روسيا تتجه لفتح صفحة جديدة مع الدولة السورية.. لماذا الآن؟

مصعب المجبل | منذ ٨ ساعات

12

طباعة

مشاركة

ترى روسيا أن فتح صفحة جديدة مع الدولة السورية الجديدة حان وقته، في ظل تطلع موسكو إلى الحفاظ على مصالحها، ورغبة دمشق في إصلاح العلاقات مع عدو السوريين.

فمنذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 وتأمين موسكو فراره إليها، كونها حليفه الأساسي في الشرق الأوسط، بقيت روسيا تراقب التطورات. 

يأتي ذلك وسط حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل قاعدتين عسكريتين روسيتين على الأراضي السورية منحتها نفوذا على البحر الأبيض المتوسط.

تصحيح المسار

وبدا أن روسيا مهتمة بتصحيح علاقتها مع سوريا الجديدة؛ حيث وجهت دعوة إلى وزير الخارجية أسعد الشيباني الذي استجاب وأجرى زيارة في 31 يوليو/ تموز 2025 رفقة وزير الدفاع مرهف أبو قصرة ورئيس جهاز الاستخبارات حسين السلامة.

والتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف مع الشيباني في موسكو.

وذكرت الوكالة العربية السورية للأنباء "سانا"، أن بوتين استقبل الشيباني والوفد المرافق له في الكرملين، دون تقديم مزيد من التفاصيل عن اللقاء.

وفي مؤتمر صحفي مشترك مع لافروف، قال الشيباني: إن زيارته إلى موسكو تهدف إلى "بدء نقاش ضروري... بناء على دروس الماضي، لصياغة المستقبل".

وأعلن أنه اتفق مع لافروف على تشكيل لجنتين مكلفتين بإعادة تقييم الاتفاقات السابقة بين سوريا وروسيا.

وأوضح الشيباني أن هناك فرصا كبيرة جدا لسوريا قوية وموحدة، معبرا عن أمله في أن تكون موسكو إلى جانب دمشق في هذا المسار.

ووجه لافروف الشكر للسلطات السورية على ضمان أمن قاعدتين روسيتين في البلاد حيث لا تزال موسكو تحتفظ بوجود لها ودعمت رفع العقوبات عن سوريا.

وقال إن موسكو تأمل أن يحضر الرئيس السوري أحمد الشرع قمة بين روسيا والدول الأعضاء بجامعة الدول العربية في موسكو خلال أكتوبر/تشرين الأول 2025.

وأضاف لافروف "بالطبع، نأمل أن يتمكن الرئيس الشرع من المشاركة في القمة الروسية العربية الأولى، المقرر عقدها في 15 أكتوبر".

وأكد لافروف أن دعم روسيا لسوريا "لا يعتمد على الوضع السياسي أو التغييرات الحكومية".

وهذه هي المرة الأولى التي يزور فيها مسؤول سوري رفيع المستوى روسيا التي كانت في السابق أكبر داعم للأسد منذ إطاحته.

وقال الشيباني للافروف: "نمر بمرحلة مليئة بالتحديات وهناك فرص كبيرة لسوريا ونطمح أن تكون روسيا بجانبنا".

لغة المصالح

وحاولت موسكو إعادة ترتيب حضورها العسكري في سوريا مع القيادة الجديدة للبلاد عقب سقوط الأسد.

والتقى الشرع في 29 يناير/كانون الثاني 2025 وفدا روسيا برئاسة نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، وذلك في أول زيارة لدمشق منذ سقوط الأسد الذي دعمته موسكو عسكريا على مدى عقد من الزمن ومنحته حق اللجوء الإنساني لديها.

كما أجرى الشرع مع بوتين مكالمة هاتفية، في 12 فبراير/ شباط 2025 في أول تواصل بينهما منذ سقوط الأسد.

وقال الكرملين في بيان حينها: إن "بوتين تمنى للشرع النجاح في خوض المهمات التي تواجه القيادة الجديدة للبلاد، لصالح الشعب السوري الذي تربطه بروسيا علاقات صداقة وتعاون مفيد متبادل على مر التاريخ".

وتعد القواعد الروسية بسوريا التي أعطت للكرملين نفوذا على البحر المتوسط ومنه إلى شمال إفريقيا، الملف الأساسي الذي سيحدد طبيعة العلاقة المستقبلية بين دمشق وموسكو.

وتسعى روسيا حاليا للحفاظ على الوضع القانوني لقاعدتها الجوية في حميميم بريف اللاذقية والقاعدة البحرية في طرطوس، وهما القاعدتان العسكريتان الوحيدتان لموسكو خارج الاتحاد السوفيتي السابق، بما يضمن استمرار عملها وفقا للاتفاقيات المبرمة مع نظام الأسد المخلوع.

وضمن هذا السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي السوري، أحمد الهواس: إن "روسيا أساءت للشعب السوري من خلال تدخلها لصالح الأسد عام 2015 لقمع الثورة، وهذا الدخول لم يكن شرعيا ولا بتفويض من مجلس الأمن الدولي علاوة على سقوط الأسد منذ بداية الثورة بالشرعية الثورية؛ لأن الشعب هو مصدر السيادة". 

