بعوضة تغير مستقبل الحروب.. كيف صنعت الصين أصغر سلاح في العالم؟

"حال دخلت هذه الطائرة البعوضة إلى منشأة نووية فربما لن يلاحظها أحد"
في خطوة عدها مراقبون إعلانا رسميا عن دخول الصين مرحلة الحرب المجهرية، كشفت جامعة الدفاع الوطني الصينية لتكنولوجيا المعلومات (NUDT)، وهي مؤسسة عسكرية بارزة في مقاطعة هونان، عن نموذج جديد لطائرة بدون طيار صغيرة جدا، بحجم بعوضة.
وظهر النموذج علنا لأول مرة في تقرير بثه تلفزيون الصين المركزي، في 14 يونيو/ حزيران 2025، حيث عرض طالب من الجامعة الجهاز الجديد، وقد صمم للقيام بمهام استطلاعية في ميادين يصعب على الطائرات التقليدية الوصول إليها.
وأعلن أن هذه الطائرة مناسبة للمهام الخاصة، خصوصا الاستطلاع المعلوماتي في ساحات المعركة. كما يقول الطالب الصيني، ويدعى ليانغ هيكسيانغ.
وأشار إلى أن الحجم الدقيق للطائرة "يجعلها قادرة على التهرب من أنظمة الرصد والمراقبة التقليدية".
وطرح الكشف الجديد مناقشات حول إذا ما كانت "مسيرة البعوضة" مجرد نموذج أولي، وأن العالم على وشك الدخول في مرحلة من التسليح "النانوي الصامت".
و"النانوي الصامت"، مصطلح يشير إلى استخدام تقنيات النانو، وهي تقنية المواد على مقياس النانومتر، أي جزء من المليار من المتر، في تطوير أسلحة أو معدات عسكرية صغيرة للغاية، لكنها فعالة بشكل كبير، ويمكنها أداء مهام معقدة ومميتة أحيانا.
وبذلك يمكن أن تتحول الحشرات الاصطناعية إلى أدوات رصد وقتال، وأن هذا التطور لا يخص الصين وحدها، بل هو انعكاس عالمي لموجة تسليح جديدة تقودها التقنية الدقيقة والذكاء الاصطناعي.
وهو ما يثير تساؤلات، عن طبيعة ذلك السلاح الصيني الجديد، وهل سيكون الرد الأميركي والغربي في سياق تطوير مواز؟
مواصفات المشروع
وعندما كشفت بكين رسميا عن أول طائرة بدون طيار بحجم البعوضة، كانت بطول لا يتجاوز 1.3 سم، ومزودة بكاميرات دقيقة وميكروفونات مجهرية وإشارات إلكترونية صامتة تجعل منها عينا تجسسية خفية لا ترصدها الرادارات.
وقال الطالب الباحث ليانغ هيكسيانغ، في لحظة الإعلان: "هذا ليس مشروعا طموحا فحسب، هذا نموذج أولي جاهز لاختراق ساحات المعارك وأجهزة الدول".
وتشبه الطائرة في شكلها بعوضة حقيقية، بجناحين رفيعين كأوراق الشجر، وجسم أسود نحيل، وثلاث أرجل دقيقة تشبه الأسلاك.
لكن ما تحمله في داخلها أكبر بكثير من حجمها، فهي قادرة على التقاط الصور، وتسجيل الأصوات، وتحليل الإشارات الإلكترونية، مع قدرة على الطيران الصامت والتخفي من أنظمة الرصد.
وفي ساحة المعركة، بإمكانها جمع المعلومات من دون لفت الأنظار، وفي المؤسسات الحكومية يمكنها التنقل بين الغرف لتسجيل الاجتماعات أو مراقبة الشخصيات المستهدفة.
وفي حال دخلت هذه الطائرة البعوضة إلى منشأة نووية، أو قاعدة عسكرية، فربما لن يلاحظها أحد، لكنها ستكون قد أنهت مهمتها، بحسب ما أوردته صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية في تقريرها الصادر في 24 يونيو.
