قانون "النهضة" يمنع التمديد.. كيف واجه الغنوشي عريضة الرافضين؟

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ أول مؤتمر لحزب حركة النهضة بعد الثورة التونسية عام 2011، والذي عقد بالعاصمة تونس في يوليو/تموز 2012، والقانون الأساسي للحركة الذي لم يتم تنقيحه حتى الآن مثار جدل.

هذه الأيام تعيش النهضة على ضوء نقاش علني مفتوح حول أهم النقاط التي سيتم بحثها في المؤتمر الحادي عشر، المتوقع عقده قبل نهاية 2020، وفق ما يحدده القانون الأساسي للحزب.

أبرز نقطة تنتظر الحسم، تتمثل فيما يطلق عليه قادة الحركة "التداول القيادي"، وهي في الحقيقة دعوة للالتزام بلوائح الحزب التي تمنع رئيسها الحالي راشد الغنوشي الترشح لعهدة ثالثة.

في المقابل، يرى آخرون في صفوف النهضة، أن الغنوشي، الذي فاز برئاسة البرلمان، ونجح في قيادة حزبه للفوز بالانتخابات التشريعية، لا يمكن له مغادرة موقعه في قيادة الحزب في الوقت الذي لا تزال البلاد تعيش في مرحلة الانتقال الديمقراطي ولا تزال النهضة مستهدفة داخليا وخارجيا، حسب تعبيرهم.

ومع تصاعد الخلاف بين الطرفين، تسرب إلى الإعلام، عريضة موقعة من قبل 100 قيادي من قيادات الحركة تحت عنوان "مستقبل النهضة: "بين مخاطر التمديد وفرص التداول"، تطالب الغنوشي بإعلان عدم نيته الترشح لدورة قادمة، إلا أنه سريعا ما تم تسريب رسالة من الغنوشي ردا على هذه العريضة لتفجر جدلا مفتوحا في أوساط الإسلاميين في تونس.

لا للتمديد

ذكرت مصادر من داخل الحركة، أن 5 من القيادات التاريخية للنهضة توجهت مساء 16 أغسطس/ آب 2020، للقاء زعيم الحركة، رئيس مجلس نواب الشعب (البرلمان) راشد الغنوشي لتسليمه عريضة موقعة من 100 قيادي بالحركة تدعوه إلى الالتزام بالقانون الأساسي لها.

دعت العريضة التي تسربت بعد ساعات قليلة إلى الإعلام، وحصلت الاستقلال على نسخة منها، أن "من شروط نجاح المؤتمر وتحقيق أهدافه في التجديد المضموني والهيكلي وفتح آفاق المستقبل هو ضمان تحقيق مبدأ التداول القيادي في رئاسة الحركة مع المحافظة على دور رئيسها وأبرز مؤسسيها وتطويره".

وأكدت الوثيقة على أن "مبدأ التداول قيمة يجب تحقيقها داخل النهضة لما لها من أثر إيجابي على واقع الحزب ومستقبله، حيث اعتبرت أنه يدعم وحدة الحركة ويقوي تماسكها ويحيي فكرها ويعزز منسوب الثقة داخلها، ويجنبها مخاطر التصدع والانقسام".

كما حذرت الوثيقة من أي "نية للمس بنظام الحركة الأساسي، وأي مسعى لتعديله من أجل منح رئيسها الحق في الترشح مجددا لشغل نفس المنصب"، معتبرة أن "التمديد ينسف المصداقية الأخلاقية للحركة".

الوثيقة أكدت أن: "تغيير الدساتير والقوانين لتمكين الرؤساء والحكام من مواصلة البقاء في السلطة هو فعل من طبائع الاستبداد والحكم الفردي الذي قامت عليه ثورة 14 جانفي (يناير/كانون الثاني 2011). بل إنه يؤدي إلى تآكل رصيد المصداقية الذي تتمتع به الحركة".

وينص الفصل 31 من النظام الأساسي لحركة النهضة والذي تم سنه في المؤتمر التاسع المنعقد صيف 2012، أن "المؤتمر العام  ينتخب رئيس الحزب بالاقتراع السري.. ولا يحق لأي عضو أن يتولى رئاسة الحزب لأكثر من دورتين متتاليتين. ويتفرغ رئيس الحزب فور انتخابه لمهامه".

وضمت قائمة الموقعين على العريضة قيادات من الجيل المؤسس، وأعضاء بالمكتب التنفيذي بالإضافة إلى أعضاء بكتلتها النيابية وأعضاء بمجلس شورى الحزب، كما وقع قياديون من المكاتب الجهوية للحزب في عدد من المدن التونسية.

وأكد النائب والقيادي في حركة النهضة سمير ديلو وهو أحد أبرز الأسماء الموقعة على العريضة أنه تم الاتفاق بين الموقعين على عدم ''الشخصنة''، لكن لا بد من أن يكون المؤتمر سيد نفسه فعلا وذلك عبر تقييم موضوعي لعمل الحزب والشفافية في كامل المراحل واحترام كامل للقانون وتوظيف المقدرات الجماعية لخدمة الحزب لا الأشخاص، لكن غير ذلك سيكون مؤتمر التفرقة لا الوحدة".

وأضاف ديلو في حديث للاستقلال: ''نحن نعتبر أن المسؤولية جماعية ولم نحمل راشد الغنوشي مسؤولية ما آلت إليه البلاد أو الحزب، ولم نطالب بعزله أو إنهاء مهامه بل طالبنا باحترام القانون وعدم تنقيحه لأجل شخص معين مهما كان هذا الشخص".

