شهران على منع إسرائيل للغذاء.. غزة تدخل مجاعة وتلجأ للخيول والسلاحف

يحرص جيش الاحتلال على جعل حياة سكان قطاع غزة مستحيلة
لم يكن الشاب الفلسطيني حازم خليل يتصور يوما أن يضطر لأكل لحوم السلاحف البحرية لكن نقص الغذاء الحاد في قطاع غزة دفعه، مثل كثيرين غيره، إلى خيارات يائسة للبقاء على قيد الحياة.
ورغم ندرتها وارتفاع ثمنها، لجأ بعض أهالي القطاع إلى أكل لحوم السلاحف، كأحد الخيارات القليلة المتاحة في ظل تناقص المواد الغذائية، بسبب منع سلطات الاحتلال الإسرائيلي إدخالها.
ومنذ الثاني من مارس/ آذار 2024، لم يدخل إلى قطاع غزة أي بضائع أو مساعدات غذائية وإغاثية وطبية بعد إغلاق إسرائيل جميع المعابر، ما أوصل السكان إلى المجاعة وتسبب بتدهور كبير في الأوضاع الإنسانية للفلسطينيين.

السلاحف والأحصنة
ويقول خليل (39 عاما) لـ"الاستقلال": "أقنعت نفسي بصعوبة شديدة في أكل لحوم السلاحف بعد تردد كبير؛ لأننا لم نجربها يوما ولا نعرف مذاقها وما سنشعر به بعد تناولها".
واضطر هذا الشاب لأكل لحوم السلاحف "بعد أسابيع من الهزل والخوار الجسدي بسبب عدم توفر أي نوع آخر من اللحوم والأطعمة التي تحتوي على قيم غذائية عالية".
وروى أن أهالي قطاع غزة يتوفر لديهم اليوم أصناف غذائية تعد على الأصابع وأغلبها تتمحور حول المعلبات الجاهزة مثل التونة والفاصوليا مع القليل من البندورة (الطماطم) والأرز.
وقال: "كل يوم نأكل نفس هذه الأطعمة لعدم توفر أي خيارات أخرى، ولذلك اضطررت وعائلتي المكونة من 5 أفراد لتناول لحوم السلاحف الغريبة".
وتعد السلاحف من الكائنات البحرية النادر وجودها واصطيادها في بحر قطاع غزة. ورغم عدم تقبل الأهالي لها بشكل كبير، فهي مرتفعة الثمن حيث يصل الكيلو الواحد منها إلى 100 شيكل (28 دولارا).
ويقول الصياد الغزي أحمد بكر: إنه "في الأوقات العادية (خارج وقت الحرب)، كنا نرى هذه السلاحف دائما ونتركها، ولم يخطر في بالنا يوما أننا سنأكلها".
وكانت بعض السلاحف تصل إلى الشواطئ، ويعيدها الصيادون والمصطافون إلى البحر “لأنه ليس لديهم ما يفعلون بها، فهي لا تعيش على اليابسة ولا تؤكل”، وفق ما أوضح لـ"الاستقلال".
واستدرك: "الوضع مختلف الآن، كل ما نجده في البحر نصطاده ونأكل ونبيع منه لأننا اليوم في مجاعة حقيقية، ولا نعرف ماذا سنفعل إذا استمر الأمر أكثر من ذلك".
ولا يكتفي الاحتلال بإغلاق المعابر، إذ يقول بكر إنه يحارب أيضا الصيادين في الأمتار القليلة التي يدخلون فيها إلى البحر فيطلق النار والصواريخ عليهم ويقصف قواربهم.
ولفت إلى أن هذا الخطر، قلص أيضا من توفر الأسماك في القطاع وجعل وجودها نادرا جدا، "لأن اصطيادها مرتبط بالدخول إلى مسافات أعمق، وهذا سيكون ثمنه القتل إما جوا عبر الطائرات المسيرة أو من الزوارق البحرية الإسرائيلية".
وإضافة إلى السلاحف، بدأ سكان القطاع أخيرا في ذبح الأحصنة وأكل لحومها، وهو أمر لم يفعلوه أو يعتادوا عليه سابقا، لكن المجاعة أجبرتهم عليه.
ونشر ماهر حبوش وهو لاعب كمال أجسام مقطع فيديو لتناوله ومجموعة من أصدقائه لحم حصان "بعد انقطاع اللحوم أكثر من 3 شهور"، ما أثار تفاعلا واسعا واستفسارات عن مذاقه.
