تطورات لافتة في العلاقات بين سوريا والعراق.. هكذا أطاحت المصالح بالمخاوف

مصعب المجبل | منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

رغم الهجمات اللفظية الطائفية الصادرة عن المليشيات الشيعية المشاركة بالحكم، إلا أن العراق الرسمي يعمل على فتح صفحة جديدة مع الجارة سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، واضعا عينه على المصالح المشتركة.

فمنذ سقوط الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024 حاولت القوى السياسية المحسوبة على إيران في العراق خلق قطيعة مع سوريا الجديدة، عبر حث الحكومة على عدم التعاون مع القيادة السورية الجديدة برئاسة الرئيس أحمد الشرع.

إلا أن موقف حكومة محمد شياع السوداني المحسوب على المليشيات بدا وكأنه يأخذ مسارا جديدة في العلاقة مع سوريا الجديدة.

وتمثل ذلك بصورة لافتة حينما التقى السوداني مع الشرع في العاصمة القطرية الدوحة في 16 أبريل/ نيسان 2025 بحضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في اجتماع لم يكشف عنه الإعلام الرسمي في الدول الثلاث إلا بعد أيام.

وشكل اللقاء بين السوداني والشرع "مفاجأة سياسية" خاصة على الأطراف الموالية لإيران داخل العراق.

العراق وسوريا الجديدة

ولم يتوقف العراق عند هذا الحد، بل عاد وأرسل "رسائل طمأنة" جديدة إلى سوريا حملها رئيس جهاز المخابرات الوطني حميد الشطري على رأس وفد عراقي زار دمشق في 26 أبريل 2025.

وبحث الوفد العراقي برئاسة رئيس جهاز المخابرات حميد الشطري مع الشرع ومسؤولين سوريين حكوميين "توسعة فرص التبادل التجاري، ومناقشة إمكانية تأهيل الأنبوب العراقي لنقل النفط عبر الأراضي السورية إلى موانئ البحر المتوسط"، حسبما نقلت وكالة الأنباء العراقية. 

كما تناول اللقاء "التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وتعزيز الترتيبات المتعلقة بتأمين الشريط الحدودي المشترك وتقويتها بالضد من أي خروقات أو تهديدات محتملة".

كما عبّر الوفد العراقي "عن دعم العراق وحرصه على وحدة وسيادة الأراضي السورية، وأهمية استقرار سوريا بالنسبة للأمن الوطني العراقي وأمن المنطقة".

بدوره أكد الرئيس السوري أحمد الشرع على “استعداده للتعاون مع العراق في مختلف المجالات”، بحسب وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا”.

وأكد الطرفان بحسب سانا على "تشجيع الاستثمارات بين البلدين وعقد صفقات تجارية... في قطاعات النفط والحبوب"، فضلا عن العمل على "وضع آلية عمل لتشغيل منفذ التنف - الوليد الحدودي بين البلدين".

وهذه هي الزيارة الثانية للشطري رئيس جهاز المخابرات العراقية إلى دمشق منذ سقوط الأسد، حيث كانت الأولى في 26 ديسمبر 2024 والتقى فيها الشرع في القصر الجمهوري بدمشق حاملا رسالة من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

إلا أن الزيارة الجديدة جاءت في وقت يندد فيه عدد من السياسيين العراقيين البارزين في المعسكر الموالي لإيران وأنصارهم، باحتمال زيارة الشرع العراق للمشاركة في القمة العربية المقررة في 17 أيار 2025 تلبية لدعوة رسمية من بغداد.

لكن مع ذلك، فإن تركيز زيارة الوفد العراقي على الشق الاقتصادي وطرح تفعيل مشاريع إستراتيجية، يشير وفق المراقبين إلى محاولة بغداد لفت الأنظار إلى الأهمية المستقبلية للانفتاح على سوريا.

إذ يُعد خط أنابيب النفط العراقي السوري، المعروف باسم "كركوك-بانياس"، من أقدم مسارات تصدير النفط في الشرق الأوسط.