وذكرت أن هذا التطور، يشبه إلى حد ما، تجربة "روبوبي" التي طورها مختبر الروبوتات الدقيقة بجامعة "هارفارد" البريطانية، وهو روبوت طائر يقلد حركة الحشرات الطبيعية، بجناحين يخفقان 120 مرة في الثانية، باستخدام عضلات صناعية.
ولفتت الصحيفة إلى أن “الصين اليوم، تذهب أبعد من ذلك، نحو دمج هذه الابتكارات في إستراتيجيتها العسكرية”.
كفاءة عسكرية
ورغم أن الطائرة الجديدة تثير الدهشة لحجمها ومظهرها غير التهديدي، إلا أن جدواها في ساحة المعركة لا يزال محل نقاش.
فوفقا لتحليل نشرته مجلة "نيوزويك" الأميركية، في 25 يونيو، فإن المدى القصير للطائرة، وعمر بطاريتها المحدود، يجعل من قدرتها على إحداث تغيير ميداني مباشر أمرا مشكوكا فيه.
الباحث في مشروع ترومان للأمن القومي، برايس باروس، يرى أن تأثير الطائرة على الحرب المباشرة سيكون "ضئيلا"، لكنه يلفت إلى أهمية النظر في كيفية دمج هذا النوع من التكنولوجيا في الإستراتيجيات الأوسع للحرب غير المتكافئة.
ومن جانبه، يشير تيموثي هيث، الخبير بـ "مؤسسة راند" الأميركية، إلى أن الصين قد تستخدم مثل هذه الطائرات في المهام الاستخباراتية عالية الحساسية، خاصة في المناطق المغلقة أو داخل المباني أو المعسكرات التي يصعب الوصول إليها بطائرات أكبر.
ويعكس هذا التطور في الصين نقلة نوعية في توظيف الذكاء الصناعي والتكنولوجيا الدقيقة في التطبيقات الأمنية والعسكرية.
وأوردت صحيفة "نيويورك بوست" الأميركية، أنه بينما يمكن لهذه الطائرات أن تؤدي مهام نبيلة مثل عمليات الإنقاذ أو البحث في المناطق الخطرة، لكنها تثير أيضا قلقا متصاعدا حول الاستخدامات القمعية أو التجسسية، خصوصا في ظل غياب أطر رقابية دولية فعالة حتى الآن.
وأكملت أنه وفق محللين، فإن الأمر يتوقف على مدى قدرة الصين على دمج هذه المنظومات فائقة الدقة في شبكات الطائرات بدون طيار الأكبر حجما، ومواءمتها مع أنظمة القيادة الذكية.
وهو ما يفتح الباب أمام سيناريوهات معقدة من "سُحب الطائرات الدقيقة" التي تتحرك في تشكيلات هجومية أو تجسسية غير مرئية تقريبا.
ناقوس الخطر
ونقلت صحيفة "ديفينس بوست" الأميركية في تقريرها الصادر في 24 يونيو، عن خبراء قولهم: إن "الاندماج الشديد في هذه الأجهزة يمكنها من التهرب من أنظمة الكشف التقليدية، والعمل بكفاءة في أماكن ضيقة لا تصل إليها الطائرات التقليدية".
وهو ما جعل محللين عسكريين ودعاة الخصوصية يدقون ناقوس الخطر، منهم الباحث في مركز الأمن والتكنولوجيا الناشئة بجامعة “جورج تاون”، سام بريستينك.
وقال في تصريح لافت: "إذا كانت الصين قادرة على إنتاج طائرات بدون طيار بهذا الحجم، فإن الاحتمالات مفتوحة لاستغلالها في التجسس، وحتى عمليات الاغتيال الإلكتروني أو الحروب البيولوجية".
