صحيفة تركية: هكذا استخدم إمام أوغلو ورقة الترشح للرئاسيات للتغطية على الفساد

"حين أدرك إمام أوغلو أن الطريق الذي يسلكه قد يفضي إلى أزمة سياسية أو قانونية قرر المبادرة بالهجوم"
ظهر رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، أكثر من مرة منذ اعتقاله في مارس/ آذار 2025، أمام المحكمة لسماع إفادته بشأن عدة تهم أهمها "الفساد" و"الإرهاب"، و" إهانة المدعي العام في إسطنبول وتهديده".
وخلال جلسته منتصف أبريل/ نيسان 2024، سعى إمام أوغلو إلى إظهار نفسه كـ"مستهدف سياسيا" بسبب فوزه المتكرر في الانتخابات، قائلا "أنا هنا لأنني فزت بـ3 انتخابات في إسطنبول، المدينة التي قالوا إن من يفز بها يفز بتركيا"، في تلميح مباشر لتصريحات سابقة للرئيس رجب طيب أردوغان.
وفي السياق، نشرت صحيفة "صباح" التركية مقالا للكاتب "أوكان مدرس أوغلو" سلط فيه الضوء على مساعي تسييس قضية إمام أوغلو للتأثير على الرأي العام، مما يطرح تساؤلات حول شفافية المسار القانوني بالبلاد
سترة واقية
وفي مستهل مقالته، قال الكاتب: إن ترشيح رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو المحتمل لرئاسة الجمهورية تحوّل من مجرد مشروع سياسي إلى أداة دفاعية، أشبه بسترة واقية من الرصاص.
حيث أصبح الترشيح نفسه بمثابة حصن سياسي يحميه من الاتهامات والملاحقات، ويمنحه حصانة تعزز مكانته في الساحة السياسية.
وأضاف: قبل أن ندخل في التفاصيل، لا بد من تذكير أنفسنا بما يجب أن يكون بديهياً: "الحق في عدم التشويه مقدس. فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته. وسرية التحقيق قاعدة، لا استثناء فيها.
لكنّ هناك سؤالا يتبادر للأذهان وهو: هل كان أكرم إمام أوغلو سيتعرض للملاحقة القضائية لولا كونه مرشحاً محتملاً لرئاسة الجمهورية؟
فبعض مناصريه سيجيبون بالنفي القاطع، معتبرين أن ما يحدث لا يعدو كونه تصفية سياسية. في المقابل، هناك من يرى أن ملف إمام أوغلو لم يكن نظيفاً أبداً. بل كان يستفيد من زخم سياسي وشعبي ليؤخر المواجهة القانونية لا أكثر.

