مليونية الثلاثاء في بغداد.. كيف يسعى عملاء إيران لإجهاضها؟ 

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

انطلقت في جميع المدن العراقية المنتفضة، دعوات حشد إلى مظاهرة مليونية بساحة التحرير مكان الاحتجاجات وسط العاصمة بغداد، في العاشر من ديسمبر/كانون الأول الجاري، بالتزامن مع مباحثات تجريها الكتل السياسية لإعلان مرشحها الجديد لرئاسة الحكومة.

من المقرر أن يتجمع المحتجون من جميع المحافظات المنتفضة في كربلاء، الثلاثاء 10 ديسمبر/كانون الأول 2019، وبعدها يدخلون العاصمة بغداد سيرا على الأقدام وصولا إلى مكان المظاهرات في ساحة التحرير.

من وراءها؟

الدعوات للمظاهرة المليونية الكبرى، تبنتها جهات عدة على مواقع التواصل الاجتماعي، فالبعض نسبها للمرجعية الدينية الشيعية في النجف، وقال إنها هي من دعت إليها.

لكن المرجعية أصدرت بيانا قالت فيه: إنها "ليست لديها أي علاقة بالتظاهرات التي من المزمع انطلاقها يوم العاشر من هذا الشهر، والتي تسمى بركضة طويريج (ثورة الحسين)".

وأضاف قسم "الشعائر" التابع للمرجعية: أنه "منذ أيدت مرجعيتنا الرشيدة المظاهرات الشعبية التي انطلقت في أرجاء عراقنا المظلوم، سجلت العتبتان الحسينية والعباسية، وقفات مشهودة بتأييدها ومساندتها للحراك الوطني بالمشاركة الميدانية والدعم اللوجستي، وفي الوقت نفسه الذي نؤيد به مطالب جماهيرنا الأعزاء في سلميتها".

وتابع البيان: "نعلن أن قسمنا ليس له أي علاقة بالمسيرة المعد لها من جهة مجهولة بتاريخ 10/ 12/ 2019، والتي تسمى بركضة طويريج، والتي أعلن أن انطلاقتها إلى بغداد تكون من كربلاء المقدسة، وبعد أن أجرينا اتصالاتنا مع كبار أهالينا في قضاء الهندية (طويريج) وبعض إخواننا من مسؤولي الممثليات والوحدات والوجهاء في بقية المحافظات".

إلا أن متظاهرين على مواقع التواصل بثوا مقاطع فيديو، لأحد المتظاهرين في محافظة كربلاء، يؤكد عبر مكبرات للصوت الاتفاق مع جميع المحافظات المنتفضة للتجمع يوم 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري، في المدينة والتوجه بعدها إلى ساحة التحرير وسط بغداد، مؤكدا أن "النصر" سيكون حليفهم.

وحظيت تلك الدعوات بتفاعل واسع من رواد مواقع التواصل، في حالة مشابهة لما حصل عند انطلاق شرارة الاحتجاجات الجارية مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تلبية لنداءات أطلقها ناشطون.

تفاعل واسع

التفاعل الواسع مع تلك الدعوات، يثير التساؤل حول الهدف من حشد مظاهرة مليونية في بغداد في وقت تسعى فيه الكتل السياسية لاختيار شخصية تشكل حكومة جديدة تمهد لانتخابات مبكرة؟

إجابة على ذلك، قال الأكاديمي والإعلامي العراقي وليد عباس في حديث لـ"الاستقلال": إن "المظاهرة التي يجري الإعداد لها لا شك أنها ستكون مرعبة للأطراف السياسية العراقية، وأن توقيتها جاء في محله".

وأوضح عباس: أن "المظاهرات تأتي في وقت لا تزال فيه الكتل والأحزاب السياسية تجري مشاورات لاختيار من يخلف عبدالمهدي، يزيد من الضغط عليها لاختيار شخصية ترضي المحتجين، وعدم المناورة مع المتظاهرين".

ولفت إلى أن "المظاهرة الكبرى لابد أنها ستكون مقلقة للأحزاب الحاكمة التي تسعى لسن قانون انتخابات واختيار شخصية لرئاسة الحكومة تتماشى مع مقاساتها، ولا يمكن أن تفرط في الحكم بسهولة".

وأكد عباس أن "المظاهرة المليونية، وسيلة ضغط لإنهاء الوصاية الخارجية من إيران وغيرها على السياسيين للمجيء بشخصية موالية لها لرئاسة الحكومة المقبلة، وبالتالي كأن شيئا لم يتغير".

محاولات إجهاض

وفي تطورات وصفها مراقبون بأنها تأتي ضمن ممارسات الترهيب التي تعمد إليها المليشيات الشيعية المقربة من إيران، للحيلولة دون تنظيم المظاهرة الكبرى، شنت مجموعات مسلحة هجمات عدة على المتظاهرين وسط بغداد.

ومن تلك التطورات إصابة نحو 20 متظاهرا في الخامس من الشهر الجاري، بعد تعرضهم للطعن بآلات حادة من مجهولين يعتقد أنهم ينتمون لمليشيات شيعية اقتحموا ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد.

