100يوم على العدوان.. كيف دمر الاحتلال مخيم جنين وهجر جميع أهله؟

خالد كريزم | منذ ١٢ ساعة

12

طباعة

مشاركة

منذ أكثر من 100 يوم، تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على مدينة جنين ومخيمها شمالي الضفة الغربية المحتلة حتى سيطرت عليه بالكامل وحولته إلى منطقة عسكرية مغلقة.

وصعدت قوات الاحتلال من عمليات تدمير البنية التحتية وهدم المنازل وأجبرت جميع السكان على النزوح من منازلهم مع منع دخول أي منهم إلى المنطقة.

تدمير واسع

وصعدت قوات الاحتلال من إرسال تعزيزات عسكرية إضافية باتجاه المخيم ومحيطه بشكل متواصل، بالإضافة إلى تسيير فرق مشاة في عدة أحياء من المدينة.

فيما تشهد غالبية قرى محافظة جنين تحركات عسكرية يومية ووجودا يوميا لدوريات الاحتلال وآلياته.

كما تواصل قوات الاحتلال عمليات التدمير والتجريف داخل المخيم، مع استمرار منع الدخول أو الوصول إليه، وازدادت المخاوف مع تركيب بوابات حديدية عند مداخله أخيرا.

وتشير التقديرات الرسمية إلى أن جميع منازل ومنشآت المخيم تعرضت لضرر إما كامل أو جزئي جراء العدوان المتواصل وعمليات التدمير والتجريف المتواصلة، والهادفة إلى تغيير البنية الهيكلية له، وفق ما تقول وكالة الأنباء الرسمية "وفا".

وعن حجم التدمير، قالت الوكالة: 800 وحدة سكنية في المدينة تعرضت لضرر جزئي، بالإضافة إلى هدم 15 مبنى منذ بداية العدوان.

وتركزت أغلبية الأضرار في المباني والمساكن على الحي الشرقي وحي الهدف، وفقا لمعطيات بلدية جنين.

وما زالت عائلات المخيم ومحيطه بالإضافة إلى مئات العائلات من المدينة مجبرة على النزوح القسري حتى الآن.

وتشير التقديرات الرسمية لدى بلدية جنين إلى أن عدد النازحين من المخيم والمدينة زاد على 22 ألف نازح.

وحسب أرقام وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا، فإنه يعيش في المخيم 16 ألف نسمة رسميا.

لكن يقول السكان المحليون إن هناك نحو 10 آلاف آخرين يقطنون على أطرافه أو أن الأعداد تناقصت أخيرا بفعل تغيير أماكن سكناهم أو الزواج والعيش خارج المنطقة.

كما أن الوضع الاقتصادي في المدينة التي تعتاش أساسا من التجارة يزداد تدهورا، بعد أن تحولت المحلات التجارية إلى سلسلة من الأبواب المغلقة، دون أي مظاهر للحياة.

وتسجل المدينة خسارات تجارية ضخمة نتيجة العدوان المتواصل والذي أدى إلى إغلاقات كثيرة، وتوقف حركة التسوق المتوجهة إلى جنين من خارجها.

وتعرض عدد كبير من المحلات التجارية لأضرار خلال العدوان المستمر منذ 100 يوم، فيما تواجه بعض مناطق المدينة شللا اقتصاديا كبيرا خاصة في الأحياء الغربية.

ومنذ بداية العدوان المتواصل على جنين ومخيمها، استشهد 39 مواطنا، بالإضافة إلى إصابة العشرات، وتصاعد عمليات الاعتقالات للمواطنين من مختلف مناطق المحافظة.

سيطرة عسكرية

ويقول مراسل التلفزيون العربي في الضفة الغربية عميد شحادة إنه "لم يعد ما يجرى في المخيم مجرد اقتحامات إسرائيلية، فبعد مرور 100 يوم على التوغل فيه، يسيطر الجيش بالكامل عليه الآن".

وفي حديث لـ"الاستقلال"، أوضح شحادة الذي ينحدر من جنين ويغطي أخبار المدينة منذ بدء العدوان أن "هذه أطول فترة وجود للجيش الإسرائيلي في المخيم منذ تأسيسه بعد نكبة عام 1948 بسنة ونصف".

وأردف: "المخيم أصبح خاليا تماما من أهله بعد أن جرى تهجيرهم تحت السلاح منذ أول 4 أيام من بدء العدوان وهدم بيوتهم مستخدما سياسة الأرض المحروقة".

وأوضح أنه: "بعد أول أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، كان يمكن لبعض كبار السن الدخول إلى المخيم لأخذ بعض حاجياتهم من المنازل، ولكن العدوان تصاعد لاحقا ولم يسمح لأحد بالدخول".

وأكد أن المخيم أخلي تماما اليوم وحوله جيش الاحتلال إلى منطقة عسكرية مغلقة محاصرا ببوابات حديدية، كما أن أزقته مغلقة بسواتر ترابية، لافتا إلى أن من يحاول الدخول يتعرض لإطلاق نار "وحدث ذلك بالفعل ما أدى إلى إصابة عديدين".

وشدد شحادة على أنه "لا يوجد بيت في المخيم لم يطله الهدم سواء جزئيا أو كليا، كما تشتت المواطنون ليقطنوا في سكنات طلبة الجامعة الأميركية في برقين، أو شقق داخل مدينة جنين أو استئجار غرف بأي مكان".

ولفت إلى أن ما يجري ليس اقتحامات وإنما تبديل شفتات، فالآليات القادمة من حاجز الجلمة تجلب الطعام والدعم للجيش الذي يسيطر على المخيم.

