إفراج يليه اعتقال.. سلطة رام الله وإسرائيل معا لضرب المقاومة بالضفة

أواخر يوليو/تموز الماضي اعتقل الجيش الإسرائيلي عددا من كوادر حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الضفة الغربية المحتلة، سبق اعتقالهم لدى السلطة الفلسطينية، ما أثار تساؤلات مريبة بشأن التنسيق الأمني بين الجانبين.
بات مألوفا أنه في اليوم الذي تفرج فيه أجهزة رام الله عن محتجزين، تعتقلهم إسرائيل ما جعل الفلسطينيين يطلقون على هذا الإجراء بسياسة "الباب الدوار"، المتفق عليه بين السلطة وإسرائيل، ضمن عملية التنسيق الأمني بينهما.
الأجهزة الأمنية الفلسطينية تتسلل لمناطق الضفة، متنكرة على هيئة وحدات خاصة إسرائيلية، في محاولة لاختطاف عناصر حماس الذين تلاحقهم قوات الاحتلال، بجانب اختطاف أسرى محررين، واقتيادهم إلى جهات غير معلومة، رغم أنه لم يمض على خروجهم من سجون الاحتلال عدة أيام، بعد أن قضوا عدة سنوات في الأسر، ومنهم مرضى.
كما اختطفت قوات الاحتلال عددا من الأسرى بعد ساعات من إطلاق سراحهم من مقار أجهزة الأمن الفلسطينية، بعد تفتيش منازلهم، ثم نقلهم لجهة غير معلومة، وتكررت هذه الظاهرة كثيراً.
الوقائع الأخيرة في الضفة الغربية تدلل على أن حجم وعمق التنسيق الأمني بين أجهزة السلطة الفلسطينية وإسرائيل تجاوز الالتزامات الأمنية والتعهدات السياسية بين الجانبين، ليصل في نهاية المطاف إلى اصطفاف حقيقي من السلطة مع الاحتلال ضد المقاومة، فكرا وسلوكا وأفرادا.
نماذج صارخة
في 31 يوليو/تموز 2019 اعتقل الاحتلال الباحث السياسي ياسر مناع، والأسير المحرر مروان استيتة، والمدرس معاوية حنني، بعد اقتحام منازلهم في نابلس، عقب الإفراج عنهم من سجون السلطة بأيام قليلة.
وفي 29 يوليو/تموز اعتقل الاحتلال الأسير المحرر محمود خاروف، عند مدخل الخليل، قبل أن يصل لمنزله في قلقيلية، بعد الإفراج عنه من سجون السلطة.
إبراهيم شقيق محمود، أبلغ "الاستقلال" أنهم "خلال عودتهم لمنزلهم برفقة أخيهم المفرج عنه من المخابرات العامة، أوقفتهم قوات الاحتلال، واعتقلت محمود، واعتدت عليهم بالضرب، حيث قضى 3 أشهر متنقلا بين سجون السلطة، حتى أفرج عنه، ورفض أمن السلطة عدة مرات تنفيذ قرار القضاء بالإفراج عنه، وسبق أن تعرض محمود للاعتقال مرات عدّة من أمن السلطة والاحتلال، وبالكاد يمكث مدّة قليلة خارج السجن، ثم يُعاد اعتقاله".
وفي 25 يوليو/تموز، وخلال أقل من 48 ساعة فصلت بين إفراج الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية عن المعتقلة السياسية آلاء بشير 24 عاما، واعتقال قوات الاحتلال الإسرائيلي لها، وهي من قرية جين صافوط قرب مدينة قلقيلية.
تبادل الأدوار
مشكلة سياسة الباب الدوار أن السلطة وإسرائيل تعتقلان الفلسطينيين على ملفات واحدة، ما يعني أن هناك تنسيقا أمنيا بينهما قد يندرج تحته هذا النوع من تبادل الأدوار في اعتقال الفلسطينيين، فالاحتلال لم يعد يكتفي باعتقال السلطة للنشطاء، وفي بعض الأحيان لم يثق بأنها قدمت المعلومات اللازمة، فتعتقل الفلسطيني مرة أخرى من أجل التحقيق.
ظاهرة الباب الدوار تعني أن الحرب الأمنية المحمومة التي تشنها إسرائيل والسلطة لم تعد مقتصرة على تقاسم جسد المقاومة، وكوادرها، بل تعدته إلى تناوب واضح ومكشوف في اعتقالهم.
