يحكم الجزائر.. ما مستقبل قايد صالح بعد انتخاب تبون رئيسا؟

12

طباعة

مشاركة

رغم انتخاب عبدالمجيد تبون رئيسا للجزائر وسط رفض شعبي أعقبه حملة اعتقالات واسعة وغير مسبوقة تشنها قوى الأمن ضد المحتجين، لا يزال رئيس أركان الدفاع أحمد قايد صالح هو الرجل القوي الحقيقي في بلد مقسم سياسيا واقتصاده على حافة الانهيار.

هكذا وصفت صحيفة "لوموند" الفرنسية، الأوضاع التي تشهدها الجزائر ودور قائد الجيش، عقب الانتخابات الرئاسية التي أسفرت عن فوز رئيس الوزراء السابق في عهد المخلوع عبد العزيز بوتفليقة.

قائد واحد

وقالت الصحيفة: للجزائر الآن رئيس، لكن ليس لديها سوى قائد حقيقي، وبالطبع ليس عبدالمجيد تبون، الذي تم انتخابه الخميس 12 ديسمبر/ كانون أول، بعد اقتراع متنازع عليه.

وأضافت أن الزعيم الوحيد للجزائر هو أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع الوطني رئيس أركان الجيش الجزائري، الذي فرض نفسه على السلطة بعد  حركة الاحتجاج التي شهدتها البلاد منذ 22 فبراير/ شباط الماضي.

وأشارت "لوموند" إلى أنه في كل مساء، في صحيفة التلفزيون الحكومية، ينصح أو يلقي محاضرات أو أوامر أو تهديدات، لافتة إلى أنه لم يحدث أن تركزت السلطة بيد رجل واحد بهذه القوة منذ هواري بومدين، الذي حكم الجزائر من عام 1965 إلى 1978، رغم أن أحمد قايد صالح ليس لديه الشرعية الثورية والتاريخية ولا يتمتع بجاذبية سلفه هذا.

وأكدت أن قايد صالح يجسد تحول جيش دمر لكنه انتصر، وفشل في حرب الاستقلال، إلى مؤسسة قوية وثقة بالنفس وذات ثراء. وعلى عكس بومدين والرئيس الشاذلي بن جديد (1979-1992) ثم اليمين زروال (1994-1999)، وهما أيضا من الجيش، يفضل قايد صالح المناورة في الظل، من خلال الوقوف خلف سلطة مدنية، كما كان الحال خلال السنوات الأخيرة من رئاسة عبد العزيز بوتفليقة.

ونوهت الصحيفة إلى أنه إذا لم يكن لدى قايد صالح نفس هالة بومدين، فإنه لا يعاني أيضا من القسوة الميكافيلية (الغاية تبرر الوسيلة) لسابقيه، الجنرالات خالد نزار، والعربي بلخير، ومحمد العماري، وعبد المالك قنايزية.

وقالت: إن "صناع القرار" هؤلاء في التسعينيات نشأوا على الساحة السياسية من خلال قمع أعمال الشغب التي وقعت في أكتوبر/ تشرين أول 1988، قبل طرد الشاذلي بن جديد، وإلغاء الانتخابات التشريعية التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ في يناير/ كانون ثاني 1992.

وذكرت "لوموند" أن "هؤلاء هم أنفسهم الذين شنوا حربا قذرة ضد الجماعات الإسلامية المسلحة لاستئصالها، والتضحية بالسكان المدنيين من أجل شهيتهم للسلطة، وبعد سنوات وحوالي 200 ألف قتيل، جاءوا بعبدالعزيز بوتفليقة من منفاه إلى الرئاسة في عام 1999، من أجل الدلالة على أن الأمور عادت إلى "طبيعتها".

وأوضح أنه على الرغم من أن قايد صالح ليس سياسيا، فمع ذلك، أصبح هذا الرجل الممل، بدون باع أو رؤية، في الوقت نفسه الوجه الأخير لــ"النظام" الذي رفضه المتظاهرون خلال الأشهر الأخيرة.

صعود صالح

وتطرقت الصحيفة إلى تاريخ صالح، بالقول: لفهم كيف وصل رئيس أركان الجيش الجزائري إلى هذه المكانة، يجب العودة للهزات الصغيرة التي شهدتها البلاد قبل زلزال "الحراك" الحالي.

ولفتت إلى أنه في 29 مايو/ أيار 2018، ألقت البحرية الجزائرية القبض على فيجا ميركوري، سفينة شحن من فالنسيا (إسبانيا) في وهران، حيث اكتشف الجمارك، 701 كجم من الكوكايين النقي مخبأة في حاويات اللحوم المجمدة، ضبطية كبيرة ولكن ليست استثنائية في جميع أنحاء العالم، فقط في الجزائر كان حادث يقع لأول مرة.

وقال مصدر بالشرطة الفرنسية: "هذه الدولة فقيرة للغاية بحيث لا تستهلك هذه الكمية. ربما كان يتعين إعادة هذه الكمية إلى أوروبا عن طريق البحر أو دول الخليج عبر الطرق الصحراوية التي يسيطر على بعضها الجماعات الجهادية".

وبينت الصحيفة أن السفينة كانت تابعة لمستورد اللحوم، كمال شيخي، المعروف أيضا باسم "البوشي" (الجزار)، وهو أيضا مستثمر عقاري.