وأضاف الهواس لـ"الاستقلال" أن "انتصار الثورة السورية يحتم على روسيا أن تتعامل بطريقة وأسس مختلفة مع سوريا الجديدة تختلف كليا عما كان زمن الأسد والتي تصل لحد الهيمنة الكاملة".

وأردف: "خاصة أن روسيا تعد دولة غازية ويترتب عليها بموجب الفصل السابع من الأمم المتحدة دفع تعويضات للشعب السوري".

ولفت الهواس إلى أن "روسيا بوصفها القوة العالمية الثانية وهي حاليا في صدام مع الاتحاد الأوروبي من خلال حرب أوكرانيا، فإن الموقع الجيوسياسي لسوريا يدفعها لفتح صفحة جديدة مع القيادة الجديدة والتعامل بمنطق الأهمية الجيوسياسية لسوريا وتغليب لغة المصالح في هذه المرحلة". 

واستدرك: "في المقابل سوريا ستتعامل مع روسيا كقوة عظمى في العالم ولديها مصالح قديمة معها، ما يعني أن الالتقاء سيكون على قاعدة المصالح وليس على قاعدة العداوة المطلقة". 

ورأى الهواس أن "حديث روسيا عن مراجعة الاتفاقيات المبرمة كافة زمن الأسد يشير إلى احتمالية تخليها عن الديون التي راكمها النظام البائد على سوريا من موسكو، وقد تقدم تحفيزا اقتصاديا ما مقابل بقاء القاعدة البحرية الروسية في طرطوس على المتوسط".

وذهب إلى القول: "قد تبقى سوريا تستورد السلاح التقليدي من روسيا، خاصة أن هناك إشارة لذلك من خلال اشتمال الوفد السوري إلى موسكو على وزير الدفاع أبو قصرة".

إستراتيجية واضحة

ويرى مراقبون أن روسيا يمكنها الضغط على إسرائيل التي  انسحبت من اتفاق فضّ الاشتباك الموقع مع سوريا عام 1974 في اليوم التالي لسقوط الأسد، من أجل وقف الخروقات المتكررة والتي تهدد استقرار البلاد ووحدة أراضيه.

فمنذ ذلك الحين وبصورة شبه يومية، ينفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي، توغلات برية داخل الأراضي السورية ويهاجم ويقصف مواقع تسفر في كثير من الأحيان عن خسائر مادية وبشرية.

علاوة على دعم إسرائيل نزعات انفصالية في الجنوب السوري وتحديدا في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية.

ويشير بعض الخبراء إلى أن نشر قوات روسية لحفظ السلام في الجولان وهو اقتراح قدمه بوتين عام ،2013 قد يكون أحد خيارات دمشق راهنا لإحياء هذا الدور في ظل الخروقات الإسرائيلية الحالية، لا سيما في ظل علاقة موسكو والاحتلال الإسرائيلي الجيدة.

وفي 17 يوليو 2025، نددت وزارة الخارجية الروسية بالغارات الجوية الإسرائيلية على سوريا وقالت: إنها تشكل انتهاكا لسيادة البلاد وللقانون الدولي.

وأعلن الكرملين في 28 يوليو أن بوتين ناقش الوضع في سوريا خلال مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. 

وأفاد في بيان بأن بوتين أكد خلال المكالمة على “أهمية الحفاظ على سيادة سوريا وتعزيز الاستقرار السياسي الداخلي فيها”.

كذلك، فإن وضع العداوة جانبا يعود بالنفع لكلا البلدين وفق المراقبين، فسوريا التي بدأت مرحلة بناء الدولة وإنعاش الاقتصاد تحتاج إلى علاقات إيجابية مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي ومنهم روسيا.

وقد يكون استئناف إمدادات روسيا التقليدية من الأسلحة والوقود والقمح بمثابة طوق نجاة لهذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 23 مليون نسمة ويعاني 80 بالمئة من سكانه الفقر.

وهذا ما يشير إليه الباحث في مركز "جسور" للدراسات، وائل علوان بقوله: إن "هناك إستراتيجية واضحة بأن موسكو تتعامل مع السلطة الحاكمة في سوريا وهذا تغير في الموقف الروسي السابق في التعامل مع الأسد، خاصة في ظل التغيرات الكبيرة التي حدثت في سوريا التي دفعت موسكو لتغيير بوصلتها وهذا مرتبط بعلاقة روسيا مع تركيا" 

وأضاف علوان لـ"الاستقلال" أن "الحكومة السورية تنظر إلى روسيا على أنها كانت جزءا من دعم نظام الإبادة الأسدي، وبالتالي موسكو اليوم من خلال مقعدها في مجلس الأمن الدولي وامتلاكها حق النقض يمكنها أن تؤثر بشكل إيجابي أو سلبي في استقرار المنطقة شرق المتوسط".

وذهب علوان للقول: إن "دمشق تطمح في الحد من أي تدخل روسي سلبي بالشأن السوري مقابل تجيير دورها الإيجابي لصالح سوريا".