"خيار إستراتيجي".. ما أهمية إنشاء خط لربط الغاز الطبيعي بين تركيا وسوريا؟

"من شأن ضخ الغاز أن يحسن من تكلفة الإنتاج بسوريا"
تواصل تركيا مد يد لسوريا الجديدة في النهوض من جديد وتدوير عجل اقتصاد هذا البلد المجاور عبر طرح "مشاريع إستراتيجية" تسهم في تحسين حياة السوريين وتثبيت الاستقرار.
وفي خطوة متقدمة، أعلن وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار، في 2 مايو 2025 أنه سيتم إنشاء خط لربط الغاز الطبيعي بين تركيا وسوريا خلال أسابيع قليلة.
وقال بيرقدار خلال جلسة نقاش ضمن قمة الموارد الطبيعية في إسطنبول، إن "تركيا ستتمكن من إمداد محطات الطاقة السورية بالغاز".

دعم تركي
في 3 مايو/أيار 2025، حضر وزير الطاقة السوري محمد البشير قمة الموارد الطبيعية في إسطنبول، وقال لوكالة الأناضول: إن سوريا تسعى إلى جذب استثمارات أجنبية في قطاع الطاقة، من الاستكشاف إلى التعدين، وترحّب بالشركات التركية للمشاركة في إعادة إعمار البلاد بعد الحرب.
وأضاف البشير أن "هذه الفرص تشمل الاستكشاف والحفر والتكرير والنقل في قطاع النفط والغاز، فضلا عن إعادة تأهيل خطوط الكهرباء ومحطات الطاقة، وإعادة بناء المصافي، وأنشطة التعدين".
وأشاد الوزير السوري بالدعم التركي المستمر لسوريا، وسلط الضوء على الجهود التركية الأخيرة لتوفير الكهرباء لشمال سوريا، مبينا أن البلدين على وشك توقيع اتفاقية لخط نقل كهرباء بقوة 400 كيلو فولت يمتد من تركيا إلى سوريا.
ولفت الوزير السوري إلى أنه يجرى العمل على إعادة تأهيل خط أنابيب الغاز الطبيعي الواصل بين كلس (جنوب تركيا) وحلب (شمال سوريا).
وأردف "بمجرد تشغيله، سيُمكّنه من إمداد محطات توليد الطاقة في سوريا بستة ملايين متر مكعب من الغاز يوميا، مما يُحسّن وضع الطاقة لدينا بشكل ملحوظ".
وأوضح وزير الطاقة السوري أن الاستعدادات جارية لإنشاء خط نقل كهرباء جديد بين الريحانية في تركيا ومنطقة حارم في سوريا، والذي سيتم من خلاله إيصال نحو 80 ميغاواط من الكهرباء إلى شمال سوريا بمجرد الانتهاء من عملية المناقصة.
وأشار البشير إلى استعداد سوريا لإطلاق سلسلة من المشاريع الاستثمارية في قطاع النفط والغاز، كما أكد على خطط تطوير قطاع التعدين في البلاد مع التركيز على الفوسفات والليثيوم.
واستذكر البشير دعوة وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار للتنقيب عن الغاز الطبيعي في البحر خلال مناقشاتهما، وقال: إن البلدين سيوقعان اتفاقية إطارية للتعاون الأوسع في مجال الطاقة.
وكانت سوريا من أكبر منتجي النفط والغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، لكنها شهدت انخفاضا حادا في إنتاجها عقب عام 2011.
وانخفض إنتاج النفط من 383 ألف برميل يوميا، وإنتاج الغاز الطبيعي من 316 مليون قدم مكعب يوميا إلى جزء ضئيل من هذه المستويات، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية.
ومنذ عام 2017، تقوم تركيا بتزويد المناطق في الشمال السوري المحاذي لها بالكهرباء والوقود؛ حيث تشهد تلك المناطق وهي إدلب وريفها وبعض أرياف حلب والحسكة والرقة استقرارا في تغذية الطاقة.
وتضررت البنية التحتية للطاقة في سوريا بشدة خلال الـ 14 سنة الماضية مما جعل توليد الكهرباء لا يتجاوز 30 بالمئة من طاقته قبل عام 2011.
وبدأت الحكومة الجديدة معركة شاقة لاستعادة أمن الطاقة وتزويد المؤسسات الحكومية والمستشفيات ومحطات الكهرباء بالمحروقات اللازمة.
ويبلغ متوسط إمدادات الكهرباء اليومية ساعتين إلى ثلاث ساعات فقط في معظم المناطق.
إلا أن ربط الغاز من تركيا إلى سوريا يبشر بتخفيف هذه الأزمة من خلال ربط محطات الطاقة السورية بشبكة الإمداد التركية الأكثر متانة.
