انتهاكات بمناطق سيطرتها.. كيف أعادت "قسد" وجه نظام الأسد القبيح إلى سوريا؟

منذ ٩ ساعات

12

طباعة

مشاركة

يشكو سكان بعض البلدات الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة أميركيا، لا سيما بلدة "مسكنة" من انتهاكات حقوقية تقع بحقهم، كما يشكو السكان من سوء الأوضاع المعيشية التي يعيشونها تحت سيطرة قسد (واجهة تنظيم "بي كي كي/ واي بي جي" الإرهابي).

وحسب تقرير نشرته صحيفة "تاتس" الألمانية، يقول مواطن سوري، سمى نفسه "محمد"، إن مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية (قسد) قتلوا، قبل 4 أشهر، في مدينته (مسكنة)، 5 أشخاص على الأقل، وأصابوا ما يصل إلى 6 آخرين. مؤكدا أن القتلى والجرحى لم يكونوا مسلحين.

وأشارت الصحيفة إلى أن الاسم الحقيقي لـ "محمد" مختلف، لكنه رفض ذكر الاسم الفعلي خوفا من الانتقام.

ومنذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، سيطرت عدة قوى على المدينة التي يقطنها نحو 15 ألف شخص، معظمهم عرب، وكثيرون منهم من أصول بدوية، وفق ما أفاد التقرير.

ضحايا "قسد"

وفي هذا السياق، ذكرت الصحيفة الألمانية: "في ديسمبر/ كانون الأول 2024، شهدت المدينة مرة أخرى تغييرا في القوة المسيطرة عليها، فبعد هجوم خاطف شنته هيئة تحرير الشام وأسقطت من خلاله النظام السوري، دخلت قوات أخرى إلى مسكنة، وهي قوات سوريا الديمقراطية، القادمة من مناطق الإدارة الذاتية الكردية شمال شرق سوريا".

وهنا يقول محمد: "عندما دخلت قوات قسد إلى هذه المنطقة، سرقوا ممتلكات من المؤسسات الحكومية، مثل معدات من مصنع السكر. لم نفعل شيئا". 

وتابع: "ولكن عندما حاولوا الاستيلاء على مضخة المياه الكبيرة والمخبز الرئيس للمدينة، رفع السكان أصواتهم. أرادوا أن يأخذوا منا الخبز والماء. انطلقت النداءات من المسجد لوقف ذلك".

وأضاف أن "مجموعتين من الرجال تجمعوا أمام المخبز ومضخة المياه، ومنعوا سرقتهما. ثم توجهوا بعد ذلك إلى المبنى الذي كان يتحصن فيه مقاتلو قسد، وهم يهتفون بهتافات فحواها طلب الرحيل، لأنهم يمارسون ذات السياسات التي كان يمارسها نظام الأسد". وعندها، أُطلق النار من المبنى. 

وأفاد محمد بأن أحد أقاربه -طالب عمره 23 عاما- أصيب برصاصة قاتلة، كما فر الجميع متفرقين، وظلت الجثث ملقاة على الطريق لساعتين، ولم يجرؤ أحد على الاقتراب منها.

سمعة طيبة!

وتزعم الصحيفة الألمانية أن "قوات قسد تحظى عموما بسمعة طيبة؛ حيث إنها تُعد ليبرالية وتدعو إلى المساواة بين النساء والرجال". وأضافت: "كان لها دور حاسم في قتال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)".

وأردفت: "وقد حصلت قسد على دعم عسكري ومالي من الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي. وأقامت إدارة ذاتية في شمال شرق سوريا، وجذبت اهتماما عالميا كمشروع يساري بديل في عالم عربي محافظ".

واستدرك التقرير: "ومع ذلك، كانت هناك شكاوى خلال السنوات الماضية عن انتهاكات لحقوق الإنسان، خصوصا في السجون الكردية". 

فقد تحدث تقرير حديث لمنظمة العفو الدولية عن "الموت والتعذيب" داخل المعتقلات. وأعلنت قسد أنها تحقق في الانتهاكات.

جدير بالذكر أن قسد تسيطر –سواء بعد سقوط النظام أو بعد انتصارها على داعش– على عدد من القرى والمدن ذات الغالبية العربية في شمال سوريا. 

ولفتت الصحيفة إلى أن الغضب من قوات قسد لا يقتصر على سكان "مسكنة" فقط؛ حيث إن عددا من سكان مناطق أخرى عبروا للصحيفة عن انتهاكات ومضايقات تعسفية، لكن الخوف يمنعهم من نشر شهاداتهم.

