تقرير الحالة العربية: يوليو/ تموز 2022

قسم البحوث | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

المحتويات

مقدمة

المحور الأول: الحالة السياسية

تونس

تغيير نسخة الدستور المقترحة من الهيئة

الرئيس يعدل على نسخته للدستور

الطعن في استقلالية لجنة الانتخابات المعينة

هيئة الانتخابات تغير النتائج

مستقبل تونس بعد تغيير الدستور

العراق

علاقة السوداني بنوري المالكي

اقتحام أنصار الصدر للبرلمان

تسريبات صوتية للمالكي

هل تمرر حكومة السوداني؟

السودان

هل قرار البرهان مناورة جديدة؟

بنود مفخخة في القرار

هل ينجح الحوار المدني-المدني؟

المحور الثاني: السياسة الدولية والمنطقة

زيارة بايدن للمنطقة

دوافع الزيارة وأهدافها

بين لابيد وعباس.. لا جديد

العلاقات السعودية الأميركية

مشهد إقليمي جديد؟

المحور الثالث: الاقتصاد العربي

مصر.. إجراءات قاسية لاسترضاء صندوق النقد الدولي

رفع سعر الفائدة على الدولار الأميركي


مقدمة

حفل تقرير "الحالة العربية" في يوليو/تموز 2022 بالعديد من الأحداث المهمة والمؤثرة في المنطقة العربية، فيما يتعلق بالشأن السياسي الداخلي لتلك الدول أو الملفات المتشابكة مع العالم.

ولم تغب كذلك الأحداث المهمة عن المحور الاقتصادي، لا سيما في ظل السياقات التي تشهدها كبرى الاقتصادات العالمية.

ففي المحور السياسي، استعرض التقرير المشهد المأزوم في تونس، وكيف أن تمرير الدستور يتسبب في تأزيم الحالة السياسية بشكل أكبر، بسبب الانتهاكات المتعددة التي شابت عملية كتابته والاستفتاء عليه.

كما تناول المحور الوضع الشائك في العراق، مع فشل التيار الصدري في تشكيل الحكومة، واستقالة أعضائه من البرلمان، ثم ترشيح "الإطار التنسيقي" لشخصية عليها علامات استفهام، إضافة إلى اقتحام البرلمان والتسريبات الصوتية وغيرها.

وأخيرا، يرصد التقرير قرار الجيش السوداني بالتنحي عن المشهد وانسحابه من المفاوضات وحل مجلس السيادة.

أما في محور السياسة الدولية والمنطقة، فكان الحدثان الأبرزان خلال الشهر هما قمتي جدة وطهران، وتناول التقرير دوافع كل منهما والمشاركين ومخرجاتهما، وما تأثير القمتين على القضايا المطروحة فيهما.

وأخيرا، استعرض المحور الاقتصادي محاولات الحكومة المصرية لاسترضاء صندوق النقد الدولي، للحصول على قرض جديد، ما يعني أن هناك موجة قادمة من القرارات والإجراءات ستزيد من معاناة المواطنين المصريين.

كما تناول التقرير الآثار السلبية على البلدان ذات الاقتصادات النامية، لارتفاع سعر الفائدة على الدولار الأميركي.


المحور الأول: الحالة السياسية

نستعرض في محورنا السياسي لشهر يوليو 2022 الوضع في بعض البلدان العربية التي تعيش حالة من عدم الاستقرار أو الانسداد السياسي.

ونبدأ بتونس حيث تمكن الرئيس قيس سعيد من تمرير دستوره الجديد للبلاد، رغم اعتراض معظم الأحزاب السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني.

وقد طعن كثيرون في هذا الدستور من حيث مواده التي تعطي الرئيس صلاحيات واسعة على كل مؤسسات الدولة تقريبا، حتى أن رئيس لجنة صياغة الدستور اعترض على هذه المواد التي أدخلها "سعيد" على المشروع الذي قدمته اللجنة.

كما طالت الاعتراضات اللجنة المشرفة على الانتخابات التي عين "سعيد" كل أعضائها بشكل أو بآخر. هذا فضلا عن تغيير اللجنة لنتائج الاستفتاء بعد إعلانها.

علاوة على ذلك، نستعرض الوضع الشائك في العراق، مع فشل التيار الصدري في تشكيل الحكومة، واستقالة أعضائه من البرلمان، ثم ترشيح "الإطار التنسيقي" لشخصية عليها علامات استفهام من قبل التيار الصدري برئاسة مقتدى الصدر.

كما نتحدث عن اقتحام البرلمان وأسبابه، وعن التسريبات الجدلية التي أظهرت تخطيط نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الأسبق والخصم اللدود للصدر، للانقلاب على السلطة.

وفي السودان، نتناول قرار الجيش بالتنحي عن المشهد والانسحاب من المفاوضات، وحل مجلس السيادة، وتشكيل مجلس عسكري. إذ اختلفت الآراء حول هذا القرار، بين من يرى أنه مناورة من قادة القوات المسلحة، وآخرون يرونه فرصة لإعادة السلطة للمدنيين.

تونس

يتغير شكل الدولة التونسية شيئا فشيئا منذ 25 يوليو 2021، بعدما أصدر الرئيس قيس سعيد قرارا يقضي بتعليق عمل مجلس النواب لمدة 30 يوما، مع حل الحكومة المدعومة من المجلس.

فطوال العام 2021، انتقل "سعيد" من تعليق البرلمان لمدة شهر واحد، متذرعا بالفصل الـ 80 من الدستور، إلى تعليقه لأجل غير مسمى، إلى إلغائه والدعوة لانتخابات برلمانية مبكرة، وأمر الجيش بتطويق المجلس وأوقف رواتب النواب ورفع عنهم حقهم في الحصانة الدستورية.

ثم اتجه الرئيس إلى باقي سلطات الدولة لبسط سيطرته عليها، رغم تأكيد الخبراء الدستوريين أن الدستور لا يسمح له باتخاذ هذه الإجراءات، وأن الفصل الـ 80 يحتم عليه "استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية"، ويعد "مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة".

والتأكيد على أنه "وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة".[1]

فبعد حل الحكومة والبرلمان عين "سعيد" حكومة أخرى ترأسها نجلاء بودن، خلافا لما ينص عليه الدستور الذي يتخذه الرئيس سندا في إجراءاته، والذي يعد تعيين الحكومة من حق الكتلة الأكبر في مجلس النواب.

ثم بعد نحو شهرين من بدء هذه التحركات قرر الرئيس التونسي إلغاء معظم بنود دستور البلاد، الذي أقر عام 2014، ومنح نفسه سلطة الحكم بمراسيم.

ثم اتجه "سعيد" إلى السلطة القضائية، التي اكتسبت قدرا من الاستقلال بعد الثورة التونسية، ليهاجم القضاة ويصفهم بالفاسدين. ثم قرر حل المجلس الأعلى للقضاء، وهو هيئة مستقلة مكلفة بتعيين القضاة أو عزلهم.

وفي مارس/آذار 2022 عين سعيد أعضاء جددا بالمجلس.[2] وبعد ذلك بنحو شهرين وبالتحديد في يونيو/حزيران عزل 57 قاضيا، بمن فيهم الرئيس السابق للمجلس يوسف بوزاخر.[3]

هذا فضلا عن الأحكام العسكرية التي صدرت ضد برلمانيين معارضين لإجراءاته، وعزله للعديد من المسؤولين في مراكز مختلفة بكثير من مؤسسات الدولة.[4]

واليوم وبعد نحو عام من بدء إجراءاته، مرر قيس سعيد دستورا جديدا للبلاد، ثارت حوله الكثير من التساؤلات والاعتراضات، ليست من طرف المعارضة فقط، بل أيضا ممن اختارهم الرئيس لكتابة الدستور أنفسهم.

تغيير نسخة الدستور المقترحة من الهيئة

في هذا السياق، اتهم رئيس الهيئة الاستشارية لصياغة الدستور، الصادق بلعيد، الرئيس سعيد بتغيير مشروع الدستور المقترح الذي قدمه له، مؤكدا أن النص النهائي لا يمت بصلة للمشروع الأول المقترح، معلنا تبرؤه من مشروع الدستور المطروح للاستفتاء.

وتحت عنوان "مهمة حق أريد بها باطل"، نشرت صحيفة "الصباح" التونسية تصريحات للعميد بلعيد قال فيها إنه يتأسف على إدخال رئاسة الجمهورية "تحويرات جذرية في الأصل وفي روح النص" الذي قدمته اللجنة المكلفة.

وقال بلعيد إن أحد فصول "دستور سعيد" يتضمن الخطر الداهم الذي يسمح للرئيس بتمديد ولايته وتمهيد الطريق لدكتاتورية مشينة، مشيرا إلى أن نص الدستور الصادر عن الرئاسة تنعدم فيه المسؤولية السياسية للرئيس.[5]

وأردف أن مشروع "دستور الرئيس" تضمن نظاما محليا وإقليميا مبهما وغامضا ينذر بمفاجآت غير متوقعة، كما يتضمن تنظيما منقوصا وجائرا للمحكمة الدستورية وصلاحياتها ونظام تعيين يحد من استقلاليتها، متهما "سعيد" بتشويه الهوية التونسية من خلال نسخة الدستور هذه.

وفي مناسبة أخرى، ذكر "بلعيد" أن "مشروع الدستور المعروض للتصويت خطير، ويؤسس لديكتاتورية". ففي مقابلة له مع صحيفة "لوموند" الفرنسية أكد "بلعيد" أن "السلطة تتجه من خلال ما يسمى مبدأ الرئاسية نحو إقامة نوع من الديكتاتورية اللانهائية في البلاد لصالح الرئيس الحالي".

وأضاف أن النص الذي وضعه "سعيد" في الدستور قد يغريه لتجديد ولايته بعد انتهاء مدتها في حالة وجود ما وصفه الأخير بـ"الخطر الداهم".[6]

وفي المقابل، اتهم العضو المؤسس بحركة "الجمهورية الجديدة"، نجيب الحاجي، رئيس الهيئة الاستشارية لصياغة الدستور بلعيد بأنه معروف بانقلابه على من يستعينون به. وألقى الحاجي باللوم على أطراف خارجية تكون ضغطت على رئيس الهيئة.[7]

لكن ما يؤكد أن تصريحات "بلعيد" كانت دقيقة وتعبر عن حقيقة ما حدث، هو أنه لم يكن الوحيد الذي أعلن أن هناك اختلافا بين اللجنة وما نشرته الرئاسة.

فقد أيد عضو الهيئة الاستشارية لصياغة الدستور، أمين محفوظ، ما قاله "بلعيد"، وعبر عن صدمته من مسودة الدستور التي نشرها "سعيد" بالجريدة الرسمية، مؤكدا أن مضامينها تعود بتونس إلى النظام التسلطي وتضرب النظام الديمقراطي بشكل كلي.

وفي تصريحات إذاعية له، قال المسؤول التونسي إن "مسودة الدستور المنشورة تضمنت أخطاء غير مقبولة على مستوى الشكل ولا تليق بهيبة الدولة".

سعيد يعدل على نسخته للدستور

ومما يضفي شيئا من "عدم الثقة" على النص الدستوري الذي جرى الاستفتاء عليه، أن الأمر لم يقف عند اعتراض من كتبوا الدستور على المشروع المختلف الذي نشرته الرئاسة، بل تعدى الأمر إلى تعديل الرئيس على النص الذي نشره بنفسه.

فخلال خطاب متلفز قال سعيد إن بعض الأخطاء قد تسربت من مسودة الدستور المنشورة ووجب إصلاحها وتصويبها.

لتنشر الجريدة الرسمية بالبلاد بعد ذلك مسودة جديدة تضمنت تصحيح أخطاء لغوية وتغييرا في ترتيب بعض أبواب وفصول الدستور.

كما أضافت المسودة الجديدة عبارة "في ظل دولة ديمقراطية" إلى الفصل الخامس الذي يشير إلى أن الدولة تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النفس والعرض والمال والدين والحرية.[8]

بالإضافة إلى ذلك، تضمن الفصل الـ60 تعديلا نص على أن انتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب يجري بشكل مباشر. كذلك حصر النص الجديد "تقييد الحقوق والحريات" في الضرورة التي يقتضيها النظام الديمقراطي وفق ما ورد في التعديل.

وأشارت التعديلات أيضا إلى أنه سيستمر العمل في المجال التشريعي بأحكام الأمر الرئاسي رقم 117 المتعلق بتدابير استثنائية إلى حين تولي مجلس نواب الشعب وظائفه بعد تنظيم انتخابات أعضائه.

ويبدو أن التعديلات التي أدخلها "سعيد" على نسخته للدستور لم تكن هامشية كما يدعي، بل جوهرية. فعلى سبيل المثال، منح الرئيس نفسه، وفق هذه التعديلات، السلطة التشريعية التي بموجبها يستطيع إصدار قوانين تؤثر في سير عمل الدولة، بما في ذلك التأثير في مجريات الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2022.[9]

وهذا ما أكده القاضي السابق بالمحكمة الإدارية التونسية، أحمد صواب، الذي قال إن أمر إصلاح الأخطاء جاء بمشروع دستور جديد مغاير للذي نشر في الجريدة الرسمية نهاية يونيو 2022، مضيفا أن على هيئة الانتخابات، إن كانت مستقلة فعلا، أن تعد النص الجديد قد ورد خارج الآجال القانونية، أو أن تطلق حملة الاستفتاء من جديد.

