روسيا تدخلت لإيقافه.. ما سر تصعيد النظام السوري ضد "ي ب ج" بالحسكة؟

مصعب المجبل | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

لا تزال عين نظام بشار الأسد مسمّرة نحو "الحسكة" شمال شرقي سوريا، المحافظة الغنية بالنفط والغاز، والمتمتعة بأهمية إستراتيجية وحدودية تربطها مع كل من تركيا والعراق.

الحسكة تعيش على صفيح ساخن، نظرا لسيطرة قوات "ي ب ج" الكردية، على 83 بالمئة من مساحتها، والنظام السوري على 4 بالمئة، بينما تسيطر قوات المعارضة على 8 بالمئة، ويتبقى 5 بالمئة كمنطقة مشتركة بين النظام وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وفق إحصائية لتوزيع السيطرة لمركز عمران للدراسات الإستراتيجية.

وتشكل قوات "ي ب ج" العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، المدعومة من التحالف الدولي، وتعد "ي ب ج" الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، والأخير هو الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني المتشدّد (بي كا كا) المتواجد جنوبي تركيا وشمالي العراق.

منذ مطلع يناير/كانون الثاني 2021، شهدت المحافظة مواجهات واشتباكات بين قوات "ي ب ج"، وقوات النظام السوري، كادت أن تنزلق إلى مواجهات مفتوحة بينهما، لولا تدخل الراعي الروسي كوسيط يفرض ثقله العسكري هناك.

يأتي ذلك في وقت يجتهد فيه النظام السوري، للعبث بأي منطقة خارجة عن سيطرته قبل أي استحقاق في البلاد من شأنه أن يحرمه من القاعدة الشعبية، التي يحاول أن يعيدها لعباءته في ضوء تحضيره لانتخابات رئاسية منتصف 2021.

مناكفات متقطعة

اشتداد المناكفات المتقطعة بين قوات النظام السوري، وقوات "ي ب ج" في الحسكة خاصة، دفع الأخيرة لفرض حصار منذ 13 يناير/كانون الثاني، إلى 2 فبراير/شباط 2021، على المربع الأمني للنظام داخل مدينة الحسكة وقطع الخبز والاحتياجات الأساسية عنه، وآخر على مواقع للنظام في القامشلي إحدى أكبر مدن المحافظة.

وجاءت تلك التطورات عقب محاولة النظام السوري خلط الأوراق في الحسكة، وفق ما أكدت مصادر بشبكة الشرقية 24 المحلية، لـ"الاستقلال"، من خلال تعزيز سطوته العسكرية الضئيلة هناك، عبر محاولات تشكيل خلايا أو لجان دفاع عسكرية، بهدف زيادة ثقله العسكري والأمني هناك.

لكن هذا الأمر استفز قوات "ي ب ج"، ودفعها قبل الحصار، للقيام بخطوة تُظهر سطوتها العسكرية، تمثلت باحتجاز ضباط وعناصر من قوات النظام، في 10 يناير/كانون الثاني 2021، على أحد حواجزها على الطريق الواصل من مطار القامشلي إلى الحسكة، قبل أن تطلق سراحهم مقابل إفراج النظام عن قيادي في "ي ب ج".

واقع جديد

وفي هذا السياق، لخّص الصحفي السوري عمر شيخ إبراهيم، لـ"الاستقلال"، أبرز الأسباب الرئيسة التي أدت للتصعيد الأخير بين قوات قسد والنظام السوري في الحسكة بـ: 

أولاً: قوات "ي ب ج" تخشى من عملية توسع للمعارضة السورية المدعومة من تركيا في مناطق سيطرتها، مع اعتقادها أن هكذا عمل لن يتم دون اتفاق ضمني مع الروس وبالتالي مع حليفه نظام الأسد، لذلك هو أراد أن يستبق الأمر ويرسل رسائل تحذيرية للروس خاصة بإحداث واقع جديد في منطقة الجزيرة السورية.

ثانياً: قوات "ي ب ج" مستاءة من نشاط الروس الدافع لتحرك عشائري في الحسكة وحث الوجهاء على دفع شباب القبائل للتسلح وتشكيل كتائب مدعومة من روسيا، وبالتالي فإن "ي ب ج" تشعر أن هذا يهدف لإضعاف سلطتهم وأنه يأتي بارتياح تركي.

ثالثاً: قوات "ي ب ج"، تحاول اختبار أو قياس مدى دعم الإدارة الأميركية الجديدة لها، من خلال هذه التحركات بالحسكة لترى ردة الفعل.

ونتيجة لكون نَفَسِ النظام السوري كان قصيراً، بعد تضييق الخناق عليه في القامشلي والحسكة، غير المتوقعة، بادر إلى المعاملة بالمثل، حيث أطبق حصاراً مماثلاً على أحياء تسيطر عليها قوات "ي ب ج"، في حلب وهي (الأشرفية – الشيخ مقصود) ومخيم الشهباء، وفق متابعين.

القوات الروسية، التي تتخذ من مطار القامشلي مركزا لقواتها تسير من خلاله دورياتها شمال شرق سوريا، عمدت إلى رعاية اتفاق بين قوات "ي ب ج"، والنظام السوري، ينهي حالة التوتر، في 2 فبراير/شباط 2021، خشية من انزلاق الأوضاع لمزيد من التصعيد.