القوائم مليئة بأسماء معتقلي حماس الذين تناوبت عليهم اختطافات الاحتلال والأمن الفلسطيني، وهو ما يؤكده عبد الرحمن شديد المتحدث باسم حماس، قائلا لـ "الاستقلال": "الاعتقالات التي نفذتها قوات الاحتلال، وطالت عددا من المواطنين بعد الإفراج عنهم من سجون السلطة، تؤكد أن سياسة التنسيق الأمني لا تزال متواصلة.
مضيفا: "كل المزاعم عن وقف التعاون الأمني مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي، ما يتطلب وقف الاعتقالات السياسية وملاحقة أبناء شعبنا خدمة للاحتلال، وإعلان مواقف وطنية من استمرار سياسة الباب الدوار والتنسيق الأمني".
حسن خريشة النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي قال لـ "الاستقلال": "تكرار هذه الحوادث يعيد التأكيد أن التنسيق الأمني في ذروته، بعكس ما تصدره قيادة السلطة من تصريحات، استمرار هذه الحوادث وتكرارها يعطيان انطباعا أن ما يحصل ليس مجرد صدفة".
سياسة قديمة
لا تعد سياسة الباب الدوار حديثة العهد بين السلطة وإسرائيل، بل تعود لسنوات طويلة ماضية، لكنها تعاود الظهور بين حين وآخر، بهدف تغييب الكوادر السياسية لقوى المقاومة بالضفة، مما يمثل مأساة مركبة للفلسطينيين هناك، خاصة وأن تبادل الأدوار بين الجانبين لم يعد يخفى عليهم.
يذكر الفلسطينيون في الضفة عددا من ضحايا سياسة الباب الدوار بين السلطة وإسرائيل، ومنهم الباحث بقضايا الأسرى الأسير المحرر ياسين أبو لفح من نابلس، والأسير المحرر موسى الخطيب.
ويشير الرسم البياني لانتهاكات الأجهزة الأمنية ضد حماس وقوى المقاومة بالضفة، إلى غياب الفروق بين ممارساتها وما يقوم به الاحتلال، لأن بعض حالات الخطف حصلت في المناطق المسيطر عليها من قبل الاحتلال، الذي كان يسهل مرور هذه الأجهزة لأداء مهامها!
دأبت الأوساط الأمنية الإسرائيلية على التأكيد بين حين وآخر أنّ أجهزة الأمن الفلسطينية تنقل معلومات عن خلايا المقاومة بالضفة، ما ساعد الجيش الإسرائيلي على إحباط العمليات التي خططت لها.
هناك العديد من الأمثلة على زيادة مستوى التنسيق الأمني ومنها: مداهمة الأجهزة الأمنية لمنازل قياديي وعناصر حماس الذين تفرج عنهم قوات الاحتلال من سجونها، من خلال مرافقة عربات عسكرية إسرائيلية للقوة الأمنية الفلسطينية خلال مرورها على الشوارع الالتفافية، لتأمين خط سير القوات خلال انسحابها، وإقدام أجهزة الأمن على اختطاف العشرات من الشبان، والقيام بتفتيش منازلهم ومحيطها بشكل مشدّد، ونبش الحدائق والجدران بحثاً عن سلاح.
ودأبت أجهزة الأمن الفلسطينية على التفاخر بإعادة الإسرائيليين الذين يدخلون مدن الضفة "عن طريق الخطأ" لجيش الاحتلال، في إطار التنسيق الأمني بينهما، فيما نقلت الأجهزة الأمنية عددا من المعتقلين من سجونها المنتشرة في الضفة الغربية، مروراً بالحواجز العسكرية الإسرائيلية.
وكانت أجهزة السلطة تعتقل أبناء حماس وتخضعهم للتحقيق، ثم تقوم بعدها قوات الاحتلال باعتقالهم، ليجد المعتقلون أن المعلومات التي قدموها لـ"أبناء شعبهم" في الأجهزة الأمنية موجودة لدى محققي جهاز "الشاباك" كما هي.
الغريب أن التعاون بين الأمن الفلسطيني ونظيره الإسرائيلي يتم في وقت يعلن فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس تعليق الاتفاقيات مع دولة الاحتلال.