وأكد الصحفي حافظ أبو صبرا أيضا أن “المخيم تحت السيطرة الإسرائيلية بشكل كامل بعد أن حوله الاحتلال إلى منطقة عسكرية مغلقة”.

وتابع لـ"الاستقلال": “الاحتلال حول عددا من المنازل إلى ثكنات عسكرية وبنى ثكنة كبيرة في منطقة اسمها الجابريات تطل على المخيم كانت توجد فيها الدبابات حتى ما قبل أسبوعين (منتصف أبريل) ثم أرسلها إلى قطاع غزة بعد استئناف العدوان”.

وأضاف أن المدرعات والجيبات العسكرية والجرافات المجنزرة موجودة بالمخيم كما يدفع الاحتلال بتعزيزات عسكرية ولوجستية بشكل مستمر، ولا يتوقف عن استهدافه بالطائرات".

ولفت أبو صبرا إلى أن الاحتلال نسف عددا كبيرا من المنازل في إطار فتحه لشوارع جديدة وتوسعة أخرى قديمة بهدف إنهاء الشكل الحالي للمخيم.

وقال: “الاحتلال يريد تحويل المخيم إلى مجرد منازل وإنهاء رمزيته كمنطقة مرتبطة بوكالة أونروا” التي أنهى عملها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وقد علقت "أونروا" الدراسة في المدارس، وأغلقت العديد من المحلات والشركات أعمالها على إثر هذه الحملة التي تترافق مع حصار مشدد للمخيم.

وأشار الصحفي أبو صبرا إلى أن المسجد الكبير في مخيم جنين لم يسلم ودنسه الاحتلال وحوله إلى مركز لقيادة العمليات العسكرية.

أكبر اجتياح

وجاء العدوان الواسع على جنين بعد أن نجحت الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي في الضغط على السلطة الفلسطينية ودفعتها إلى إطلاق عملية في ديسمبر/كانون الأول 2024 ضد المخيم.

وهدفت العملية التي أطلقت عليها السلطة اسم “حماة وطن” إلى تفكيك المخيم، في واحدة من أكثر التحركات التي لاقت استنكارا بين الفلسطينيين.

وقالت سلطة محمود عباس: إن العملية هدفت لمحاربة “الفلتان الأمني والفوضى”، في حين أنها تهدف في الحقيقة للقضاء على المقاومة العسكرية ضمن ما يعرف بالتنسيق الأمني والتعاون مع إسرائيل.

وعلى مدار تاريخها، نفذت السلطة العديد من الحملات الأمنية التي استهدفت المقاومة واعتقال المعارضة، حيث سجنت العشرات من قيادات وكوادر حركة حماس في الضفة وغزة، لكن العملية الجديدة مثلت مواجهة نادرة بالسلاح في المخيمات والشوارع.

وبعد أسابيع من بدء السلطة هذه المهمة، تولى جيش الاحتلال زمام الأمور في 21 يناير/كانون الثاني 2025 وبدأ شنّ عمليات قصف واسعة النطاق وأعلن أن المخيم منطقة عسكرية مغلقة.

كما وسع الجيش الإسرائيلي عملياته العسكرية التي أطلق عليها اسم "السور الحديدي"، في مدن ومخيمات أخرى للاجئين الفلسطينيين شمالي الضفة الغربية، خاصة بمحافظات طولكرم وطوباس.

ووصف وزير الجيش يسرائيل كاتس، العملية بأنها "قوية"؛ لتطبيق "الدرس الأول" من الطريقة المستخدمة بغزة في الضفة الغربية، من أجل القضاء على حركة المقاومة الإسلامية حماس وبنيتها التحتية مرة واحدة وإلى الأبد، وفق تعبيره.

وتشكل مخيمات اللاجئين منذ إقامتها مصدر قلق لإسرائيل، خاصة مخيم جنين الذي تحوّل بالنسبة للفلسطينيين إلى رمز للمقاومة.

ولطالما وصفت الصحف العبرية المخيم بأنه "قنبلة موقوتة" و"غزة جديدة"، بعد أن فهم المسلحون فيه آليات العمل الإسرائيلية واستنسخوا تجارب القطاع المحاصر، وفق تقديرها.

وفي مخيم اللاجئين الذي جرى اقتحامه، تتمحور فصائل المقاومة حول كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.

وهي مجموعة مسلحة محلية، بعيدة كل البعد عن الفصائل التقليدية، حيث ينسق الشباب فيما بينهم لصد المداهمات أو تنظيم الهجمات، خاصة ضد الجنود والمستوطنين في المنطقة.

لكن حالة المقاومة اليوم في جنين، منعدمة، ولا توجد أي اشتباكات مسلحة سواء في هذه المدينة أو في طولكرم أو القرى المحيطة، وفق ما قال الصحفي عميد شحادة لـ"الاستقلال".

وينفي وجود أي أهداف عسكرية من السيطرة على المخيم لأن المقاومة في حالة اختفاء ولا يوجد لديها أنفاق أو معسكرات، مبينا أن ما يجرى عقاب جماعي للمنطقة لأنه كان فيها عدد من المقاومين.

وأصبح هذا الاجتياح الأكبر منذ الانتفاضة الثانية (2000-2005) عندما نفذت قوات الاحتلال عملية الدرع الواقي عام 2002 والتي أسفرت عن عشرات الضحايا، وخلفت دمارا هائلا في البيوت والبنية التحتية.