ورثة الإجرام

كما سرد التقرير الحالة التي كانت عليها "مسكنة" قبل دخول قسد إليها في 9 ديسمبر/ كانون الأول 2024. 

فبعد اندلاع الثورة السورية، اجتاح مقاتلو داعش هذه المنطقة، بما في ذلك مسكنة والقرى المحيطة.

وتعقب الصحيفة: "بعدها تحولت مسكنة إلى معقل للإسلاميين الذين أقاموا دولة وهمية، حكموا فيها بالتعذيب والعقوبات القاسية وفق المبادئ السلفية المتشددة".

وبعد الأحداث بأسابيع قليلة، أفاد محمد بأن قوات قسد عرضت على عائلات الضحايا 5 آلاف دولار لكل منهم، لكنهم رفضوا المال.

كما تحدث محمد عن أنهم يحذفون الصور ومقاطع الفيديو من هواتفهم خوفا من اكتشافها عند التفتيش، إذ يجب على من يريد دخول المدينة عبر نقطة تفتيش قسد.

مضيفا أن "الناس يراقبون بعضهم بعضا، وأن الخوف من الاعتقال دائم". وأكد: "إنه النظام نفسه الذي كان موجودا في عهد الأسد".

وذكرت الصحيفة أن الكثيرين يُعتقلون ويضربون لمجرد وجود صور معينة على هواتفهم.

وفي هذا الصدد، قال رجل يرتدي قفطانا تقليديا أثناء تسوقه في المتجر إنه "مكث 58 يوما في السجن بسبب شيء وجدوه على هاتفي".

كما يشكو آخرون من أن جنود قسد استولوا على بعض المنازل الفارغة؛ حيث يقول شاب في مقتبل عمره: "الآن يعيش جنود قسد في منزل عمي".

بدوره، نفى متحدث باسم قسد جميع الاتهامات الموجهة إلى قواته، معتبرا أنها "مزاعم كاذبة مبنية على شهادات غير صحيحة وتقارير سابقة معادية لقسد". 

ولتحسين الصورة الذهنية لقوات قسد، أرسل المتحدث للصحيفة رابطا لمنشور رسمي عن حملة تنظيف قمامة في مدينتي مسكنة ودير حافر في يناير/ كانون الثاني 2025.

وسلطت الصحيفة الضوء على صعوبة الحياة في مسكنة والقرى المجاورة، مشيرا إلى تهالك المنازل وضعف تأثيثها وتأسيسها، وقدم الشاحنات وتهالكها.  

كذلك تحدث سكان المدينة عن عدم وجود كهرباء على الإطلاق في البلدة. 

وتقول إحدى نساء القرية للصحيفة: "علينا غسل كل شيء يدويا، والليل مظلم جدا". مضيفة أن "ظروف المعيشة لم تتغير منذ سقوط الأسد، والحياة صعبة كما كانت".

ويقدّر التقرير الألماني أن الأوضاع ازدادت سوءا منذ سقوط الأسد والمعارك بين قسد والجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا.

حيث تعد تركيا قسد جزءا من حزب العمال الكردستاني المحظور والمصنف كمنظمة إرهابية، وتستهدفهم بالغارات الجوية.

وأشارت الصحيفة إلى أن هدوءا هشا غير رسمي بين الطرفين يسود خلال هذه الفترة.

وعند الحواجز على مداخل ومخارج مسكنة، تقف قوات قسد حيث تنتظر عشرات السيارات في طابور طويل، ويقول أحد المنتظرين: إن الانتظار الطويل متعمد لـ "منع الطائرات التركية من استهداف القوات". لكن الصحيفة ذكرت أنها لا يمكنها التأكد من هذه الرواية.

واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول: "يوجد بالفعل اتفاق لدمج قسد في الجيش السوري، لكن لا تزال هناك تفاصيل كثيرة غامضة. وفي مسكنة، لا يزال كثيرون يأملون بشيء واحد: أن يعيشوا أخيرا بحرية وسلام".

وحدة سوريا "خط أحمر" 

وفي 27 أبريل/نيسان 2025، أكدت الرئاسة السورية، رفضها أي محاولات فرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات فيدرالية أو إدارة ذاتية من شأنها تفتيت البلاد، مشددة أن "وحدة سوريا أرضا وشعبا خط أحمر". 

