تطور غير مسبوق.. كيف تمكن الحوثيون من إسقاط أفضل مسيّرات أميركا؟

يوسف العلي | منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في حصيلة غير مسبوقة، كشفت السلطات الأميركية عن سقوط سبع طائرات من طراز "إم-كيو 9 ريبر" على يد جماعة الحوثي اليمنية، الأمر الذي يُشكل تطوّرا في مسار الهجمات التي تشنها ضدها.

وفي 29 أبريل/ نيسان 2025، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية “بنتاغون” ضرب أكثر من ألف هدف في اليمن منذ أن بدأت عدوانها الجوي المكثّف ضد جماعة الحوثي.

ومنذ 15 مارس/ آذار 2025، تنفذ أميركا مئات الغارات على اليمن، ما أدى إلى مقتل وإصابة المئات، وتأتي هذه الغارات بعد أوامر أصدرها الرئيس دونالد ترامب لجيش بلاده بشن "هجوم كبير" ضد جماعة الحوثي، قبل أن يهدد بـ"القضاء عليها تماما".

غير أن الجماعة تجاهلت تهديد ترامب، واستأنفت قصف مواقع داخل إسرائيل وسفن في البحر الأحمر متوجهة إليها، ردا على استئناف تل أبيب منذ 18 مارس حرب الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في غزة.

ورغم العدوان الأميركي المكثف، إلا أنه فشل في ردع “الحوثي” التي تواصل قصف المواقع العسكرية الإسرائيلية، وفي 2 مايو/ أيار 2025، أعلنت الجماعة نجاحها في قصف قاعدة “رامات ديفيد” الجوية شرق منطقة حيفا المحتلة" شمال إسرائيل، بصاروخ باليستي فرط صوتي من نوع “فلسطين2”.

إعاقة الهدف

في 28 أبريل، أعلن مسؤول أميركي، أنّ الولايات المتّحدة خسرت في اليمن منذ منتصف مارس، سبع طائرات مسيرة من طراز "MQ-9 Reaper" (إم-كيو 9 ريبر)، التي يبلغ سعر الواحدة منها 30 مليون دولار تقريبا.

ونقلت إذاعة "مونت كارلو" الفرنسية، عن المسؤول الأميركي (لم تسمه) أنّه "منذ منتصف مارس/ آذار، فقدنا سبع طائرات من طراز إم كيو-9، كان آخرها في 22 أبريل، من دون أن يوضح ما إذا كانت هذه الطائرات قد أسقطت بنيران الحوثيين أم فقدت لأسباب أخرى.

على الصعيد ذاته، قالت شبكة "سي إن إن" الأميركية في 25 أبريل، إنها علمت من مصادر (لم تسمها) أن "الحوثيين في اليمن ينجحون في إحباط العملية العسكرية الأميركية ضدهم".

وبينما كانت الولايات المتحدة تأمل في الانتقال إلى المرحلة الثانية من هذه المهمة لاستهداف وقتل كبار قادة الحوثيين، وفق الشبكة الأميركية، لكن هذا الهدف أعاقه قدرة الحوثيين على إحباط أفضل أدوات التجسس لدى واشنطن، وهي المسيّرة الأميركية (إم-كيو 9 ريبر).

وبحسب الشبكة الأميركية، فقد تعهدت إدارة ترامب بمواصلة الحملة حتى يعجز الحوثيون عن مهاجمة السفن في البحر الأحمر، لكن "يبدو أن هذا الهدف مازال بعيد المنال حتى الآن".

يأتي هذا بالتزامن مع إعلان الجيش الأميركي في 28 أبريل، عن سقوط مقاتلة نوع "أف 18" من على متن حاملة الطائرات "هاري ترومان" الأميركية الموجودة في مياه البحر الأحمر، والتي تشارك في الحملة العسكرية ضد مواقع الحوثيين في اليمن.

وقالت البحرية الأميركية: إن أحد بحاريها أُصيب بجروح طفيفة عندما سقطت المقاتلة وقاطرتها من على متن حاملة الطائرات. وتبلغ كلفة هذه الطائرة المقاتلة التي تصنعها عملاق الطائرات "بوينغ" 67 مليون دولار.

وفي وقت سابق، نقلت قناة المسيرة التابعة للحوثيين عن الناطق العسكري باسم الجماعة يحيى سريع قوله: إن قواتهم استهدفت حاملة الطائرات "ترومان" وقطعها الحربية في البحر الأحمر، ردا على ما وصفها بـ"مجازر العدوان الأميركي".