وحسب شهود عيان، فإن نحو 700 متظاهر دخلوا إلى ساحة التحرير مرددين شعارات مناهضة لحزب البعث المنحل، وحال اعتراضهم من بعض المحتجين لمعرفة الجهة التي ينتمون إليها، تعرض المحتجون إلى طعنات بالسكاكين.

ونشرت صحيفة "الجارديان" البريطانية تقريرا عن الهجوم، أكدت فيه أن من اجتاح ساحة التحرير هم عشرات من أنصار الحشد الشعبي المدعوم من إيران كانوا يحملون العصي ورايات تحمل شعار الحشد الشعبي وأعلام العراق.

وبعدها بيوم واحد، وفي ليلة دامية شن مسلحون مجهولون هجوما بالأسلحة النارية، وأطلقوا الرصاص الحي على المتظاهرين في ساحة الخلاني وجسر السنك ببغداد الجمعة.

وأفاد شهود عيان بأن سيارات مدنية تابعة لمليشيات موالية لإيران كانت تطلق النار على المتظاهرين في ساحة الخلاني، فيما أطلق مسلحون النار بعدما سيطروا على مبنى يسيطر المحتجون عليه منذ أسابيع قرب جسر السنك القريب، حيث تم قطع الكهرباء.

وسقط خلال هذه الهجمات 25 قتيلا و130 مصابا من المتظاهرين، حسب مسؤولين حكوميين، فيما أعلنت قوات من الجيش أنها سيطرت على المكان في اليوم التالي.

وكانت تلك الهجمات أحد أكثر الهجمات دموية منذ انطلاق الاحتجاجات مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، للمطالبة بإجراء إصلاحات سياسية شاملة وإنهاء النفوذ الإيراني في شؤون العراق.​

وتعليقا على تلك الهجمات قبل انطلاق مليونية الثلاثاء، غرد الناشط السياسي غيث التميمي على حسابه بتويتر قائلا: "افتحوا فوهات بنادقكم، اغرسوا سكاكينكم في صدور الأحرار من العراقيات والعراقيين، أخطؤوا، اعتقلوا، والله لن تزيدوا هذه الثورة إلا رسوخا وثباتا وقوة ومنعة".

وأضاف: "هذه ثورة، تنشد وطن والوطن يستحق والثورة صامدة. راجع يا شباب الثورة وسوف نتشارك الاختناق والدم كما كنا سابقا"، في إشارة إلى قدومه من لندن مكان إقامته للمشاركة في المليونية.

إدانات دولية

وعبرت العديد من الجهات الدبلوماسية والدول عن الاستنكار والتنديد، تجاه الهجمات على المتظاهرين وقتل وإصابة لما يزيد عن 150 معتصما في ساحة الخلاني وسط بغداد.

وأعرب السفير التركي في بغداد، فاتح يلدز، السبت، عن حزنه لما تعرض له المتظاهرون في ساحة الخلاني ببغداد. وقال يلدز في تغريدة على "تويتر": إن "ما حدث في بغداد، الجمعة، أحزنني كثيرا، ليس فقط كممثل دولة صديقة فحسب، وإنما كإنسان وكبغدادي. يجب أن ينتهي هذا فورا.. قلبي مع عوائل وذوي الضحايا".

كما أدانت السفارة الفرنسية في بغداد، الهجوم الذي تعرض له المتظاهرون، وذكرت السفارة في تغريدة على "تويتر"، أن "سفارة فرنسا في العراق، تدين الهجوم المميت ضد المتظاهرين قرب ساحة التحرير الليلة الماضية (الجمعة). يجب الكشف عن هوية المذنبين بوضوح وعليهم أن يعرضوا على العدالة بسبب هذه الأفعال الشنيعة".

وأفادت السفارة الأمريكية في بغداد أيضا، بأن أعمال العنف الوحشية التي وقعت الليلة الماضية ضد المتظاهرين العزل كانت مروعة ومرعبة. كما أن سفير  الاتحاد الأوروبي ببغداد أدان بشدة الهجوم على المتظاهرين.

ونددت جهات حقوقية وشخصيات شعبية وناشطون الجريمة المروعة، مؤكدين أنها تأتي في إطار أساليب القمع الحكومية التي تستخدم الميليشيات المسماة حكوميا بـ"الطرف الثالث".

ويرى مراقبون أن اندفاع المليشيات بقوة خلال الأيام القليلة الماضية لشن هجمات ضد المتظاهرين في بغداد، ربما يزداد حتى يوم انطلاق المظاهرة الكبرى، الثلاثاء، الأمر الذي يؤكد أن زيادة زخم الاحتجاجات يرعب الطبقة السياسية والمليشيات المتسلطة على العراقيين منذ 16 عاما.

ورغم استقالة رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي في 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد شهرين من اندلاع المظاهرات، إلا أن المتظاهرين لم ينهوا احتجاجاتهم التي تندد بالمحاصصة الطائفية التي أوجدتها الطبقة السياسية الحالية عقب الغزو الأمريكي، والتغول الإيراني في القرار السياسي والتحكم بجميع مفاصل الدولة.

ويطالب المحتجون بتغيير شامل للعملية السياسية، تكون أحد شروطه منع ترشيح أي شخصية سياسية تسلمت منصبا في الدولة أو شغلت مقعدا في البرلمان على مدار السنوات الـ16 الماضية.