 ونص الاتفاق وفق ما نشرت قناة "روسيا اليوم"، على أن يفك "ي ب ج" الحصار عن المربعين الأمنيين الخاضعين للنظام السوري، في الحسكة والقامشلي، مقابل فك النظام الحصار عن مخيمات الشهباء والشيخ مقصود في حلب والخاضعتين لقوات "ي ب ج".

إثارة الفتنة

وحسب موقع "نورث برس"، اتهم مسؤول (لم يكشف الموقع عن اسمه) في "الإدارة الذاتية" التابعة لقوات "ي ب ج"، محافظ الحسكة اللواء غسان خليل، بإثارة "الفتنة بين الكرد والعرب في الحسكة والقامشلي"، على خلفية عقد لقاءات مع وجهاء وشيوخ عشائر من الحسكة، لحثهم على التظاهر ضد ما وصفوه بـ"سياسة الحصار".

خليل الذي كان سابقا ضمن أحد أفراد الحماية الشخصية لرأس النظام السوري بشار الأسد، أرجع أسباب حصار قوات "ي ب ج"، لأحياء النظام، بهدف ما قال إنها "لنيل مكاسب في مناطق أخرى".

وهنا يلفت شيخ إبراهيم خلال حديثه، إلى أن قوات "ي ب ج"، "التي فرضت سلطتها شمال شرقي سوريا، بشرعية السلاح، دائماً ما تهرب من الاستحقاقات الداخلية للمناطق هناك، من تحسين الخدمات ومراجعة سوء الإدارة وتفشي الفساد، وممارسة الديمقراطية التي تدعيها، عبر محاولة فتح جبهات لاستمرار شرعية السلاح بدعوى وجود عدو يتربص بهم".

بدورها، أكدت شبكة "الشرقية24"، لـ"الاستقلال" أن أحد أهم الأسباب لحصار قوات "ي ب ج"، للمربع الأمني للنظام، والذي لا تتجاوز مساحته الـ3‎ بالمئة‎ من جغرافيا محافظة الحسكة، هو "علاقة إيران بتشكيل ما يسمى بالمقاومة الشعبية هناك".

وهذا ما ذهب إليه الخبير في الشؤون الأمنية والعسكرية في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية نوار شعبان، حينما اعتبر أن دور النظام السوري في التصعيد الأخير بالحسكة يُعد بمثابة "أداة وليس مُخطِطا لها". 

وفصّل الخبير الأمني لـ"الاستقلال" ذلك بقوله: "النظام السوري أثبت في التطورات الأخيرة شمال شرق سوريا بأنه أداة لإيران، بهدف خلق عدم استقرار في جبهة تعول عليها أميركا، وخاصة بوجود حديث من إعادة تكثيف الدعم هناك من قبل الإدارة الأميركية الجديدة".

ورأى شعبان أن ما جرى من توتر كان محاولة "لوضع قوات النظام على خارطة القوات المحلية بالحسكة، كقوة محلية تستطيع أن يكون لها دور وإن كان سلبياً".

مضيفا: "لكن هذه المحاولات وخروج النظام السوري عن الأعراف المتفق عليها مع قوات ي ب ج، قوبلت برد لم يتم التراخي عنه حتى تدخل الجانب الروسي وعمل على تهدئة الأمور وفق ما تريده قوات ي ب ج".

وألمح شعبان إلى "أن روسيا لا تريد التصعيد في منطقة توجد فيها، أو فتح جبهة جديدة بين قوات النظام السوري وقوات ي ب ج، رغم محاولات النظام لزج المدنيين في مظاهرات ومواجهات مع قوات ي ب ج".

النفط والتشابكات

وتطفو محافظة الحسكة، على 6 حقول نفطية، جميعها تحت سيطرة قوات "ي ب ج"، وبحماية أميركية، إذ يُعد حقل السويدية، أغزر حقول البلاد إنتاجا، إذ كان ينتج 110 آلاف برميل يوميا، من أصل إنتاج النفط السوري الخام والبالغ 380 ألف برميل نفط يوميا، قبل اندلاع الثورة عام 2011، فيما ينتج حاليا 50 ألفا.

وعجز النظام السوري عن الاستفادة من النفط، يشكل أحد خيوط التشابكات والمناوشات العسكرية، في الحسكة، إذ لا يصل النظام من النفط اليوم شيء، سوى ما يحصل عليه عبر تجار النفط، جراء مقايضات بمواد وسلع أخرى تتركز في مناطق سيطرته.

وهذا ما يؤشر على طبيعية الموقف الأميركي من ضغط النظام السوري المتكرر على حليفته قوات "ي ب ج"، وفق ما نبّه إليه الخبير العسكري والإستراتيجي السوري، فايز الأسمر، خلال حديثه لـ"الاستقلال" بقوله: "ما يهم أميركا هو عدم الاقتراب من منابع النفط، وقواعدها العسكرية شمال شرقي سوريا".

ولفت الخبير العسكري إلى أن "واشنطن تبني سياساتها على الإستراتيجيات التي تمنع النظام من إعادة تمويل عملياته العسكرية أو إعادة الإعمار والحصول على الدعم الاقتصادي والانتعاش مجددا".

مضيفا أن "الموقف الأميركي يحمل العصا من المنتصف، وهو لا يريد أيضا تصعيد الأمور والاصطدام المباشر مع روسيا حليفة نظام الأسد".