وفي السياق ذاته، أعربت مستشارة الأمن المستقبلي في شركة "غوغل"، تيريسي فوك، عن مخاوفها من استخدام هذه الطائرات في "جرائم لا يمكن تتبعها"، بل وربطت بينها وبين عمليات القتل الموجهة باستخدام "مادة سوداء" أو مخدرات دقيقة يصعب اكتشافها.
ثم تحدثت عما أسمته "القلق الأكبر" الذي يطرحه ظهور هذه الطائرات، وأن الأمر لا يتوقف عند مسألة الخصوصية أو الحرب، بل يتجاوزها إلى أسئلة وجودية حول مدى استخدام الذكاء الاصطناعي في "قتل البشر" دون وجود عنصر بشري مباشر في دائرة القرار.
وتساءلت فوك: “هل تمهد هذه “البعوضة الإلكترونية” الطريق نحو حروب بلا جنود ولا طيارين؟ وهل نواجه مستقبلا تصبح فيه الحشرات أخطر من الطائرات الهجومية؟،وما موقف القوانين الدولية من هذا التحول التقني السريع وغير المقنن؟”
ليست وحدها
ومع ذلك، فإن هناك سباقا عالميا على أصغر سلاح في السماء، فالطائرة الصينية ليست الوحيدة في مضمار المنافسة، فقد سبقتها عدة مشروعات أميركية وغربية، من أبرزها، طائرة "بلاك هورنيت 4" التي أنتجتها شركة "Teledyne FLIR Defense" وتستخدم حاليا من قبل الجيش الأميركي.
أيضا هناك مشروع "روبوبي" من قبل علماء جامعة "هارفارد" البريطانية، وهو مشروع أكاديمي متطور لإنتاج طائرات بحجم الحشرات تستخدم بواسطة الكهرباء الساكنة للتنقل فوق الجدران والأسطح.
وتستطيع بعض نماذج "روبوبي" الانتقال من السباحة تحت الماء إلى الطيران.
وذكر القائمون على المشروع أنه يهدف إلى بناء طائرة ذاتية القيادة يمكن استخدامها في مجموعة واسعة من الأدوار، بدءا من المراقبة ووصولا إلى الرصد الزراعي والبيئي.
كذلك "Blue UAS Refresh"، وهو برنامج وزارة الدفاع الأميركية لتطوير مسيرات صغيرة ذات مدى بعيد ومقاومة عالية للعوامل البيئية.
لكن يبقى للنسخة الصينية ميزتان بارزتان، الحجم الأدق، والقدرة على الإنتاج الكثيف بتكلفة منخفضة، وهو ما يعطي لبكين تفوقا واضحا في هذا المجال، بحسب "نيويورك بوست".
خاصة أن هذا الكشف المذهل عن الطائرة بحجم البعوضة، يأتي في سياق سلسلة ابتكارات صينية تربك الموازين العسكرية التقليدية.
إذ لم يمض أكثر من شهر على إعلان بكين عن تصميم ما وصفته بـ"السفينة الأم الجوية"، وهي طائرة ضخمة تعرف باسم "Jiu Tan SS-UAV"، قادرة على حمل أكثر من 100 طائرة مسيرة صغيرة، بالإضافة إلى حمولات من الصواريخ قد تصل إلى ألف كيلوغرام.
وتتميز هذه الطائرة بجناحين يمتدان لنحو 82 قدما، ما يمنحها القدرة على التحليق على ارتفاعات شاهقة، تتجاوز مدى غالبية أنظمة الدفاع الجوي متوسطة المدى المستخدمة عالميا.
مما يجعلها منصة تهديد متعددة الاستخدامات، ويعزز من صورة الصين كقوة عسكرية تسعى للهيمنة التكنولوجية في سماء الحروب المستقبلية.
المصادر
- China unveils eerie mosquito-sized drone designed for stealth military operations — nearly invisible to naked eye
- China Military Unveils Mosquito-Sized Drones for 'Special Missions'
- China unveils mosquito-sized drone
- China Showcases Mosquito-Like Drone for Covert Military Missions
- الجيش الصيني يطور مُسيرة بحجم بعوضة