على ضفاف البحر المتوسط.. هل يتشكل محور جديد بين مدريد وأنقرة؟

منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تشهد العلاقات الثنائية بين تركيا وإسبانيا نموا ملحوظا، خاصة في مجال التجارة والاستثمار، مع رؤية تفاؤلية لمستقبل واعد قائم على تحالف متوازن ومستدام بين البلدين.

واستعرض "المعهد الغاليسي لتحليل ودراسة العلاقات الدولية” (IGADI) في تقريره تطور العلاقات بين تركيا وإسبانيا من تواصل دبلوماسي تقليدي إلى شراكة إستراتيجية متعددة الأبعاد.

وسلط الضوء على التحولات التي شهدها التعاون بين الجانبين في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، منذ توقيع "خطة العمل المشتركة" عام 1998، مرورا بتأسيس آلية "القمة الحكومية الثنائية" عام 2009، وصولا إلى تعزيز التنسيق في قضايا إقليمية ودولية. 

زخم متجدد

وأظهر المعهد الإسباني أن مدريد وأنقرة رسختا، خلال العقود الأخيرة، علاقة ثنائية تجاوزت حدود المجاملة الدبلوماسية التقليدية.

وتحولت العلاقات إلى شراكة إستراتيجية قائمة على التكامل الجيوسياسي والتقارب المؤسسي وشبكة اقتصادية آخذة في التوسع. 

ومن ناحية أخرى، أشار المعهد إلى أن "موقعهما على طرفي البحر الأبيض المتوسط يضفي قيمة فريدة بصفتهما منصتين للتواصل بين مناطق وثقافات وأسواق مختلفة، ما يعزز الحوار السياسي المستمر والتعاون المتعدد الأبعاد على مستويات عدة".

ورأى أن "هذه الديناميكية تقوم على مسار طويل من التقارب التاريخي، بدءا من معاهدة السلام والصداقة والتجارة الموقعة عام 1782، وصولا إلى خطة العمل المشتركة لعام 1998".

ومع ذلك، نوه المعهد إلى أن "السنوات الأخيرة شهدت زخما متجددا في هذه العلاقة، مدفوعا بمصالح مشتركة في استقرار المحيط المتوسطي وإدارة التحديات العابرة للحدود وتنفيذ مشاريع مشتركة ضمن الإطار الأوروبي".

وشدد على أن "الجانب الاقتصادي يُعد إحدى الركائز الأكثر صلابة في هذه العلاقة".

وأوضح أنه "إذ نما حجم التجارة الثنائية بشكل مطرد ليصل إلى 16.65 مليار دولار عام 2022، مع توقعات باستمرار التوسع".

بعد إستراتيجي

وفي هذا السياق، أبرز المعهد أن "إسبانيا تُعد من الشركاء التجاريين الرئيسين لتركيا داخل الاتحاد الأوروبي، وأكبر مستثمر أجنبي لديها عام 2022".

واستطرد: "وهو ما يعكس تكاملا تدريجيا قائما على التناغم في الإنتاج والانفتاح المتبادل للأسواق والاستفادة من أدوات التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف".

وفي هذا الإطار، تحدث المعهد عن "اكتساب عملية تحديث الاتحاد الجمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي بعدا إستراتيجيا، حيث تدعم إسبانيا هذا التحديث انطلاقا من قناعتها بأنه سيحسن شروط النفاذ إلى الأسواق، ويقرب أنقرة من المعايير التنظيمية الأوروبية". 

ومن خلال اتفاقيات محددة ومذكرات تفاهم، عززت مؤسسات مثل الهيئة الإسبانية لتجارة الصادرات والاستثمار "ICEX" ومكتب الاستثمار التركي قنوات التعاون.

وهو ما خلق -بحسب ما ذكره المعهد- تآزرا لجذب الاستثمارات وتعزيز منصات الأعمال المشتركة وتبادل أفضل الممارسات.

وعلاوة على التجارة والاستثمار، أضاف أن كلا من السياحة والتعاون الثقافي وسعا من نطاق العلاقة الثنائية، ففي عام 2022، زار تركيا حوالي 300 ألف سائح إسباني. 

