غموض يكتنف الأسباب.. ما دلالات توقيت تفجيرات ميناء رجائي الإيراني؟

يوسف العلي | منذ ١٢ ساعة

12

طباعة

مشاركة

مازال الغموض يكتنف أسباب الانفجار الذي وقع في ميناء رجائي الإيراني في 26 أبريل/ نيسان 2025، رغم حديث السلطات عن "إهمال" وراء ما حصل، لكن سياق الأحداث وتوقيت وقوعه جعل من احتمالية وجود أيادٍ خارجية، أمرا متداولا داخل إيران وخارجها.

حادثة انفجار أكبر موانئ إيران التجارية، والتي بدت وكأنها أقرب إلى كارثة مرفأ بيروت عام 2020، أوقعت 70 قتيلا ونحو 1200 جريح، فقد تسبب أيضا في هزة أرضية شعر بها سكان المناطق المجاورة، وصل دويها إلى مسافة 20 كيلومترا من موقع الحادث.

الرواية الرسمية

في وقت أعلن فيه وزير الداخلية الإيراني، إسكندر مؤمني، أن انفجار ميناء رجائي سببه "الإهمال" وعدم احترام الإجراءات الأمنية، فإن صحيفة قريبة من مرشد البلاد علي خامنئي، أشارت بأصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة وإسرائيل.

ونقلت وكالة "تسنيم" الإيرانية في 28 أبريل، بيانا عن لجنة التحقيق في أسباب حادثة ميناء رجائي بمدينة بندر عباس (جنوب)، أن هناك تقصيرا مؤكدا في الالتزام بقواعد السلامة والدفاع المدني، مشيرة إلى وجود مخالفات في بعض التصريحات الرسمية.

وأضاف البيان أن التحديد النهائي لأسباب الحادث يتطلب دراسة شاملة ومتكاملة لجميع أبعاده، وهو أمر يستلزم القيام بإجراءات فنية ومخبرية دقيقة، مؤكدا أن هذه العمليات ستُتابع بسرعة ودون تأخير، وسيتم إعلام الرأي العام بالنتائج فور الانتهاء منها.

وأكدت اللجنة أنها ستتعامل بحزم ودون أي تهاون مع جميع المقصّرين في هذه الحادثة، داعية المواطنين إلى متابعة أخبار التحقيق حصرا عبر اللجنة المشكلة برئاسة محافظ هرمزغان، محمد عاشوري.

وفي 27 أبريل، دعا المرشد الإيراني علي خامنئي عبر منصة "إكس" إلى "تحقيق موسع" في الانفجار، قائلا: إنه ينبغي كشف إذا ما كان ناجما عن "تعمد أو إهمال".

ورأى خامنئي أن الحادث "مدعاة للحزن والقلق"، مضيفا أنه "يتعيّن على مسؤولي الأمن والقضاء إجراء التحقيق الكامل في الحادث.. ينبغي كشف أي تسيب أو تعمد في هذا الحادث، وإجراء المحاسبة وفقا للقوانين".

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" في 27 أبريل، عن مصدر على صلة بالحرس الثوري الإيراني، (لم تسمه)، قوله: إن “ما انفجر هو بركلوريت الصوديوم، وهو مكوّن رئيس في الوقود الصلب للصواريخ”.

لكن المتحدث باسم وزارة الدفاع، رضا طلائي نيك، صرح للتلفزيون الرسمي في 27 أبريل، أنه "لم تكن هناك أي شحنات مستوردة أو مُصدّرة للوقود العسكري أو للاستخدام العسكري في الموقع".

"خيانة داخلية"

وفي السياق ذاته، رأت صحيفة "كيهان"، المقربة من المرشد، أن حديث وسائل الإعلام الغربية عن أن انفجار ميناء رجائي ناتج عن شحنة وقود مستوردة من الصين لأغراض عسكرية ولاستخدامها في الصواريخ، “يهدف إلى تحقيق عدة غايات”.

وأوضحت الصحفية في تقرير لها نشره في 28 أبريل، أن "أول هذه الأهداف هو تبرئة إسرائيل والولايات المتحدة من أي دور محتمل في هذه الحادثة، أما الهدف الثاني، فهو ضرب البرنامج الدفاعي الإيراني".

وذكرت الصحيفة الأصولية، أن تشبيه هذا الانفجار بانفجار مرفأ بيروت، يهدف إلى اتهام إيران باستخدام الموارد والقطاعات المدنية لأغراض عسكرية.

لكن صحيفة "هم‌ ميهن" القريبة من التيار الإصلاحي ومن مؤيدي حكومة الرئيس مسعود بزشكيان، وصفت خلال مقالها الافتتاحي في 28 أبريل، احتمال كون الانفجار "حادثا عرضيا"، وعدم ارتباطه بالجولة الثالثة من المفاوضات بأنه "أمر مستبعد".

وأوضحت في افتتاحيتها الذي حمل عنوان "حول الانفجار" أنه "من غير المرجح أن يكون تزامن هذا الانفجار مع بدء المفاوضات الفنية بين إيران وأميركا صدفة".

