بعد زيارة أفورقي.. هل تنجح السعودية في احتواء إريتريا وضمها إلى حلفائها؟

أسمرة - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

أعادت زيارة رئيس إريتريا أسياس أفورقي إلى السعودية مطلع مارس/ آذار 2023، علاقة البلدين إلى الطاولة من جديد، بعد أن شهدت عدم انسجام خلال السنوات الأخيرة.

وتعد إريتريا الدولة الإفريقية الأقرب إلى السعودية بين دول جنوب البحر الأحمر، ورغم ذلك فتخيم حالة من عدم التوافق بين الرياض وأسمرة في ملفات رئيسة.

وبصورة لافتة، ظهرت الخلافات بين البلدين بعد إعلان السعودية في مارس/ آذار 2015 شن حرب ضد جماعة الحوثي الموالية لإيران في اليمن، فيما رفضت إريتريا إظهار موقف واضح منها.

فإريتريا ترتبط بعلاقات قوية مع كل من الحوثيين وإيران، وخلال الحرب التي شنتها السعودية على اليمن، وُجهت لأسمرة اتهامات بتدريب عناصر من الحوثيين.

وسبق أن أكد اللواء أحمد سعيد بن بريك، الملحق العسكري اليمني بالقاهرة، في مارس 2015، أن عناصر أمنية يمنية رصدت تجهيزات إيرانية وصفها بالمريبة في إريتريا لتوجيه مساعدات للحوثيين عبر السواحل اليمنية المطلة على البحر الأحمر المواجهة لإريتريا. 

زيارة أفورقي

وجاءت زيارة الرئيس الإريتري إلى الرياض، واجتماعه مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في ظل صورة من عدم الوضوح وغياب الثقة بالعلاقة بين البلدين.

وخلال الزيارة تطرق الجانبان، وفق وكالة الأنباء السعودية، إلى "العلاقات الثنائية وأوجه التعاون المشترك، ومستجدات الأحداث الإقليمية والجهود المبذولة تجاهها"، دون تقديم تفاصيل بشأن تلك الجهود.

وتعد زيارة الرئيس الإريتري للسعودية الثانية في العقد الأخير، حيث سبق وزار في مايو/ أيار 2015، المملكة وأجرى مباحثات مع العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز في الرياض.

وفي حينها، كشفت مصادر دبلوماسية، أن الزيارة تهدف إلى إقامة تعاون أمني عسكري بين الطرفين، يُسمح بموجبه لقوات التحالف السعودي في اليمن باستخدام المجالين الجوي والبحري لإريتريا.

وتفاعلا مع هذه الحالة، قال الباحث في شؤون القرن الإفريقي عبد القادر محمد علي، إن المدخل الأساسي في العلاقات السعودية الإريترية هو الملف الاقتصادي.

وأوضح في مقطع فيديو بثه عبر قناته على يوتيوب في 4 مارس 2023، أنه يوجد رغبة لدى الرياض بتنويع مواردها الاقتصادية، وذلك دفعها إلى التوسع الإستراتيجي في أسواق جديدة ومنها القرن الإفريقي.

ومضى يقول: "شهدنا في الآونة الأخيرة استثمارات سعودية كبيرة بإثيوبيا وهي نموذج جيد لما يعنيه سوق القرن الإفريقي، وتأتي في نفس الإطار رعاية عملية السلام الإثيوبية الإريترية، واندرجت تحت رؤية سعودية تتضمن جوانب اقتصادية".

وأوضح علي أن الوجه الآخر للعلاقة هو رغبة السعودية في السيطرة على موانئ البحر الأحمر وإعادة تشغيلها والاستفادة من كونها أحد المداخل للقارة الإفريقية، وأحد أهم محاور الطريق الصيني الضخم، وممرات التجارة العالمية.

وتماشيا مع ذلك أشار إلى رغبة سعودية بالاستثمار بالموانئ الإريترية، وربطها بموانئ آخر، من أجل تنشيط اقتصادي البلدين وزيادة أسواق العمل، فضلا عن تمهيد الطريق لعودة العمالة الاريترية للسعودية.

وتابع أن هناك رغبة سعودية بتحويل البحر الأحمر إلى ممر آمن لتصدير البترول، تجنبا لتهديدات إيران المستمرة بإغلاق مضيق هرمز، بالتالي كان على المملكة البحث عن ممرات بديلة، وكان البحر الأحمر أهم الممرات.

ورأى الخبير السياسي أن السعودية لديها تخوف من علاقات إريتريا بإيران والحوثيين، لذلك تريد من توطيد علاقاتها معها إلى تقليص النفوذ الإيراني بهذه المنطقة، خاصة أنه قبل حرب الرياض تحولت أسمرة لتسليح مناصري طهران في اليمن.

ولفت إلى أن هناك رغبة أخرى للسعودية من توطيد علاقاتها مع إريتريا، وهي ضم أسمرة لمجلس تعاون الدول المطلة على البحر الأحمر، خاصة أن أسمرة تعد ضمن نطاق الأمن القومي السعودي، لذلك يوجد لدى المملكة إستراتيجية لاحتوائها إلى جانب منطقة القرن الإفريقي.

وقال علي: "أسمرة رغم انضمامها إلى المعسكر السعودي، لم تنتقد إيران علنا إلا مرة واحدة ربما، إضافة إلى ذلك الحوثيون لم يستهدفوا القاعدة الإماراتية في إريتريا، وهو ما يمكن تفسيره برغبة طهران في الحفاظ على شعرة معاوية مع إريتريا وعدم إحداث أي قطعية معها".