وبغض النظر عن الإجابات الجاهزة، ثمة حقائق على الأرض لا يمكن تجاهلها؛ أولها أن إمام أوغلو نفسه كان يدرك جيداً أن الخطر يقترب.
والدليل على ذلك كان صباح تنفيذ العملية الأمنية على بلدية بشيكتاش، حيث بادر شخصياً إلى التواصل برسالة نصية مع النائب العام في إسطنبول. وهذا السلوك لا يصدر عن رجل متفاجئ، بل عن رجل يعلم أنه تحت المجهر.
وثانيها أن رئيس حزب الشعب الجمهوري الجديد أوزغور أوزيل لم يكن يطرح اسم إمام أوغلو كمرشح رئاسي بدافع الحماسة الديمقراطية، بل ضمن خطة متعددة الأهداف:
أولاً، منح إمام أوغلو حصانة سياسية رمزية عبر صفة "المرشح الرئاسي".
ثانياً، التشويش على التحقيق الجاري، أو على الأقل كسب الوقت.
ثالثاً، صناعة مظلومية سياسية في حال تم اعتقال إمام أوغلو.
وأخيراً، تسييس القضية من خلال عزلها عن سياقها القضائي ووضعها في قلب المعركة الانتخابية.
بمعنى آخر، لم يكن الترشح استحقاقاً ديمقراطياً بقدر ما كان خطة هروب، أو بالأحرى "هجوما وقائيا".
ولا شك أن أكرم إمام أوغلو، الذي بزغ نجمه من خلال حملة انتخابية تلقائية مدفوعة بزخم شعبي، ما لبث أن ابتعد عن هذا المسار تدريجياً، ليستقر في قلب شبكة من النفوذ والمصالح المعقدة.
وحين أدرك أن الطريق الذي يسلكه قد يفضي إلى أزمة سياسية أو قانونية قرر المبادرة بالهجوم، مفضّلاً لقب "الضحية السياسية" على لقب المتهم المُلاحق.
معركة مبكرة
وفي ظل التحولات السياسية المتسارعة على الساحة التركية، يبدو أن حزب الشعب الجمهوري قد دخل مرحلة جديدة من الحراك، حيث يقودها رئيس الحزب أوزغور أوزيل، وتستند إلى قراءة محتملة لسيناريو "الانتخابات المبكرة".
وهذه المرحلة، وإن لم تُعلَن رسمياً، تعكس تحركات إستراتيجية تهدف إلى إعادة هيكلة المشهد الداخلي للحزب، وتحضير الأرضية لمعادلة جديدة في السلطة.
وأحد أبرز محاور هذا التحول يتمثل في موقع أكرم إمام أوغلو الذي يوجد الآن في السجن.
فوفقاً لتسريبات داخلية يشعر إمام أوغلو بأنه يتحمّل أعباء المرحلة بمفرده، بينما يتم تقاسم المكاسب السياسية دون تقدير لموقعه أو تضحياته.
بالإضافة إلى محاولة الحزب تحويل المشهد الإعلامي حول فكرة "المرشح المظلوم"، بهدف استغلال أي إجراء قانوني ضد إمام أوغلو كوسيلة لتحفيز الناخبين وتعبئتهم انتخابياً.
وتعد خطة تحجيم رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش من أهم التحركات التي اتخذها أوزيل في حزب الشعب الجمهوري. حيث يبدو أن دور يافاش يثير قلق القيادة الحزبية.
فهناك خشية من أن يخرج يافاش عن الخط الذي يرسمه أوزيل في الحزب، وهو ما قد يُربك المعادلة الانتخابية المفترضة.
ولتجنّب هذا السيناريو، فقد قدم له منصبا رمزيّاً في الدولة، في محاولة لضمه إلى "خطة الفوز" التي يُقال أنّها منسقة بين إمام أوغلو وأوزيل.
وفي خطوة تُظهر براعة تكتيكية طُرحت صيغة "يافاش رئيساً للجمهورية وإمام أوغلو رئيساً للوزراء"، وهي فكرة تبدو وليدة الظروف الراهنة، وتهدف إلى كسب الوقت، أو على الأقل إلى تحريك المياه السياسية الراكدة.

لكن ما يثير التساؤل هو سلوك الحزب وكأنه فاز بالفعل في الانتخابات، من خلال التلويح بتوزيع المناصب.
وهذا السلوك يمكن قراءته كتلاعب باللاوعي الجماعي للمجتمع، في محاولة لترسيخ صورة النصر قبل حدوثه، وفي محاولة للتأثير النفسي على الناخبين.
والخطوة الأخطر في هذا السياق هي تحوّل المشهد من الوقائع إلى التصورات. فقد بدأت حملة موازية بقيادة فريق إمام أوغلو، بحيث تحاول التأثير على الرأي العام من خلال تسريبات انتقائية من ملفات التحقيق.
فبعض محاضر التفتيش تم تداولها، وأسئلة حول شبهات غسل أموال جرى تسريبها إلى الإعلام. والهدف من ذلك ليس تبيان الحقيقة، بل ترسيخ صورة البراءة المسبقة، وشيطنة أي إجراء قانوني مرتقب.
في هذا الجو يتمّ التمهيد لتصريحات من نوع: "لا دليل قويا... الملف فارغ... كل ما لديهم شاهد سرّي". والنتيجة: تشويش على العدالة، وتسييس كامل للمسار القضائي، بهدف تحصين المرشح سياسياً قبل أن تُطرح عليه تهم قضائية.
لكن، وكما يجب أن يكون لسنا هنا لإصدار أحكام مُسبقة. ما نحتاجه اليوم هو الشفافية الكاملة، وإخراج الحقيقة إلى العلن، لتكون هذه المرحلة درساً لكل من يسعى إلى حكم تركيا، أو ينوي خوض غمار العمل العام مستقبلاً.
لأن اختلاط الصورة بالحقيقة، وتقديم "الانطباع" على "الواقع"، هو أول الطريق نحو تآكل الثقة بالمؤسسات والديمقراطية، يختم الكاتب التركي