منذ التقسيم عام 1947.. محطات التوتر بين الهند وباكستان

" خلف هذا التقسيم نحو مليون قتيل و15 مليون لاجئ، ولا تزال تداعيات هذا الحدث ممتدة"
في ظل التصعيد العسكري الأخير بين الهند وباكستان، تتناول هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" -في نسختها البرتغالية- جذور الصراع التاريخي المتجدد بين القوتين النوويتين، الهند وباكستان.
وتسلط الهيئة الضوء على تعقيدات النزاع المستمر منذ أكثر من سبعين عاما، والدور المحوري الذي تلعبه منطقة كشمير فيه.
وتستعرض أبرز محطات التوتر بين البلدين منذ تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947. مرورا بالحروب والأزمات المتعاقبة، ووصولا إلى المخاوف الراهنة من انزلاق المنطقة إلى مواجهة نووية محتملة، في ظل التحولات الأيديولوجية العميقة التي تشهدها كل من نيودلهي وإسلام أباد.
صراع قوتين نوويتين
تقول "بي بي سي" في بداية تقريرها: إن الهجوم الصاروخي الذي شنته الهند على باكستان في الساعات الأولى من يوم 7 مايو/ أيار 2025 يُعد "الحلقة الأحدث" في صراع طويل تعود جذوره إلى أكثر من سبعة عقود.
وبحسب الهيئة، كانت الهند وباكستان، حتى عام 1947، جزءا من إقليم واحد تحت الحكم الاستعماري البريطاني.
وعندما أعلنت الهند استقلالها، قُسم الإقليم إلى جزءين؛ أحدهما ذو أغلبية مسلمة؛ باكستان، والآخر ذو أغلبية هندوسية؛ الهند.
ووفق ما تذكره الهيئة البريطانية، فقد أدى هذا التقسيم إلى موجة عنف خلفت نحو مليون قتيل و15 مليون لاجئ، ولا تزال تداعيات هذا الحدث ممتدة حتى يومنا هذا.
وكما ذُكر سابقا، وقع فصل جديد من هذا الصراع يوم الأربعاء 7 مايو/ أيار 2025، حين شنت الهند هجمات على عدة أهداف داخل باكستان.
ومن جهة أخرى، تلفت الهيئة النظر إلى أن كشمير، التي وقعت فيها بعض عمليات القصف، تُعد محور الخلاف بين البلدين.
وفيما يلي، يسرد التقرير في ثلاث نقاط جذور هذا الصراع، الذي يثير قلقا خاصا على مستوى العالم؛ حيث يضم دولتين تمتلكان أسلحة نووية.

لماذا حدث التقسيم؟
بالعودة إلى عام 1946، يوضح التقرير أن بريطانيا كانت قد أعلنت أنها ستمنح الهند استقلالها.
حيث أصبحت -بحسب التقرير- غير قادرة على الاستمرار في حكم البلاد، وأرادت مغادرة المنطقة بأسرع وقت ممكن.
وبالفعل، حدد آخر نائب للملك، اللورد لويس ماونتباتن، موعد الاستقلال ليكون في 15 أغسطس/ آب 1947.
وفي ذلك الوقت، كانت نسبة المسلمين في الهند حوالي 25 بالمئة من السكان، بينما كانت الغالبية العظمى من الهندوس، إلى جانب وجود السيخ والبوذيين والمسيحيين وأتباع ديانات أخرى أقلية.
وفي هذا الصدد، تقول البروفيسورة نافتيج بيوروال، العضوة الهندية في مجلس البحوث في الفنون والعلوم الإنسانية "AHRC" التابع للحكومة البريطانية، إن "البريطانيين استخدموا الدين كوسيلة لتقسيم الناس في الهند إلى فئات مختلفة".
وتتابع: "على سبيل المثال، أنشأوا قوائم انتخابية منفصلة للمسلمين والهندوس في الانتخابات المحلية، كما خصصوا مقاعد سياسية للمسلمين وأخرى للهندوس. وهكذا أصبح الدين عاملا أساسيا في السياسة".
وعلى جانب آخر، تنقل الهيئة الإذاعية عن غاريث برايس، الباحثة في معهد "تشاتام هاوس" البريطاني للسياسات الخارجية، قوله: "عندما بدا أن الهند على وشك الحصول على استقلالها، بدأ العديد من المسلمين الهنود يشعرون بالقلق من العيش في بلد تحكمه أغلبية هندوسية".
ويضيف الخبير أنهم "ظنوا أنهم سيتعرضون للاضطهاد، لذلك بدأوا في دعم القادة السياسيين الذين كانوا يطالبون بإقامة وطن منفصل للمسلمين".
وفي هذا السياق، تشير الهيئة إلى أن المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو، زعيما حركة الاستقلال، كانا يطالبان بهند موحدة تحتضن جميع الأديان.
لكن في المقابل، أصر محمد علي جناح، زعيم "الرابطة الإسلامية"، على أن يكون التقسيم جزءا من اتفاق الاستقلال.
وهنا، يعكس برايس أن "التوصل إلى اتفاق حول كيفية عمل الهند الموحدة كان سيستغرق وقتا طويلا، لذا بدا التقسيم وكأنه حل سريع وبسيط".

