أي مستقبل ينتظر القرن الإفريقي إذا اشتعلت الجبهة الإثيوبية الإريترية؟

"الحرب الإثيوبية الإريترية قد تندلع في أي لحظة"
تتصاعد التوترات بين العدوين القديمين والجارتين اللدودتين، إثيوبيا وإريتريا بسبب سعي أديس أبابا للحصول على منفذ بحري إلى البحر الأحمر.
ويسبب ذلك مخاوف من اندلاع صراع آخر في منطقة القرن الإفريقي بعد سبع سنوات فقط من استعادة العلاقات بين الجارتين.
وفي الأشهر الأخيرة دعت إريتريا، الشباب إلى الالتحاق بالجيش، بينما أفادت تقارير بأن إثيوبيا نشرت قوات عسكرية في المناطق الحدودية المشتركة.
هذه الخطوات المتصاعدة عدها محللون مختصون بالشأن الإفريقي، قد تؤدي إلى مواجهة عسكرية شاملة بين الجيشين.
سبب النزاع
وأصدر “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” في 17 أبريل/ نيسان 2025، تقريرا عن احتمالية تطور النزاع بين الدولتين.
وأورد المجلس (فكري مقره برلين)، أن إثيوبيا وإريتريا "تلعبان لعبة شطرنج محفوفة بالمخاطر، وتقع تيغراي في قلب هذه اللعبة".
ولفت إلى أن “العلاقة تدهورت بين البلدين على مدى السنوات القليلة الماضية، إذ تُشير حكومتا البلدين إلى استعدادهما للصراع”.
وفي فبراير/ شباط 2025، أطلقت إريتريا تعبئة وطنية، وحذت إثيوبيا حذوها في مارس/ آذار من نفس العام، فيما تشير التقارير إلى تمركز أسلحة ثقيلة ووحدات آلية قرب الحدود في منطقة عفار الإثيوبية.
فلماذا اشتعلت الأوضاع على هذا النحو، وإلى أين يمكن أن تصل؟
البداية كانت عندما أبدى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في يناير/ كانون الثاني 2025، استعداده التقرب من جمهورية أرض الصومال المنفصلة (صوماليلاند)، ووضع نصب عينيه ميناء عصب الإريتري.
وصرح آبي أحمد مرارا وتكرارا بأن الوصول إلى البحر أمر "وجودي" لإثيوبيا، التي تعد أكبر دولة غير ساحلية من حيث عدد السكان، البالغ 130 مليون نسمة، ثم وصف في فبراير 2025، خسارة إثيوبيا لساحل إريتريا بـ"الخطأ التاريخي".
بعدها مباشرة أمرت حكومة إريتريا بقيادة الرئيس أسياس أفورقي بتعبئة وطنية، وضم الآلاف من الشباب إلى الجيش.
ومن جهة أخرى، أقدمت على تقويض آبي أحمد من خلال مساعدة أعدائه الذين يقاتلون الجيش الإثيوبي في منطقة أمهرة المتاخمة لتيغراي.
وتشير تقارير إلى أن المخابرات الإريترية ساعدت فصيل جبهة تحرير شعب تيغراي، بقيادة ديبريتسيون، خلال انقلاب مطلع مارس 2025.
حينها أرسلت إثيوبيا دبابات وقوات إلى الحدود الإريترية، وبدأت وسائل الإعلام الرسمية في تضخيم الأصوات التي تبرر مطالبات إثيوبيا بشأن الاستيلاء على ميناء عصب.
قبل العاصفة
وفي 1 أبريل/ نيسان 2025، حذر نائب رئيس إقليم تيغراي، الجنرال تسادكان جبريتينساي، من أن الحرب الإثيوبية الإريترية قد تندلع "في أي لحظة" وأن المنطقة معرضة لخطر "أن تصبح ساحة معركة" مرة أخرى.
ووصف المبعوثان الخاصان السابقان للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى المنطقة، بايتون كنوبف وألكسندر روندوس، التطورات بأنها "فتيل جاف ينتظر عود ثقاب يمكن أن يشعل حربا بين إثيوبيا وإريتريا ".
ومع هذه التطورات، أعلن آبي أحمد أنه يريد أن تستعيد إثيوبيا ميناء عصب سلميا، خلال خطاب في 17 أبريل 2025.
وقال: "إثيوبيا لا تنوي غزو إريتريا للوصول إلى البحر الأحمر.. رغبتنا هي مناقشة الأمر في إطار مبدأ الأخذ والعطاء، بما يعود بالنفع على الطرفين، ووفقا للقانون التجاري".
