تلعب ضد أميركا.. ما دور الصين في إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية؟

ادعت إذاعة صينية أن بكين لعبت دورا كبيرة في إعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، عبر توسطها في الخلاف بين إيران والسعودية الذي أسفر عن تطبيع العلاقات بين البلدين المتناحرين منذ سنوات.
وأشارت "إذاعة الصين الدولية" إلى أنه بينما تعمل واشنطن على تعزيز الحروب في سوريا، تعمل بكين عبر تسوياتها مع دول المنطقة لإنهاء صراعات المنطقة والتنمية الاقتصادية المشتركة.
تسويات بكين
وقالت الإذاعة الصينية إن سوريا استعادت عضويتها في العائلة العربية في 7 مايو/ أيار 2023، بعد مقاطعة لمدة 12 عاما.
وجاء ذلك بعد قرار للجامعة العربية أفاد بأن استئناف مشاركة النظام السوري في "اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها سيسري على الفور".
بينما دعا القرار أيضا إلى "حل الأزمة الناجمة عن الحرب الأهلية السورية بما يشمل اللاجئين في الدول المجاورة وتهريب المخدرات في المنطقة".
وأكدت الإذاعة أن هذا "الخبر يعد علامة بارزة في عمليات المصالحة التي يشهدها الشرق الأوسط، خاصة بعد لقاء المسؤولين السعوديين والإيرانيين في بكين للاتفاق على عودة العلاقات".
وتأسست جامعة الدول العربية عام 1945 وتضم 22 دولة عضوا، وكانت سوريا من الدول الأعضاء المؤسسين.
لكن بعد اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، علقت جامعة الدول العربية عضوية سوريا وأغلقت السعودية ودول عربية أخرى سفاراتها في سوريا.
"ونتيجة لذلك، تعرضت الدبلوماسية السورية للعزلة النسبية، ولمزيد من القمع من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية"، حسب إذاعة الصين الدولية.
وبعد مضي 12 عاما، أعيد النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، بعد أن تمكنت قوات حكومة النظام السوري بحلول عام 2018، من استعادة السيطرة على أكثر من 70 بالمئة من البلاد، وتراجعت المعارضة تدريجيا.
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، ووُضع ملف إعادة إعمار سوريا على جدول الأعمال، بدأت الدول العربية في التواصل مع الحكومة السورية في السنوات الأخيرة، وخاصة منذ بداية العام الجاري 2023.
وبناء على هذا، استقبلت الإمارات زيارات رفيعة المستوى من الرئيس السوري بشار الأسد، وقررت تونس إعادة فتح سفارتها في دمشق، كما زار وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، سوريا.
وكل هذه المؤشرات المتزايدة دلت على أن عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية كانت مسألة وقت.
وأشارت الإذاعة إلى أنه "من منظور أوسع لتطور الوضع في الشرق الأوسط، يمكن القول إن الوساطة الصينية قد عزّزت بشكل مباشر عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية".
ونظرا لدعم السعودية وإيران لقوى سياسية مختلفة في الأزمة السورية، فقد خلقت المصالحة السعودية-الإيرانية فرصة لتسهيل العلاقات بين النظام السوري ودول الجامعة العربية.
وأوردت الإذاعة الصينية تصريح معاون وزير الخارجية السوري، أيمن سوسان، الذي قال فيه: إن "تحسن العلاقات السعودية الإيرانية سينعكس على معظم القضايا الإقليمية، بما في ذلك الوضع في سوريا".
وأوضحت أنه "يُمكن اليوم القول إن هذا التوقع أصبح حقيقة واقعة في ظل أن العالم الحالي يعيش فترة من الاضطراب والتغيير، وقد أصبحت الدول العربية متيقظة للتحديات التي تواجهها".
تدخلات أميركا
وأشارت "إذاعة الصين الدولية" إلى أن "الولايات المتحدة تدخلت بشكل تعسفي لفترة طويلة في شؤون الشرق الأوسط، مما أدى إلى مزيد من الصراع والانقسام، وتصاعد حدة النزاعات والحروب التي لا تنتهي".