وتظهر البيانات أن قدرة سوريا على توليد الكهرباء انخفضت من 12 ألف ميغاواط في عام 2010 إلى أقل من 3600 ميغاواط بحلول عام 2024، وهو ما يؤكد على أهمية ربط البلاد بالغاز.

سوق جديد
تمتلك تركيا بنية تحتية مهمة في الغاز الطبيعي عبر خطوط أنابيب السيل الأزرق عبر البحر الأسود والسيل التركي وتاناب لنقل الغاز الأذربيجاني إلى أوروبا.
وحققت تركيا نجاحا في تطوير خطوط أنابيب الطاقة المختلفة التي لا تغذي السوق التركية فحسب، بل تعمل أيضا كمصدر لإمدادات الغاز إلى أوروبا.
وتعد أذربيجان واحدة من موردي الطاقة الرئيسين في العالم؛ حيث إن 12 دولة بما في ذلك عشر دول في أوروبا، تتلقى الغاز الأذربيجاني.
وفي خطوة تدل على التزام أعمق بتكامل الطاقة فقد دخلت اتفاقية تعاون تاريخية في مجال الغاز الطبيعي حيز التنفيذ في 5 مارس/أذار 2025 بين تركيا وأذربيجان؛ حيث تسهل هذه الاتفاقية نقل كميات إضافية من الغاز الأذربيجاني من منطقة بحر قزوين إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا عبر خطوط أنابيب موسعة.
وفي عام 2022، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن حكومته تستعد لإنشاء سوق دولي متقدم للغاز الطبيعي في البلاد.
كذلك تعد تركيا أحد المسارات الأكثر موثوقية لإمدادات الغاز من روسيا عبر أراضيها لأوروبا وذلك عبر خط "السيل التركي" حيث تبلغ قدرته الاستيعابية 31.5 مليار متر مكعب، علاوة على أن أحد خطوط هذا المشروع مخصّص للتصدير إلى البلدان الأخرى.
و"السيل التركي"، مشروع افتتح في 8 يناير/كانون ثاني 2020 لمد أنبوبين بسعة 15.75 مليار متر مكعب من الغاز سنويا لكل منهما، من روسيا إلى تركيا مرورا بالبحر الأسود، بحيث يغذي الأنبوب الأول تركيا، والثاني دول أوروبا.
وضمن هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو، لـ"الاستقلال": المشروع سيفيد في المحصلة في الاستقرار الاقتصادي لسوريا نظرًا لمعاناة هذا البلد لأزمة كبيرة في الطاقة سواء مستوى الغاز أو المحروقات ولهذا من شأن ضخ الغاز أن يحسن من تكلفة الإنتاج بسوريا وقدرة المنتج السوري على المنافسة في حال الحصول على أسعار طاقة بسعر مقبول".
وأضاف شعبو قائلا: "بسبب الدمار في البنية التحتية لإمدادات الغاز بين المحطات الداخلية فإنه لا بدَّ من الاعتماد على مصادر أخرى للطاقة على سبيل المثال عبر تركيا".
وأردف شعبو قائلا: "لذلك مشروع لربط الغاز الطبيعي بين تركيا وسوريا هو جزء من مشروع إستراتيجي لتركيا التي لها ثقل عسكري في الشمال السوري المحاذي لحدودها الجنوبية عبر دعم فصائل سورية محلية هناك".
ولفت شعبو إلى أن "تركيا تريد تعزيز مكانتها كمركز إقليمي للطاقة وإحياء سوق جديد لتصدير الغاز ومن هنا يمكن النظر إلى خط ربط الغاز الطبيعي بين تركيا وسوريا بحيث تقوم تركيا التي تستورد الغاز من روسيا وأذربيجان بأن تسوق أنقرة فائض الغاز المستورد إلى سوريا في هذا التوقيت الذي تبحث فيه دمشق عن مصادر طاقة تلبي احتياجاتها المتزايدة والضرورية لتدوير عجلة الاقتصاد وتحسين الخدمات للمواطنين".
واعتبر شعبو "أن الحديث عن خط لربط الغاز الطبيعي بين تركيا وسوريا يأتي في توقيت مدروس في ظل انفتاح الدول على سوريا الجديدة ومحاولة بعض الدول العربية جذب سوريا إلى الملعب العربي".
وأوضح شعبو أن "خطا لربط الغاز الطبيعي بين تركيا وسوريا يمكن حسب التوقعات والترجيحات أن ينطلق من ولاية غازي عنتاب التركية المحاذية لمحافظة حلب السورية ولإدلب بحيث يكون مسار خط الغاز مؤمن وبحماية الفصائل السورية المدعومة من أنقرة في الشمال السوري".