ويعود تاريخ إنشاء الخط إلى عام 1952 بطول يبلغ 800 كيلومتر، وبقدرة ضخ تصل إلى 300 ألف برميل يوميا، وقد توقف العمل به مرارا على مر العقود بسبب التوترات السياسية والأمنية في المنطقة.

ومع أن أنبوب "كركوك - بانياس" يوفر منفذا حيويا لبغداد على البحر المتوسط، إلا أن المشروع لا يزال يواجه تحديات أمنية وفنية كبيرة؛ أبرزها تدهور البنية التحتية للأنبوب الذي تعرّض للاستهداف والتخريب خلال سنوات الحرب في سوريا، بالإضافة إلى التكاليف المرتفعة لإعادة تأهيله، التي تُقدّر بأكثر من 8 مليارات دولار، وفق موقع "الطاقة".

ويمثل الخط خيارا اقتصاديا مثاليا لبغداد؛ كونه يوفر منفذا منخفض التكلفة مقارنة بخط العقبة الذي يثير مخاوف من نهايته في إسرائيل؛ ما يثير انقسامات داخلية في بغداد.

ويشير خبراء إلى أن الخط العراقي السوري أقرب للأسواق الأوروبية ويوفر مرونة أكبر في التصدير دون المرور بقناة السويس.

"رسائل لإيران"

وبحسب مصادر حكومية عراقية؛ فإن إعادة إحياء الأنبوب تمثل أولوية إستراتيجية، لا سيما بعد توقف صادرات العراق عبر ميناء جيهان التركي لمدة عامين؛ إذ تؤكد تقارير حاجة بغداد الماسة إلى بدائل أكثر أمانا واستدامة.

وعقب سقوط الأسد توقفت صادرات النفط العراقية إلى سوريا، حيث كانت شحنات النفط تُنقل عبر الصهاريج إلى مناطق قوات الأسد طوال السنوات الماضية.

وتؤكد تقارير صحفية أن عملية النقل تلك لم تكن بصيغة رسمية إنما كانت تتم بعمليات تهريب ممنهجة تنفذها مليشيات عراقية مرتبطة بإيران حليفة الأسد والتي جلبت عشرات آلاف المليشيات الشيعية الأجنبية للدفاع عنه في السنوات الـ 14 الماضية.

وبحسب ما قال عضو البرلمان العراقي، مصطفى سند، في 26 ديسمبر 2024 فإن العراق كان يزود سوريا بحوالي 120 ألف طن من النفط الأسود شهريا.

وأمام ذلك، بات ينظر إلى محاولات التقارب العراقي مع سوريا الجديدة على أنه محاولة لفصل الموقف العراقي الحالي من سوريا عن موقف إيران.

وضمن هذا السياق، قال الباحث السوري عمار جلو: إن نقطة انطلاق تطوير العلاقات السياسية والأمنية بين بغداد ودمشق يمر عبر تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، اللذين يمكن عدهما متكاملين إلى حدود كبيرة في هذه الساحات".

وأضاف جلو لـ "الاستقلال" أن الطروحات العراقية في تطوير العلاقة اقتصاديا مع سوريا في هذه المرحلة جاءت قبل بدء علاقات رسمية بين البلدين، وقبل إصلاح العلاقة المتوترة نتيجة عدد من القضايا، السياسية والأمنية".

وأردف "صحيح أن تحييد التجارة عن السياسة مبدأ أثبت نجاحه فيما بين العديد من الدول التي شهدت تأزما في علاقاتها، لكن بالحالة السورية العراقية قد يكون الأمر مختلفا، نتيجة الاستقرار الأمني الهش في كلا البلدين، بجانب تشعب قضايا الخلاف، وعدم وجود مؤشرات إرادة سياسية أو جدية الطرفين في حسم موقفهما تجاه بعضهما البعض".

