عقد استثماري يعيد ميناء اللاذقية السوري إلى خريطة التجارة الدولية.. كيف؟

مصعب المجبل | منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في خطوة تؤشر لبداية مرحلة جديدة من الانفتاح الاقتصادي، أُبْرِم بحضور الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع "بروتوكول سياسي" يقضي بمنح شركة فرنسية اتفاقية شراكة بين هيئة المنافذ السورية لتشغيل محطة الحاويات في مرفأ اللاذقية على ساحل البحر المتوسط.

وداخل قصر الشعب في العاصمة دمشق، أعلن في الأول من مايو/أيار 2025 عن توقيع عقد استثمار وإدارة لمرفأ اللاذقية لـ 30 عاما بين الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية والشركة الفرنسية العملاقة "CMA CGM" التي يملكها الفرنسي اللبناني رودولف سعادة.

تطوير مرفأ اللاذقية

وبحسب المدير الإقليمي للشركة الفرنسية جوزيف دقاق، فإن العقد يشمل تحديث مرفأ اللاذقية، وتوسيعه، وتعميق حوضه، ليكون قادرا على استقبال سفن أكبر حجما، واستيعاب جميع الكميات المتوقعة من البضائع التي يُنتظر أن تصل إلى سوريا خلال السنوات القادمة.

كما ينص العقد على “استثمار مبلغ 230 مليون يورو”، بينها 30 سيتم ضخها في السنة الأولى، وفقا لما قال مدير المرفأ أحمد مصطفى في الأول من مايو لوكالة الصحافة الفرنسية.

وأوضح أنه في الأربع سنوات التالية سيجري بناء رصيف جديد في المرفأ، بقيمة استثمارية تصل إلى 200 مليون يورو.

وبحسب المسؤول السوري، فإن "عقد تطوير وإدارة مرفأ اللاذقية هو الأول مع جهة دولية للاستثمار في سوريا" بعد سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024.

والرصيف الجديد الذي سيتم بناؤه في محطة الحاويات بالمرفأ سيكون بمواصفات عالمية قياسية، بطول 1,5 كلم وبعمق 17 مترا، وفقا لمصطفى.

ويسمح الرصيف بوصول السفن الكبيرة التي لا تستطيع الآن الدخول الى مرفأ اللاذقية، وسيكون هناك بنية تحتية وفوقية مناسبة لتشغيله.

وبالنسبة للعائدات التشغيلية للمرفأ، أوضح مصطفى أنه “سيتم تقسيمها بين سي أم ايه بنسبة 40 بالمئة والدولة السورية بنسبة 60 بالمئة ”. وأردف: "تتغير النسبة بشكل تصاعدي مع زيادة عدد الحاويات التي ستدخل إلى البلد".

وميناء اللاذقية أهم مرفق حيوي سوري على البحر المتوسط، وتبلغ قدرة المرفأ على استقبال البضائع نحو 13 مليون طن سنويا راهنا.

ويأتي حرص الحكومة السورية على إصلاح مرفأ اللاذقية من دوره في عملية إعادة الإعمار وتسريع حركة التجارة إلى سوريا عبر التخلص من القيود السابقة.

ولهذا عملت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية منذ فبراير/شباط 2025 على تصفية الذمم السابقة المترتبة مع شركة "سي ام اي سي جي أم" المشغلة لمحطة الحاويات في مرفأ اللاذقية خلال العقد الماضي، والتي كان من المقرر أن ينتهي عقدها في سبتمبر من العام المذكور.

وكانت شركة "سي أم ايه سي جي أم" تشغل محطة الحاويات في ميناء اللاذقية خلال فترة حكم الأسد منذ عام 2009 بناء على عقد قديم جرى تجديده أكثر من مرة، قبل التوصل إلى العقد الجديد مع الشركة التي يسيطر عليها رودولف سعادة وأفراد آخرون من عائلته التي لها جذور في سوريا.

وسعادة هو رجل أعمال فرنسي لبناني، ورئيس مجلس إدارة مجموعة "سي إم أيه جي سي إم" CMA CGM، وهي شركة فرنسية لنقل الحاويات والشحن، وثالث أكبر شركة في العالم في هذا المجال، وفي أبريل 2022، قدرت ثروته الصافية بنحو 41.4 مليار دولار.

اللافت أن العقد الذي وقعته دمشق مع عملاق الشحن الفرنسي، جاء رغم استمرار العقوبات الأميركية الأوروبية التي فرضت على سوريا في ظل حكم الأسد والمتعاملين مع نظامه.

