمع الأهلي العلوي في محافظة حمص وسط سوريا، في 26 ديسمبر إلى نبذ الشعارات الطائفية والكف عن التحريض الإعلامي وتسليم السلاح للجهات المختصة في مدة أقصاها 5 أيام، وفق بيان مصور بث عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وختم البيان قائلا: "نتوجه إلى القيادة العامة بأن تقف بحزم ضد كل من تسوّل له نفسه زعزعة الاستقرار والسلم الأهلي، والحفاظ على الأرواح والممتلكات العامة، عاشت سوريا حرة أبية، لكل السوريين".

بدورهم، خرج وجهاء من محافظة اللاذقية في بيان مصور دعوا فيه لـ"إخماد الفتنة" وقطع الطريق "على النظام البائد في إثارة النعرات الطائفية" بين السوريين.

"بصمات إيران"

وامتعاض إيران من انتصار الثورة السورية، لم يكن في الخفاء، بل جاء بشكل استفزازي على لسان المرشد الإيراني علي خامنئي الذي  دعا الشبان السوريين إلى "الوقوف بكل قوة وإصرار لمواجهة من صمم هذا الانفلات الأمني ومن نفذه"، على حد تعبيره.

وقال  خامنئي في خطاب نقله التلفزيون الإيراني في 22 ديسمبر: "نتوقع أن تؤدي الأحداث في سوريا إلى ظهور مجموعة من الشرفاء الأقوياء لأنه ليس لدى الشباب السوري ما يخسره، فمدارسهم وجامعاتهم وبيوتهم وشوارعهم غير آمنة"، بحسب زعمه.

بالمقابل، حذر وزير الخارجية في الحكومة الانتقالية أسعد الشيباني، إيران من "بثّ الفوضى" في بلاده، داعيا إياها إلى احترام إرادة الشعب وسيادة سوريا وسلامتها.

وكتب الشيباني عبر "إكس" في 24 ديسمبر: "يجب على إيران احترام إرادة الشعب السوري وسيادة البلاد وسلامتها ونحذرهم من بث الفوضى في سوريا، ونحملهم كذلك تداعيات التصريحات الأخيرة".

وتفاعلا مع الأحداث، قال الباحث السوري أحمد الفاضل لـ "الاستقلال": إنه "بعد تصريحات خامنئي ووزير خارجيته التي تشبه التهديد للثوار السوريين، خرجت اليوم مظاهرات متزامنة في مناطق انتشار العلويين في سوريا".

وأضاف:"الحقيقة أن عاقلا لا يمكن أن ينكر وجود شكل من التنظيم وراء التحركات في مناطق العلويين، وهو ما يمثل تحديا للسلطات في سوريا، والتي لا تريد استهلال حكمها بمنع التظاهر، كما لا تريد الانجرار لأحداث ستنتهي بمواجهات دامية مع انتشار عناصر النظام في مناطق العلويين".

وذهب الفاضل للقول: "لا يمكن فصل ما جرى في الساحل السوري عن تصريحات إيران، أو عن الحملة الأمنية التي بدأت من قبل الإدارة الجديدة في الساحل ضد فلول الأسد". 

وأردف: "لا سيما أن الكثير من علامات الاستفهام تثار حول توقيت وكثافة انتشار مقطع حرق المزار في حلب، والمظاهرات المتزامنة في مناطق العلويين، بصورة لا يمكن معها إلا افتراض نوع من الحراك المنظم".

ومنذ سقوط نظام الأسد فتحت الإدارة السورية الجديدة في المحافظات مراكز لجمع السلاح من عناصر وضباط جيش النظام السابق، وقد استجاب الآلاف لقبول التسوية الأمنية، بينما ما يزال آخرون متوارين عن الأنظار.

"حماية المجرمين"

بدوره يرى الباحث السوري عباس شريفة أن ما حدث في الساحل السوري، هو "محاولة من فلول النظام المتورطين في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لدفع الاهتمام عن ملف العدالة الانتقالية والمحاسبة".

وأضاف شريفة عبر إكس: "بعد فشل ضغوطهم على القيادة في دمشق لإصدار عفو عام عن جرائمهم المتعلقة أساسا بالحق الشخصي، وتصوير عملية المحاسبة والعدالة الانتقالية على أنها استباحة للطائفة العلوية".

ودعا شريفة "الطائفة العلوية لنفض يدها ممن يثير الفتن ويدفعها للدخول في محرقة الحرب الطائفية لكي ينجو المجرمون برؤوسهم".

اللافت أنه عقب تمكن الإدارة السورية الجديدة من "إخماد الفتنة الطائفية في مهدها" في معاقل العلويين، خرجت الخارجية الإيرانية في بيان أبدت فيه استغرابها من "توجيه اتهامات ضد إيران بالتدخل في الشأن السوري وفي الاحتجاجات التي حدثت فيها".

وأضاف البيان: "نؤكد ضرورة توفير الأمن لمختلف شرائح الشعب السوري ومنع توسع الاضطرابات".

وتابع: "موقفنا من سوريا يتمثل في دعم وحدة أراضيها وإقامة نظام سياسي بمشاركة كل الأطراف واحترام حقوق الأقليات".

وضمن هذا الإطار، قال صبحي الطفيلي وهو أول أمين لحزب الله اللبناني في عام 1989: "نصيحة لفلول بشار وشبيحة خامنئي: نصحت بشاركم سابقا بتسليم سوريا مع ضمانات له ولأتباعه وأضاع الفرصة".

وأضاف الطفيلي المعادي لسياسات إيران في لبنان وسوريا عبر "إكس": "وأنصحكم اليوم قبل فوات فرصة عزيزة وفريدة بالاعتذار الفوري عن قبيح فتنتكم وشعاراتكم وخبث أفعالكم والعبث بأمن سوريا، وأنصحكم بحسن المواطنة، وبشكر السلطة على تسامحها معكم قبل إثارة بركان غضب الشعب السوري الذي لن ينفعكم الندم بعده".

وأردف: "وأحذركم المحرضين الفرس والعرب والغرب الذين يريدونكم وقودا لمشاريعهم الخبيثة بتمزيق بلادنا، وليكن ماضينا القريب والبعيد عبرة للجميع.

وراح يقول: "إن حلم إبليس بالجنة أقرب من حلمكم بتقسيم سوريا ودولة علوية".

وتجدر الإشارة إلى أن الإدارة الجديدة في سوريا ركزت منذ تسلمها السلطة في سوريا على إعادة فتح سفارات الدول في دمشق وفتح علاقات جديدة معها، بينما ما تزال مسألة إعادة فتح سفارة طهران بدمشق غير واضحة.

لا سيما أن  وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، رأي في حديث لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية "إيسنا" أن "سوريا تواجه مستقبلا غامضا".

وقال عراقجي "من يعتقدون حاليا بتحقيق انتصارات مؤكدة، لا ينبغي لهم أن يفرحوا".