كما قال عضو الهيئة التنفيذية لجبهة الخلاص الوطني سمير ديلو في منشور على فيسبوك تحت عنوان "في التعديل خلسة.. هل هو تدليس أم مجرد تلبيس؟" إن ما أعلن عنه تحت عنوان "إصلاح أخطاء" كان تعديلا لأحكام متعددة مع تجنب تعقيدات تكليف لجان وهيئات وتحمل حرج احتجاجاتها بعد إلقاء مخرجات أعمالها في سلة المهملات".

وأضاف "ديلو" أن التعديلات تجنبت صلاحيات الرئيس، وعدم خضوعه للمساءلة والعزل، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتركيبة المحكمة الدستورية وصلاحياتها، والاستقلال الحقيقي للقضاء، وهو ما يعني في نهاية الأمر أن التعديلات جاءت لتعزيز سلطة سعيد.

الطعن في استقلالية لجنة الانتخابات المعينة

وبجانب علامات الاستفهام حول مشروع الدستور، فإن كثيرين طعنوا في استقلالية لجنة الانتخابات التي أدارت الاستفتاء، وذلك لأن أعضاءها معينين من الرئيس بشكل أو بآخر.

ففي 4 أبريل/نيسان 2022 أصدر "سعيد" مرسوما رئاسيا يخص تنقيح أحكام القانون الأساسي المتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات، يمنح بموجبه صلاحية تعيين رئيس الهيئة وعضوين فيها، كما يعطيه صلاحية النظر في مقترح إعفاء عضو من الهيئة، بالقبول أو الرفض.

كذلك نص المرسوم على أن يتكون مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من سبعة أعضاء يجري تعيينهم بأمر رئاسي على أن يختار رئيس الجمهورية ثلاثة أعضاء من بين أعضاء الهيئات العليا المستقلة السابقة للانتخابات، وثلاثة من بين تسعة قضاة مقترحين من مجالس القضاء المالي والعدلي والإداري المؤقتة، وعضوا من بين ثلاثة يقترحهم المركز الوطني للإعلامية.[10]

ورغم أن هذا التوزيع في اختيار أعضاء الهيئة قد يوحي أن هناك توازنا واستقلالية في اختيار الأشخاص المعنيين بإدارة أي عملية انتخابية في البلاد، فإن ذلك لا يبدو صحيحا بعد نظرة سريعة على كيفية تعيين المجالس القضائية السابق ذكرها، ذلك أن رؤساء هذه المجالس عينوا في الأساس بأمر من رئيس الجمهورية.

 هذا بالإضافة إلى أنه جرى تغيير رئيس المركز الوطني للإعلامية (منظمة حكومية) بعد القرارات التي أصدرها سعيد في 25 يوليو 2021، التي عدتها معظم الأحزاب السياسية "انقلابا".

ففي المحصلة، اختار رئيس الجمهورية أعضاء لجنة الانتخابات كافة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وهذا ما دفع الرئيس السابق للهيئة، نبيل بفون، أن يعترض على إجراءات سعيد، مشددا على أنها "أصبحت هيئة الرئيس بامتياز".

وقال المسؤول التونسي حينها إن "الرئيس سيكون مرشحا للانتخابات الرئاسية المفترض تنظيمها سنة 2024، ومعينا لهيئة الانتخابات، وتاليا سيكون هو الفريق الذي يلعب على الميدان والحكم والحارس في المرمى المقابل".[11]

وأضاف قائلا: "لقد جرى المس بمفهوم استقلالية الهيئة بصفة جوهرية. كيف يمكن لطرف سياسي في السلطة أن يسمي أعضاء هيئة مستقلة بالتعيين؟ ليس لنا اليوم أي إمكانية لمواجهة المسارات، نحن بصدد تكريس المؤقت الدائم بقوة المراسيم".

وأيد هذا الوصف وقتها القاضي التونسي أحمد الرحموني، الذي قال في تدوينة له: "لا أدري إن كنا نستطيع أن نتحدث عن استفتاء أو انتخابات قادمة بعد حل فعلي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وعزل جميع أعضائها".

وأردف أن "الهيئة الدستورية التي ضمنت في الفترة السابقة نزاهة الانتخابات وشفافيتها، تواجه مصير المجلس الأعلى للقضاء نفسه، وسط صيحات استغاثة أطلقها رئيس الهيئة المنحلة، وفي سياق تدهور عام لم يشهده تاريخ البلاد في أي مرحلة سابقة!".[12]

علاوة على ذلك، قالت منظمة "شبكة مراقبون" في تونس، التي راقبت الاستفتاء، إنه شهد العديد من الإشكاليات على المستوى القانوني.

وبينت المنظمة على لسان رئيستها، رجاء الجبري، أن "الإطار القانوني لمسار الاستفتاء على الدستور شهد تغييرات جوهرية في مدة قصيرة، الأمر الذي يتنافى والمعايير الدولية".

و"أهم هذه التغييرات تتمثل في تغيير تركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بمرسوم رئاسي في 21 أبريل وتعيين أعضائها ورئيسها بصفة مباشرة أو غير مباشرة من قبل رئيس الجمهورية لأربع سنوات قادمة"، مضيفة أنه "كان يتعين انتخاب أعضاء الهيئة من قبل البرلمان".[13]

وتابعت أن "المعايير الدولية تنص على عدم المساس بالهيكل المشرف على العملية الانتخابية خلال مدة وجيزة قبل الاستحقاق الانتخابي"، متسائلة عن مدى جاهزية واستقلالية الهيئة في ظل تعيين أعضائها من قبل الرئيس سعيد، واحترام الإجراءات والقوانين والمعايير الدولية.

فضلا عن ذلك، أشارت المنظمة إلى أن الرئيس التونسي تجاوز هيئة الانتخابات المعينة من جانبه في الأصل، واستنكرت إصدار أمر دعوة الناخبين للاستفتاء دون نشر مشروع الدستور، مما ضيق على الأطراف المشاركة تحديد موقفها منه، وتحديد سعيد لمدة الاقتراع دون الرجوع لهيئة الانتخابات.

هيئة الانتخابات تغير النتائج

 ورغم كل هذه المآخذ في الشكل والمضمون، أعلنت الهيئة العليا للانتخابات إقرار دستور جديد للبلاد، في 26 يوليو بعد نيله ثقة المصوتين في الاستفتاء عليه بنسبة 94.60 بالمئة، وفق زعمها.

لكن مراقبين للانتخابات طعنوا في النتائج التي نشرتها اللجنة، ولاحظوا تغييرا كبيرا في الأرقام التي أعلنت.

واتهم عصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري ​​(وسطي/ لا مقاعد له بالبرلمان)، خلال مؤتمر صحفي عقدته "الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء" هيئة الانتخابات بأنها "عدلت الأرقام من 27.5 كنسبة مشاركة إلى 30.5 بالمئة بإضافة 400 ألف ناخب شاركوا بعد غلق مراكز الانتخابات".[14]

وفي هذا، كتب القيادي في حركة النهضة (إسلامية)، رفيق عبد السلام، أرقاما تفصيلية لما غيرته لجنة الانتخابات في نتائجها، وقال إن "مظاهر التزييف أضحت فاضحة إلى درجة لا يمكن إخفاؤها، وبشكل غير مسبوق حتى في العهد المخلوع، في قفصة زيادة أكثر من 100 ألف صوت بضربة واحدة، وفي توزر أوصلوا نسبة التصويت إلى 100 بالمئة تقريبا، وفي سليانة والكاف وزغوان وتطاوين وقابس وغيرها".[15]

وأضاف أن "العملية انطلقت بكذب وتزييف منذ الصباح بتمرير رقم خيالي لا علاقة له بالواقع بالقول إن نصف مليون صوتوا خلال ساعتين، وهو أمر لم يحصل في انتخابات 2011 حينما كانت الطوابير تمتد لمسافات كبيرة في مختلف مكاتب الاقتراع، ولا 2014 ولا انتخابات 2019، وكل ذلك لتمرير جرعة التزييف عبر وسائل الإعلام حتى تبدو الأمور بديهية ومستساغة".

كما كتب عبد الوهاب الهاني رئيس حزب المجد (وسطي) تحت عنوان "فضيحة دولة" أن "ما نشرته هيئة فاروق بوعسكر الرئاسية اللا مستقلة للانتخابات فضيحة دولة بأتم معنى الكلمة وتدليس واضح للإرادة الشعبية".

 فعلى سبيل الذكر لا الحصر، "لا يمكن أن يكون عدد المقترعين في دائرة ولاية توزر أكبر من عدد الناخبين ومن عدد ساكنة الولاية. ولا يمكن حتى للتدليس أن يتجاوز حجم الجسم الانتخابي، هذه فضيحة تسقط العملية الانتخابية بأسرها"، وفق ما قال.[16]

كذلك أصدرت منظمة "أنا يقظ" المتخصصة بالشفافية بيانا طالبت فيه بإعادة فرز الأصوات من قبل لجنة مستقلة، مؤكدة أن "التضارب في الأرقام بهذا الشكل الصارخ ولأول مرة منذ أكثر من 10 سنوات ليس في كل الأحوال من قبيل تسرب الأخطاء".

وبينت أن عدم التطابق في الأرقام يرصد في 25 من أصل 33 دائرة انتخابية، بشكل ينم عن نقص كبير في الخبرة والكفاءة ويجعل نتائج الاستفتاء موضعا للشك.

ودعت لإتاحة الإمكانية للتونسيين للتأكد من توجههم للتصويت من عدمه ونشر نتائج عملية التدقيق المعمق في السجل الانتخابي التي أعلن عنها منذ مايو/أيار 2022، مشيرة إلى أن "التضارب في النتائج الأولية يجعل عملية الطعن في نتائج الاستفتاء أكثر تعقيدا، وهنا نجدد دعوتنا للمحكمة الإدارية بأن تتحمل المسؤولية التاريخية وأن تصدر أحكامها في أجل معقول يراعي حقوق المواطنين في التقاضي، ويضمن نزاهة ومصداقية النتائج".

هذا الاشتباه في التلاعب بأرقام المشاركين في الاستفتاء وزيادتها بنحو 400 ألف مشارك، دفع لجنة الانتخابات للدفاع عن موقفها. إذ أشارت إلى ما أسمته "تسرب خطأ مادي" بقرار نتائج الاستفتاء على الدستور بإحدى الصفحات، لكنها ادعت في الوقت نفسه أن "النتائج صحيحة".[17]

وقالت الهيئة إنه "طبقا للإجراءات المعمول بها فقد جرى نشر قرار النتائج الأولية وملحقاته غير أنه تسرب خطأ مادي بإلحاق جدول غير محين (غير محدث) ضمن ملحقات قرار النتائج بإحدى صفحاته".

وزعمت أن "النتائج التي أعلنتها الهيئة صحيحة ولا تشوبها أي أخطاء"، وأنها نشرت جميع التفاصيل التي عرضت بالمركز الإعلامي مباشرة بعد الانتهاء من الإعلان عن النتائج الأولية. وتابع بيان الهيئة أنه "جرى تلافي هذا الإشكال بسحب الصفحة المشار إليها من الملحق الرسمي المعتمد".

ورغم هذه الأخطاء التي ارتكبتها اللجنة، والتي تحدث في تونس للمرة الأولى منذ الثورة، لا يتوقع أن تتخذ السلطات أي خطوة نحو إعادة فرز الأصوات أو التحقق من النتائج، ذلك أن الخط العام للسلطة حتى الآن هو تنفيذ أجندتها دون النظر إلى الاعتراضات التي تثار من قبل البرلمانيين أو المسؤولين الذي لديهم مآخذ على سياسة الرئيس، أو حتى الاعتراضات الصادرة ممن أيدوا ودعموا إجراءات قيس سعيد في فترة من الفترات.

وبذلك باتت تونس وشعبها أمام أمر واقع جديد، يتكون من دستور جديد ألغى دستور 2014، ونظام سياسي مختلف، أعطى الرئيس سلطات واسعة، وقلص من صلاحيات ما سواه من السلطات. وهنا يبرز السؤال حول مستقبل البلاد السياسي، في ظل هذه المعطيات.

مستقبل تونس بعد تغيير الدستور

وعند الحديث عما بعد إقرار الدستور يمكن القول إن الخطوات التالية التي من المرتقب أن يتخذها الرئيس التونسي أوضح من تلك التي قد تتبعها المعارضة.

إذ إن "سعيد" يتخذ خطوات تباعا منذ نحو عام تمكنه من مفاصل الدولة، بدءا بتعطيله وحله للسلطة التشريعية إلى تغييره للحكومة وجلب أخرى تابعة له بشكل كامل، ومرورا بحله للمجلس الأعلى للقضاء وفصل قضاة آخرين، واعتقال برلمانيين وتحريك قضايا ضد المعارضين، ولن تكون خطوة تغيير الدستور هي الأخيرة.