وأشارت "هم‌ ميهن" إلى تصريحات سابقة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، قائلا: إن واشنطن رغم معارضتها في هذه المرحلة شن هجوم عسكري على المنشآت النووية الإيرانية، فإنها قد لا تعارض عمليات غير عسكرية من جانب إسرائيل، وفسرتها بأنها تمنح الأخيرة تفويضا لتنفيذ عمليات تخريبية.

وأشارت إلى أن إسرائيل ربما لم تتدخل مباشرة في الانفجار، بل كلّفت به "عملاء أو جماعات قريبة منها"، محذرة في الوقت ذاته من "الخيانة الداخلية".

ولفتت إلى أن "إيران، التي يبلغ تعداد سكانها 85 مليون نسمة، تضم ما لا يقل عن 10 آلاف شخص في مناصب تتيح لهم نفوذا، وأن هؤلاء الأشخاص، إذا افتقروا إلى الشعور الوطني والانتماء، يمكن أن يتسببوا بأقل تكلفة في "خيانة" للبلاد، مما يؤدي إلى أضرار لا يمكن تعويضها.

ونوَّهت الصحيفة إلى أن ما يُعرف اليوم بـ"النفوذ" يتأثر أكثر بالفجوة بين الشعب والنظام، وليس فقط بأنشطة التجسس والاستخبارات، واصفة هذه الفجوة بأنها "مدمرة"، وأنها تخلق شعورا بالاغتراب داخل البلاد.

بصمات إسرائيلية

وما أثار التكهنات عن وجود أيادٍ خارجية تقف وراء الانفجار، هو توقيت حدوثه في الوقت الذي شارك فيه وفدان إيراني وأميركي بالعاصمة العُمانية مسقط في جولة ثالثة من المحادثات غير المباشرة حول برنامج طهران النووي، وأكدا أنها أسهمت في إحراز تقدم بينهما. 

وتعليقا على هذا السيناريو، قال الخبير في الشأن الإيراني، محمد صالح صدقيان، إن "إسرائيل لا تريد أن تصل هذه المفاوضات إلى نتيجة على مقاسات إيران، وإنما تريدها أن تكون على مقاساتها".

وأضاف صدقيان عبر مقطع فيديو بثه على "يوتيوب" في 27 أبريل، أن إسرائيل تريد مفاوضات تجمع كل البرنامج النووي الإيراني"، لافتا إلى أنه "حتى إذا كان هذا السيناريو صحيحا، فإن المفاوض الإيراني يسير بخطى واثقة ومطمئنة".

وتابع: "إذا كانت إسرائيل تقف وراء حادث الانفجار، فإن هذا له عقاب آخر في مكان ما تحدده إيران، لكن ستبقى طهران تسير في المفاوضات لأن لديها هدفا كبيرا، هو إزالة العقوبات". 

واستبعد صدقيان أن “ينسحب المفاوض الإيراني من المحادثات مع الجانب الأميركي؛ لأن هناك حادثا دخلت فيه إسرائيل، بل على العكس فإن هذا الأمر سيعزز من موقفه في التمسك بثوابته حيال التعاطي مع الطرف الأميركي في هذه المفاوضات”.

من جهته، رأى الخبير الأمني والإستراتيجي العراقي، أحمد الشريفي، أن حدوث التفجير في هذا التوقيت وتحديدا بميناء رجائي، وظهور لون دخان مختلف في بداية الأمر وتحوله إلى لون آخر، يوضح بأن الضربة كانت تستهدف وقود صواريخ.

وأضاف الشريفي خلال مقابلة تلفزيونية في 26 أبريل، أن الصين زوَّدت إيران بصواريخ نوع "هايبر سونيك" والتي هي أسرع من الصوت (فرط صوتي)، وهذا يجعل من الحادث ليس عرضيا، وأنه استهدف وقود هذه الصواريخ.

وتوقع الخبير الأمني أن إسرائيل تقف وراء هذا التفجير؛ لأنها لا ترغب في التقارب بين طهران وواشنطن، وأن الرئيس الأميركي أشار إلى أنهم على أعتاب التوافق، وبالتالي "تل أبيب" لا تريد أي تمرير أي اتفاق في هذا الصدد (الملف النووي الإيراني).

وعلى الجانب الإسرائيلي، نقلت القناة "12" العبرية في 26 أبريل، عن مسؤولين (لم تسمهم) تأكيدهم أن إسرائيل غير مسؤولة عن انفجار ميناء رجائي، ولكن لم يصدر تعليق بعد من الجيش الإسرائيلي أو مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عندما سئلا عن صلة الإسرائيليين بالانفجار.

وفي عام 2020، تعرضت أجهزة الكمبيوتر في الميناء نفسه إلى هجوم إلكتروني تسبب في اضطرابات كبيرة في المسارات المائية والطرق المؤدية إلى المنشأة، وكانت إسرائيل تقف وراء ذلك الهجوم ردا على هجوم إلكتروني إيراني سابق، حسبما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" حينها.