شبكة إقليمية
ويُعد ربط الغاز بين تركيا وسوريا خطوة جريئةً ذات فوائد إنسانية وجيوسياسية فورية.
فبالنسبة لتركيا، يُعزز هذا المشروع أمن الطاقة ونفوذها الإقليمي، بينما يُوفر لسوريا شريان حياةٍ لاستعادة الخدمات الأساسية.
ومع ذلك، فإن نجاح المشروع على المدى الطويل يعتمد على عوامل تتجاوز تدفقات الغاز بكثير، وعلى رأسها رفع العقوبات الغربية والأميركية عن سوريا وتحول البلاد إلى حالة استقرار سياسي.
وضمن هذه الجزئية يرى شعبو أن "هذا الخط سيكون محدودا وبين دولتين متجاورتين يلبي احتياجات سوريا في هذه المرحلة المهمة والذي من المحتمل مستقبلا أن يتطور كي يصبح جزءا من شبكة إقليمية تربط تركيا بخطوط أخرى لبعض الدول".
وللدولة السورية الجديدة مصالح في مجال الطاقة تتجاوز استخدام البلاد كمنطقة عبور لأنابيب الغاز، فسوريا راهنا بحاجة ماسة إلى إمدادات مستقرة من النفط والغاز لبقاء عجلة الاقتصاد في حالة دوران وجذب للمستثمرين ورفع مستوى المعيشة.
وانطلاقا من موقع سوريا الإستراتيجي، فإن الخط الذي يجرى الحديث عنه عبر تركيا، ليس هو المشروع الوحيد لربط الطاقة عبر هذا البلد.
فهناك مشروع "خط أنابيب الغاز الطبيعي بين قطر وتركيا" مرورا بسوريا الهادف لوصول الغاز الطبيعي القطري إلى الأسواق الأوروبية عبر تركيا، إلا أنه جرى تجميد هذا المشروع عام 2009.
وكما هو معروف تعد قطر من أهم المُصَدِّرين في سوق الغاز الطبيعي، حيث تحتل المرتبة الثالثة عالميا من حيث الاحتياطيات المثبتة بعد كل من روسيا وإيران.
كذلك هناك، خط الغاز العربي الإستراتيجي أنشئ عام 2000 لتصدير الغاز الطبيعي بين مصر والأردن ولبنان وسوريا إلى أوروبا عبر تركيا، لكن توقف بسبب ثورات الربيع العربي.
كان مقررا أن يبلغ طول الخط الإجمالي عند إتمامه 1200 كيلومتر بتكلفة قدرها 1.2 مليار دولار وينقل 10.3 مليارات متر مكعب من الغاز سنويا، وبذلك يشكل أول مشروع إقليمي يمر عبر ثلاث قارات (إفريقيا، آسيا، أوروبا).
أما الاتجاه العام للخط الذي انطلق عام 2003 فهو من العريش المصرية إلى العقبة ثم الرحاب ثم جابر في الأردن ومنها إلى داخل سوريا من درعا لحمص ومنه فرعان الأول إلى حلب (لم ينفذ) ثم إلى الحدود التركية عند مدينة كلس (لم ينفذ) والثاني من حمص إلى طرابلس اللبنانية.
ولعل اهتمام تركيا بالربط الغازي مع سوريا، بشكل مبكر من عمر الدولة السورية الجديدة بسبب كونه يصبّ وفق الخبراء في مشروع تركيا لأن تصبح مركزا دوليا للغاز الطبيعي.
ولهذا كانت تركيا من الدول التي تحدثت بشكل مبكر عقب سقوط حكم بشار الأسد على مساعدة سوريا في مجال الطاقة؛ حيث تقدر خسائر قطاع الكهرباء في سوريا منذ عام 2011 حتى 2020، وفق أرقام حكومية سابقة، بـ 100 مليار دولار، فيما وصلت الخسائر المباشرة وغير المباشرة في القطاع النفطي إلى 95 مليار دولار.
وسبق أن قال وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار خلال اجتماع لحزب العدالة والتنمية الحاكم في 28 ديسمبر/كانون الأول 2024 أي بعد 20 يوما من سقوط حكم بشار الأسد: "سنحدد احتياجات سوريا على صعيد البنى التحتية والطاقة والكهرباء، وسنبذل قصارى جهدنا لضمان استفادة (السوريين) من هذه الخدمات الأساسية".
وفي فبراير/شباط 2025 زار وفد من وزارة الطاقة التركية سوريا، لإجراء فحوصات على البنية التحتية للكهرباء والطاقة هناك.
وعقب سقوط نظام الأسد قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: إن "أنقرة ستفعل كل ما هو ضروري لإعادة إعمار سوريا، بما في ذلك تحسين العلاقات في مجال الطاقة".