ذلك أن سعيد يطمح إلى استكمال مؤسسات الدولة بشكل يقطع صلة البلاد عموما مع ما حدث خلال الـ 10 سنوات الماضية.

وفي هذا، يسعى "سعيد" إلى تشكيل برلمان ومجالس محلية منزوعة الأنياب تتسق مع سياساته، ولا تشكل عائقا أمامه.

وكون "سعيد" هو القائم مقام السلطة التشريعية في الوقت الحالي، فإن هذا يعني أنه الجهة التي ستحدد مجريات الانتخابات النيابية القادمة وانتخابات المحليات، من خلال القانون الذي سيحدد سير العملية الانتخابية. وهذا بالضبط ما صرح به الرئيس التونسي عند تصويته على الاستفتاء الدستوري.

فقد أعلن "سعيد" أنه "سيجري وضع قانون انتخابي لانتخاب أعضاء المجلس النيابي ومجلس الأقاليم والجهات (البلديات) وفق ما جاء في الدستور، يمكن الذين همشوا وغيبوا تماما من المشاركة في صنع القرار ".

وأضاف: "سيصدر نص من مشروع الدستور الجديد على أن يوضح دور المجلس الوطني للجهات والأقاليم الذي يتكون من نواب منتخبين عن الجهات والأقاليم".[18]

وتابع: "مهمة الدولة الأولى تحقيق الاندماج، وما المجلس الثاني (الأقاليم والجهات) إلا طريقة لذلك حتى لا يجري تهميش الشعب في المجال الاقتصادي والتنمية". وبحسب سعيد فإنه "سيصدر نص يوضح العلاقة بين المجلسين".

إذن، تونس في انتظار مشروع قانون من وضع الرئيس يحدد لها شكل برلمانها ومجالسها المحلية. لكن ربما يكون أخطر ما جاء في خطاب "سعيد" هو تهديده بمحاكمة المعارضين.

واتهم الرئيس التونسي أطرافا، لم يسمها كعادته، باختلاق أزمات وصرف أنظار الشعب عن القضايا الحقيقية، متوعدا إياهم بـ"محاكمة عادلة".

وواصل سعيد: "يختلقون الأزمات والهدف أن لا نهتم بالشأن والقضايا الحقيقية، ويعتقدون أنهم بمنأى عن المحاسبة والمحاكمات العادلة حتى تعود الأموال المنهوبة من الخارج".

وقد يفهم من هذا التصريح أنه وبعد إقرار دستور جديد للبلاد، فإن الرئيس يرى نفسه في موقف أقوى من ذي قبل، ما يعني أنه قد يقدم على خطوات يمعن من خلالها في استهداف رؤوس المعارضة وممثلي الثورة.

وهناك شواهد عدة لذلك، منها أن قضاء مكافحة الإرهاب أمر بتجميد الأرصدة المالية والحسابات المصرفية لعشر شخصيات، من بينها رئيس مجلس النواب، راشد الغنوشي، ورئيس الحكومة الأسبق، حمادي الجبالي.

هذا بالإضافة إلى توقيف الجبالي بزعم ضلوعه في قضية غسيل أموال تتعلق بتحويلات من الخارج لجمعية خيرية تحمل اسم "نماء تونس"، واستدعاء الغنوشي للتحقيق معه في القضية ذاتها.

هذا الحال بالنسبة لرؤية سعيد للمرحلة القادمة، أما فيما يخص رؤية المعارضة، فيبدو أن هناك حالة من التخبط، قد يكون أساسها افتقاد أدوات التغيير.

فجل حديث المعارضة تقريبا هو عن إسقاط قيس سعيد، أو تنحيه، أو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. ومن ذلك إصدار حركة النهضة بيانا عقب الاستفتاء تقول فيه: "فشل الاستفتاء وسقط بالتالي مشروع الدستور وبقي دستور 2014، دستور الثورة الشرعي ‏ساري المفعول رغم الانقلاب عليه، انقلاب يبقى دائما فاقدا للشرعية والمشروعية".[19]

وأردفت الحركة في بيانها أنها "ستواصل النضال ضد هذا الانقلاب وسياساته المؤدية بالبلاد إلى ‏التهلكة". وأضافت "سنعمل على التنسيق مع كل المستعدين للدفاع عن الجمهورية ومكاسب الثورة ‏الداعمين للعودة إلى الشعب في انتخابات رئاسية وتشريعية حرة ونزيهة وشفافة تتجدد بها ‏شرعية النظام التونسي ومؤسساته وتتمكن بها البلاد من التصدي لأزمتها العميقة".

كذلك، دعت "جبهة الخلاص الوطني" (تجمع سياسي يضم قوى معارضة) الرئيس إلى الاستقالة وإفساح المجال لتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة.

وتعبر الجبهة عن مواقف كل من حركة "النهضة" و"قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة" و"حراك تونس الإرادة" و"الأمل"، إضافة إلى حملة "مواطنون ضد الانقلاب" وبرلمانيين.[20]

لكن المعارضة ورغم توافقها على رفض كل خطوات "سعيد" فإنها لم تفصح عن خطتها لوقف هذه الإجراءات. كما أنها لم تنجح خلال العام 2021 في عرقلة أي من إجراءات "سعيد".

لذلك يبدو أن الأخير سيكون أكثر حظا فيما يخص استكمال إجراءاته الانقلابية ، على الأقل في المستقبل القريب.

العراق

يمر العراق بمنعطف سياسي خطير تتصاعد أحداثه منذ أسابيع، مع تأزم تشكيل حكومة جديدة عقب الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي تصدرت نتائجها الكتلة الصدرية التي يتزعمها مقتدى الصدر، بحصولها على 73 مقعدا في البرلمان المكون من 329 مقعدا.[21]

فخلال الأشهر الماضية ومنذ إعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية النتائج النهائية للاقتراع في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2021، حاول التيار الصدري تشكيل حكومة جديدة بالتحالف مع أكبر كتلتين للسنة (تحالف السيادة) والأكراد (الحزب الديمقراطي الكردستاني) باسم "إنقاذ وطن". لكن تلك المحاولات باءت بالفشل.[22]

على إثر ذلك، وبعد 8 أشهر على إجراء الانتخابات التشريعية، أعلن الصدر في منتصف يونيو 2022 الانسحاب من العملية السياسية في البلاد وعدم المشاركة في أي انتخابات مقبلة، معللا موقفه بأنه لا يريد أن يشترك مع الساسة الفاسدين.

 لكنه عاد في ذات الخطاب وأبقى على احتمالية اشتراكه في أي انتخابات قادمة قائلا: "في حال اشتركنا في الانتخابات المقبلة فابقوا نساء ورجالا على أهبة الاستعداد، ولا تتفرقوا، وتكاملوا سياسيا وعقائديا وبرلمانيا وقانونيا، وتواصلوا مع الشعب العراقي".[23]

وبعد انسحاب أعضاء التيار الصدري من البرلمان رأت الأحزاب المشكلة لبقية المكون الشيعي في البرلمان فرصة أن تذهب قدما باتجاه تشكيل الحكومة.

وعلى هذا، اختار تحالف قوى "الإطار التنسيقي" الشيعي، في 25 يوليو 2022، محمد شياع السوداني مرشحا لرئاسة الحكومة المقبلة في خطوة جديدة على طريق إنهاء الأزمة المستمرة منذ أكثر من ثمانية أشهر.

علاقة السوداني بنوري المالكي

ورغم انسحاب التيار الصدري من البرلمان، فإنه لم يترك الساحة السياسية بالمجمل، بل اتخذ خطوات فيما بعد أكدت أنه يرفض أن يكون خارج معادلة السلطة بالبلاد.

ومن ذلك، وضع الصدر بعض الشروط للإطار التنسيقي لتؤخذ بالحسبان عند تحديد اسم رئيس الوزراء القادم. وكانت أولى هذه الشروط استبعاد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

ففي إشارة واضحة بشأن المالكي قال الصدر: كلنا سمعنا أن المجرب لا يجرب وأردفناها بـ"الشلع قلع"، فلا تعيدوا المجرب، فإنه يستمر بغيه. فلا نريد أن تعاد المأساة القديمة، ويضاع الوطن وتتكرر جريمة سبايكر والصقلاوية وغيرها الكثير من الصفقات المشبوهة واستمرار معاناة الشعب.[24]

لكن بالرجوع إلى التاريخ السياسي لمحمد السوداني المرشح لرئاسة الحكومة من قبل قوى "الإطار التنسيقي"، نجد أنه على علاقة لصيقة بالمالكي.

فقد بدأ السوداني مشواره السياسي مع حزب الدعوة الإسلامية بعد أن انتخب عضوا لمجلس محافظة ميسان بين عامي 2005 و2009، ومن المعروف أن "المالكي" يتولى الأمانة العامة للحزب.

وبعد فوز ائتلاف "دولة القانون" بزعامة رئيس حزب الدعوة نوري المالكي عام 2009 في الانتخابات المحلية لميسان، انتخب السوداني محافظا للأخيرة في 21 أبريل من ذات العام.

بعد ذلك، عين السوداني وزيرا لحقوق الإنسان بعد تشكيل حكومة نوري المالكي الثانية في 22 ديسمبر 2010. وفي منتصف 2011 كلف بمهام رئيس الهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة حتى أكتوبر/تشرين الأول 2012.[25]

ثم في 2013 كلف بمهام وزير الزراعة في حكومة المالكي الثانية، ثم وزيرا للهجرة والمهجرين عام 2014، وبعدها تولى إدارة مؤسسة السجناء السياسيين.

وعقب ذلك انتهت مهامه في منصب مدير مؤسسة السجناء السياسيين في يناير/كانون الثاني 2015. كذلك، ترشح في الانتخابات التشريعية عام 2014 لأول مرة ممثلا لمحافظة بغداد ضمن "ائتلاف دولة القانون" عن حزب الدعوة، وفاز بمقعد نيابي.

وكما هو واضح، فإن علاقة السوداني بالمالكي ممتدة، كما أن تأثير الأخير على الأول لا يمكن نفيه.

وكان السوداني أحد الذين اعتمد عليهم المالكي في حكومات مختلفة ومناصب متعددة خلال فترة رئاسته للحكومة. ولهذا اعترض الصدر على مرشح "الإطار التنسيقي" لرئاسة الحكومة.

لكن يبرز هنا السؤال حول الأوراق التي يملكها الصدر للتأثير على خصومه، خصوصا بعد انسحاب أعضاء تياره من البرلمان.

اقتحام أنصار الصدر للبرلمان

في أثناء ذلك، اقتحم متظاهرون مؤيدون للتيار الصدري مبنى البرلمان بالمنطقة الخضراء المحصنة وسط بغداد والتي تضم مؤسسات حكومية وسفارات أجنبية، للتنديد بترشيح السوداني لرئاسة الوزراء.

وأطلقت القوات الأمنية عليهم الغاز المسيل للدموع لمنعهم من التقدم نحو البرلمان، ونجح المتظاهرون في اقتحام مبناه.

وأظهرت صور مئات المتظاهرين من داخل البرلمان وهم يرفعون الأعلام العراقية ويطلقون الهتافات، فيما حمل بعضهم صور مقتدى الصدر.[26]

ورغم أن الصدر لم يعلن أنه يقف خلف هذا الاقتحام، لكن يتضح من سياق الأحداث أن هذه ورقة ضغط منه، يوصل رسالة من خلالها، فحواها أنه حاضر في الساحة السياسية، وأنه وإن كان طريق حكومة "السوداني" معبدا داخل أسوار البرلمان، فإن الأمر لن يستتب له في العموم.

كما أن تعليقات الصدر على الاقتحام أشارت بشكل واضح أنه لم يقف ضده على أقل تقدير. فخلال دخول المتظاهرين لمبنى البرلمان قال الصدر لأنصاره "أقف إجلالا واحتراما، فإنها رسالة عفوية وإصلاحية شعبية رائعة، شكرا لكم".

وكان زعيم التيار الصدري قد حذرهم قائلا إن "القوم يتآمرون عليكم، وسلامتكم أهم من كل شيء، فإذا شئتم الانسحاب فإني سأحترم هذا القرار".[27]

ثم بعد نحو ساعتين من اقتحام أنصار الصدر لمبنى البرلمان دعاهم الأخير للانسحاب، قائلا: "وصلت رسالتكم.. إن ما حدث ثورة إصلاح ورفض للضيم والفساد، وصلت رسالتكم أيها الأحبة، فقد أرعبتم الفاسدين".

 وعد الصدر أن ما جرى هو "جرة (قرصة) إذن، صلوا ركعتين وعودوا لمنازلكم سالمين".[28]

تسريبات صوتية لنوري المالكي

وفي خضم هذا الخلاف، نشر الصحفي العراقي المقيم في واشنطن علي فاضل تسريبات على لسان المالكي، في 13 يوليو، أثارت جدلا واسعا داخل البلاد. وبلغت مدة التسريب 48 دقيقة مع عدد من قيادات وأعضاء مليشيا تطلق على نفسها "لواء أئمة البقيع"، وتنشط في محافظة ديالى الحدودية مع إيران شرقي العراق.

وخلال التسريبات، هاجم المالكي زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وأكد أنه سيقاتل الأخير في النجف، وأنه "لا بد من إراقة الدماء للتخلص من مشروعه المدعوم بريطانيا".