واعتبر ديلو أن "ما دفع مجموعة المائة إلى توجيه الرسالة لرئيس الحركة، هو وجود مؤشرات متواترة متظافرة بعضها يتجاوز التلميح إلى التصريح بأن المصلحة فوق القانون وأن المصلحة تقتضي تغيير القانون بما يسمح ببقاء الرئيس رئيسا بعد المؤتمر 11".

وأكد القيادي في حركة النهضة أن أهم ما حققته هذه العريضة "توجيه رسالة مفادها أن سياسة الاستقواء والمرور بقوة وتعديل القانون ستكون كلفته باهظة جدا، وأن وحدة الحركة لا تضمن إلا باحترام القانون والديمقراطية داخلها".

زعيم لا رئيس

رد الغنوشي على الرسالة المطالبة بعدم ترشحه لدورة ثالثة لم يتأخر كثيرا، حيث عبر في رسالة بلهجة حادة لا تخلو من التأنيب على استغرابه من الطلب الذي تقدم به الموقعون على العريضة.

وشبه الغنوشي لقاءه بالقياديين الذين سلموه العريضة بالانقلابات العسكرية، حيث قال في الرسالة التي حصلت الاستقلال على نسخة منها: إن "100 قيادي يطالبون رئيس الحركة إعلانه الصريح أنه ليس معنيا بالقيادة في المؤتمر القادم. ذكرتني زيارة الإخوة الخمسة الكرام بالزيارات المعتادة لنفر من قادة الجيوش في الهزيع الأخير من الليل لرؤساء بلادهم يبلغونها الأمر بالتنحي. الحقيقة أن الزيارة حصلت وقت صلاة المغرب وليس في الفجر".

وتساءل زعيم الحركة "إن كان من لوازم الديمقراطية الحزبية تغيير القيادات في مدد معينة بصرف النظر عن كونهم أصابوا أم أخطؤوا، مؤكدا على وجود خطأ متعمد بين مقتضيات مجال الحزب ومجال الدولة".

واعتبر أن المطالبين بعدم ترشحه لعهد جديدة "يتغطون بالديمقراطية لفرض وصايتها على المؤتمر القادم بشروط إقصائية مسبقة لا ديمقراطية"، في سبيل "استبعاد زعيم الحركة".

ومن خلال رسالة الغنوشي، فإنه اعتبر نفسه في منزلة أعلى من رئاسة الحزب، حيث يرى نفسه زعيما، وهنالك فرق بينهما حسب رأيه.

الغنوشي يعتبر أن "الزعماء" في الأحزاب الديمقراطية وليس الرؤساء، هم الاستثناء من القاعدة، لقدرتهم على الصمود في مواجهة عامل التهدئة، "الزعماء جلودهم  خشنة!"، يتحملون الصدمات ويستوعبون تقلبات الزمان، إذ يتجددون فيكونوا  قوة دفع وتعبئة لشعوبهم وراء أحزابهم فتظل شعبيتهم وأحزابهم في صعود أو تراجع محدود حتى يتبؤوا معها مقامات قيادة البلاد، فلماذا يغيرونها وهي في قمة عطائها وإشعاعها داخل البلاد وخارجها؟".

وعدد الغنوشي نماذج لزعماء الأحزاب استمروا لعقود على رأس أحزابهم مثل "زعيم الديغوليين شيراك وزعيم الاشتراكيين ميتران وزعيمة الديمقراطيين المسيحيين ميركل وزعيم العمال البريطاني بلار، والنائب العمالي طوني الذي  مكث نائبا في البرلمان البريطاني أكثر من ثلث قرن والسيد نصر الله الزعيم قاد المقاومة".

عقدة المؤسس

هذا الخلاف الذي برز إلى السطح داخل حركة النهضة، ليس الأول في تاريخها الممتد لأكثر من 40 عاما، أي منذ تأسيسها تحت مسمى "الجماعة الإسلامية" عام 1972، على يد مجموعة من الشباب يتزعمهم أستاذ الفلسفة العائد حديثا من فرنسا إلى تونس راشد الغنوشي، وطالب الشريعة والقانون عبد الفتاح مورو.

في محطات عديدة من تاريخ الحركة الإسلامية في تونس، كان الخلاف يصل إلى أقصاه بين أطرافها وبلغ إلى حد الانشقاق عن الحركة، أو استقالة عدد من قياداتها بعضهم كان من المؤسسين، إلا أن الحركة استمرت بعدها.

ما تخشاه قواعد النهضة وأنصارها، هو أن يلقى حزبهم الذي ما زال يتصدر المشهد السياسي في تونس منذ عام 2011، وشارك تقريبا في جميع الحكومات، نفس المصير الذي وقع لجل الأحزاب التونسية التي عانت من الانشقاقات والصراعات والهزائم المتتالية ثم انتهت واندثرت فعليا.

من أبرز هذه الأحزاب، الحزب الحاكم السابق حركة نداء تونس، الذي أسسه الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي عام 2012، ونجح في الفوز بالانتخابات الرئاسية والتشريعية عام 2014، إلا أن مغادرته موقع القيادة بعد توليه رئاسة الجمهورية، فتح الباب على مصراعيه لصراعات على زعامة الحزب.

كما يرى عدد من النهضويين أن حزبهم لازال مستهدفا من قبل قوى داخلية وخارجية معادية للتجربة الديمقراطية في تونس، والتي لا تخفي عداءها لما يسمى بالإسلام السياسي ولازالت تستهدف رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي مثلما حدث في الأشهر الماضية عندما تم التركيز عليه من قبل وسائل إعلام إماراتية وسعودية للنيل منه بالتزامن مع تقديم لائحة برلمانية لسحب الثقة منه.