ولا يتقبل أغلب السكان هذه الأصناف الجديدة ويضطرون إلى الاستمرار في أكل المعلبات فقط. وعلقت فتاة على فيديو حبوش قائلة: "مع إني من غزة، لكن مش قادرة أستسيغ أكل لحم الحصان ولا السلاحف و لا كل القصص اللي طلعت جديد، صبرٌ جميل والله المستعان".

حياة مستحيلة
ويحرص جيش الاحتلال على جعل حياة سكان قطاع غزة مستحيلة من خلال الاستمرار بإغلاق المعابر لرفض المقاومة الفلسطينية تسليمه الأسرى بلا مقابل.
ويريد الاحتلال استعادة 59 أسيرا لدى المقاومة 24 منهم على قيد الحياة دون دفع ثمن ذلك بوقف كامل للعدوان وإنهاء الحصار على غزة وإطلاق أسرى فلسطينيين مقابلهم.
ويرفض الاحتلال وقف العدوان بالكامل ويشدد على أن أهدافه في قطاع غزة تتركز على “القضاء” على حركة المقاومة الإسلامية حماس إلى جانب استعادة الأسرى، فضلا عن تهجير السكان وإعادة الاستيطان.
ومن أجل إنجاح هذا السيناريو، يواصل الاحتلال منع الغذاء عن غزة ويحاول دفع السكان للتظاهر وإظهار الغضب ضد حماس، لكنه فشل في تحقيق ما يصبو إليه.
ولا يكتفي الاحتلال بإغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات، حيث عمد مؤخرا إلى قصف مراكز توزيع الطعام أو ما يعرف باسم “التكيات الخيرية” المنتشرة في قطاع غزة.
وانعدمت سبل الحياة وإمكانيات العمل وكسب المال بالكامل منذ أن بدأت عمليات الإبادة الجماعية في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأمام ذلك، افتتحت عشرات التكيات الخيرية في القطاع التي تمولها منظمات إنسانية وإغاثية دولية، لكن الاحتلال بدأ بقصفها أخيرا موقعا العديد من الشهداء والجرحى.
واليوم، أصبحت مخازن الدقيق فارغة تماما، كما توقفت المخابز عن العمل لعدم توفر الطحين أو بسبب قصفها ومن ثم انقطاع الغاز لتشغيلها.
وفي قطاع غزة، هناك وجهة واحدة اليوم تعمل على توزيع الخبز وهي المخبز الأردني المتنقل فقط، والذي وصل إلى الجيب المحاصر في 24 ديسمبر/كانون الأول 2024 ويعمل بالتعاون مع منظمة المطبخ المركزي العالمي.
وقالت المنظمة في 27 أبريل/نيسان 2025، إن المخبز الأردني المتنقل في القطاع يعمل على مدار 19 ساعة يوميا، من أجل تلبية الاحتياجات العاجلة وتوصيل الخبز للأسر النازحة.
وكان المطبخ أعلن في وقت سابق، "المخبز الأردني الوحيد العامل حاليا في القطاع، في ظل النقص الحاد بمادة الطحين بسبب إغلاق المعابر".
ومنذ بدء حرب الإبادة على القطاع، اتبع الاحتلال سياسة التجويع والتعطيش ضد السكان كأول عقاب جماعي يستهدف كل الشرائح، إلى جانب القتل والقصف العشوائي للأحياء السكنية.
وتعمقت هذه السياسة اليوم بعد هدنتين مؤقتتين الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 ولعدة أيام، والثانية في 19 يناير/كانون الثاني وحتى 18 مارس/آذار 2025.
وأدى توقف المساعدات الغذائية إلى نضوب المخزون المتبقي بسرعة، مما زاد من خطر المجاعة، خصوصا بين الفئات الضعيفة والأطفال، كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية القليلة المتوفرة بشكل حاد.

تجويع ممنهج
وفي آخر بيان له حول الأوضاع الإنسانية نشره على منصة إكس، قال المكتب الإعلامي الحكومي: إن الاحتلال يُفاقم تجويع الأطفال في غزة وسط تفشٍ غير مسبوق لسوء التغذية الحاد.
وأوضح في 28 أبريل/نيسان 2025 أن الاحتلال “يرتكب جريمة منظمة بحق المدنيين العزل وضد الأطفال على وجه الخصوص، مستخدماً سلاح التجويع والتعطيش كوسيلة حرب ممنهجة تستهدف قتل الحياة في قطاع غزة، في انتهاك فاضح لكل القوانين والأعراف الدولية والإنسانية”.
وفي إطار فرضه سياسة التجويع، استهدف الاحتلال 28 تكية طعام و37 مركزا لتوزيع المساعدات والغذاء، كما قتل 748 شخصا من الشرطة والعناصر الذين كانوا يعملون على تأمينها.
