من الجمارك إلى رئاسة الوزراء.. ابن بريك يواجه اختبار الإنقاذ الاقتصادي باليمن

"وزير مخضرم، رجل المالية"… هكذا يطلق على سالم صالح بن بريك الرئيس الجديد للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، والذي عين خلفا للمستقيل أحمد عوض بن مبارك.

وتولى ابن مبارك المنصب لمدة عام وثلاثة أشهر، واشتكى من قلة الصلاحيات، وعدم التمكين من إجراء “التعديل الحكومي المستحق”، ما دفعه إلى الاستقالة.

ويتبين من حديث ابن مبارك أن أزمته مع رئيس المجلس القيادي الرئاسي رشاد العليمي لم تحل، وذلك بعد محاولاته المستمرة لإجراء تغيير في حكومته يشمل وزراء معينين وفق صلاحياته الدستورية، الأمر الذي دفعه للاستقالة قبل أن يُقال.

ونشرت وكالة "سبأ نت" الرسمية في 3 مايو/أيار 2025، تفاصيل قرار رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي (بمثابة رئاسة الجمهورية)، يقضي بتعيين سالم بن بريك رئيسا لمجلس الوزراء، مع استمرار أعضاء الحكومة في أداء مهامهم وفقا لقرار تعيينهم من دون تغيير.

وزير مخضرم

ينحدر رئيس الوزراء الجديد سالم صالح سالم بن بريك من محافظة حضرموت جنوب شرقي اليمن، فهو من مواليد مدينة المكلا عام 1965، وحاصل على البكالوريوس في الإدارة المالية والجمركية.

تدرّج في المناصب، إذ كانت أولى المهام التي يشغلها في حياته المهنية، هي عمله كنائب لمدير الشؤون الفنية في جمرك ميناء المكلا، ثم مديرا لإدارة المراجعة فيه، ثم نائبًا لمدير الميناء نفسه عام 1996.

وعُين ابن بريك عام 2005، مديرا عاما لجمرك الطوال (حرض) في محافظة حجة، وهو أكبر وأهم منفذ برّي يربط اليمن بالسعودية، وبقي هناك لمدة تصل إلى 4 أعوام.

بعدها جرى تعيينه مديرا لجمرك ميناء الحديدة منتصف عام 2009، ثم مديرا عاما لجمرك المنطقة الحرة في عدن منتصف عام 2013.

وشغل منصب رئيس مصلحة الجمارك للفترة من 16 يونيو/حزيران 2014 إلى 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، قبل أن يجرى اختياره في العام التالي عضوا للجنة الاقتصادية العليا في الحكومة الشرعية.

وأصبح أيضا عضوا في مجلس إدارة البنك المركزي اليمني ممثلا عن وزارة المالية، ثم نائبًا لوزير المالية حتى 19 سبتمبر/أيلول 2019، عندما جرى اختياره وزيرا للمالية في الحكومة السابقة بقيادة معين عبدالملك.

ويعد ابن بريك خامس رئيس حكومة للشرعية منذ انقلاب الحوثيين عليها في اليمن عام 2014 وسيطرتهم على العاصمة صنعاء ومعظم مدن الشمال اليمني، وإدخال البلاد في حالة حرب مستمرة.

رجل المالية

تعيين ابن بريك يأتي في ظل تدهور اقتصادي حاد؛ إذ يشهد الريال اليمني انهيارا غير مسبوق، ما فاقم معاناة المواطنين في بلد تصنّفه الأمم المتحدة ضمن أكثر الدول تضررا من الأزمات الإنسانية.

وبلغ سعر صرف الدولار الأميركي في تعاملات الأول من مايو 2025، نحو 2600 ريال يمني، في أدنى مستوى للعملة الوطنية منذ بدء الحرب مطلع 2015، حين كان الدولار يعادل نحو 215 ريالا فقط.

يلعب سالم بن بريك دورا مركزيا في إعداد الموازنات العامة والإشراف على الإيرادات والنفقات كونه وزيرا للمالية، إلى جانب تنسيق الجهود مع المؤسسات المالية الدولية والداعمين الخارجيين، وهي مهام شديدة الحساسية في ظل التحديات الاقتصادية والإنسانية العميقة التي تمر بها البلاد.

يعوَّل على بن بريك في المرحلة المقبلة للمساهمة في تحقيق استقرار مالي واقتصادي، وتفعيل أدوات الشفافية والمحاسبة، بالتوازي مع تنفيذ أولويات الحكومة الجديدة في ظل بيئة معقدة سياسيا واقتصاديا.

ويواجه ابن بريك العديد من التحديات في مهامه رئيسا للوزراء، خصوصا توحيد الإيرادات، وإعادة تصدير النفط، وإصلاح السياسة النقدية، وتحريك الاقتصاد اليمني، فضلا عن مواجهة الانقلاب الحوثي.

وسبق أن أعلنت الحكومة اليمنية أنها تواجه أزمة مالية خانقة نتيجة توقف تصدير النفط منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2022، إثر هجمات شنتها مليشيا الحوثي على موانئ نفطية.

