بعد عام على الإطاحة بالشيخة حسينة.. إلى أين تتجه الأوضاع في بنغلاديش؟

منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بعد مرور عام كامل على التحول السياسي العنيف الذي أطاح برئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة، لا تزال بنغلاديش عاجزة عن الخروج من دائرة الفوضى والاضطرابات.

فقد شهدت البلاد أخيرا مواجهات عنيفة أودت بحياة أربعة أشخاص، في دلالة واضحة على استمرار التوترات العميقة التي تعصف بالمجتمع.

في هذا السياق، تسلط صحيفة "دير شتاندارد" الألمانية الضوء على الأوضاع الراهنة في بنغلاديش، متناولة الصعوبات الكبيرة التي يواجهها رئيس الحكومة الانتقالية، محمد يونس، لإخراج البلاد من أزمتها الراهنة.

توترات متصاعدة 

وشهدت مدينة جوبالجانج، الواقعة على بُعد ثلاث ساعات من العاصمة دكا، مظاهرات بدعوة من الحزب الوطني للتأكيد في ذكرى سقوط النظام السابق على ضرورة إرساء ديمقراطية حقيقية وتحقيق العدالة".

كما احتج الطلاب الجامعيون الذين قادوا هذه المظاهرات على "استمرار الانفلات الأمني وتصاعد العنف، خصوصا مع عودة أنصار حزب رابطة عوامي إلى الشوارع، بالإضافة إلى التنديد بالعنف الطائفي المتزايد ضد الأقلية الهندوسية".

ودعت المظاهرات كذلك إلى "استمرار حظر حزب رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة، رابطة عوامي، ورفض مشاركاته في الانتخابات المقبلة".

وبحسب الصحيفة، تكتسب المظاهرات في مدينة جوبالجانج رمزية كبيرة، إذ إنها مسقط رأس الشيخة حسينة.

وكانت حسينة، التي تُلقب بـ "السيدة الحديدية" في آسيا، قد حكمت البلاد بقبضة من حديد لعقود، لكن موجة احتجاجات واسعة دفعتها إلى الفرار نحو المنفى في الهند، حيث لا تزال حتى اليوم.

"وحينها، علق كثيرون آمالا كبيرة على بداية ديمقراطية جديدة في البلاد"، يقول التقرير.

واستدرك: "لكن بعد مرور عام، تلاشت تلك الآمال، وعادت التوترات السياسية إلى الواجهة، بل وبلغت ذروتها مجددا".

مضيفا أن "قادة الاحتجاجات السابقة أسسوا حزبا جديدا باسم (الحزب الوطني)، والذي دعا لمسيرة في جوبالجانج، لكن أثناء المظاهرة، اشتبك مؤيدو حزب رابطة عوامي مع قوات الأمن والمتظاهرين، مما أدى إلى مقتل أربعة أشخاص وإصابة ما لا يقل عن خمسين شخصا".

"ورغم أن عدد الضحايا هذا العام أقل بكثير مقارنة بما حدث قبل عام -حين قتل نحو 300 شخص أثناء محاولات حسينة قمع المظاهرات بالقوة- فإن الأوضاع لا تزال بعيدة عن الاستقرار"، وفق الصحيفة الألمانية.

إجراءات رمزية 

في غضون ذلك، يقود محمد يونس، الحائز على جائزة نوبل للسلام، الحكومة الانتقالية ويحاول الخروج بالبلاد من أزماتها السياسية والاقتصادية.

ويرى التقرير أنه "رغم توليه زمام الأمور بعد سقوط حكومة حسينة بطلب من المتظاهرين، إلا أن يونس لم ينجح حتى الآن في تحقيق الاستقرار السياسي أو الأمني".

وأردف: "في بادئ الأمر، اتخذ خطوات إيجابية تمثلت في الإفراج عن مئات المعتقلين السياسيين وفتح تحقيقات في انتهاكات يوليو/ تموز 2024 الدامية". 

كما أعلن أخيرا عن توفير خدمة الإنترنت مجانا لمدة خمسة أيام، وهي المدة نفسها التي حجبت فيها الشبكة أثناء قمع الاحتجاجات آنذاك.