ولفت إلى "هذا الطرح يشير إلى دراية الجانبين العراقي والسوري، أو على الأقل الجانب العراقي، لأهمية تطوير علاقاتها مع سوريا، لا سيما بالوصول إلى الشواطئ السورية، سواء بالخط العراقي السوري للنفط أو بسواه، وهو ما يشكل حافزا للعراق لتطوير العلاقة مع جارتها الغربية، لكسب هامش مناورة واسعة تجاه إقليم كردستان وإيران وتركيا".

واستدرك جلو "وبدوره يفيد سوريا، سواء بإمكانية الحصول على نفط بأسعار تمييزية، أو برسوم الترانيزيت وسواها من تأمين سوق لمنتجاتها أو سلاسل إمداد لاحتياجاتها".

ومضى يقول: "هذه المصالح المشتركة ستسهم في تسريع وتيرة تطور العلاقة السياسية بين الجانبين، رغم معارضة تيارات وقوى سياسية وعسكرية في العراق لهذه العلاقة، هذا بالإضافة إلى ما يفترضه ضرورة تعاون الجانبين فيما يخص مواجهة تنظيم الدولة من تنسيق أمني قد يعزز من أسهم التعاون في مجالات أخرى".

وذهب جلو للقول: "هناك رسالة عربية وصلت للعراق وهي موجهة لإيران بأن التعامل مع سوريا الجديدة أمر لا مفر منه وفيه مكاسب إستراتيجية للعراق".

كذلك وفق جلو فإن "الحديث عن توريد النفط العراقي للسواحل السورية يحمل مشروعا مستقبليا يقلص توريد النفط من كردستان إلى ميناء جيهان التركي، خاصة أن الخلاف كبير ومزمن بين حكومة بغداد وأربيل بشأن المدفوعات والعقود".

 "تحديات مشتركة"

ومع إرسال بغداد رسائل إيجابية تجاه دمشق، قال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني: إن العلاقة بين البلدين هي "علاقة تاريخية وعائلية وتجارية وأمنية".

وأضاف في تصريحات لقناة الجزيرة القطرية في 26 أبريل 2025 "هناك الكثير من المخاطر المشتركة، وأيضا من المصالح المشتركة"، مردفا "نحن اليوم ننظر الى العراق كشريك إقليمي ونريد أن نطور هذه العلاقة التي تعرضت في الماضي للكثير من التشويه على يد نظام البعث العراقي والسوري"، نافيا وجود "أي خلافات حالية". 

وقال الشيباني: "ما يجمعنا هو التحديات الأمنية المشتركة: ضبط الحدود، التعاون والتشارك الاقتصادي، وأيضا نريد أن نكون الى جانب دول المنطقة خاصة العراق ولبنان والأردن وتركيا كدول متجانسة يجمعها التعاون والاحترام".

وكان وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني زار في منتصف مارس 2025 بغداد حيث أكد حينها أن حكومة دمشق تريد "تعزيز التبادل التجاري" مع العراق.

وسبق أن قال السياسي العراقي والبرلماني السابق، مشعان الجبوري: إن "العراق ضحية فيتو إيراني على التعاطي الإيجابي مع سوريا، وإلا فإن الحكومة العراقية في البداية بعثت برئيس المخابرات وبدأت تتحدث بشكل مسؤول، لكن بعدها انقلبت وبشكل مفاجئ".

وأضاف الجبوري خلال مقابلة تلفزيونية في نهاية يناير 2025، أن "الطريقة التي تجرى بها الأمور حاليا في العراق أستنتج أن هناك فيتو إيرانيا، لأن المدونين الشيعة تحولوا من كلام مرن في بداية الأمر إلى آخر حاد، وبدأوا بالتخوين ووصف الإدارة السورية الجديدة بالأعداء، وضرورة سحقهم".

وكان العراق أرسل في 26 أبريل 2025 أول دفعة قمح في إطار منحة مقدمة من الحكومة العراقية إلى سوريا، وذلك استئنافا لمنحة سابقة جمدت مع سقوط نظام الأسد، تقدر كميتها التي سترسل في إطار المنحة بنحو 220 ألف طن.