فوسفات سوريا يعود للساحة الدولية.. كيف يسهم بانفتاح أوروبا على دمشق؟

مصعب المجبل | منذ ١١ ساعة

12

طباعة

مشاركة

تواصل حكومة دمشق التي أعلن عن تشكيلها نهاية مارس/آذار 2025، توسيع دائرة الانفتاح على الدول، لتحقيق فوائد اقتصادية في هذه المرحلة الحساسة من عمر سوريا الجديدة بعد نهاية حقبة آل الأسد.

وبينما تسعى الحكومة الجديدة لتجاوز أزمة المحروقات والطاقة عبر الانفتاح على الخارج وتأمين الموارد الحيوية لإعادة الإعمار، بدأت أيضا في تحريك قطاعات تصديرية إستراتيجية لتعويض العجز في الإيرادات.

ويأتي في مقدمتها قطاع الفوسفات، الذي بدأت سوريا الجديدة تستعيد موقعها تدريجيا فيه بعد أن كانت خامس أكبر مصدر عالمي لهذا الذهب الأبيض في 2011 عام انطلاق الثورة السورية على نظام بشار الأسد البائد.

عروض الفوسفات السوري

فقد شهد قطاع استخراج الفوسفات بسوريا، انتعاشا منذ أن سقط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 جاذبا المشترين من الدول التي ما تزال تتردد في فتح علاقات جديدة مع دمشق.

إذ تستعد ثالث باخرة محملة بالفوسفات السوري عالي الجودة لمغادرة مرفأ طرطوس على ساحل البحر الأبيض المتوسط باتجاه رومانيا، بعد استكمال عمليات التحميل التي تُنفذ بكفاءة عالية، مع مراعاة شروط السلامة والتخزين البحري.

وأوضح مازن علوش مدير العلاقات المحلية والدولية في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، أن الباخرة “ABRAHAM M”، البالغة حمولتها 30 ألف طن متري، يجرى تحميلها بالتنسيق بين إدارة مرفأ طرطوس ووزارة الطاقة والهيئة العامة للنفط والثروة المعدنية، إلى جانب شركات الشحن الخاصة.

وأشار لوكالة "سانا" السورية الرسمية في 5 مايو/أيار 2025 إلى أن الباخرة تتكون من ثلاثة عنابر، سعة كل منها 10 آلاف طن.

ولفت علوش إلى أن مادة الفوسفات تأتي من مناجم خنيفيس في ريف حمص، إحدى أغنى المناطق السورية بها، ويجري نقلها إلى المرفأ عبر شاحنات مجهزة.

وتخضع العملية لتحاليل النوعية قبل تفريغ المادة وتحميلها مباشرة باستخدام آليات حديثة تضمن الفعالية التشغيلية وتحافظ على السلامة البيئية.

ورأى علوش أن عملية التصدير هذه تشكّل خطوة مهمة في إعادة تنشيط الاقتصاد السوري، وفتح آفاق التعاون التجاري الدولي، واستثمار الموارد الطبيعية بشكل ينعكس إيجابا على فرص العمل والدخل الوطني، مؤكدا أن الطلب على الفوسفات السوري في ازدياد.

وتلقت الهيئة العامة للنفط والثروة المعدنية عددا من العروض والطلبات الجديدة من دول أجنبية بعد استئناف التصدير، خاصة بعد استعادة الدولة السيطرة على هذا القطاع الإستراتيجي، وفق علوش. وبين أن الطلب في تزايد مستمر نظرا للجودة والسعر التنافسي.

والفوسفات يستثمر حاليا من منجمين سطحيين هما الشرقية وخنيفيس ويقعان إلى الجنوب الغربي من مدينة تدمر شرق حمص، على مسافة 45 و65 كم على التوالي.

وتبلغ الطاقة الإنتاجية السنوية للمنجمين نحو 3.5 ملايين طن قابلة للتصدير قسمها الأعظم من منجم الشرقية.

 إذ يستعمل جزء محدود منه داخليا في صناعة الأسمدة الفوسفاتية ويشحن إلى معمل سماد حمص، فيما يصدر القسم الأكبر إلى عدة دول عن طريق سكة الحديد التي تصل المناجم بمرفأ طرطوس.

ويوجد خمسة مصانع للفوسفات بسوريا، أربعة في مناجم الشرقية ومعمل واحد في مناجم خنيفيس.

وسعي الحكومة السورية الجديدة لإعادة التنافس في السوق العالمية على كل أنواع أصناف الفوسفات المنتجة بسوريا، ينبع من كون الأخيرة تمتلك بعضا من أكبر احتياطيات هذه المادة، وهو مكون أسمدة يزداد الطلب عليه من الدول.