واقتربت التكلفة الإجمالية للعدوان الأميركي ضد الحوثيين من مليار دولار في أقل من 3 أسابيع منذ انطلاقه، رغم أن تأثير الهجمات كان محدودا في تدمير قدرات الحوثي، وفق "سي إن إن".

احتمال تدخل الصين

وبخصوص كيفية تمكن الحوثيين من إسقاط هذه الطائرات، قال الخبير العسكري اليمني العميد، محمد الكميم، إن "هذ يعد أحد المؤشرات على دخول السلاح الروسي أو الصيني في إطار هذه المعركة، والأمر معروف بالنسبة للعداء بين أميركا وهاتين الدولتين".

وأضاف الكميم لـ"الاستقلال"، أن "الدولتين (روسيا والصين) تزودان الحوثي بالأسلحة المختصة بإسقاط الطائرات- والتي نعتقد أنها قد تكون أجهزة تشويش أكثر منها أسلحة نارية، إضافة إلى تزويد الصين الحوثيين بالمعلومات الواردة من القمر الصناعي الخاص بالجيش الصيني".

لكن فيما يخص استمرار المعركة، أكد الكميم أن "الضربات الأميركية لم تتأثر وتيرتها على الإطلاق، وأن الولايات المتحدة تستخدم الأقمار الصناعية في الحصول على المعلومة، إضافة إلى المعلومات التي تصلها من الأرض، وهذا تؤكده الضربات المركزة والدقيقة جدا".

ما يظهر من الأحداث، بحسب الكميم، هو أن "أميركا تتجنب الدخول في معركة مع هذه المليشيات، أي أنها تضرب بدون إرادة القتال الحقيقية، وأن هدفها الحد من القدرات الحوثية والضغط العسكري عليها حتى تقبل بإيقاف الهجمات (ضد إسرائيل)".

ورأى الخبير العسكري أن "الهجمات الأميركية تأتي ضمن رسائل الضغط على إيران حتى تقبل بشروط التفاوض في الملف النووي، بمعنى أن كل الضربات ليس الهدف منها إنهاء الحوثيين والقضاء عليهم، وإنما الأمر لايزال في إطار المساومات".

وأعرب الكميم عن اعتقاده بأن "الضربات الأميركية مهما بلغت قوتها ضد الحوثيين، فإنها لن تكون حاسمة في المعركة، ولا تؤدي إلى استئصال هذه المليشيا والإجهاز عليها، وإنما تأتي في إطار التفاوض على قدراتها والحد منها".

وشدد على أنه "إذا لم يترافق مع هذه الضربات الأميركية تغييرات على أرض الواقع، وعملية برية بالتعاون مع حكومة الشرعية اليمنية (معترف بها دوليا) لاستئصال هذه المليشيات، فإن كل ما تفعله أميركا لن يؤدي إلى نتيجة".

وتوقع الكميم أنه "في حال توقفت الضربات الجوية الأميركية في أي لحظة، فإن الحوثي ستخرج وتعلن الانتصار وستتزود بالأسلحة من جديد وتعيد جاهزيتها. وتبدأ مجددا في معاداة المجتمع الدولي سواء عبر خط الملاحة البحري أو عبر مصالح العالم في المنطقة".

ولفت إلى أن "الحوثي تعيش في منطقة جغرافية واسعة باليمن، وأن الضربات الأميركية هذه لن تنهي قدراتها، وذلك لأنها تتحصن في الجبال، رغم أن الضربات توجعهم وتؤثر فيهم اقتصاديا وكذلك تضغط على إيران، لكنها في النهاية لن تؤدي إلى حسم المعركة واجتثاث الحوثيين".

وتجدر الإشارة إلى أنه لم تصدر أي اتهامات أميركية إلى الصين وروسيا بخصوص دعم الحوثيين، واقتصرت الاتهامات على إيران.

"قاتلة سليماني"

المسيرة "إم كيو-9 ريبر" الهجومية الرئيسة لدى القوات الجوية الأميركية، تُستخدم في تنفيذ المهام القتالية وجمع المعلومات الاستخباراتية ضمن عمليات الاستطلاع. 

تمتاز بقدرتها على التحليق فترات طويلة وعلى ارتفاعات عالية تتجاوز 15 كيلومترا، كما أنها مزوّدة بأجهزة استشعار متقدمة واسعة النطاق، وأنظمة اتصالات متعددة الوظائف، إضافة إلى حزمة من الأسلحة الدقيقة التي تعزز كفاءتها في ميدان القتال.

