مجلس التعاون الخليجي على حافة الهاوية.. ما علاقة التنافس السعودي الإماراتي؟

"يُعد هذا مؤشرا على حرب تجارية وشيكة بين السعودية والإمارات"
تحديات يواجهها مجلس التعاون الخليجي، نتيجة التوترات السياسية والاقتصادية بين أعضائه، وسط محاولات لإصلاح العلاقة بين أعضائه وسد الفجوة بينهم.
وأكد ذلك موقع "المعهد الإيطالي للشؤون الدولية" (IARI)، بالقول: إن “مجلس التعاون الخليجي أمام تحديات كبيرة تهدد تماسكه”. مشددا على "أهمية تعزيز التعاون والتفاهم بين الدول الأعضاء للحفاظ على استقرار المنطقة".
التفكك السياسي
وأشار المعهد إلى أن "مجلس التعاون الخليجي، الذي تأسس عام 1981 لتعزيز التعاون السياسي والاقتصادي بين دول الخليج، يُعد المنظمة الإقليمية الأساسية والأكثر فاعلية في العالم الإسلامي".
وذكر أن "مجلس التعاون، حافظ على موقف موحد تجاه الأحداث الجيوسياسية الكبرى التي وقعت في الشرق الأوسط خلال العقود الأولى".
واستدرك: “مع ذلك، بدأت وحدة المجلس تتفكك في الآونة الأخيرة بسبب تباين المواقف بشأن القضايا الجيوسياسية والاقتصادية”.
وفي ظل هذا التباين داخل مجلس التعاون، تساءل المعهد: "ما التحديات الرئيسة التي ستواجهها دول الخليج".
وعلى الصعيد السياسي، أفاد بأن "مجلس التعاون الخليجي أنشئ بمبادرة من السعودية لمواجهة الطموحات الإيرانية المتصاعدة بعد الثورة الإسلامية عام 1979".
وبناء على ذلك، توحدت مواقف أعضائه ضد إيران خلال حرب العراق في الثمانينيات، وضد إحياء البرنامج النووي الإيراني أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
ومع ذلك، منذ العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، شهدت دول المجلس مرحلة من الخلافات وظهور تنافس متزايد بين الدول الأعضاء، بحسب ما ورد عن المعهد.
فعلى سبيل المثال، في يونيو/ حزيران 2017، قطعت البحرين والسعودية والإمارات والنظام المصري العلاقات الدبلوماسية مع قطر، بدعوى دعم الدوحة لجماعات إسلامية مثل جماعة "الإخوان المسلمين".
وأضاف المعهد أنه "بمرور الوقت، قوضت أزمة قطر الدبلوماسية تماسك المجلس وشجعت على إنشاء اتفاقات وتحالفات ثنائية، مثل التحالف السياسي-العسكري بين الإمارات والسعودية عام 2017".
ومن ناحية أخرى، لفت إلى أن "التوافق السعودي-الإماراتي لم يدم بسبب تضارب المصالح في اليمن".
وكما أكد المعهد الإيطالي: "ففي الواقع، أصبحت وحدة مجلس التعاون الخليجي اليوم على المحك بسبب التنافس المستمر بين البلدين".
وتابع: "فمن جهة، يشكل تنامي نفوذ الإمارات داخل المجلس، بفضل علاقاتها السياسية والاقتصادية الدولية، تهديدا للهيمنة السعودية".
وأردف: "ومن جهة أخرى، تخشى الرياض على نفوذها على باقي الدول الأعضاء، وترددها في القبول بتوازن جديد داخل المجلس يسيء إلى صورة المجلس نفسه".
إضافة إلى ذلك، قال المعهد: إن "مؤشرات التوتر الشخصي بين ولي العهد محمد بن سلمان ورئيس الإمارات محمد بن زايد زادت من تدهور العلاقات الدبلوماسية بين البلدين".
ومن ناحية أخرى، أبرز أن "اتفاقيات أبراهام، التي وقعتها الإمارات والبحرين فقط، تُعد دليلا إضافيا على انقسام المواقف بين الممالك الخليجية في القضايا الدولية".
أجندات متنافسة
ومن الناحية الاقتصادية، قال المعهد الإيطالي: إنه "على مدى عقود، أطلق مجلس التعاون مشاريع اقتصادية مشتركة لتعزيز تكامل الأسواق، مثل إنشاء السوق الخليجية المشتركة في العقد الأول من الألفية والاتحاد الجمركي وإنشاء شبكة الربط الكهربائي لدول المجلس".
واستدرك: "مع ذلك، لم تُنفذ مبادرات اقتصادية أخرى".