كما قال المالكي: "العلاقات جيدة مع قائد مليشيات عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، وإن الفتح (تحالف سياسي شيعي) والفصائل: كتائب حزب الله والعصائب وسيد الشهداء كلها تابعة لإيران".

وقال: "قائد عصائب أهل الحق قيس الخزعلي جيد، وهو من سيضرب معارضيه (الصدريين)". وفي تسجيل قبله قال المالكي: "المرحلة المقبلة ستشهد قتالا بين الشيعة في العراق، والعشائر جاهزة لذلك. العراق مقبل على حرب طاحنة، لا يخرج منها أحد، إلا في حال إسقاط مشروع مقتدى الصدر".

وخلال الحوار الذي جرى بين المالكي والحاضرين أكدوا له أن لديهم أكثر من 20 ألف مقاتل على الأرض، وأنهم يطلبون منه غطاء قانونيا، وقد وعدهم بتوفير ذلك، حسبما جاء في التسريب الصوتي.

وقال أحد الحاضرين للمالكي: "لدينا أعداد كبيرة من المقاتلين، خاصة في محور ديالى، ومحور جرف الصخر، وحزام بغداد، والمحمودية، والأنبار اتحدوا معنا، لدينا 20 ألف مقاتل أو أكثر، من ضمنهم في ديالى 3000، 2000 منهم مسلحون (...) 20 ألف مقاتل كلهم موالون ومسلحون، عدا 3000 يحتاجون إلى سلاح، محور ديالى 80 بالمئة مسلحون".

ليرد عليه رئيس الوزراء الأسبق بقوله: "أنتم الآن تحتاجون إلى سلاح حتى تغطوا حاجتكم 100 بالمئة، وتحتاجون إلى دعم عسكري وغطاء (...) سنمضي معا وننتصر معا ونستشهد معا.[29]

ويبدو أن التسريبات صحيحة، فمدة التسريب الطويلة (48 دقيقة)، ونبرة صوت المالكي، وطريقة حديثه، كلها تعضد أنه كان المتحدث في التسجيل المنسوب له.

وهذا ما أكده الفريق العراقي المستقل المعروف باسم "التقنية من أجل السلام". وأوضح أنه "على الرغم من النفي المتكرر للمالكي لتلك التسجيلات، وادعائه فبركتها عبر اقتباس مقاطع من صوته وتركيبها لتظهر بهذا الشكل، فإن "الملاحظات التي توصلنا لها حول المقطع الصوتي تثبت عكس ذلك".

وبين الفريق أن "التسجيلات المتداولة لم يجر فبركتها عن طريق دمج مقاطع صوتية مختلفة للمالكي لإظهارها بهذا الشكل، وأنه وفي جميع التسجيلات المتداولة كان الانتقال بين الجمل متناسقا جدا وطبيعيا، ولم يلاحظ وجود انتقالات مختلفة وغير متناسقة أو وجود قطع كدلالة على دمج مقاطع صوتية مختلفة".

وأعلن مجلس القضاء الأعلى عن فتح تحقيق بشأن التسجيلات، بعد موجة استنكار ومطالبات للتحرك القضائي ضد المالكي.[30]

ورغم عدم وجود أدلة على وقوف "الصدر" خلف هذه التسريبات، فإنه لا شك أنه هو أكبر المستفيدين منها، في ظل الأزمة الدائرة بين الرجلين.

هل ستمرر حكومة السوداني؟

نظريا، يملك "الإطار التنسيقي" القدرة على تمرير حكومة السوداني. وقد أكد الأخير تمسكه بترشحه لرئاسة الحكومة حتى بعد اقتحام أنصار الصدر للبرلمان اعتراضا على هذا الترشح.

ونفى السوداني شائعات انسحابه من ترشيحه لشغل منصب رئاسة الحكومة العراقية، قائلا: "لا صحة لما جرى تداوله، ولن أنسحب من هذا الترشيح على الإطلاق (..) الترشيح مسؤولية كبيرة تقع على عاتقي لإنقاذ العراق".[31]

علاوة على ذلك، نقلت وسائل إعلام عراقية محلية، بينها قناة "الرافدين"، تأكيد تحالف قوى "الإطار التنسيقي" الشيعية المضي قدما في تشكيل الحكومة بزعامة السوداني رغم اقتحام البرلمان.[32]

لكن عمليا يختلف الأمر بالنظر إلى الثقل الذي يمثله الصدر في الساحة السياسية العراقية، ورسائله الأخيرة إلى خصومه، التي أوضحت أنه سيذهب لأبعد حد في عرقلة حكومة السوداني.

وهذا ما نوه له أحد أعضاء التيار الصدري الذي تحدث إلى موقع "الجزيرة نت"، رافضا ذكر اسمه، حيث قال إن "قوى الإطار لا يمكنها تجاهل الصدر بشكل تام والاستئثار بتشكيل الحكومة الجديدة، على رغم الانسحاب من البرلمان، فما زالت الجماهير الصدرية باقية، ولهم دور سياسي كبير لا يمكن نكرانه.

لذلك فإن مراعاة رغبة الصدر وأنصاره بمعادلة الحكم المقبلة ستعود بالنفع على الجميع، بما فيها قوى الإطار التنسيقي.

وهدد أنه "من الممكن أن نشهد تحركات أخرى قد تعرقل مسار تشكيل الحكومة، في حال تجاهل رؤية التيار الصدري".[33]

وهنا تبرز عدة احتمالات، أولها هو أن يستمر "الإطار التنسيقي" في خطته لوضع "السوداني" على رأس الحكومة. وهذا احتمال ضئيل، نظرا لرفض "الصدر" الذي يمتلك قوة شعبية وعسكرية تمكنه من عرقلة هذا الخيار.

والاحتمال الثاني أن تحاول قوى الإطار كسب بعض الوقت، بحيث تجهز شخصية أخرى غير "السوداني" قد تحظى بقبول أكبر لدى الصدر.

أما السيناريو الثالث، فقد يكون حل البرلمان، واللجوء لانتخابات برلمانية مبكرة، الأمر الذي يعني استمرار رئيس الوزراء الحالي، مصطفى الكاظمي، في منصبه إلى حين إجراء الانتخابات، واختيار حكومة جديدة.

وبالنظر إلى الخيار الأخير، فيبدو أنه هو الاحتمال الأقرب حدوثا، نظرا لأن "الصدر" لا يرغب في استكمال البرلمان فترته دون وجود كتلته النيابية فيه.

وقد أشار إلى ذلك بقوله لأنصاره "في حال اشتركنا في الانتخابات المقبلة فابقوا نساء ورجالا على أهبة الاستعداد". أضف إلى ذلك التصدعات التي من المتوقع أن تتطور داخل الإطار التنسيقي نفسه، بعد تسريبات الكاظمي.

السودان

كما هو الحال في العديد من الدول العربية، يمر السودان بحالة من الانسداد السياسي بعد الانقلاب الذي نفذه المكون العسكري في مجلس السيادة، بقيادة عبد الفتاح البرهان، على المكون المدني في أكتوبر 2021.

فمن ناحية، يدعو الجيش إلى الحوار برعاية ثلاثية من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومجموعة التنمية لشرق ووسط إفريقيا (إيغاد).

ومن ناحية أخرى، تتمسك القوى الرئيسة للثورة بتنحي الجيش عن المشهد السياسي إثر انقلابه. وفي هذا، استمرت التظاهرات المنددة بالانقلاب العسكري طيلة الأشهر الماضية، وقد وقع العشرات ضحية التعامل الأمني مع الاحتجاجات. فمنذ أكتوبر قتل 114 متظاهرا.[34]

وخلال يوليو اتخذ الجيش قرارا جاء بمثابة إلقاء حجر في الماء الراكد، حيث قرر انسحاب المؤسسة العسكرية من الحوار الوطني، ودعا القوى السياسية لتشكيل حكومة كفاءات وطنية مدنية.

وتعهد قائد الجيش السوداني بحل مجلس السيادة بعد تشكيل حكومة مدنية. وقال البرهان: "سيتم تكوين مجلس أعلى للقوات المسلحة من الجيش والدعم السريع بعد تشكيل الحكومة التنفيذية".

وأضاف أن هذا المجلس سيتولى القيادة العليا للقوات النظامية ويكون مسؤولا عن مهام الأمن والدفاع وما يتعلق بها من مسؤوليات بالاتفاق مع الحكومة.[35]

هل قرار البرهان مناورة جديدة؟

وبالنظر إلى استقبال القوى السياسية لقرار البرهان، فقد كان هناك اختلاف واسع حيال ذلك. فمنها من أيد القرار كـ"الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل".

وعد الأخير أن ما ذهب إليه قائد الجيش فيه تأكيد لموقف الحزب الداعي لعدم تكرار الشراكة وبخروج المكون العسكري من الحوار، متيحا الفرصة كاملة للمدنيين فيما بينهم لينتجوا حلولا تفضي لحكومة كفاءات مدنية.[36]

كذلك، أيد حزب الأمة بقيادة مبارك الفاضل، قرار قائد الجيش، وهكذا فعل حزب بناء السودان، الذي قال القيادي فيه، يعقوب مرزوق، إن رؤية حزبه تنطلق من انغماس الجيش في العملية السياسية منذ الاستقلال، موضحا: "نحن مع ضرورة ابتعاده كليا، وهذا تغيير كبير وإستراتيجي ولا يمكن تحقيقه بضربة واحدة وإنما تدريجيا".

في المقابل، نظرت قوى رئيسة إلى قرار البرهان بعين الريبة، زاعمة أنه مناورة جديدة يحاول بها عسكر السودان كسب الوقت، ليعودوا مرة أخرى وينقضوا على العملية السياسية بعد عرقلة المدنيين.

فبعد اجتماعين استمرا لساعات خرج "ائتلاف الحرية والتغيير" الذي كان شريكا في الحكومة المنقلب عليها، ببيان مفاده الرفض القاطع لقرار الجيش.

وجاء في البيان أن خطوة البرهان "مناورة مكشوفة وتراجع تكتيكي يقبل ظاهريا بمبدأ عودة الجيش للثكنات مع إفراغ هذا المبدأ من محتواه"، مؤكدا أن الحل يبدأ بتنحي "السلطة الانقلابية"، ومن ثم "تشكيل قوى الثورة لسلطة مدنية انتقالية كاملة وفق إعلان دستوري يحدد هياكل الانتقال وقضاياه بما فيها قضية دور المؤسسة العسكرية ومهامها".[37]

علاوة على هذا، يرى الحزب الشيوعي السوداني أن خطاب البرهان يؤكد صحة التسريبات التي راجت عن تسوية سياسية عبر تكوين حكومة مدنية ومجلس أمن ودفاع.

وأصدرت اللجنة المركزية بالحزب بيانا، قالت فيه إنه "بهذا الخطاب اتضحت كل مزالق التسوية وأبعادها والقوى التي خططتها والقوى المنوط بها تنفيذ ما اتفق عليه في الغرف المغلقة تحت رعاية الإدارتين الأميركية والسعودية"، مشددة على أن الحزب يرفض هذه التسوية ويراهن على التصعيد الجماهيري لإسقاط السلطة وحلفائها.[38]

كما أشار البعض إلى إمكانية أن يكون هناك تدخل خارجي ساهم في الخروج بهذا القرار. ويرى الكاتب والباحث السياسي، محمد المبروك، أن عواصم دولية بينها واشنطن، وإقليمية بينها القاهرة، ليست بعيدة عن الإسهام في نسج هذا المشروع البعيد المدى الذي وضع الأولوية للاستقرار والحفاظ على الدولة من الانهيار.[39]

بنود مفخخة في قرار البرهان

وعطفا على الحديث عن التدخل الخارجي في صنع قرارات الجيش السوداني الأخيرة، يبدو أن هناك شبها بين قرار البرهان، وقرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر قبيل الإعلان عن اسم الفائز في انتخابات الرئاسة المصرية عام 2012.

فقبل ساعات من الإعلان عن فوز مرشح حزب الحرية والعدالة، محمد مرسي، أصدر المجلس العسكري ما عرف بـ"الإعلان الدستوري المكمل".

وجاء في هذا الإعلان تحصين أعضاء المجلس العسكري من العزل لحين إقرار الدستور الجديد، ومباشرة المجلس صلاحية التشريع وإقرار الموازنة لحين انتخاب مجلس الشعب الجديد.

ويعطي الحق للمجلس العسكري، في حال تعذر عمل الجمعية التأسيسية للدستور، بتشكيل جمعية تأسيسية جديدة، كما منح المجلس حق الاعتراض على نص أو أكثر من النصوص المقترحة للدستور.[40]

ووجه الشبه هنا أن هناك أكثر من بند في قرارات البرهان تحمي نفوذ الجيش سواء داخل هياكل القوات المسلحة أم خارجها.