بعدها في 25 أبريل وخلال مؤتمر صحفي، وبخ وزير خارجية إريتريا عثمان صالح إثيوبيا بسبب خطابها.
وقال صالح: "تشعر إريتريا بالحيرة إزاء طموحات إثيوبيا الخاطئة والبالية للوصول إلى البحر وإنشاء قاعدة بحرية عبر الدبلوماسية أو القوة العسكرية".
وأضاف: "في هذا الصدد، تحث إريتريا المجتمع الدولي وهيئاته المعنية على الضغط على إثيوبيا لاحترام سيادة جيرانها وسلامة أراضيهم".
فتيل تيغراي
وأكد العديد من مراكز الدراسات الراصدة لتوترات القرن الإفريقي، أنه إذا اشتعلت حرب بين الجارتين، ستكون منطقة تيغراي هي الفتيل الذي سيفجر الوضع.
خاصة أنه بعد عامين من المعارك الطاحنة التي أنهكت شمال إثيوبيا، دخلت الحكومة الفيدرالية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في مفاوضات أفضت إلى توقيع اتفاق بريتوريا في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، والذي عد في حينه بارقة أمل لإنهاء الحرب وإرساء السلام داخل البلاد.
لكن الاتفاق الذي جرى توقيعه برعاية دولية أثار استياء إريتريا، رغم نفيها الرسمي لأي نية في تقويضه.
فقد وصف موقف القيادة الإريترية من الاتفاق بأنه يحمل شعورا بالخذلان، بل عده البعض "طعنة في الظهر"، لا سيما أن أسمرة لم تكن طرفا في صياغته، رغم كونها شريكا عسكريا رئيسا لأديس أبابا في الحرب على تيغراي، وتكبدت خسائر بشرية وعسكرية، فضلا عن تعرضها لعقوبات وضغوط دولية بسبب تدخلها في النزاع.
هذا التهميش، بحسب مراقبين، لم يكن عرضيا، بل يعكس إدراك رئيس الوزراء الإثيوبي لرفض الرئيس الإريتري أفورقي أي تسوية سلمية مع جبهة تيغراي، فضلا عن الرغبة الأميركية، بصفتها الراعية للاتفاق، في استبعاد أسمرة، التي طالما اتسمت علاقتها بواشنطن بالتوتر والعداء.
ويعود الموقف الإريتري المتشدد من اتفاق بريتوريا إلى دوافع عديدة، أبرزها تضمنه بندا يضمن بقاء جبهة تحرير تيغراي كقوة سياسية شرعية داخل إثيوبيا، وهو ما ترفضه أسمرة التي طالما سعت إلى تفكيك الجبهة بالكامل.
كما أن الاتفاق مهد لتحالف ثلاثي محتمل بين أديس أبابا وتيغراي وواشنطن، الخصم الجيوسياسي الأبرز لإريتريا، ما عزز مخاوفها من تحول هذا المسار إلى تهديد مباشر لأمنها ونفوذها في المنطقة.
تفاقم الوضع
ويستطيع آبي أحمد أن يسعى إلى التوصل لاتفاق لضمان دعم تيغراي، التي لا تزال تمتلك قوة عسكرية هائلة قوامها 200 ألف جندي، تهدد بها إريتريا، بحسب تقرير مجلة "أفريكا انتيليجنس" في 28 أبريل 2025.
وذكرت أنه في غضون ذلك، يسعى قادة تيغراي الجدد إلى استعادة السيطرة على غرب تيغراي، وهي منطقة خصبة غنية برواسب الذهب، استولت عليها قوات أمهرة المدعومة من إريتريا خلال الحرب السابقة عام 2020.
وحذر أحمد سليمان الباحث في مركز "تشاتام هاوس" للدراسات الجيوسياسية (مقره لندن)، من أن أي محاولة لاستعادة السيطرة عليها قد تشعل حربا جديدة.
وقال سليمان: إن "المسألة الجوهرية هي كيفية تطور الأمور في تيغراي وكيفية رد آبي أحمد، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، فمن المؤكد أن الوضع قد يتفاقم".
وانتهت الحرب رسميا بين حكام تيغراي المتمردين والحكومة الفيدرالية الإثيوبية عام 2022 ، مما أسفر عن مقتل حوالي 600 ألف شخص واغتصاب ما يقرب من 10 بالمئة من النساء اللائي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عاما في تيغراي، وفقا لدراسة أجرتها “المجلة الطبية البريطانية”.
وهناك حادثة أخرى أسهمت في إشعال الموقف، ففي 27 يناير 2025، استضافت أديس أبابا مؤتمرا لجماعة "برقيد ني حمدو- لواء الأرض" المثيرة للجدل والتي بدأت نشاطاتها باستهداف الاحتفالات التي تقيمها الحكومة الإريترية في مناطق الشتات الإريتري في الدول الغربية تحديدا.