الطائرة صنعتها شركة "جنرال أتوميكس"، تطويرا لنسخة سابقة أطلق عليها اسم "إم كيو-1 برداتور"، بهدف تلبية متطلبات الرصد والمراقبة والاستطلاع، إضافة إلى مهام البحث والإنقاذ والضربات الأرضية الدقيقة، وقد زُودت بمنصات إطلاق صواريخ.

في عام 2001 دشنت المسيرة أولى رحلاتها التجريبية، وفي عام 2007 أبرمت القوات الجوية الأميركية عقدا مع الشركة لتصنيع أكثر من 300 مسيرة، قدرت تكلفة الواحدة منها بـ30 مليون دولار، وفق تقرير صادر عن خدمة أبحاث الكونغرس عام 2022.

وبحلول عام 2021، أصبحت المسيرة واحدة من أكثر الطائرات بدون طيار انتشارا ضمن أسطول سلاح الجو الأميركي، ومزودة بأنظمة تحكم أرضية متطورة واتصالات ومخزون قطع غيار متكامل.

تشغيل هذه المسيرة يجرى عن بعد بواسطة فريقين في نحو 20 قاعدة منتشرة في 17 ولاية أميركية، ويقود أحد الفريقين المهمة ويتحكم في الطائرة، بينما يشغل الآخر أجهزة الاستشعار ويوجه الأسلحة.

ووفقا لتصنيف وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، يحمل اسمها دلالات وظيفية محددة؛ فيُشير الحرف "إم" إلى كونها طائرة متعددة المهام، بينما يدل الحرف "كيو" على أنها موجّهة عن بُعد، أما الرقم 9 فيرمز إلى ترتيبها ضمن سلسلة المسيرات في منظومة التسليح الأميركية.

تتميز مسيرة "إم كيو-9 ريبر" بهيكل انسيابي وتصميم هندسي يعكس كفاءتها العالية في تنفيذ المهام الجوية المتعددة، يبلغ طولها نحو 11 مترا، وتمتد أجنحتها بعرض 20.1 مترا، بينما يصل ارتفاعها إلى3.8  أمتار.

تزن في وضعها الفارغ حوالي 2220 كيلوغراما، ويصل وزن الإقلاع الأقصى إلى 4760 كيلوغراما. تستطيع المسيرة "إم كيو-9 ريبر" التحليق على ارتفاع يصل إلى 45 ألف قدم، وتتجاوز سرعتها القصوى 300 كيلومتر/ساعة.

تتمتع الطائرة بسعة وقود تصل ما يعادل 1814 لترا، أما الحمولة القتالية القصوى، فتبلغ نحو 1700 كيلوغرام، وهو ما يتيح لها حمل مجموعة متنوعة من الذخائر والمستشعرات.

تمتاز مسيرة "إم كيو-9 ريبر" بقدرات قتالية متقدمة تجعلها منصة إستراتيجية للضربات الدقيقة والاستطلاع طويل المدى، إذ يمكنها التحليق لمسافة تفوق ألفي كيلومتر من دون الحاجة للتزود بالوقود، والعمل في ظروف جوية قاسية مدة تزيد عن 27 ساعة متواصلة.

"إم كيو-9 ريبر" تتميز أيضا بقدرات تسليحية متطورة ومتنوعة تجعلها من أبرز الطائرات المقاتلة بدون طيار  في ميادين القتال الحديثة، فهي قادرة على حمل ما يصل إلى 8 صواريخ موجهة بالليزر، إضافة إلى 16 صاروخ "جو أرض" من طراز "إيه جي إم-114 هيلفاير".

وتعتمد على أنظمة استشعار مميزة، فهي مجهزة بكاميرات تعمل بالأشعة تحت الحمراء وأجهزة استشعار فائقة الدقة قادرة على مسح ميداني بزاوية 360 درجة.

يتضمن نظامها الراداري المتطور خاصية مشاركة البيانات مع الطائرات الأخرى أو مراكز القيادة الأرضية، ما يمنحها دورا محوريا في إدارة العمليات العسكرية المتقدمة، إضافة إلى ذلك يسمح بالتحليق على ارتفاع يصل إلى 50 ألف قدم (15240 مترا).

ونفذت طائرة "إم كيو-9" عددا من المهام فوق العراق وأفغانستان وسوريا وعدد من الدول الأخرى، فقد استخدمها الجيش الأميركي في اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في بغداد عام 2020، واغتيال زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في كابل الأفغانية بعدها بعامين.