فقد كشف ياسر عرمان نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان/ شمال، أن المكون العسكري سلم مذكرة للآلية الثلاثية التي ترعى المفاوضات وأطراف من المجتمع الدولي لم يجر الإعلان عنها، تحوي بوضوح مهام المجلس العسكري الأعلى للقوات المسلحة، على رأسها ممارسة مهام السيادة، وجوانب متعلقة بالسياسة الخارجية، وبنك السودان، وقضايا أخرى.[41]

إذن، فإن المجلس العسكري الذي أعلن البرهان أنه سيشكل بعد حل مجلس السيادة وأنه سيكون "مسؤولا عن مهام الأمن والدفاع وما يتعلق بها من مسؤوليات" لن يكتفي فقط بقيادة الجيش.

 بل إن مهامه ستتعدى ذلك إلى "جوانب متعلقة بالسياسة الخارجية، وبنك السودان، وقضايا أخرى" لم يرد ذكرها حتى الآن، ما يعني في النهاية استئثار المؤسسة العسكرية بالوزارات والملفات السيادية في الدولة، من دفاع وعلاقات خارجية، واقتصاد، وغير ذلك.

إضافة إلى ذلك، فإن انفراد البرهان والمقربين منه بتعيين قادة الجيش والأمن أمر يخل بالمبدأ الديمقراطي الذي يدعي حمايته.

وقد ألمح إلى ذلك القيادي بقوى الحرية والتغيير عروة الصادق، حين قال إن "ما أثاره البرهان بشأن تكوين المجلس العسكري يؤشر إلى أنه سيكون فوق السلطة المدنية، وهذا أمر "غير مقبول".

وأضاف أن المرجو أن يكون وزيرا الداخلية والدفاع مدنيين ضمن مجلس الأمن والدفاع، وألا ينفرد الجيش والدعم السريع بقيادة هذا المجلس، وأن تشارك القوى المدنية في تسمية مديري إدارات الهيئات القيادية في الشرطة والجيش.[42]

هل ينجح الحوار المدني-المدني؟

وبعيدا عما إذا كانت خطوة الجيش مناورة أم لا، فإن البرهان بقراره قد رمى الكرة في ملعب القوى المدنية باختلاف توجهاتها.

 لكن القوى المدنية نفسها منقسمة حول إجراءات الجيش الأخيرة، بين رفض وتأييد. وربما يكون موقف قوى الحرية والتغيير الرافض أحد أبرز معوقات إنجاز مثل هذا الحوار.

وعلى فرض جلوس القوى المدنية على طاولة واحدة، فإنه من الصعب أن يصل الجميع إلى حالة من التوافق حول تشكيل حكومة جديدة، ذلك أن بعض هذه القوى محسوب في الأساس على المكون العسكري، وبعضها له ارتباطات بنظام الرئيس السابق عمر البشير، وبعضها يختلف جذريا مع هذه التوجهات.

وهذا ما ذهب إليه عروة الصادق حين تحدث عن أن البرهان ألقى بتلك الورقة أمام القوى السياسية وقوى الثورة بما قد يؤدي إلى خلط الأوراق، وازدياد تعالي صوت "التشاكس" المدني-المدني، وتصاعد ما وصفه "بأصوات الانقلابيين وفلول النظام البائد"، ومناداة الجيش بالاستيلاء على السلطة بصورة كاملة من دون شراكة مدنية والترتيب لانتخابات.[43]

ووفقا للمعطيات السابق ذكرها، يمكن القول إن فرص نجاح الحوار ضئيلة للغاية.


المحور الثاني: السياسة الدولية والمنطقة

حفل شهر يوليو 2022 بعدد من الأحداث المهمة على مستوى التشابك بين السياسات الدولية والمنطقة العربية.

وتناول محور "السياسة الدولية والمنطقة" الزيارة المهمة التي أجراها الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الشرق الأوسط، واستعرض التقرير دوافعها وأهدافها، وكان من أهمها إعادة التأكيد على الدور القيادي للولايات المتحدة لمواجهة التمدد الصيني والتوسع الروسي.

إضافة إلى محاولة الوصول لاتفاق لزيادة إنتاج النفط، سعيا لخفض أسعار الطاقة العالمية التي تأثرت بالحرب الروسية على أوكرانيا. وكذلك استهدفت الزيارة تعزيز أمن دولة الاحتلال الإسرائيلي من خلال دمجه في المنطقة بشكل أو آخر.

كما استعرض الملف اللقاءات الأميركية مع كل من رؤساء دولة الاحتلال، وفلسطين، والإمارات والسعودية ومصر. وقد جادل التقرير بأن الدور السعودي قد يتصاعد في المنطقة خلال السنوات القادمة، في مقابل احتمالية تراجع أدوار بعض الدول التي هيمنت على الحالة السياسية العربية خلال العقد المنصرم.

وأخيرا، استعرض التقرير القمة الثلاثية التي عقدت في طهران بحضور كل من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والتركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين.

زيارة بايدن للمنطقة

منتصف يوليو 2022، أجرى بايدن، زيارته الأولى للشرق الأوسط منذ تسلمه السلطة مطلع عام 2021، والتي استمرت منذ 13 حتى 16 من ذات الشهر.

وبدأت جولته من دولة الاحتلال الإسرائيلي، مرورا بالضفة الغربية، وانتهاء بقمة جدة، والتي التقى خلالها قادة منطقة الخليج العربي، إضافة إلى رؤساء الأنظمة والمسؤولين في مصر والأردن والعراق.[44]

ومن الممكن القول إن هذه الزيارة لم تكن على جدول أولويات الإدارة الأميركية الحالية، لكن الظروف الدولية والإكراهات الجيوبوليتيكية والجيوإستراتيجية التي تتمثل في الحرب الروسية الأوكرانية وما تبعها من آثار سلبية سياسية واقتصادية على رأسها ارتفاع أسعار الطاقة ومعدلات التضخم العالمية، أجبرت الإدارة الأميركية على إجرائها.

ومما عجل هذه الخطوة أيضا الوضع الداخلي الصعب الذي يواجهه الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه الرئيس الأميركي، فانتخابات الكونغرس ستجرى بعد أشهر معدودة، ومن المحتمل أن يخسر الحزب الأغلبية حال استمرار ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم.

دوافع الزيارة وأهدافها

وحول أهداف الزيارة ودوافعها، كتب الرئيس الأميركي مقالا في صحيفة "واشنطن بوست" بعنوان "لماذا أنا ذاهب إلى المملكة العربية السعودية؟"[45].

بشكل عام، حمل المقال طابعا تبريريا يبرز اهتمام بايدن باحتواء الانتقادات الداخلية التي وجهت له إثر هذه الزيارة.

ولا شك أن عنوان مقالة بايدن يثير الانتباه، فقد خصص حديثه عن السعودية دون غيرها، رغم أن الزيارة تشمل منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، حيث التقى خلالها زعماء غالب الدول العربية الفاعلة، إضافة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي وفلسطين.

ويمكن تفسير تخصيص السعودية بالذكر كعنوان لمقاله من وجهين؛ أولهما أن زيارة المملكة وما يطمح له بايدن من خلالها يحمل أهمية إستراتيجية بالنسبة للإدارة الأميركية.

وثانيهما أن هذه الزيارة سببت لغطا داخليا كبيرا لا سيما وأن بايدن تعهد قبيل انتخابه بجعل المملكة "منبوذة" بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان والحريات، كما أنه يقدم نفسه راعيا للديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان في العالم.

ذكر بايدن في صدر مقالته أن زيارته للشرق الأوسط ستكون بداية لفصل جديد من المشاركة الفاعلة للولايات المتحدة في المنطقة.

وأكد أن استقرار الشرق الأوسط وأمنه وتكامله يعود بالفائدة على الأميركيين من نواح عديدة؛ ذكر منها المنافذ المائية وموارد الطاقة الحيوية.

وبين أن أهمية ذلك تكمن في "التخفيف من الآثار على إمدادات الطاقة العالمية بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا". وبالتالي يؤكد بايدن أن زيارته للمنطقة تحمل طابعا اضطراريا لا اختياريا، وهو ما يعني انتصار الواقعية السياسية على الرومانسية.

كما أشار المقال إلى المقاربة الأميركية للمنطقة، وهي "الاتحاد من خلال الدبلوماسية والتعاون، بدلا من التفكك والصراع"، فالتطرف الذي يقود إلى العنف والحروب يضع أعباء جديدة على القوات العسكرية الأميركية.

وهو ما يشير كذلك إلى أن الواقعية السياسية عادت للواجهة مرة أخرى، من خلال دعم الولايات المتحدة لاستقرار المنطقة عبر حكام أقوياء مستبدين، حتى لو كان ذلك على حساب الشعوب وحرياتها وحقوقها الأساسية.

وللدلالة على اهتمام بايدن بالتبرير لتحول سياسته تجاه السعودية، ذكر أنه عكس سياسة الشيك على بياض التي كان يستخدمها سلفه دونالد ترامب.

إذ أصدر تقرير الاستخبارات الأميركية حول عملية مقتل جمال خاشقجي، كما أقر عقوبات جديدة على المملكة.

وأشار إلى أن إدارته أوضحت أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع التهديدات الخارجية والمضايقات ضد المعارضين والناشطين من قبل أي حكومة، مضيفا أنه دافع عن المواطنين الأميركيين الذين احتجزوا ظلما في السعودية قبل فترة طويلة من توليه منصبه.

وأردف قائلا: "منذ البداية كان هدفي إعادة توجيه العلاقات، وليس قطعها، مع دولة كانت شريكا إستراتيجيا لمدة 80 عاما".

واستعراضا لمجهوداته، ذكر المقال أن إدارة بايدن ساعدت المملكة في استعادة الوحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي الست، كما دعم الهدنة في اليمن، ثم ذكر أنه يعمل مع فريقه للمساعدة في استقرار أسواق النفط مع منتجي أوبك الآخرين.

يعلم بايدن أن هناك الكثيرين داخل الولايات المتحدة ممن لا يتفقون مع قراره بالسفر إلى المملكة ويعدونها تجاهلا لقيم حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات.

ولذلك وجه حديثه لهم قائلا: "آرائي حول حقوق الإنسان واضحة وطويلة الأمد، والحريات الأساسية دائما ما تكون على جدول الأعمال عندما أسافر إلى الخارج، كما ستكون خلال هذه الرحلة".

لكنه أتبع: "بصفتي رئيسا، فإن وظيفتي هي الحفاظ على بلدنا قويا وآمنا. علينا مواجهة العدوان الروسي، ووضع أنفسنا في أفضل وضع ممكن للتغلب على الصين، والعمل من أجل استقرار أكبر في منطقة لاحقة من العالم".

 ولفعل هذه الأشياء، "يتعين علينا التعامل مباشرة مع البلدان التي يمكن أن تؤثر على تلك النتائج، والسعودية واحدة منهم"، بحسب بايدن.

وأردف: "عندما ألتقي القادة السعوديين سيكون هدفي تعزيز شراكة إستراتيجية للمضي قدما تستند إلى المصالح والمسؤوليات المشتركة، مع التمسك أيضا بالقيم الأميركية الأساسية".

وبالتالي، تحدث بايدن بوضوح أن زيارته تأتي استجابة اضطرارية للضغوط الجيوإستراتيجية والجيوبوليتيكية، وأن وظيفته هي الحفاظ على مصالح بلاده وقوتها ونفوذها، وحدد سبل ذلك من خلال مواجهة العدوان الروسي، وإعادة التموضع للتغلب على الصين.

كما جدد أيضا التزامه بالواجبات الأميركية تجاه دولة الاحتلال وسعي إدارته لتوسيع دائرة اندماج الكيان المحتل في المنطقة العربية.

وأشار إلى أن سفره المباشر من تل أبيب إلى جدة يعد "رمزا للعلاقات الناشئة وتقدما في الخطوات نحو التطبيع بين إسرائيل والعالم العربي".

وعليه، تتلخص أهداف الزيارة لدى إدارة بايدن، في التالي:

إعادة التأكيد على الدور القيادي للولايات المتحدة في المنطقة، في إطار مواجهة التمدد الصيني المثير لقلق واشنطن، والتوجهات الروسية التوسعية المهددة للمصالح الأوروبية والأميركية.

محاولة استعادة حيوية العلاقات مع دول المنطقة التي بدأت تبتعد بشكل نسبي عن التوجهات الأميركية في عدد من الملفات.

استقرار المنطقة كاستحقاق إقليمي ودولي تستوجبه السياسة الأميركية التي لم تعد متحمسة للتدخل العسكري فيها، ولا للانخراط في حروب مكلفة، ولعل انسحابها من العراق وأفغانستان يؤكد ذلك دون شك.

وتقتضي خطة الانسحاب من المنطقة إستراتيجية استقرار تبدو الإدارة الأميركية محددة لبعض ملامحها، بما يشمل منع إيران من الحصول على السلاح النووي واحتواء نفوذها، بغض النظر عن مدى نجاحها على أرض الواقع.[46]

محاولة الوصول لاتفاق لزيادة إنتاج النفط، لضرب أهمية الغاز الروسي، ولمواجهة أزمة ارتفاع أسعار الطاقة العالمية.

تعزيز أمن الاحتلال من خلال دمجه في المنطقة بشكل أو آخر، حيث لن يكتمل الاستقرار إلا من خلال هذا الاندماج، حسب الرؤية الأميركية.