ومنذ الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا والنظام السوري في فبراير/ شباط 2023، أصبح من الواضح أن العقوبات الأحادية الجانب التي تفرضها واشنطن تعيق عمليات الإنقاذ وتزيد من حجم الكارثة.
وبالتالي، زاد إدراك الحكومات في الشرق الأوسط بأنه يجب عليهم أن يكتبوا مصيرهم بأيديهم"، وفق إذاعة الصين الدولية.
وكما أشار الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، فإن "المصالح المشتركة للدول العربية تتطلب عدم تجاهل القضية السورية بعد الآن".
والمجتمع الدولي بشكل عام يرحب بإعادة قبول النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، ويعتقد المحللون أن هذه الخطوة الحكيمة ستساعد سوريا على تعزيز التعاون الإقليمي، وتحسين اقتصادها، وإعادة الإعمار بعد الحرب.
كما أنها ستساعد جامعة الدول العربية على تعزيز قوتها دوليا، وتشكيل نوع من أنواع التآزر السياسي، الذي يمكنها من لعب دور أكثر أهمية على الصعيد الدولي.
وتعتقد الإذاعة الصينية أن "عودة النظام السوري للجامعة العربية ستساعد في بناء توافق حول حل سياسي للأزمة السورية، وستعزز مناخ الهدوء والاستقرار في الشرق الأوسط".
وأضافت أنه "بالمصادفة، زار مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، السعودية، في نفس اليوم الذي أعلنت فيه جامعة الدول العربية استئناف عضوية النظام السوري".
ونقلت ما قالته وكالة "بلومبيرغ" الأميركية من أن "قرار جامعة الدول العربية تجاهل الولايات المتحدة فيما يخص الملف السوري، ما يعكس ضعف نفوذ واشنطن في تلك المناطق المصدرة للنفط".
وشددت إذاعة الصين على أنه "في الآونة الأخيرة، وجدت الولايات المتحدة نفسها في مواجهة صعبة في الشرق الأوسط، الذي لم يعد متحمسا لاتباع "السيناريو الأميركي".
لذلك، قامت واشنطن باتخاذ خطوات مستمرة لتعزيز وجودها في المنطقة، من بينها زيارة مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية وليام بيرنز، للسعودية، وتعبيره عن انزعاج بلاده من التقارب بين الرياض وطهران بوساطة صينية، وانفتاح المملكة على العلاقات مع النظام السوري.
انحسار دور واشنطن
وأشارت إلى أن الولايات المتحدة استخدمت ما يعرف بقضية "حقوق الإنسان" لمهاجمة الحكومة السورية في العديد من المحافل الدولية، وأعلنت بشدة أنها لن تقوم بتطبيع العلاقات مع نظام الأسد ولا تؤيد أن تفعل ذلك دول أخرى.
لكن على الرغم من الإجراءات المستمرة التي اتخذتها واشنطن في الشرق الأوسط، فإنها لم تتمكن من وقف تيار المصالحة العام الذي يتزايد في المنطقة.
فقد اتبعت دول المنطقة نهج السلام، وأعادت النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، مما يشير إلى رغبة تلك الدول في السلام والتنمية واتباع طريقها الخاص.
وفي هذا السياق، قال الدبلوماسي الأميركي المخضرم، تشايس فريمان، في مقابلة مع موقع نيوزويك: إن "لحظة التوهج الدبلوماسي لواشنطن قد ولَّت منذ فترة طويلة، وأصبحت قدرتها على الضغط أضعف".
وتابع: "ومع ذلك نتعامل مع العالم كما لو كنا لا نزال نمتلك القوة التي يمكن مواجهتها، كما توهمنا في نهاية الحرب الباردة".
ونقلت الإذاعة ما قاله خبراء تعليقا على تصريحات فريمان، من أنه "عندما ينحسر نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإن مشكلات المنطقة ستُحل وسيقترب ربيع الشرق الأوسط".
وختمت "إذاعة الصين الدولية" بالقول إن ما كتبه الصحفي الأميركي المخضرم، فريد زكريا، من أن "الولايات المتحدة لم تستطع تخليص نفسها من إنجازاتها الدبلوماسية خلال الحرب الباردة، ولم تشعر بعد أن العالم الخارجي يتغير".