كم من المعاناة تسبب بها التقسيم؟
ونتيجة لذلك، في عام 1947، رُسمت الحدود الجديدة بين الهند وباكستان على يد موظف بريطاني يُدعى سيريل رادكليف.
وقد قسم -بحسب التقرير- شبه القارة الهندية بشكل عام إلى جزء مركزي وجنوبي حيث الأغلبية هندوسية، وجزءين في الشمال الغربي والشمال الشرقي حيث الأغلبية مسلمة.
لكن في الواقع، كانت هناك مجتمعات هندوسية ومسلمة منتشرة في جميع أنحاء الهند، مما أدى بعد التقسيم إلى نزوح نحو 15 مليون شخص عبر الحدود التي أنشئت حديثا.
علاوة على ذلك، تذكر الهيئة الإذاعية أنه في كثير من الحالات، طُرد الناس من منازلهم بسبب العنف الطائفي.
وكان أول مثال بارز على ذلك ما يُعرف بـ "مجازر كلكتا" عام 1946، التي قُتل فيها نحو 2000 شخص.
وفي هذا الشأن، تقول البروفيسورة إليانور نيوبيغن، أستاذة تاريخ جنوب آسيا في جامعة "SOAS" بلندن: "لقد شكلت الرابطة الإسلامية مليشيات، وكذلك فعلت الجماعات الهندوسية اليمينية".
وأوضحت أن "جماعات إرهابية طردت السكان من قراهم بهدف السيطرة على مناطق أكبر من الجانب الذي يطالبون به".
وهنا، تبرز الهيئة الإذاعية أنه يُقدر أن ما بين 200 ألف إلى مليون شخص قُتلوا أو ماتوا بسبب الأمراض في مخيمات اللاجئين.
كما تعرض عشرات الآلاف من النساء، من الهندوس والمسلمين على حد سواء، للاغتصاب أو الاختطاف أو التشويه.

ما عواقب التقسيم؟
ومنذ لحظة التقسيم، تتنازع الهند وباكستان على من يملك السيادة على إقليم كشمير، كما تؤكد الهيئة الإذاعية.
كما خاض البلدان حربين بسبب ذلك، في أعوام 1947-1948 و1965، بالإضافة إلى اشتباكهم في أزمة كارجيل عام 1999 في كشمير.
وتختصر الهيئة المشهد الحالي بأن "كلا البلدين يطالب بالإقليم كاملا، فيما يدير كل منهما حاليا أجزاء مختلفة منه".
علاوة على ذلك، ينوه التقرير إلى أن نزاعا اندلع بينهما، في عام 1971، عندما تدخلت الهند لدعم باكستان الشرقية -التي أصبحت اليوم بنغلاديش- في حرب استقلالها عن باكستان.
ومن جهة أخرى، أفاد التقرير بأن نسبة الهندوس في باكستان تقل عن 2 بالمئة فقط من السكان.
وفي هذا الصدد، يقول برايس: "أصبحت باكستان أكثر إسلامية تدريجيا، لأن معظم سكانها الآن من المسلمين، ولم يبق فيها سوى عدد قليل جدا من الهندوس".
ويضيف: "في المقابل، أصبحت الهند الآن أكثر تأثرا بالقومية الهندوسية".
ومن ناحية أخرى، تصف البروفيسورة نيوبيغن المشهد بالقول: إن "إرث التقسيم لا يزال مزعجا".
وهي ترى -بحسب التقرير- أن "أغلبيات دينية قوية تكونت في كلا البلدين، بينما أصبحت الأقليات أصغر وأكثر هشاشة مما كانت عليه من قبل".
وبالإشارة إلى أن "الانقسام كان من الممكن تفاديه"، توضح البروفيسورة نافتيج بيوروال أنه "كان من الممكن في عام 1947 إنشاء هند موحدة، على شكل اتحاد فيدرالي من الولايات، بما في ذلك ولايات ذات أغلبية مسلمة".
"لكن غاندي ونهرو أصرا على قيام دولة موحدة مركزية، ولم يفكرا فعليا في كيف يمكن للأقلية المسلمة أن تعيش في مثل هذا البلد"، بحسب ما تعتقده البروفيسورة.