خاصة أن الفوسفات السوري يعد من أجود الأنواع بالعالم بأصنافه المتعددة، المغسول والجاف والمخلوط والرطب.

إذ تصل نسبة خامس أوكسيد الفوسفات إلى 31 - 32 بالمئة، ما يجعله من الأصناف الجيدة القادرة على منافسة نظيرتها المتوافرة في الدول الأخرى المعروفة بإنتاجها لهذه المادة.

ويبلغ الاحتياطي الجيولوجي من الفوسفات الرطب القابل للاستثمار في مناجم الشرقية ببادية تدمر، نحو مليار و800 مليون طن، وفي مناجم خنيفيس نحو 150 مليون طن.

وفي ظل حكم الأسد وتحديدا خلال السنوات الأخيرة، استولت روسيا وإيران على عدد من مناجم الفوسفات بسوريا.

وعمل نظام الأسد المخلوع على إبقاء واردات هذا القطاع فعالة عبر انتهاك العقوبات الدولية عليه.

إذ استوردت صربيا وأوكرانيا وأربع دول من الاتحاد الأوروبي فوسفات سوريا بقيمة تزيد عن 80 مليون دولار منذ عام 2019، وفقا لتحقيق أجرته مراكز أعضاء في مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد في سبع دول.

في صربيا، أكبر مشتر أوروبي للفوسفات السوري في السنوات الأخيرة، كان أحد المستوردين شركة تجميل سابقة تُدعى يوفوفارم. 

ويُظهر سجل الأعمال الصربي أن الشركة استوردت منتجات بقيمة 26.9 مليون دولار من سوريا عام 2021.

كما أفاد تقرير نشرته صحيفة "بوليتيكو" الأميركية عام 2018، أن اليونان تشتري الفوسفات السوري، مما أثار استياء في البرلمان الأوروبي.

وتوقفت الواردات بعد ذلك بوقت قصير، لكون التكتل الأوروبي والولايات المتحدة يحظران شراء الفوسفات السوري ردا حينها على قمع الأسد حينها للثورة.

تنشيط اقتصادي

ويؤكد مراقبون أن بحث دمشق عن تحقيق عوائد اقتصادية بالقطع الأجنبي جراء إنتاج وتصدير الفوسفات من سوريا، ليس الهدف الأخير في هذا المرحلة.

بل إن تصدير الفوسفات السوري سيلعب دورا في تسريع العلاقات الاقتصادية بين دمشق ودول أوروبا، بحيث يفتح الباب أمام استيراد الأخيرة لهذه المادة ورفع العقوبات عن سوريا فضلا عن التوصل إلى فرص استثمارية جديدة في مرحلة إعادة الإعمار.

ويُعدّ الفوسفات أساسيا للمحاصيل وأعلاف الحيوانات، وتعتمد الزراعة الأوروبية على هذه الصناعة العالمية التي تبلغ قيمتها حوالي 55 مليار دولار هناك، بحسب تقارير منظمات دولية.

كما أن هذه المادة السورية تتميز بارتفاع نسبة عنصر الفوسفور النقي وانخفاض الشوائب، ما يجعله مرغوبا عالميا في صناعة الأسمدة والفوسفات الصناعي، علاوة على أنه عنصر إستراتيجي في دعم الإنتاج الزراعي والصناعات الكيميائية.

وعقب سقوط حكم بشار الأسد، لجأ الاتحاد الأوروبي لتخفيف وليس رفع بعض العقوبات المفروضة على سوريا في زمن النظام السابق.

وكثفت دمشق تحركاتها الدبلوماسية بما في ذلك حضور وزراء سوريين جلسات للبنك الدولي في نيويورك سعيا لرفع العقوبات المفروضة على سوريا والتي تستنزف الاقتصاد المخنوق على مدى 14 عاما خلت في هذا البلد الذي يعيش 90 بالمئة من سكانه تحت خط الفقر، وفقا للأمم المتحدة.

وضمن هذا السياق، يؤكد الباحث السوري في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية أيمن الدسوقي لـ "الاستقلال"، أن “إدارة الفوسفات بسوريا إنتاجا واستثمارا وتصديرا ملف شابه حالة من الغموض خلال فترة سيطرة نظام الأسد”.

إذ "تداخلت مصالح الحليفين الروسي والإيراني مع شبكة من رجال الأعمال والوسطاء التابعين للقصر الجمهوري ومصالح دول أوروبية في هذا القطاع".

وأضاف الدسوقي: "لقد كانت رومانيا إحدى أبرز منافذ دخول الفوسفات السوري إلى أوروبا عن طريق سلسلة من الشركات والوسطاء والسماسرة".