بين لابيد وعباس.. لا جديد

بدأت زيارة الرئيس الأميركي من إسرائيل، وقد توجت بالتوقيع على ما سمي "إعلان القدس" مع رئيس حكومة الاحتلال يائير لبيد، والذي تعهدا فيه بمنع إيران من حيازة سلاح نووي[47]، بالرغم من الخلاف بين الدولتين حتى الآن في السياسة المتبعة تجاه طهران.

إذ جدد بايدن تأكيده على ضرورة العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، وانتقد، في مقاله بواشنطن بوست، تراجع سلفه عن "الاتفاق الناجح".

وأشار إلى أن ذلك جعل الولايات المتحدة ترى نفسها معزولة وحيدة حين سعت أمام مجلس الأمن لإدانة القانون الإيراني بتسريع برنامجها النووي.[48]

وهو الموقف الذي تعارضه إسرائيل بشكل رسمي، حيث يرى الكيان أن التعامل العسكري مع إيران هو الأنسب، وقد طلب لابيد من بايدن خلال لقائهما توضيح المدة التي ستنتظر واشنطن خلالها ردا من طهران، مطالبا بتهديد عسكري أميركي موثوق.

لكن بايدن امتنع عن تحديد مدة ورفض التصريح الواضح بأي تهديد عسكري، وألمح إلى أنه قد يكون "مخرجا أخيرا" يمنعها من حيازة سلاح نووي.

كما أن "إعلان القدس" أكد أن الولايات المتحدة مستعدة "لاستخدام جميع عناصر قوتها الوطنية" لضمان عدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي، لكن الإسرائيليين يعتقدون أن هذا التصريح أو التهديد بلا مضمون، ما دامت الإدارة الأميركية لا تخطط فعليا لخيار عسكري موثوق.[49]

من جانب آخر، جدد بايدن التعهد الذي تقدمه الإدارات الأميركية المتعاقبة، الجمهورية والديمقراطية على السواء، بالتزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل والحفاظ على "تفوقها العسكري النوعي، وقدرتها على ردع أعدائها وتعزيزها والدفاع عن نفسها ضد أي تهديد أو مجموعة من التهديدات".

وعدت أن هذا الالتزام "مقدس"، وأنها ليست التزامات أخلاقية فقط، لكنها إستراتيجية ذات أهمية حيوية للأمن القومي للولايات المتحدة.

وفيما يخص القضية الفلسطينية، يبدو أن إدارة بايدن لا تختلف كثيرا عن سابقتها في الانحياز لصالح إسرائيل والتجاهل المتعمد لحقوق الفلسطينيين ومطالبتهم.

إذ عقد الاجتماع في القدس، ما يعني اعترافا من بايدن بما فعله ترامب من نقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى المدينة المقدسة.

في الوقت الذي لم يتحدث فيه بايدن عن الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة بحق الفلسطينيين ومقدساتهم واستمرار بناء المستوطنات بخلاف القوانين والاتفاقات الدولية، ولم يشر من قريب أو بعيد لوقوف الكيان خلف جريمة مقتل صحفية الجزيرة شيرين أبو عاقلة، أكد أن الولايات المتحدة ستواجه ما أسمتها "المنظمات الإرهابية"، وذكر منها حركتي المقاومة الإسلامي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في فلسطين.

وفي الوقت الذي استمرت فيه زيارة إسرائيل قرابة يومين، لم يستغرق وجوده في الأراضي الفلسطينية المحتلة سوى  50 دقيقة، أعقبها مؤتمر صحفي أعلن فيه بايدن على استحياء "التزامه بحل الدولتين"، لكنه أكد أن هذا الحل "بعيد المنال".[50]

بشكل عام، لم تشهد الزيارة الأميركية للأراضي الفلسطينية أي مبادرة أو خطوة دبلوماسية مهمة، واكتفت فقط بتثبيت ما هو ثابت وتأكيد ما هو مؤكد، دون أي إضافات جديدة، واشتملت أجندتها على حديث مرسل عن حل القضية الفلسطينية ومعاداة المقاومة.

وهو ما يؤكد ما صرح به بايدن خلال المؤتمر الصحفي مع لابيد من أن الغاية الرئيسة لجولته هي تعزيز مكانة الولايات المتحدة في المنطقة، وأن زيارة السعودية ستشكل فرصة "من أجل إعادة شحن تأثيرنا في الشرق الأوسط".

وعد أن الابتعاد عن المنطقة كان خطأ، وأنه بإمكان الولايات المتحدة "الاستمرار في قيادتها وألا يحدث فراغ تعبئه الصين أو روسيا"[51]، وهو ما أكده مرة أخرى بنفس التصريح في قمة جدة بعدها بيومين.[52]

العلاقات الأميركية السعودية

بعد الأراضي المحتلة، توجه بايدن لمحطته الثالثة والأخيرة، في جدة، وهناك التقى بالعاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، كما عقد لقاء رسميا مع ولي العهد محمد بن سلمان.

ومن ثم صدر عن الجانبين بيان مشترك "حدد الشراكة الإستراتيجية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة على مدى العقود المقبلة"، حسب نص البيان.[53]

وقبل ذكر ما جاء في البيان، من المهم الإشارة إلى أن مجرد لقاء بايدن مع ابن سلمان يعد مكسبا للأخير، الذي كان قد قرر الرئيس الأميركي تجاهله خلال فترة حكمه والاكتفاء بالتعامل الدبلوماسي البروتوكولي مع والده.

استعرض البيان أوجه التعاون الإستراتيجي المشترك بين البلدين، وقد ذكر المجالات التالية: أمن الطاقة والتعاون المناخي، والشراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار العالمي، والأمن والدفاع، التعاون في مجال الجيلين الخامس/السادس باستخدام شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة، والأمن السيبراني واكتشاف الفضاء، وتطوير جزيرة تيران، وتوسيع نطاق الأجواء السعودية، ورؤية المملكة 2030.

هذا إضافة إلى التعاون في القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، مثل الأوضاع في اليمن والعراق وسوريا ولبنان والسودان وليبيا وأفغانستان والقضية الفلسطينية وأوكرانيا.

وتعاون الولايات المتحدة مع السعودية في هذه الملفات كافة يشير بوضوح إلى احتمالية تصاعد الدور السعودي في المنطقة خلال الفترة القادمة.

ويبدو أن الهدف الرئيس للزيارة كان محاولة أميركية لاحتواء السعودية وتهدئة التوتر معها على وجه الخصوص.

وخلال الزيارة عقد بايدن لقاء مع قائد سلطة الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي، كانت مخرجاته طبيعية دبلوماسية.

وجدد الطرفان التأكيد على التزامهما المشترك بالشراكة الإستراتيجية بين البلدين وتحدثا عن تعزيز الأمن المشترك ودفع الازدهار الاقتصادي للقاهرة وتعزيز الاستقرار الإقليمي وتسريع الجهود العالمية لمواجهة أزمة المناخ، إضافة إلى ضرورة تعزيز حقوق الإنسان في مصر.[54]

وكذلك التقى بايدن رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، محمد بن زايد، معربا له عن تقديره للدور الإماراتي في تحطيم الحواجز وتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

كما أكد الرئيسان التزامهما بتعميق التعاون الأمني المكثف. أما بقية الملفات فكانت هي الأخرى ملفات طبيعية ومتوقعة ولم تخرج عن المألوف.[55]

مشهد إقليمي جديد؟

وعليه، فإن المقدمات والمخرجات تشير إلى أن اللقاء الأميركي السعودي كان هو الأهم بالنسبة للإدارة الأميركية بين كل تلك الاجتماعات.

وهو ما يشير إلى أن المشهد الإقليمي الذي يتشكل حديثا، والذي يميل إلى الاستقرار والتهدئة أكثر من ميله للحروب والعنف والعنف المضاد، قد تبرز فيه أهمية السعودية وتعود كدولة وازنة أو رائدة في المنطقة، بشكل يشبه ما كان عليه وضعها قبيل ثورات الربيع العربي، في الوقت الذي قد يتراجع فيه نفوذ عدد من الدول التي هيمنت على التأثير في الإقليم خلال العقد الفارط، مثل الإمارات ومصر.

وخلال العقد الماضي، كانت الإمارات قاطرة الأحداث الساخنة في معظم بلدان المنطقة، فكانت هي الداعم العربي الأكبر للانقلاب العسكري في مصر عام 2013.

وفي ليبيا، كانت هي الداعم الأبرز للجنرال الانقلابي خليفة حفتر ومحاولته الفاشلة للاستيلاء على حكم طرابلس.

وفي تركيا، أشارت أصابع الاتهام التركية الرسمية كثيرا إلى الدور الإماراتي في المحاولة الانقلابية الفاشلة في يوليو 2016.

أما في اليمن، فسعت الإمارات للتفريق بين مكونات الحكومة اليمنية الشرعية، ودعمت القوات الانفصالية.

وفي سوريا، تنسج العلاقات مع نظام بشار الأسد.

إضافة إلى قيادتها لعمليات التطبيع مع الكيان الإسرائيلي ومحاربة حركات المقاومة الفلسطينية بأشكالها كافة.

أما في الأشهر الأخيرة، فقد قادت السعودية المشهد الجديد، حيث كانت هي القاطرة في المصالحة الخليجية مع قطر، رغم أن هذه الخطوة لم تكن مستساغة بالشكل الكافي لدى الإمارات، وبدرجة أقل منها مصر.

كما أنها دفعت قدما بعملية الهدنة في اليمن إلى الأمام. وتتنبأ تقارير عربية وغربية بقرب تطبيع المملكة مع إسرائيل في وقت تضيق الخناق على أعضاء حركة حماس وتعتقل بعض كوادرها.

وأخيرا، يبدو أن الحرب الروسية الأوكرانية أسدت معروفا للسعوديين بشكل عام، ولمحمد بن سلمان بشكل خاص، حيث أدركت الولايات المتحدة ضرورة بقاء علاقاتها مع دول المنطقة الوازنة في أفضل حالاتها، وعلى رأسها السعودية، لضمان الاستقرار، وهو ما اضطر البيت الأبيض لتغيير سياساته.

وعليه، يبدو من المحتمل أن تحظى السعودية في المرحلة القادمة بدور أكثر بروزا وأهمية مما كان عليه الحال في السنوات الماضية.

لم تحدث اختراقات كبيرة أو قرارات مؤثرة في القمة التي جمعت بين قادة الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق.

ومن الأساس، لا يبدو أن هدف بايدن كان إحداث اختراق كبير من خلال زيارته للمنطقة، لكنه أراد بشكل رئيس أن يعيد إنعاش علاقات الولايات المتحدة معها، كي لا يترك المجال مفتوحا أمام روسيا والصين لاستغلال الغياب الأميركي النسبي.

كما أنه استهدف تعزيز التعاون المشترك بين واشنطن ودول المنطقة لجعلها أكثر استقرارا وأمنا، حتى يعظم من القدرة الأميركية على مواجهة التهديدات الصينية والروسية.

وإلى جانب ذلك، حاول بايدن إقناع السعودية برفع إنتاجها من الطاقة، لتخفيض أسعار الطاقة العالمية، وإتاحة بديل للغاز الروسي أمام أوروبا، لكن هذا المطلب لم يتحقق بالقدر الكافي الذي يؤثر بالفعل على أسعار الطاقة أو الإنتاج العالمي بشكل كبير.

قمة قادة "أستانة" في طهران

عقب القمة التي عقدت في جدة بأيام، جمعت قمة أخرى بين كل من روسيا وتركيا وإيران في العاصمة الإيرانية طهران، وقد حظيت باهتمام إعلامي وسياسي كبير، نظرا لسياقها وتوقيتها.

هذه القمة تعد السابعة ضمن مسار محادثات أستانة الذي ترعاه كل من روسيا وإيران وتركيا،  المختص بالملف السوري على وجه التحديد.

أما بالنسبة للسياق، فقد أتت القمة في ظل سياقات بالغة الأهمية للدول الثلاث؛ حيث إن هذه الزيارة هي الأولى خارجيا للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، والمواجهة مع الولايات المتحدة وأوروبا وحلف شمال الأطلسي "الناتو".

كما أن إيران تتأرجح مفاوضاتها بين الصعود والهبوط بشأن ملفها النووي والاتفاق الذي تريد الولايات المتحدة عقده مرة أخرى بعد أن خرج منه الرئيس السابق دونالد ترامب.

أما تركيا، فهي تلوح منذ أسابيع باحتمالية شن عملية عسكرية جديدة شمال سوريا ضد المنظمات الإرهابية الكردية، لاستكمال إنشاء منطقة آمنة على الحدود التركية السورية.

هذا بالإضافة إلى أن القمة الثلاثية أتت بعد زيارة مهمة للرئيس جو بايدن للمنطقة وعقد قمة جدة مع قادة الدول العربية الفاعلة.

 وهو ما حدا بالبعض أن يربط بين الزيارتين بشكل أو آخر، رغم أن الحديث عن هذه الزيارة جاء في البداية على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، تعقيبا على التلويح التركي بالعملية العسكرية في سوريا، فيما بدا أنه رغبة من قبل الروس في التداول بشأن العملية في إطار أستانا[56].

في إطار هذه السياقات، حضرت الدول الثلاث سعيا للوصول إلى مشتركات من التعاون والتفاهم حول الأهداف الخاصة والمصالح التي قد تبدو متناقضة لكل دولة على حدة.