خلافات علنية

وشهدت السعودية في يناير/ كانون الثاني 2020، الإعلان عن توقيع ميثاق تأسيس مجلس الدول العربية والإفريقية المُطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.

وقال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في مؤتمر صحفي لإعلان توقيع الميثاق إن المجلس يضم 8 دول عربية وإفريقية هي السعودية ومصر والأردن والسودان واليمن وإريتريا والصومال وجيبوتي، ويتخذ من الرياض مقرا له.

وفيما يتعلق بالتوجه السياسي لهذا التكتل وما إذا كان موازياً لمجلس التعاون الخليجي، قال ابن فرحان حينها إنه "لن يكون موازيا لمجلس التعاون".

ووصف المجلس الجديد بأنه "مختلف ويتمثل في منظومة عمل مشترك، وسيكون له أمناء واجتماعات، إضافة إلى اجتماعات قمة، ويشكل مبادرة للتنسيق والتعاون ستشمل جميع المجالات".

وأوضح أن الهدف منه جمع الجهود والتوحيد والتنسيق، ويمثل مجهودا مشتركا من دول المنطقة للحفاظ على أمنها ومكتسباتها والتعاون والتشاور والتنسيق فيما بينها بما يحقق مصالح كل شعوب المنطقة، إذ إن لدول المنطقة مصالح مشتركة، والأخطار المحدقة بها مشتركة، وتمر بمرحلة حساسة جداً.

وعقب تشكيل المجلس لم تكتفِ إريتريا بعدم الانضمام له، بل انتقده رئيسها أسياس أفورقي واصفا إياه بمجلس علاقات عامة.

وقال أفورقي في مقابلة مع الفضائية الإريترية في فبراير/ شباط 2020، إن التجمع الحالي أشبه بالمنتدى التشاوري، ولسنا على استعداد للمشاركة في كيان للعلاقات العامة، وأن أسمرة تقدمت برؤية تفصيلية لم يتم النظر إليها حتى الآن.

وبشأن ذلك، رأى الدبلوماسي السابق في السفارة الإريترية في السعودية فتحي عثمان، أن العلاقة بين الطرفين الإريتري والسعودي اتسمت دوما بعدم الثقة، وأن حقائق الجغرافية أجبرت السعودية على إدخال إريتريا في هذا التحالف.

وأضاف عثمان لموقع "نون برس"، في فبراير 2020، أن النظام الإريتري لديه حساسية عالية تجاه فكرة تعريب البحر الأحمر، ومن ثم فإن السؤال الواجب طرحه في البداية "لماذا قبلت إريتريا أصلا أن تكون عضوا في تحالف كل من فيه عرب؟! 

وأوضح أن الرياض كانت تنظر بعين الريبة إلى إريتريا نتيجة أسباب منها العلاقة الوثيقة بين أسمرة وطهران في حقبة ما قبل الحرب على اليمن.

وإريتريا دولة غير عربية رغم أن العربية إحدى اللغات الوطنية بها، ويحدها من الغرب السودان، ومن الجنوب إثيوبيا، ومن الجنوب الشرقي جيبوتي، أما حدودها الشرقية والشمالية الشرقية فهي سواحل البحر الأحمر.

أهمية إستراتيجية

وعن أهمية زيارة أفورقي للسعودية، يقول الباحث السياسي ياسر عبد العزيز إن "زيارة الرئيس الإريتري للرياض التي جاءت بدعوة من المملكة ولم تكن الأولى، سبقتها وعود من السعودية باستثمارات في إريتريا".

ويضيف لموقع "الخليج أونلاين"، إن منطقة شمال القرن الإفريقي التي تضم إريتريا، أخذت تستقطب عديدا من الدول منذ أكثر من عشر سنوات، مستدلا بوجود إماراتي وإيراني وإسرائيلي على الأراضي الإريترية.

وللسعودية، بحسب الباحث السياسي، يعنيها الأمر من ناحيتين أمنية واقتصادية، لافتا إلى أن الرياض تسعى من الناحية الأمنية ليكون لها دور وتزاحم إيران التي تملك قواعد في جزر إريترية بالبحر الأحمر.

ومن الناحية الاقتصادية فإن شرق القرن الإفريقي ونهوضه خلال الأعوام الـ15 الماضية يشكل فرصة كبيرة في الاستثمارات الاقتصادية، لا سيما مع سد النهضة الذي على وشك البدء في عملية الملء النهائي له، بحسب عبدالعزيز.

ويشير عبدالعزيز إلى أن "التنمية التي ستشهدها المنطقة ستجعل عديدا من الدول تضع قدمها فيها، وتبرز هنا الصين وأميركا، خاصة في إريتريا التي تطل على البحر الأحمر، وكذلك إثيوبيا وهي الدولة الكبرى في القرن الإفريقي".

وزاد: "أرى أن زيارة أفورقي للرياض مهمة، وترسخ لعلاقات تزيد قوة يوما بعد آخر، ونظرة السعودية أعتقد أنها نظرة بدأت تكون شمولية واستراتيجية بشكل أكبر".

وأوضح أن "هدف السعودية من توثيق علاقاتها مع إريتريا، تأمين حدودها والتجارة في البحر الأحمر عبر قناة السويس للبحر المتوسط، وهي خطوة إيجابية أعتقد أنها ستزداد في الفترة المقبلة مع دخول استثمارات بشكل أو آخر".