وراهنا، تكمن عمليات تطوير المرفأ في توفير الديمومة في سلاسل التوريد لهذا البلد علاوة على تخفيض التكاليف التي كان يدفعها المستورد عند استيراد البضائع عن طريق البر.

إذ تسعى الحكومة السورية الجديدة لتطوير أداء مرفأ اللاذقية ليصبح على مستوى عال يضاهي المرافئ المجاورة.

وأيضا تذليل العقبات التي تقف حائلا أمام تسريع وتيرة عمله وتسهم في تفريغ السفن وشحن البضائع الأمر الذي ينعكس إيجابا على الاقتصاد السوري.

ومن شأن تحديث مرفأ اللاذقية، زيادة عدد الآليات في محطة الحاويات مما يسهم بتسهيل تفريغ البضائع وتفادي أي غرامات مالية بسبب التأخيرات المحتملة.

كما أن سلاسة تفريغ السفن تسهم في جذب التجار، مع تطوير منظومة التسهيلات عما كانت عليه في السابق.

وخاصة في حال إطلاق خطوط بحرية منتظمة بين مرفأ اللاذقية ومرافئ بعض الدول فيما يتعلق بتصدير أو استيراد بعض المنتجات التي لا تحتمل الوقت الطويل أثناء الرحلة.

ففي أبريل 2025 طبقت دائرة التموين البحري في سوريا تخفيضات جديدة على أسعار وقود السفن بهدف تنشيط الحركة البحرية وتعزيز النشاط التجاري في الموانئ السورية، بما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني.

وكشف مدير فرع محروقات محافظة طرطوس أمجد مرتضى، لصحيفة "الوطن" المحلية حينها، عن تزويد أول باخرة بالوقود بالسعر الجديد المخفض البالغ 952 دولارا للطن الواحد، مقارنة بالسعر السابق الذي بلغ 1130 دولارا.

وبشكل عام فإن سوريا على طول الشريط البحري، تمتلك أربعة مرافئ بحرية اثنين منها رئيسين لاستقبال وإرسال الحاويات التجارية وهما اللاذقية وطرطوس، إضافة لمرفأي بانياس وجبلة.

"حصة عادلة"

خلال السنوات الماضية تراجعت الحركة البحرية إلى سوريا بسبب العقوبات المفروضة على نظام الأسد المخلوع ومنع التعامل معه، ولكن عقب سقوطه، فتحت بعض شركات الشحن البحري خطوطا جديدة إلى البلاد.

كان أبرزها إعلان الهيئة العامة للموانئ السعودية (موانئ)، في 25 فبراير 2025 عن إضافة خدمة شحن ملاحية جديدة بين المملكة وسوريا، بطاقة استيعابية تبلغ 858 حاوية قياسية، بهدف تعزيز التبادل التجاري بين البلدين.

وضمن هذا السياق، قال الباحث في الشأن الاقتصادي السوري ملهم الجزماتي، لـ "الاستقلال"، إن “العقد الجديد جرى توقيعه في سياق سياسي واقتصادي”.

إذ إن توقيع الاتفاقية في قصر الشعب بدمشق بحضور ورعاية الرئيس أحمد الشرع، يمنحها زخما سياسيا كبيرا ويعكس إرادة الدولة الجديدة في جذب الاستثمارات الدولية النوعية وإعادة بناء الاقتصاد على أسس سليمة".

وأضاف الجزماتي أن "طول مدة العقد يعكس ثقة دولية أكبر بمستقبل سوريا، يضمن في الوقت نفسه استقرارا طويل الأمد في إدارة وتشغيل المرفق".

ورأى الجزماتي أن “المواصفات الجديدة ستسمح للمرفأ باستقبال سفن الحاويات العملاقة التي لم يكن بإمكانه استقبالها في السابق”.

وهذا التطور سيؤدي إلى زيادة هائلة في القدرة الاستيعابية للمرفأ، سواء من حيث حجم السفن أو عدد الحاويات التي يمكن مناولتها، مما يفتح الباب أمام زيادة كبيرة في حجم التجارة عبره، وفق تقديره.

ولفت الجزماتي، إلى وجود “نقطة أخرى بالغة الأهمية في العقد الجديد هي آلية تقاسم العائدات التشغيلية”.