ووفق بيان للمكتب في 18 أبريل 2025، فإن 52 شخصا استشهدوا بسبب سوء التغذية ونقص الغذاء وسياسة التجويع غالبيتهم من الأطفال.
وحذرت حركة حماس في 26 أبريل من أن قطاع غزة يدخل مرحلة المجاعة مع استمرار جيش الاحتلال الإسرائيلي في فرض إغلاق كامل على معابر القطاع ومنع دخول الغذاء والماء والدواء والوقود، مما يهدد حياة أكثر من مليوني إنسان.
وقالت الحركة: إن حكومة بنيامين نتنياهو تستخدم التجويع سلاحا، وتستهدف بشكل متعمد محطات المياه ومراكز توزيع الغذاء، وهو ما يعد من أبشع صور الانتهاكات للقوانين الدولية والأعراف الإنسانية.
وفي وقت سابق، أعلنت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة سيندي ماكين أن البرنامج استنفد جميع مخزوناته الغذائية في غزة، حيث تمنع إسرائيل وصول المساعدات الإنسانية منذ 7 أسابيع.
ووصل الأمر إلى خروج أصوات إسرائيلية ناقدة لحكومة نتنياهو التي تجري حسابات عن زمن نفاد الغذاء بالكامل من قطاع غزة.
وفي 16 أبريل/نيسان 2025، أفادت قناة "كان 11" بأنّ تقديرات أجهزة الأمن الإسرائيلية تشير إلى أن الغذاء والمساعدات الإنسانية المتوفرة في قطاع غزة تكفي السكان لنحو شهر فقط.
وتقول إسرائيل: إن وقف إدخال الشاحنات المحملة بالماء والغذاء والوقود قد يزيد الضغط على حماس، مضيفة أن الوضع في غزة سيتدهور إذا لم يتم الإفراج عن الأسرى.
ويطالب مسؤولون إسرائيليون من بينهم وزيري الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش وآخرين، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بعقد تصويت في المجلس الأمني المصغر ضد إدخال المساعدات إلى القطاع.
وفي 23 أبريل/نيسان 2025، حرّض بن غفير، على قصف مخازن الأغذية والمساعدات في قطاع غزة، وذلك خلال زيارة يجريها للولايات المتحدة الأميركية.
وأوضح أن المسؤولين الأميركيين بالحزب الجمهوري "أعربوا عن تأييدهم لموقفي الواضح للغاية بشأن كيفية التصرف في غزة، وأنه ينبغي قصف مخازن الأغذية والمساعدات من أجل خلق ضغط عسكري وسياسي لإعادة رهائننا إلى ديارهم سالمين".
وفي ظل تجاهل المعاناة الإنسانية، تنتقد صحف إسرائيلية التجويع الممنهج للمدنيين في قطاع غزة.
وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية: إنّ “قادة العالم، يطالبون إسرائيل بإجابات، أو على الأقل تفسير بشأن عدم دخول الغذاء إلى غزة منذ 50 يوما ولكن دون جدوى”.
وتابعت: “لم تكلّف نفسها عناء تناول مسألة المساعدات الإنسانية بجدية، وعدم البحث في أهمية إنشاء هيئة مدنية بالتعاون مع القوى الأوروبية لإدخال تلك المساعدات”.
وأضافت أنه: "مع القليل من المساعدة من الحلفاء بالخارج، كانت إسرائيل ستتمكن منذ وقت طويل من إيجاد طريقة لتأمين الإمداد الغذائي في غزة".
وبدورها، وصفت صحيفة هآرتس التصريحات الإسرائيلية التي تحرض على الإبادة الجماعية وتجويع الشعب الفلسطيني بأكمله بأنها “أخذت طابع النازية”.
وأوضحت في مقال للكاتب غدعون ليفي أن الإعلام الإسرائيلي بنشره هذا التحريض يكون قد أسقط كل الأقنعة وأضفى الشرعية على سفك الدماء.
وفي مقال آخر قالت صحيفة “هآرتس” إن تجويع غزة بات سياسة معلنة ومصدر فخر لحكومة نتنياهو، مبينة أن “على إسرائيل أن تتوقف عن ذلك”.
ولفتت إلى أن “هذه السياسة تستند إلى رواية شعبوية كاذبة تربط المساعدات الإنسانية المقدمة لسكان غزة بقدرات حماس العسكرية”، مستنكرة بأن “النتيجة هي جريمة إنسانية متواصلة”.
وأردفت: “تحت رعاية حكومة إسرائيل الكابوسية وإدارة (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب، أصبح تجويع إسرائيل لأكثر من مليوني فلسطيني أمرا طبيعيا تماما”.