وأوضح: "فعلى سبيل المثال، عام 2009، انسحبت الإمارات من مشروع الاتحاد النقدي واستخدام عملة موحدة، بعد قرار المجلس بوضع مقر البنك المركزي في الرياض بدلا من أبوظبي، كما كان مقترحا في البداية".
وفي نهاية المطاف، أكد المعهد أن "مسار التكامل الاقتصادي المنصوص عليه في (الاتفاقية الاقتصادية الموحدة) تباطأ، مما أدى إلى بروز المنافسة بين دول الخليج".
وأضاف: "علاوة على ذلك، أضافت مشاريع (الرؤية) الأخيرة مصدرا جديدا للتوتر بين أعضاء مجلس التعاون".
فوفقا للمعهد، تهدف كل هذه المشاريع إلى تعزيز الإنتاجية في قطاعات مثل المالية والطاقة المتجددة والسياحة، ضمن مسار نمو مستدام يهدف إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
ونتيجة لذلك، زادت هذه المشاريع الضخمة من حدة الانقسام في شبه الجزيرة العربية، لا سيما بين الإمارات والسعودية.
وفي هذا الصدد، أشار المعهد إلى أن "الدولتين قد شرعتا في تحولات اجتماعية واقتصادية تهدف إلى أن تصبح كل منهما مركزا للأعمال الدولية في الشرق الأوسط".
ولفت إلى أن العديد من الشركات، على مدى العقود الأخيرة، نقلت مقراتها إلى الإمارات بفضل السياسات الجاذبة للاستثمار.
في المقابل، تشهد السعودية حاليا ازدهارا في الاستثمارات الأجنبية المباشرة نتيجة تنفيذ سياسات اقتصادية جديدة.
وبعض هذه السياسات السعودية -بحسب المعهد- جاءت كرد فعل مباشر لمنافسة الدور الريادي للإمارات في القطاع التجاري، مثل فرض قيود على السلع المنتجة في دول تكون نسبة القوى العاملة الأجنبية فيها أكثر من 75 بالمئة.
ومن وجهة نظر المعهد، يُعد هذا مؤشرا على حرب تجارية وشيكة بين السعودية والإمارات، لا سيما أن الأجانب يمثلون نحو 88 بالمئة من إجمالي سكان الإمارات.
مستقبل المجلس
وفي إطار ما ذُكر سابقا، أكد المعهد الإيطالي للشؤون الدولية على أن "التفاعل بين التنافسات السياسية والاقتصادية بين الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، خاصة بين السعودية والإمارات، أضعف من استقرار المجلس وفعاليته".
ومن الناحية السياسية، رجح أن "تؤدي التوترات المذكورة إلى تفاقم حالة التوازن الهش داخل المجلس، مع آثار طويلة الأمد على كفاءته".
وبشكل أكثر تفصيلا، أوضح المعهد أنه "أولا وقبل كل شيء، سيقلل تراجع وحدة دول الخليج من قدرتها على مواجهة التحديات المستقبلية التي يفرضها القرن الحادي والعشرون".
وتابع: "وثانيا، من المتوقع أن يتراجع الدور العالمي للممالك النفطية كموردين رئيسين للنفط، في ظل سعي العديد من الدول -مثل دول الاتحاد الأوروبي- لتقليل اعتمادها على النفط والغاز".
أما من الناحية الاقتصادية، فلفت المعهد إلى أن "انقسام مجلس التعاون الخليجي والحرب التجارية بين الرياض وأبوظبي يعكسان فشل التكامل الاقتصادي بين دول الخليج".
علاوة على ذلك، أضاف أن "اختلاف وجهات النظر بين السعودية والإمارات بشأن منظمة أوبك+ ودورها الدولي، دليل آخر على التباعد في الرؤى داخل المجلس الذي كان موحدا في السابق".
وأخيرا وليس آخرا، سلط المعهد الإيطالي الضوء على أن "السياسات البيئية يجب أن تُؤخد أيضا في الحسبان".
ونوه إلى أن "ضعف التنسيق في توزيع المياه بالتساوي يشكل تحديا كبيرا لدول الخليج، إلى جانب مشكلة تغير المناخ التي تواجهها شبه الجزيرة العربية".
وفي هذا السياق، خلص المعهد إلى أن "المنافسة البيئية المتصاعدة بين الإمارات وقطر بشأن تخزين المياه قد تؤدي إلى تفاقم التوترات القائمة بين الدول النفطية".
وتوقع المعهد أن "تزداد حدة التوترات في السنوات القادمة، لا سيما بين الرياض وأبوظبي".
ولذلك، من المرجح -وفقا له- أن "يعتمد مستقبل مجلس التعاون الخليجي على حسن نية أعضائه لتعزيز الالتزامات الحالية وبناء إرث من السلام الدائم".