إذ إن "الأكثر إيجابية هو أن نسب العائدات للحكومة السورية ليست ثابتة، بل ستتغير بشكل تصاعدي لصالحها كلما زاد عدد الحاويات التي تدخل وتخرج من المرفأ".

وأردف قائلا: "هذه الآلية تضمن حصول سوريا على حصة عادلة ومتزايدة من ثمار تطوير المرفأ ونمو نشاطه".

وذهب جزماتي للقول: "إن الأهمية الإستراتيجية للموانئ السورية عموما، ليست من كونها منفذا بحريا للبضائع السورية فقط، بل يمكن أن يستفيد المصنعون والمصدرون في العراق والأردن من خدمات الترانزيت والتحميل ".

وذكر أنه “بالنسبة للمصدرين العراقيين يمكنهم الآن تصدير بضائعهم عن طريق ميناء اللاذقية مما سيوفر لهم الوقت والتكاليف حيث لن يضطروا لشحن بضائعهم إلى أوروبا من الخليج العربي مرورا بقناة السويس ودفع رسوم العبور لها”.

بل "يمكنهم مباشرة شحن بضائعهم برا عبر الأراضي السورية إلى ميناء اللاذقية خلال أيام قليلة فقط وبتكاليف أقل".

 وكذلك "ينطبق الأمر على التجار الأردنيين مما سيحقق موارد مالية إضافية للدولة السورية عبر تحصيلها لرسوم الترانزيت والعبور"، وفق الجزماتي.

"محور تجاري"

وركزت الإدارة السورية الجديدة، فور سقوط الأسد على تعزيز نشاطها التجاري على مختلف الأصعدة، بما فيها الملاحة البحرية.

ولهذا جرى في 31 يناير/ كانون الثاني 2024، إحداث هيئة عامة للمنافذ البرية والبحرية، وإلحاق الجمارك والمراكز الحدودية ومؤسسة المناطق الحرة بها.

وتتولى الهيئة المحدثة، عمليات الإشراف والتنظيم للدخول والخروج الإنساني والتجاري، والإشراف على شؤون الملاحة البحرية وأعمال النقل البحري وتملك واستئجار السفن التجارية والعقارات اللازمة لأعمالها.

وألحقت بهيئة المنافذ كلا من إدارتي مرافئ اللاذقية وطرطوس على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ومديرية الموانئ ومؤسسة النقل البحري وشركة التوكيلات البحرية والجمارك ومؤسسة المناطق الحرة إضافة إلى المراكز الحدودية.

ولا سيما أن دمشق في هذه المرحلة الانتقالية، تسارع الخطى لتحسين واقع المواطنين المعيشي وتحقيق الانتعاش الاقتصادي الذي يسهم في إعادة إعمار البلاد المدمرة، وجلب الدعم من الدول العربية والغربية.

ولذلك، وفق المراقبين فإن عمليات الاستيراد البحري ستفتح آفاقا جديدة للتعافي الاقتصادي في سوريا، وجلب شحنات النفط الخام والمحروقات إلى البلاد لتخفيف أزمة الطاقة القاسية الناجمة عن العقوبات الغربية.

إذ إنه في السنوات السابقة، وبسبب العقوبات المفروضة على سوريا أيام النظام البائد، امتنعت الكثير من شركات النقل البحري عن إرسال سفنها إلى المرافئ السورية.

وقد اضطر أصحاب البضائع لشحن بضائعهم إلى مرافئ الدول المجاورة (العقبة – بيروت – طرابلس)، وإدخالها إلى سوريا عبر المنافذ البرية، وبالتالي أدى ذلك إلى ارتفاع نفقات الشحن والتأمين.

وضمن هذا الجزئية، رأى الخبير الاقتصادي السوري مناف كومان، أن "هذا العقد سيعيد اللاذقية إلى مكانتها بعد تشغيل الميناء ليصبح محورا تجاريا ولوجستيا إستراتيجيا في البحر المتوسط، وفي المنطقة، ويدخل في سباق الموانئ المحموم في العالم".

وأضاف كومان في منشور على فيسبوك “اللاذقية ستفتح آفاقا جديدة للتعافي الاقتصادي في سوريا، وخاصة أن الشركة الفرنسية ستعمل على تحسين البنية التحتية وزيادة كفاءة العمليات في الميناء”.

وذلك "من خلال تعزيز حركة التجارة البحرية عبر سوريا، ودعم إعادة دمجها في سلاسل التوريد العالمية، وجذب استثمارات أجنبية لإعادة إعمار البنية التحتية".