وأردف: "ما هو جديد أن الشحنات من الفوسفات السوري إلى رومانيا الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي بات علنيا، وجاء في ظل لقاءات عقدها وزير الاقتصاد والصناعة والتجارة السوري نضال الشعار مع مسؤولين" في بوخارست.

ولفت الدسوقي إلى أنه "يمكن التعويل على ملف الفوسفات لتنشيط العلاقات الاقتصادية بين سوريا ودول الاتحاد الأوروبي".

واستدرك: "لكن تبقى الشفافية هي الأهم في إدارة هذا الملف وضمان عائدات جيدة للدولة السورية، إلى جانب مأسسة العلاقات الاقتصادية بين سوريا ودول الاتحاد الأوروبي وغيرها لتكون عبر قنوات رسمية بعيدا عن احتكارات ومحسوبيات رجال الأعمال كما كان سابقا خلال حكم الأسد".

"صفقات منتظمة"

وتسير التحركات الأوروبية كالسلحفاة تجاه المساهمة في دعم سوريا الجديدة إلا أنها انطلقت بالفعل.

ففي مطلع مايو 2025، أُعلن من قصر الشعب وبحضور الرئيس الانتقالي أحمد الشرع عن توقيع عقد استثمار وإدارة لمرفأ اللاذقية لـ 30 عاما بين الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية والشركة الفرنسية العملاقة "CMA CGM" التي يملكها الفرنسي اللبناني رودولف سعادة.

وينص العقد على "استثمار مبلغ 230 مليون يورو"، في السنة الأولى سيتم ضخ 30 مليون يورو منها.

وفي الأربع سنوات التي تليها، سيجري بناء رصيف جديد، بقيمة استثمارية تصل إلى 200 مليون يورو في المرفأ.

ولهذا فإن الفوسفات السوري وفق الخبراء يمكن في هذه المرحلة أن يكون أحد المداخل لإعادة تنشيط علاقات دمشق مع الدول التي اعتمدت عليه طوال سنوات خلت عبر عمليات التفافية وبطرق غير مشروعة زمن الأسد.

إذ إنه تجنبا للعقوبات المفروضة على سوريا، كانت واردات الاتحاد الأوروبي من الفوسفات السوري في عهد الأسد تمر عبر رومانيا بطرق التفافية.

إذ تولت دول أوروبية التعامل مع شركتين شرق أوسطيتين، لاستيراد الفوسفات السوري وهما "بلو جلف تريدينغ" المسجلة في الإمارات العربية المتحدة، و"ميدسي تريدينغ" المسجلة في لبنان.

وكلا الشركتين مملوك لرجل الأعمال اللبناني عفيف نزيه عوف، وفق ما ذكر تحقيق نشره مركز "مكافحة الجريمة المنظمة والفساد" في يونيو/حزيران 2022.

ولهذا يؤكد خبراء، أن فتح دول الغرب للعلاقات الاقتصادية مع سوريا لم يعد محظورا، بل قائم على "المصالح والمنفعة المتبادلة".

وهذا ما أشار إليه وزير الاقتصاد والصناعة السوري محمد نضال الشعار خلال مقابلة مع "Digi24" وهي أهم قناة في رومانيا.

وقال الشعار في المقابلة 2 مايو 2025 إنه منذ توليه المنصب نهاية مارس من العام المذكور، "قدم لسوريا نحو 70 مقترحا لاستثمارات ضخمة فيها معظمها من الغرب".

وأضاف أن "مجالات الاستثمار كانت في معامل للسكر والإسمنت ونقل التكنولوجيا والبرمجة والصناعات المختلفة".

ولفت الشعار إلى أن "كثيرا من رجال الأعمال السوريين في الغرب يريدون القدوم إلى البلاد للاستثمار مع شركائهم هناك".

وأشار إلى أنه "يمكن لسوريا أن تستفيد من رومانيا في هذا المرحلة من إعادة الإعمار فيما يتعلق بالتكنولوجيا أو التعليم أو تفعيل خطة اقتصادية للتعاون".

وكانت وزارة النفط والثروة المعدنية بسوريا أعلنت في 13 فبراير/شباط 2025 عن مزايدة لبيع 175 ألف طن من ‏الفوسفات الرطب المستخرج من مناجم هذه المادة في تدمر. ‏

ويشير طرح هذه المناقصات إلى إقبال المستثمرين من جديد للحصول على عقود استثمار في قطاعات الفوسفات.

إذ اعتمدت دول مثل إيطاليا وبلغاريا وإسبانيا وبولندا على استيراد الفوسفات السوري عبر شركات دولية ووسطاء من دول مجاورة إبان فترة حكم الأسد.

ولهذا فإن كثيرا من الدول التي تعتمد على الفوسفات في صناعاتها يمكنها أن تعقد “صفقات بصورة منتظمة” راهنا مع الحكومة السورية الجديدة.