وتشترط المليشيا المدعومة من إيران التوصل إلى اتفاق يفضي إلى تقاسم عائدات النفط في المدن التي تسيطر عليها حكومة الشرعية، واستخدامها لصرف رواتب الموظفين في عموم البلاد.

ومنذ أبريل/نيسان 2022، يشهد اليمن تهدئة هشة بعد حرب استمرت نحو عقد بين القوات الحكومية المعترف بها دوليا والحوثيين، الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات منذ 2014.

نتاج توافقات

ومع تسمية ابن بريك رئيسا للوزراء نتيجة توافقات سياسية، تحدث ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن اشتراطات للأخير من أجل قبول المنصب ومن بينها حصول حكومته على دعم مالي وضبط تحصيل الإيرادات، وإصلاح السياسة النقدية للحد من انهيار الريال اليمني.

ورأى يمنيون أن اختيار ابن بريك كان بمثابة الحل الناجع لفتح الطريق أمام إيجاد حلول جادة لاقتصاد البلد، لكنهم شددوا على ضرورة منحه الصلاحيات الكافية حتى يستطيع العمل، وأولها تغيير الحكومة الحالية.

وكتب الناشط اليمني بشير البريكي على "إكس" في 3 مايو، قائلا: "الأستاذ سالم بن بريك لا ينتمي لأي حزب سياسي يمني، رجل عملي ملتزم تماما بالشفافية والمسؤولية والإخلاص يضع خدمة الناس على رأس أولوياته".

وأضاف: "نسأل الله أن يُوفقه ويُعينه في مهامه الوطنية السامية، وأن يُكلل جهوده بالنجاح، لا سيما في مكافحة الفساد الإداري الذي أنهك البلاد والعباد".

وقال السياسي اليمني، وضاح الهنبلي خلال تدوينة عبر "إكس" في 4 مايو: إن "بن بريك يحتاج إلى صلاحيات بتغيير عدد كبير من الوزراء، إضافة إلى وديعة أو منحة لا تقل عن 2 مليار دولار، ومنحة مشتاقات نفطية لصيف عدن".

وتابع: "حتى الآن سمعنا قرارا يظهر إصرار مجلس القيادة الرئاسي على بقاء جميع الوزراء بالحكومة، ولم نسمع عن أي وعود بوديعة أو منحة أو مشتقات".

وبحسب تدوينة للناشط اليمني، محمد اليافعي على منصة "إكس"، فإن ابن بريك اشترط لقبول المنصب ضمانات عدة، أبرزها دعم السعودية للموازنة العامة للدولة، وضبط تحصيل الإيرادات الحكومية، بالإضافة إلى إصلاح السياسة النقدية لوقف التدهور المستمر للعملة المحلية. 

ونقل عن مصادر لم يسمها أن “اختيار بن بريك جاء بناءً على إجماع داخل مجلس القيادة الرئاسي، نظرا لسجله المهني المتميز”.

فقد "حقق نجاحات ملحوظة خلال توليه إدارة مصلحة الجمارك ووزارة المالية في عدن، فضلا عن خبرته التي تمتد لأكثر من ثلاثة عقود في المناصب القيادية، والتي عُرف خلالها بالنزاهة والصارمة في فرض الانضباط الوظيفي". 

وعلى العكس من ذلك، رأى الناشط اليمني، أبو بكر عامر العمودي في تدوينة على "إكس" أنه "إذا لم يكن تغيير جذري للحكومة فلا حاجه لتغيير ابن مبارك. الأخ سالم بن بريك رجل جدير وخبير مالي ولديه المؤهلات التي تؤهله لإرادة البلاد".

وتابع: "لكنه (بن بريك) لن يكون أحسن من خلفها إذا لم تتغير الحكومة بالكامل وإحالة مجلس القيادة الرئاسي للتحقيق"، في إشارة إلى أن الأزمة مازالت قائمة بوجود الكابينة الوزارية ذاتها بلا تغيير.

وعلى الوتيرة ذاتها، علق السفير اليمني الأسبق لدى مصر، خالد بحاح، بالقول: "مع شكر جهود بن مبارك وأمنيات التوفيق لابن بريك، لا ننسى بأن التغيير الحقيقي يكون بإصلاح منظومة ادارة الدولة والنهج العام بإعادة إنعاش الشرعية من جديد، واستشعارها للأمانة التاريخية".

ورأى بحاح عبر تدوينة على "إكس" في 3 مايو أن "تغيير المناصب والحكومات وحده غير كافٍ لإحداث نقلة تصحيحية شاملة".

ويتزامن تعيين ابن بريك مع ضربات أميركية يومية على مواقع جماعة الحوثي بسبب إسنادها قطاع غزة عبر منع السفن الإسرائيلية أو تلك التي تتوجه إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة من العبور.

وهو ما يُعوَّل عليه في استغلالها والترتيب لقيادة حملة عسكرية لإنهاء سيطرة جماعة الحوثي على الجغرافيا التي تسيطر عليها.