بالنسبة لبوتين، لا شك أنه يواجه حاليا عزلة دولية وعقوبات أميركية وأوروبية بسبب اعتدائه على الأراضي الأوكرانية، وبالتالي يحتاج لإظهار أنه لم يتأثر كثيرا بتلك العقوبات.

فهو يحضر القمة خارج بلاده، وفي إيران، التي تعد خصما إقليميا للسعودية التي عقد فيها بايدن قمته الأخيرة، وينسق بشأن ملف يعد أحد أدوات النفوذ الروسي في المنطقة العربية، وهو الملف السوري.

أما بالنسبة لإيران، فإنها ترى في انعقاد القمة على أرضها نصرا سياسيا ودبلوماسيا، وأنها جنت ثلاثة مكاسب، أولها هو إفشال الجهود الأميركية والأوروبية لعزلها.

وثانيها أن عقد القمة أثناء المفاوضات النووية غير المباشرة المستمرة بين طهران وواشنطن "لا يعزز فقط موقع البلاد بين المفاوضين، بل يظهر للغربيين أن ضغوطهم القصوى لن تحقق نتيجة".

وثالثها أن القمة "ستغير التوازن في المنطقة لمصلحة إيران من جراء تحسن علاقاتها مع الشركاء غير الغربيين".[57]

وبين هذا وذاك، يأتي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مدفوعا بمحاولة التفاهم مع كل من إيران وروسيا حول العملية التركية المزمع انطلاقها خلال الفترة القادمة، والتي سينفذها الجيش التركي ضد المنظمات الكردية المسلحة شمال سوريا.

 أكد الرئيس التركي إصرار بلاده على محاربة واجتثاث بؤر الإرهاب في سوريا، مشددا على أنه ينتظر الدعم من طهران وموسكو في هذا الكفاح.

أما عن مخرجات القمة، فإن المواضيع التي نوقشت وتصريحات الرؤساء قبل وبعد القمة تشيران إلى أنها لم تأت بجديد هي الأخرى، لكنها أكدت المؤكد ورسخت المواقف السابقة.[58]

فلا تزال تركيا تصر على حقها في محاربة الإرهاب وتأمين منطقة آمنة في الشمال السوري، وقد حاولت إقناع شريكيها في القمة بعدم الاعتراض على العملية، لكن يبدو أنها لم تنجح في الوصول إلى تصريح واضح بالموافقة على العملية.

كما لوحظ أن القصف الروسي تزايد في المناطق المعارضة المدعومة من تركيا عقب قمة طهران، كما تزايدت التعزيزات التي يرسلها النظام والمليشيات الإيرانية المتحالفة معه إلى المنطقة، في إشارة واضحة إلى الاعتراض على أي عمل عسكري تركي غير متوافق عليه. [59]

لكن تركيا من جهتها تعد هذا الأمر أمنا قوميا يطغى على كل اعتبار، فإذا ما رأت الدولة ضرورة فعلية  لشن هذه العملية فلن تنتظر موافقة من أحد.

أما بالنسبة لروسيا وطهران، فقد جددا دعوتهما لطمأنة الهواجس والمخاوف الأمنية لدى تركيا، وأكد بوتين "ضرورة عودة جميع المناطق إلى سيادة سوريا"، كما حذر الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، من "وجود خطوات تتضارب مع السيادة السورية".

لكن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي أظهر معارضة واضحة للعملية التركية وقال إنها "ستضر بتركيا وسوريا والمنطقة"، وهو ما عده البعض تحذيرا أو تهديدا مبطنا من طهران لأنقرة.[60]

لكن إجمالا، جاء البيان الختامي للقمة السابعة كسابقيه "فضفاضا وحمال أوجه"[61]، مما يجعله قابلا للتطويع والتفسير بما يخدم سردية كل بلد من البلدان الثلاثة، وبما يوافق تعريف كل منهم للمصطلحات الواردة في البيان.

فعلى سبيل المثال، أكد البيان التزام الدول الثلاث "بسيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها، ودان "الوجود المتزايد وأنشطة المنظمات الإرهابية وأذرعها في مختلف مناطقها"، ورفض "جميع المحاولات لإيجاد حقائق جديدة على الأرض السورية".

وبينما ترى تركيا أن المنظمات الإرهابية هي قوات سوريا الديمقراطية "قسد" على وجه التحديد، وبدرجة أقل المليشيات التابعة لنظام بشار الأسد، ترى إيران وروسيا أن المنظمات الإرهابية تتمثل بقوات الجيش السوري الحر الذي تدعمه أنقرة.

وعليه، لم تحسم الملفات الخلافية بين البلدان الثلاثة، ولم تأت القمة بجديد يذكر، لا على مستوى الملف السوري أو حتى غيره من الملفات الإقليمية والدولية.


المحور الثالث: الاقتصاد العربي

مصر.. إجراءات قاسية مرتقبة لاسترضاء صندوق النقد

أعلن رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في 28 يوليو 2022، عن تفعيل حزمة استثنائية للحماية الاجتماعية مدتها 6 أشهر، تضم إضافة نحو 900 ألف إلى مليون أسرة جديدة في برنامج "تكافل وكرامة" المخصص لدعم الأسر الفقيرة، كما تشمل إضافة 100 جنيه (ما يقارب 5 دولارات أميركية) لبطاقات الدعم التموينية للأسر الأكثر احتياجا.[62]

وعقد مدبولي مؤتمرا صحفيا في مقر الحكومة بمدينة العلمين الجديدة، لاستعراض تفاصيل حزم الحماية الاجتماعية لمجابهة الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، بحضور كل من وزراء المالية محمد معيط والتموين علي المصيلحي والتجارة الداخلية والتضامن الاجتماعي نيفين القباج.

وفي محاولة لتجميل وجه الحكومة استعرض مدبولي عددا من الأرقام المعبرة عن تدخلات الدولة في برامج الدعم.

وأوضح رئيس الحكومة أن المخصصات المالية لكافة برامج الدعم والحماية الاجتماعية في السنة المالية 2015/ 2016 بلغت 290 مليار جنيه.

بينما تتجاوز تلك المخصصات في الموازنة العامة للسنة المالية 2022، نحو 490 مليار جنيه، أي بنسبة زيادة بلغت نحو 68.96 بالمئة مقارنة بموازنة عام 2015/ 2016.

لكن مدبولي تجاهل أن سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الواحد تراجع بنسبة تفوق 142 بالمئة.

ففي نهاية ديسمبر 2015، أي في منتصف العام المالي 2015/ 2016، بلغ سعر الصرف 7.80 جنيهات مصرية مقابل الدولار الأميركي الواحد[63]. بينما يبلغ سعر الصرف اليوم، في 31 يوليو 2022، 18.9 جنيها مصريا مقابل الدولار الواحد[64].

كما تجاهل مدبولي كذلك أسعار السلع الاستهلاكية، فعلى سبيل المثال، كان سعر الكيلو غرام من اللحم البقري في يونيو 2015 ما بين 75 إلى 80 جنيها[65]. في حين أن سعرها اليوم يتراوح بين 160 و195 جنيها للكيلو الواحد[66]، بمتوسط 177 جنيها، أي بزيادة قدرها 136 بالمئة.

ففي حين ينخفض سعر الصرف بنسبة 142 بالمئة، وما ينعكس على ذلك من آثار سلبية كارتفاع الأسعار والتضخم وغيرها، وحين تزداد أسعار سلعة استهلاكية كاللحوم بنسبة 142 بالمئة، يتفاخر مدبولي أن مخصصات الدعم زادت بنسبة تقارب 69 بالمئة، وهي نسبة غير متكافئة مع الصعوبات التي يواجهها المواطن المصري، الذي تستمر حالته المعيشية والاقتصادية في التدهور منذ نحو 8 سنوات.

الأسوأ من ذلك، تلك الأنباء التي تتوارد عن أن هذه الإجراءات، غير الكافية بالأساس، هي مقدمات تهدف لاحتواء الآثار الناجمة عن مجموعة من القرارات الاقتصادية الصعبة المزمع إعلانها خلال الفترة القادمة، وذلك بهدف محاولة تسريع إجراءات الحصول على تمويل جديد من صندوق النقد الدولي.[67]

واستجابة لطلبات وشروط صندوق النقد، الذي صرح خلال الأسابيع الماضية أن مصر بحاجة إلى تحقيق "تقدم حاسم" في الإصلاحات المالية والهيكلية[68]، فمن المزمع أن تصدر قرارات لتحديد سعر مرن للصرف، لعدم إبقاء الجنيه بعيدا عن قيمته الحقيقية مقابل الدولار.

إضافة إلى رفع الدعم جزئيا عن منظومة الخبز، وتسريع وتيرة برنامج الخصخصة وبيع أصول الحكومة، وكذلك تخارج الدولة من بعض القطاعات، وفقا لما أدلت به مصادر صحفية لـ "العربي الجديد".[69]

وهذه الإجراءات، إن تمت، فإن آثارها السلبية للغاية ستطول الطبقات الكادحة كافة، وتزيد من معاناة المصريين جراء السياسات المالية والنقدية والاقتصادية التي اتبعتها الحكومة منذ الانقلاب العسكري عام 2013.

رفع سعر الفائدة على الدولار الأميركي

خلال اجتماعه في 27 يوليو 2022، رفع البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية، مؤكدا أن هناك زيادات أخرى مرتقبة للحد من ضغوط الأسعار المتزايدة. وتعد هذه الزيادة الثانية على التوالي خلال شهرين، والرابعة خلال العام.[70]

وبحلول نهاية العام، يتوقع خبراء اقتصاديون أن يستمر الاحتياطي الفيدرالي في رفع سعر الفائدة، لتصل إلى 3.4 بالمئة، للمساهمة في إعادة التضخم إلى المستوى المستهدف.[71]

ومن المعتاد أن يلقي قرار زيادة سعر الفائدة على الدولار الأميركي بظلاله على كافة الأسواق العالمية، لا سيما في الأسواق الناشئة والنامية، التي هي غالب الاقتصادات في منطقتنا العربية.

ونحاول خلال السطور التالية توضيح تأثير قرار رفع الفائدة الأميركية على الأسواق وعلى المحفظة الشخصية للأفراد.

تستهدف البنوك المركزية عند رفع سعر الفائدة أمرين اثنين؛ أولهما سحب السيولة النقدية من السوق، وذلك من خلال جذب أصحاب الأموال لإيداعها في البنوك للاستفادة من عائد الفائدة المرتفع.

أما الثاني فهو تخفيض عمليات الاقتراض بسبب ارتفاع كلفتها، وبالتالي تتراجع القوة الشرائية للمستهلكين.

وبسبب انخفاض الاستهلاك وارتفاع خدمة الدين تتباطأ معدلات النمو، ما يعني زيادة في البطالة وتراجعا في مؤشرات الاقتصاد الكلي، وقد تدخل اقتصادات الدول في حالة انكماش.

كما تحاول البنوك المركزية من خلال رفع سعر الفائدة إلى كبح جماح التضخم، وبالتالي خفض الأسعار، لا سيما للسلع الأساسية.

لكن ذلك ليس مضمونا بأي حال من الأحوال، بل إنه يكون مستبعدا، لا سيما في الدول التي تعتمد على الاستيراد إلى حد كبير.

لا شك أن ارتفاع سعر الفائدة الأميركي سيؤثر على الدول العربية ذات الاقتصادات التي تعاني بالأساس من أزمات خانقة.

وستلقي الفائدة المرتفعة بمزيد من الضغوط على تلك الدول، وسط مخاوف من تفاقم معيشة المواطنين الذين يعانون من ارتفاعات قياسية للتضخم والفقر والبطالة.

وستمتد التأثيرات السلبية إلى مواجهة حكومات عربية صعوبة نفاذها إلى أسواق الاقتراض الخارجي، الذي كان يمثل لها حبل إنقاذ لتخفيف أزماتها المالية، وسيزيد من أعباء ديونها، وسيخفض عملاتها ليدفعها نحو إجراءات تقشفية قد تؤدي إلى اندلاع موجات من الاحتجاجات الاجتماعية الساخطة في المنطقة.