وقالت الرئاسة في بيان ردا على ما قالت: إنها تحركات وتصريحات صادرة أخيرا عن قيادة "قسد"، "تدعو إلى الفيدرالية وتكرّس واقعا منفصلا على الأرض". 

وذكر البيان أن الاتفاق الأخير الذي جرى بين الرئيس أحمد شرع، وقيادة قسد "خطوة إيجابية نحو التهدئة والانفتاح على حل وطني شامل".

واستدرك "غير أن التحركات والتصريحات الصادرة أخيرا عن قيادة قسد والتي تدعو إلى الفيدرالية وتكرّس واقعا منفصلا على الأرض تتعارض بشكل صريح مع مضمون الاتفاق وتهدد وحدة البلاد وسلامة ترابها".

ولفت البيان إلى أن الاتفاق كان خطوة بناءة إذا ما نفّذ بروح وطنية جامعة، بعيدًا عن المشاريع الخاصة أو الإقصائية.

وفي 10 مارس /آذار 2025، وقع الرئيس الشرع، وقائد قوات قسد مظلوم عبدي، اتفاقًا يقضي بدمج المؤسسات المدنية والعسكرية كافة في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز، وتأكيد وحدة أراضي البلاد ورفض التقسيم.

وأكدت الرئاسة في بيانها "رفض أي محاولات لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة تحت مسميات الفيدرالية أو الإدارة الذاتية دون توافق وطني شامل".

وتابعت أن "وحدة سوريا أرضا وشعبا خط أحمر وأي تجاوز لذلك يعد خروجا عن الصف الوطني ومساسا بهوية سوريا الجامعة".

وشددت على أن "حقوق الإخوة الأكراد، كما جميع مكونات الشعب السوري، مصونة ومحفوظة في إطار الدولة السورية الواحدة على قاعدة المواطنة الكاملة، والمساواة أمام القانون، دون الحاجة إلى أي تدخل خارجي أو وصاية أجنبية". 

كما عبرت الرئاسة السورية عن "بالغ القلق من الممارسات التي تشير إلى توجهات خطيرة نحو تغيير ديمغرافي في بعض المناطق، بما يهدد النسيج الاجتماعي السوري، ويُضعف فرص الحل الوطني الشامل".

وكذلك حذرت من تعطيل عمل مؤسسات الدولة في المناطق التي تسيطر عليها قوات "قسد"، وتقييد وصول المواطنين إلى خدماتها، واحتكار الموارد الوطنية وتسخيرها خارج إطار الدولة، بما يسهم في تعميق الانقسام وتهديد سيادة البلاد.

وتابعت: "لا يمكن لقيادة ما تعرف باسم قوات "قسد" أن تستأثر بالقرار في منطقة شمال شرق سوريا، إذ تتعايش مكونات أصيلة كالعرب والكرد والمسيحيين وغيرهم، ومصادرة قرار أي مكوّن واحتكار تمثيله أمر مرفوض، فلا استقرار ولا مستقبل دون شراكة حقيقية، وتمثيل عادل لجميع الأطراف".

وجاء بيان الرئاسة السورية بعد يوم من اختتام مؤتمر أُطلق عليه "وحدة الصف والموقف الكُردي" الذي عُقد في مدينة القامشلي (شمال شرق)، وشدد على ضرورة أن يكون هناك حكم "لا مركزي"، وهو ما عدته حكومة دمشق يتنافى مع جوهر الاتفاق الموقع في مارس الماضي.

وفي ختام المؤتمر، تبنّى المجتمعون ما قالوا إنها "رؤية كردية مشتركة"، بزعم "حل القضية الكردية السورية"، رغم أن حكومة دمشق أكدت مرارا التزامها بحفظ وصون حقوق الأكراد، كما جميع مكونات الشعب السوري، في إطار الدولة السورية الواحدة، وهو ما أكد عليه بنود الاتفاق الأخير. 

وتحتل قوات "قسد" مدعومة من الولايات المتحدة نحو ثلث الأراضي السورية وتسيطر على معظم مناطق حقول النفط والغاز المعروفة بأنها "سلة سوريا الغذائية"، وترفض "قسد" الاندماج بوزارة الدفاع السورية التي تشكلت ضمن الحكومة الجديدة بعد سقوط النظام السابق.

وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 بسطت فصائل سوريا سيطرتها على البلاد، منهيةً 61 عاما من حكم حزب البعث الدموي، و53 سنة من سيطرة أسرة الأسد.