كما أسهمت الرحلات الجوية المباشرة ونشاط معهد "سرفانتس" في إسطنبول ومبادرات ثقافية متعددة في "تعزيز الروابط بين المجتمعات".

وهو ما أسس لنوع من "الدبلوماسية الثقافية" التي تكمل التعاون الرسمي، بحسب ما أكده المعهد.

التقارب السياسي

ورغم أن المحور الاقتصادي حاز على اهتمام كبير، قال المعهد: إن "البعد السياسي والدبلوماسي لا يزال جوهريا". 

وفي هذا الشأن، تابع: "لقد جرى توجيه التعاون بين تركيا وإسبانيا من خلال هياكل مؤسسية مستقرة، مثل (القمة الحكومية الثنائية بين تركيا وإسبانيا) و(الاجتماعات رفيعة المستوى)، والتي تتيح حوارا إستراتيجيا منتظما".

وبحسب المعهد، سمحت هذه المنصات بتنسيق المواقف في المنظمات متعددة الأطراف والتخطيط المشترك في مجالات كالأمن والطاقة والثقافة وتنفيذ مبادرات إقليمية مشتركة.

ومن ناحية أخرى، يعكس المعهد أن "الدعم المتواصل من إسبانيا لمسار انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي يُعد جزءا من هذا التقارب السياسي".

وأوضح: "فمنذ الاعتراف بتركيا كدولة مرشحة عام 1999 وبداية المفاوضات في 2005، دفعت إسبانيا نحو مقاربة منظمة لتعزيز التقارب بين أنقرة وبروكسل".

وإلى جانب ذلك، لفت المعهد النظر إلى أن "البحر الأبيض المتوسط يُعد مجالا رئيسا آخر للتعاون". 

إذ إن المشاركة المشتركة في منصات مثل "الاتحاد من أجل المتوسط" و"حوار 5+5"، بالإضافة إلى التعاون في الأمن البحري، تعكس رؤية موحدة تجاه ضرورة مواجهة التحديات الإقليمية من خلال الدبلوماسية الوقائية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية والتنسيق متعدد الأطراف.

آفاق مستقبلية

وفي سياق دولي يشهد -على حد وصف المعهد- توترات جيوسياسية وتحولات تكنولوجية وتحديات عالمية مثل التحول في الطاقة والهجرة، تعد الشراكة بين تركيا وإسبانيا "نموذجا للتعاون القابل للتكيّف". 

وهذه العلاقة -في رأيه- تقوم على "آليات ثنائية راسخة ورؤى إستراتيجية مشتركة بين البلدين، مما يعزز التوقعات بعلاقة طويلة الأمد قائمة على البراغماتية والطموح المشترك". 

ولكن، نوه المعهد إلى أن "هذا التعاون يواجه تحديات كبيرة، مثل التوترات في شرق المتوسط وصعود الشعبوية في أوروبا، إضافة إلى الضبابية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا". 

وأضاف أن "البيئة الاقتصادية العالمية تشهد تباطؤا في النمو وتقلبات في الأسواق المالية".

ورغم ذلك، أبرز المعهد أن "الاقتصاد التركي يظهر مؤشرات على الصمود، حيث رُفعت توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2025 إلى 3.5 بالمئة". 

وهذا الانتعاش يعكس “تعافيا أقوى من المتوقع بفضل الاستهلاك الداخلي والسيطرة المحسنة على الإنفاق العام”. 

وأشار المعهد إلى "وجود فرص لتعزيز التعاون في مجالات مثل التحول الأخضر والرقمي وتطوير البنية التحتية المستدامة والربط بين أوروبا وآسيا وإدارة تدفقات الهجرة". 

ولكن من وجهة نظر المعهد، تتوقف الاستفادة من هذه الفرص إلى حد كبير على تطور المؤسسات في تركيا. 

وأكد على أن "تركيا وإسبانيا تتمتعان بموقع جيوستراتيجي مهم يتيح لهما لعب دور مؤثر في السياسة الخارجية الأوروبية في عالم متعدد الأقطاب". 

واختتم المعهد تقريره بالقول إن "العلاقة بين البلدين تعتمد على قدرتهما في ترجمة مصالحهما المشتركة إلى إستراتيجيات مستدامة، بالإضافة إلى التكيف مع التحديات العالمية الجديدة".