المصادر:
[1]  CNN عربي، تونس.. نص الفصل 80 بالدستور الذي استند عليه الرئيس بالقرارات، 26 يوليو / تموز 2021
https://cnn.it/3ORwWaA
[2]  DW عربي، الرئيس التونسي يعين أعضاء مجلس القضاء الأعلى المؤقت، 7 مارس/ آذار 2022
https://bit.ly/3cKHrip
[3] Radio France Internationale, Tunisia's President purges 57 judges, tightening grip on judiciary, 2 June 2022
https://bit.ly/3SdbvUc
[4]  الجزيرة نت، عبر 6 خطوات.. كيف أحكم قيس سعيد قبضته على مختلف السلطات في تونس؟، 24 يوليو/ تموز 2022
https://bit.ly/3zjgeuF
[5]  صحيفة الصباح، خاص/ بلعيد يعلن ولأول مرة عبر "الصباح": "الهيئة بريئة من المشروع المعروض للاستفتاء"، 3 يوليو/ تموز 2022
https://bit.ly/3SdA0Ao
[6] Lemonade, Tunisie : « Le projet présidentiel de nouvelle Constitution est dangereux », 3 June 2022
https://bit.ly/3vmwwSE
[7]  الجزيرة نت، تونس.. رئيس الهيئة الاستشارية لصياغة الدستور يتهم قيس سعيد بتغيير النسخة المقترحة والقضاة يعلقون الإضراب، 3 يوليو/ تموز 2022
https://bit.ly/3JeBjLk
[8]  العربي الجديد، الرئيس التونسي يعرض نسخة معدلة من الدستور بسبب "تسرب أخطاء"، 9 يوليو/ تموز 2022
https://bit.ly/3zjh9eB
[9]  فرانس 24، الرئيس التونسي قيس سعيد يعدل مشروع الدستور الجديد إثر انتقادات واسعة، 9 يوليو/ تموز 2022
https://bit.ly/3bffoap
[10]  مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن، مرســـوم عدد 22 لسنة 2022 مؤرخ في 21 أفريل 2022 يتعلق بتنقيح بعض أحكام القانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012 المؤرخ في 20 ديسمبر 2012 المتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات وإتمامها، 21 أبريل/ نيسان 2022
https://bit.ly/3bcKdN9
[11]  الرأي العام - الصفحة الرسمية، بفون: ''هيئة الانتخابات أصبحت هيئة الرئيس بامتياز وسعيد سيكون اللاعب والحكم في نفس الوقت''، 22 أبريل/ نيسان 2022
https://bit.ly/3ORDcz6
[12]  حقوق نيوز، القاضي أحمد الرحموني: لا أدري إن كنا نستطيع أن نتحدث عن استفتاء أو انتخابات قادمة بعد حل فعلي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات وعزل جميع أعضائها، 23 إبريل/ نيسان 2022
https://bit.ly/3oCodhB
[13]  الأناضول، منظمة تونسية: إشكاليات رافقت مسار الاستفتاء، 23 يوليو/ تموز 2022
https://bit.ly/3PCwDBu
[14]  عربي 21، تواصل رفض الاستفتاء بتونس.. الأمم المتحدة: سنراجع الدستور، 28 يوليو/ تموز 2022
https://bit.ly/3JeFGGe
[15]  القدس العربي، هيئة الانتخابات التونسية “تعدل” نتائج الاستفتاء.. والمعارضة تتهمها بـ”التزوير”، 27 يوليو/ تموز 2022
https://bit.ly/3biaj18
[16]  المصدر نفسه
[17]  الشروق، هيئة الانتخابات في تونس: تسرب خطأ في إحصاءات بالاقتراع لكنه غير مؤثر على النتائج الأولية للاستفتاء، 27 يوليو/ تموز 2022
https://bit.ly/3bhCIV6
[18]  الأناضول، تونس.. سعيد يكشف عن قانون انتخابي جديد، 25 يوليو/ تموز 2022
https://bit.ly/3OzQdgp
[19]  الميادين، حركة النهضة: ضعف المشاركة في الاستفتاء الدستوري التونسي يعني فشله، 28 يوليو/ تموز 2022
https://bit.ly/3OJ2IpW
[20]  الجزيرة مباشر، جبهة الخلاص: أغلب التونسيين رفضوا مسرحية الاستفتاء وعلى سعيد الاستقالة وإجراء انتخابات مبكرة، 26 يوليو/ تموز 2022
https://bit.ly/3zkBsIz
[21] DW عربي، نتائج نهائية.. كتلة الصدر تفوز بالانتخابات العراقية، 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021
https://bit.ly/3JeaEyg
[22]  عربي 21، ما خيارات حلفاء الصدر بعد تخليه عن تشكيل حكومة العراق؟، 18 مايو/ أيار 2022
https://bit.ly/3oG3ycI
[23]  وكالة الأنباء العراقية، السيد الصدر: لن أشارك في الانتخابات المقبلة بوجود الفاسدين، 15 يونيو/ حزيران 2022
https://bit.ly/3Bug6vm
[24]  الساحة، الصدر يحدد 11 شرطا لـ«التنسيقي» لتشكيل الحكومة… أولها استبعاد المالكي، 15 يوليو/ تموز 2022
https://bit.ly/3Q6xkmk
[25]  الجزيرة نت، محمد شياع السوداني.. المرشح لرئاسة مجلس الوزراء العراقي، 26 يوليو/ تموز 2022
https://bit.ly/3cS0yXZ
[26]  فرانس 24، العراق: أنصار الصدر يقتحمون البرلمان احتجاجا على ترشيح السوداني لرئاسة الحكومة، 27 يوليو/ تموز 2022
https://bit.ly/3cRtTl3
[27]  الرابعة TV، "القوم يتآمرون عليكم".. الصدر للمتظاهرين: إذا شئتم الانسحاب فإني سأحترم هذا القرار، 27 يوليو/ تموز 2022
https://bit.ly/3zEXhnM
[28]  بغداد اليوم، صلوا ركعتين وعودوا لمنازلكم سالمين، 27 يوليو/ تموز 2022
https://bit.ly/3PXLyWU
[29]  العربي الجديد، التسريب الكامل المنسوب للمالكي: السعي لتوفير غطاء لأكثر من 20 ألف مسلح من المليشيات، 22 يوليو/ تموز 2022
https://bit.ly/3cTOTYI
[30]  الشرق الأوسط، القضاء العراقي يفتح تحقيقا في تسريبات المالكي، 19 يوليو/ تموز 2022
https://bit.ly/3S9tHOl
[31]  الأناضول، العراق.. "السوداني" يؤكد تمسكه بترشيحه لرئاسة الحكومة، 28 يوليو/ تموز 2022
https://bit.ly/3Q50LoZ
[32]  القدس العربي، «الإطار» يتمسك بترشيح السوداني وتهديد صدري بـ«ثورة إصلاح»، 28 يوليو/ تموز 2022
https://bit.ly/3cFcr3d
[33]  الجزيرة نت، هل يؤخر صراع الصدر والإطار الشيعي تشكيل الحكومة العراقية؟، 28 يوليو/ تموز 2022
https://bit.ly/3JhqIQ7
[34]  جريدة البناء، تواصل الاحتجاجات الشعبية المناهضة للانقلاب في السودان، 23 يوليو/ تموز 2022
https://bit.ly/3bk7a0L
[35]  الحرة، البرهان يعلن موعد حل مجلس السيادة.. وتشكيل "مجلس أعلى للقوات المسلحة"، 4 يوليو/ تموز 2022
https://arbne.ws/3zJLCUG
[36]  جريدة الصيحة، الاتحادي الأصل: خروج العسكريين يتيح الفرصة كاملة للمدنيين، 5 يوليو/ تموز 2022
https://bit.ly/3cOI6iQ
[37]  الشرق، السودان.. البرهان يعفي المدنيين في مجلس السيادة رسميا، 6 يوليو/ تموز 2022
https://bit.ly/3ScjVLv
[38]  صوت الهامش، الشيوعي يعلن رفضه خطاب البرهان والتسوية السياسية، 5 يوليو/ تموز 2022
https://bit.ly/3Sd8Tp7
[39]  الجزيرة نت، حميدتي يعود للأضواء مؤيدا البرهان.. ما فرص التوافق المدني في السودان؟، 23 يوليو/ تموز 2022
https://bit.ly/3bi2Cb6
[40]  الوطن، نصوص الإعلان الدستوري المكمل في اليوم الأول لبدء العمل به، 17 يونيو/ حزيران 2012
https://www.elwatannews.com/news/details/17978
[41]  وكالة الأنباء الكويتية، سياسيون سودانيون.. خطاب رئيس مجلس السيادة الانتقالي يعمق انقسام المشهد السياسي في السودان، 13 يونيو/ حزيران 2012
https://bit.ly/3zfGcPX
[42]  الجزيرة نت، السودان.. ما دلالات الخطاب المفاجئ للبرهان وتأثيراته على المشهد السياسي في البلاد؟، 5 يونيو/ حزيران 2012
https://bit.ly/3zJkrJH
[43]  المصدر نفسه
[44] France 24 عربي، بايدن يصل إسرائيل في مستهل أول جولة له بالشرق الأوسط وسط توتر دبلوماسي، 13 يوليو/ تموز 2022.
https://bit.ly/3oGmszW
[45] Whashington Post, Joe Biden: Why I’m going to Saudi Arabia?, July 9, 2022.
https://wapo.st/3zkSl6c
[46] الجزيرة نت، بايدن في المنطقة.. الاستقرار والمصالح وبينهما إسرائيل، 21 يوليو/ تموز 2022.
https://bit.ly/3vvV
[47] موقع عرب 48، وثيقة: نص "إعلان القدس" الإسرائيلي – الأميركي، 14 يوليو/ تموز 2022.
https://bit.ly/3vudZUl
[48] Whashington Post, Joe Biden: Why I’m going to Saudi Arabia?, July 9, 2022.
https://wapo.st/3zkSl6c
[49] موقع عرب 48، زيارة بايدن لإسرائيل رسخت الاحتلال على الفلسطينيين، 15 يوليو/ تموز 2022.
https://bit.ly/3OKCbJ4
[50]  الجزيرة نت، إثر لقائه عباس.. بايدن يجدد من بيت لحم التزام واشنطن بحل الدولتين ويتعهد بتقديم 300 مليون دولار للأونروا ومستشفيات القدس، 15 يوليو/ تموز 2022.
https://bit.ly/3Jp8zjm
[51] موقع عرب 48، زيارة بايدن لإسرائيل رسخت الاحتلال على الفلسطينيين، 15 يوليو/ تموز 2022.
https://bit.ly/3OKCbJ4
[52] موقع قناة الحرة الأميركية، بايدن من قمة جدة: لن نترك فراغا تملؤه الصين أو روسيا أو إيران، 16 يوليو/ تموز 2022.
https://arbne.ws/3SdSDnV
[53] The White House, The Jeddah Communique: A Joint Statement Between the United States of America and the Kingdom of Saudi Arabia, July 15, 2022.
https://bit.ly/3S8SWAB
[54] The White House, Joint Statement Following Meeting Between President Biden and Egyptian President Abdel Fattah Al Sisi in Jeddah, July 16, 2022.
https://bit.ly/3OMLmsf
[55] The White House, Joint Statement Following Meeting Between President Biden and President of the UAE Sheikh Mohammed bin Zayed in Jeddah, July 16, 2022.
https://bit.ly/3zocmZk
[56] الجزيرة نت، قمة طهران الثلاثية.. قراءة في السياق والمخرجات، 25 يوليو/ تموز 2022.
https://bit.ly/3p0MUol
[57] مركز المسار للدراسات الإنسانية، قمة طهران.. بين ضرورات التعاون واستحالة التحالف، 30 يوليو/ تموز 2022.
https://bit.ly/3zMI2ta
[58]  سوريا، البيان الختامي للقمة الثلاثية بين رؤساء تركيا وإيران وروسيا، 20 يوليو/ تموز 2022.
https://bit.ly/3SbMZ5R
[59] العربي الجديد، قمة طهران.. اتفاقات وتفاهمات لا تشمل سوريا، 27 يوليو/ تموز 2022.
https://bit.ly/3OLbXGk
[60] الجزيرة نت، قمة طهران الثلاثية.. قراءة في السياق والمخرجات، 25 يوليو/ تموز 2022.
https://bit.ly/3p0MUol
[61] المصدر السابق.
[62]  صحيفة المصري اليوم، رئيس الوزراء يستعرض تفاصيل حزم الحماية الاجتماعية، 28 يوليو/ تموز 2022.
https://bit.ly/3Q5shCL
[63] جريدة المال، تطور متوسط سعر الدولار منذ يناير 2015 (جراف).
https://bit.ly/3POFBf7
[64] موقع البنك المركزي المصري، متوسط أسعار السوق بالجنية المصري، 31 يوليو/ تموز 2022.
https://bit.ly/3Bt0sAc
[65]  اليوم السابع، أسعار اللحوم فى الأسواق والمحلات اليوم، 4 يونيو/ حزيران 2015.
https://bit.ly/3voSDaU
[66] اليوم السابع، شعبة القصابين: سعر اللحوم البقري من 160 إلى 195 جنيها للكيلو فى الأسواق، 31 يوليو/ تموز 2022.
https://bit.ly/3JkmO99
[67]  العربي الجديد، مصر تسترضي صندوق النقد بتفعيل حزمة استثنائية للحماية الاجتماعية، 28 يوليو/ تموز 2022. https://bit.ly/3OP8YMZ
[68] العربي الجديد، أيام صعبة على المصريين: قرارات جديدة تفاقم معيشتهم بضغط من صندوق النقد، 30 يوليو/ تموز 2022.
https://bit.ly/3beTK6o
[69] المصدر السابق.
[70] الجزيرة نت، للمرة الرابعة خلال عام.. الفيدرالي الأميركي يرفع سعر الفائدة مجددا لمكافحة التضخم، 27 يوليو/ تموز 2022.
https://bit.ly/3oIUvYg
[71] CNBC عربي، الدولار يتجه صوب الانخفاض مع ترقب رفع أسعار الفائدة، 27 يوليو/ تموز 2022.
https://bit.ly/3bnn7Dy