وبحسب "لوموند"، فإن رجل الأعمال ينتمي إلى طبقة الأثرياء الصغيرة، وذلك بفضل علاقاته مع المسؤولين النافذين في "النظام"، المدنيين أو العسكريين، حيث يوجد اقتصاد لا ينتج سوى القليل من الهيدروكربونات، وحيث يكسب المرء ثروة من خلال تأمين احتكارات الاستيراد والتصدير، و"البوشي" يزود الثكنات باللحوم.

وذكرت أنه أثناء التحقيق، صادر المحققون جهاز كمبيوتر يحتوي على عشرات التسجيلات المرئية السرية لجميع اجتماعات "البوشي" مع الجنود أو القضاة أو الشرطة أو المسؤولين أو "أبنائهم"، وباختصار، شبكته من الوسائط والنافذين. ووفقا لما سربته الصحافة: تم اتهام قضاة ورؤساء بلديات ومحافظين باستخدام النفوذ، وكذلك خالد التبون، نجل الرئيس الجديد.

والأهم من ذلك، تم وضع خمسة من كبار الجنرالات، الذين طردوا على الفور، تحت الإقامة الجبرية من قِبل القاضي العسكري: ثلاثة رؤساء مناطق، ورئيس الدرك، ومدير الشؤون المالية بوزارة الدفاع. كما استقال رئيس الأمن القومي، الجنرال عبدالغني هامل، في ضربة لم يسبق له مثيل قام بتنظيمها قايد صالح، بحسب الصحيفة.

وتابعت: فيما عدا أنه سيتم إطلاق سراح الضباط المعنيين بعد شهر واحد، يرى المراقبون في هذا القرار ظل سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس القوي، غير القادر على الحكم منذ عام 2013. وبالتالي فإن سعيد بوتفليقة كان يسعى لحماية مؤيديه، وهو "خط أحمر" لقايد صالح، الذي يرى أنه لا ينبغي أن يتدخل المدنيون في شؤون الجيش.

ثقافة السرية

وبحسب تقرير الصحيفة، فإنه من الصعب معرفة ما يجري في الجزائر في ظل السرية الموروثة منذ سنوات حرب العصابات، ودللت على ذلك بقول دبلوماسي فرنسي: "حتى ضباطنا، الذين يتعاملون بانتظام مع هيئة الأركان العامة الجزائرية، ليس لدي أرقام هواتف نظرائهم".

وأوضحت أنه في نهاية عام 2018، شعر الرأي العام بأن هناك شيئا ما خطأ في قمة الدولة، تكشف قضية الشحن عن قوة فاسدة - وهو ما يعرفه الجميع - لكنها مقسمة أيضا. قايد صالح، يواصل تكريس الولاء الأعمى للرئيس بوتفليقة، ولكن ليس لعشيرته، وحتى شقيقه.

ونوهت الصحيفة إلى أن التحالف بين الرجلين يعود إلى عام 2003، عندما اتصل بوتفليقة بقايد صالح، لإبلاغه بتقاعد الرئيس محمد العماري، وهو أحد "صانعي القرار" الذين أوصلوا بوتفليقة إلى السلطة عام 1999، وحدثت خلافات بينهما بعد سعي الأخير لولاية ثانية دون طلب موافقة العماري.

وأكدت أنه في ظل صعوده المستمر، دعم قايد صالح في يناير/ كانون ثاني 2019، ولاية خامسة لعبد العزيز بوتفليقة، وبما أن المظاهرات الأولى، في نهاية فبراير/ شباط، لم تغير أي شيء، أصبح صهره، عبد الغني زعلان، حاكم وهران السابق، ووزير الأشغال العامة والنقل منذ 2017، مدير حملة الرئيس المنتهية ولايته.

لكن مع استمرار ضغط الشارع الذي أصبح قويا للغاية، أراد قايد صالح اللعب على كل الاتجاهات وفي النهاية أصبح الحراك هو الملاذ الأخير له لكنه الأصعب، ولذلك تخلى عن بوتفليقة.

وأكد دبلوماسي للصحيفة أن "الجيش لن يقبل أبدا أن يجبر المدنيون رئيس الأركان على الاستقالة"، فهذه المؤسسة معتادة على تحديد كل شيء بداخلها وفي غموض.

ولفتت "لوموند" إلى أنه في الجزائر، لا يوجد سوى مؤسستين، الجيش و"سوناطراك"، شركة النفط الوطنية، لكن يوجد سلطة واحدة فقط: هي الجيش فالبلد ملك لهم. ومع ذلك، فإن هذه السلطة عارية، وفقا للصحيفة، ولم يعد لها أي غطاء منذ رحيل بوتفليقة، لهذا السبب دعمت انتخاب رئيس بسرعة.

لكن الصحيفة الفرنسية خلصت إلى أنه على الرغم من كل ما تقدم، يظل مستقبل الجزائر في أيدي عسكري يبلغ من العمر 79 عاما، يوصف بأنه "مغرور وسلطوي تشكل في المدرسة السوفيتية وكان معتادا على الطاعة". وتكمن مزاياه الرئيسية في أنه لم يلجأ، مثل سابقيه، إلى مذبحة لوضع حد للنزاع حتى هذه اللحظة.