ومثل هذا المؤتمر خطوة مهمة في عمل هذه المجموعة، إذ شارك فيه عدد كبير من أعضاء اللواء والمناصرين وبمشاركة من المؤتمر الوطني العفري الإريتري، حيث خلص المؤتمر إلى تبني الخيار العسكري لإسقاط النظام الإريتري.
خلفيات الصراع
وتعد العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا هشة تاريخيا، حيث كانت الأخيرة مستعمرة إيطالية حتى عام 1951 حين خضعت للسيطرة البريطانية وأصبحت جزءا مستقلا من إثيوبيا.
وفي عام 1962، سعت إثيوبيا إلى ضم إريتريا، لكن القوات المقاومة، بقيادة أفورقي، قاومت بنضال مسلح وحصلت على الاستقلال عام 1993.
وفي عام 1998 اندلعت اشتباكات على أراضٍ حدودية متنازع عليها، مما أدى إلى حرب استمرت عامين، قتل فيها ما يقدر بـ80 ألف شخص، وشتت الصراع العائلات عبر الحدود.
بعدها قطعت جميع العلاقات الدبلوماسية والاتصالات بين الدولتين، بداية من النقل والهاتف إلى الشبكات البريدية، وفي عام 2000، منحت الأراضي المتنازع عليها لإريتريا بموجب اتفاق سلام برعاية الأمم المتحدة، لكن الاتفاق لم ينفذ قط.
وعندما تولى آبي أحمد منصب رئيس الوزراء عام 2018، تحرك على الفور لإنهاء التوترات وتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع أفورقي، الذي يحكم البلاد منذ عام 1993.
حتى إن آبي أحمد قال خلال زيارته التاريخية إلى أسمرة بعد عقود من الصراع: "سنهدم الجدار، وبالحب نبني جسرا بين البلدين".
وسرعان ما عادت خطوط الاتصالات والتأم شمل العديد من العائلات، كما بدأت الرحلات الجوية بين العاصمتين أديس أبابا وأسمرة.
لكن الذي حطم تلك المستجدات، طموحات آبي أحمد في السعي للحصول على منفذ بحري مباشر لإثيوبيا، التي لا تطل على أي منفذ بحري، إضافة إلى الخلافات حول اتفاق بريتوريا، ثم دعم المعارضة المسلحة بين الجانبين، ما أسهم في تأجيج التوترات، حتى الوصول إلى حافة الحرب.
ورغم تلك التطورات المنذرة بحرب، لكن "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" أورد أن هناك جهات دولية رئيسة فاعلة، مثل قطر وتركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، يمكن لها أن تتوسط بالتعاون الوثيق مع الاتحاد الإفريقي للتوصل إلى حل دائم للمنطقة.
لكن المجلس تحدث عن جهات إقليمية معنية، يمكن لها أيضا أن تلعب دورا مهما.
وأورد "تتمتع كل من مصر والسعودية بنفوذ كبير على إريتريا، حيث تسعيان إلى الاستحواذ على أراضٍ على ساحل البحر الأحمر، لكنهما ترددتا في دفع أسمرة إلى محادثات مع إثيوبيا نظرا لمصالحهما الإقليمية الخاصة".
وتابع: "تتنافس السعودية بشكل متزايد مع الإمارات على النفوذ في المنطقة، بما في ذلك على الموانئ والوصول إلى التجارة، حيث تقيم أبوظبي علاقات وثيقة مع حكومة آبي أحمد وتدعم الدعم السريع في السودان".
واستطرد: "أما مصر، التي تدعم القوات المسلحة السودانية، فهي في نزاع طويل الأمد مع إثيوبيا حول مياه النيل، وقد تقتنع القاهرة بالتعامل مع إريتريا إذا أبدت إثيوبيا استعدادها لتقديم تنازلات ملموسة في هذا النزاع".
واختتم المجلس بالقول: "بدون هذا الاهتمام الدولي الملتزم بتعزيز المحادثات، فإن تيغراي ومنطقة القرن الإفريقي الأوسع معرضة لخطر المعاناة من المزيد من إراقة الدماء".
المصادر
- Back from the brink: How European support could prevent another Ethiopia-Eritrea war
- تصاعد التوتر الإثيوبي الإريتري: الدوافع والتمظهرات واحتمالات الحرب
- Ethiopia's Afar leadership splits over Issa question
- Power struggle leads to coup in Tigray as war looms between Ethiopia and Eritrea
- What are the signs of tension between Ethiopia and Eritrea?