إلا أن هذه الإجراءات -بحسب التقرير- "لا تعدو كونها رمزية في ظل استمرار التدهور الأمني والاجتماعي في البلاد".

إضافة إلى الأزمة السياسية، يشير التقرير إلى أن "بنغلاديش تشهد تفاقما في التوترات الطائفية، خصوصا بعد تصاعد الهجمات على أبناء الطائفة الهندوسية، الذين يشكلون أقلية في بلد يغلب عليه الطابع الإسلامي".

وأضاف: "فرغم قبضة حسينة الحديدية، إلا أنها نجحت في كبح جماح الجماعات الإسلامية المتطرفة".

ويعتقد التقرير أنه "مع غياب تلك السيطرة اليوم، عادت هذه الجماعات للظهور بقوة، ما يثير مخاوف من مزيد من التطرف والعنف".

من ناحية أخرى، "تعاني البلاد من أزمة اقتصادية متفاقمة، زاد من حدتها التهديدات التجارية القادمة من الخارج، لا سيما من الولايات المتحدة، حيث ألمح الرئيس دونالد ترامب إلى إمكانية فرض رسوم جمركية بنسبة 35 بالمائة على المنتجات النسيجية البنغالية، وهو ما يهدد أحد أعمدة الاقتصاد المحلي".

فاعلون جدد 

في الوقت ذاته، "أفرز التحول السياسي الجاري في بنغلاديش فاعلين جددا على الساحة السياسية، لعل أبرزهم (الحزب الوطني) الذي بات يتمتع بقوة متنامية، ويقوده زعيم طلابي يدعى نسيم إسلام".

ووفق الصحيفة: "ينظر لهذا الحزب على أنه مقرب من الحكومة الانتقالية، فعلى سبيل المثال، أدان محمد يونس، الاعتداءات التي وقعت في مدينة جوبالجانج، واصفا إياها بـ (الجريمة الشنيعة)".

وأوضح عبر منصة "إكس" أن من يُشتبه في ارتكابهم تلك الاعتداءات هم من أعضاء حزب "رابطة عوامي" المحظور نشاطه.

وفي تطور لافت، بات "الحزب الوطني" يكثف تعاونه مع حزب "الجماعة الإسلامية"، التي وصفتها الصحيفة الألمانية بأنها "لطالما كانت على هامش السياسة البنغالية".

وتابع التقرير: "فبعد يوم واحد فقط من الاشتباكات الدامية، نظم أعضاء الجماعة مسيرة في العاصمة دكا للتعبير عن تضامنهم مع ضحايا جوبالجانج، وتبع ذلك تجمع لآلاف من مؤيدي الجماعة خلال عطلة نهاية الأسبوع في المدينة ذاتها".

ويقدر التقرير أن "هذا التحالف الجديد بين القوى السياسية الناشئة يضع الفريقين التقليديين في بنغلاديش، اللذين هيمنا على المشهد السياسي منذ الاستقلال في عام 1971 وحتى صيف 2024، تحت ضغط كبير".

وأوضح أن "الساحة السياسية في البلاد كانت محصورة بين طرفين رئيسيين: الشيخة حسينة وحزبها رابطة عوامي، والحزب القومي البنغلاديشي".

وأردف: "وقد اتسم كلا الطرفين بحكم استبدادي، حيث كانت السلطة تتناوب بينهما في ظل علاقة عدائية، غالبا ما انتهت بسجن الآخر أو نفيه".

وترى الصحيفة أنه "في مفارقة تاريخية، قد تجد هاتان القوتان نفسيهما مضطرتين إلى التعاون في المستقبل لمواجهة القوى السياسية الجديدة التي تكتسب زخما متزايدا".

من جانبه، أكد محمد يونس أنه لا ينوي البقاء في السياسة على المدى الطويل، إذ أعلن عن إجراء انتخابات في النصف الأول من عام 2026، في خطوة تهدف إلى إعادة البلاد إلى مسار ديمقراطي.

ورجح الموقع أن "يستبعد حزب رابطة عوامي من المشاركة، بعدما بدأت الهيئة الانتخابية في البلاد إجراءات رسمية منذ شهر مايو/ أيار 2025 لمنع ترشح الحزب في الانتخابات المقبلة".