من واشنطن.. لماذا أثار موسى الكوني الجدل وقلب الطاولة على سلطات ليبيا؟

داود علي | منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

“في الواقع ليبيا محتلة بكل ما تعني الكلمة من معنى؛ فهناك قوات روسية لا نعرف من جاء بهم، وكذلك الأتراك الذين جاءوا باتفاقية”.

تصريح أثار ضجة سياسية كبيرة صدر عن موسى الكوني' نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي، في العاصمة الأميركية يوم 5 أبريل/ نيسان 2025،  خلال مشاركته في المؤتمر السنوي لمجلس العلاقات الليبي - الأميركي.

فانتقد الكوني الأنظمة الليبية القائمة، وحملها مسؤولية الانقسام والتردي، ووجه كلامه نحو طبقة سياسية بدت “عاجزة” عن إعادة بناء الدولة.

وينتمي الكوني لقبيلة الطوارق، تلك القبيلة التي تعد من أكبر وأكثر المكونات نفوذا في جنوب ليبيا، وتمتد جذورها عبر الصحراء الكبرى من النيجر إلى الجزائر ومالي.

جدير بالذكر أن ليبيا يتصارع فيها حكومتان، إحداهما معترف بها دوليا، وهي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ومقرها العاصمة طرابلس، والأخرى عيّنها مجلس النواب مطلع 2022، ويترأسها حاليا أسامة حماد، ومقرها بنغازي.

ويأمل الليبيون أن تؤدي انتخابات رئاسية وبرلمانية طال انتظارها منذ سنوات إلى وضع حد للصراعات السياسية والمسلحة وإنهاء الانقسام والفترات الانتقالية المتواصلة منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي (1969 ـ 2011).

سلطة محتكرة

وكشف خلال كلمته في واشنطن أنه لم يستطع الطيران أثناء عودته من أوغندا فوق قاعدة أو مطار براك، قائلا: “القوات المحتلة الروسية تمنع رئيس الدولة الليبية من الطيران فوق أحد مطارات ليبيا، وهو مطار براك. ماذا نسمى هذا إن لم يكن احتلالا؟!”

وأضاف الكوني: “في الواقع ليبيا محتلة بكل ما تعني الكلمة من معنى؛ فهناك قوات روسية لا نعرف من جاء بهم، وكذلك الأتراك الذين جاءوا باتفاقية”.

وتابع: “هناك قواعد عسكرية عديدة في ليبيا، منها الخادم والجفرة وبراك والقرضابية وتمنهنت والسارة، وفيها قوات روسية لا أحد يعلم ما تقوم به أو ماذا تفعل، وهناك قوات تركية في قاعدة الخمس الوطية أو الوطية”.

وأشار الكوني إلى أن هناك قوات روسية حقيقية في القواعد الليبية بعد أن كانت عناصر “فاغنر” هي الموجودة في السابق. وتابع: “هذا يعد احتلالا. نحن لا نملك السيادة على أراضينا، ولا نستطيع أن نصدر أي أوامر لهم”.

وفيما يخص السيطرة على البلاد محليا، قال الكوني وهو يجلس إلى جوار كل من المتنافس على رئاسة مجلس الدولة خالد المشري، والمبعوث الأميركي إلى ليبيا ريتشارد نورلاند: “نحن على سدة السلطة، لكن جميعكم يعرف أن صدام حفتر يحكم أكثر مما يحكم عبدالحميد الدبيبة في طرابلس، فالمال والقوة هي التي تحكم، والمجلس الرئاسي كاملا لا يملك أي شيء، والسلطات شكلية”.

وتابع: “أنا معارض داخل المجلس الرئاسي، وحتى مع عبدالحميد الدبيبة أو القائمة الرباعية. نحن أمام دولة منهارة وحطام دولة”.

وفي أول رد رسمي على التصريحات، وجه الدبيبة، انتقادات حادة للكوني، ويرى أن ما قاله لا يخدم المصلحة الوطنية، وكان الأولى أن يقال داخل البلاد لا خارجها.

وقال الدبيبة خلال اجتماع حكومته يوم 18 أبريل: "موسى الكوني من قبيلة كبيرة وعريقة نعتز بها، لكنه أنفق 700 ألف دينار ليذهب إلى أميركا وينتقد الحكومة.. حسنا، شكرا له، ثم ماذا؟ ماذا بعد؟ لو قال ما قاله في طرابلس لكان أكثر نفعا".

وهاجم الدبيبة أسلوب الكوني في طرح القضايا، قائلا: "المسائل الحساسة تناقش بين الليبيين، لا في حضرة السفير الأميركي". 

في إشارة واضحة إلى انتقاد الكوني لهيمنة القوى المسلحة الأجنبية والمحلية على السلطة خلال مشاركته في مؤتمر نظمه مجلس العلاقات الأميركية - الليبية.

وختم رئيس الحكومة حديثه بلهجة ساخرة: "لا ندري ما الذي أراد الكوني أن يفعله هناك.. ربما عندما وصل إلى واشنطن شرب مياها مختلفة عن مياهنا".

ويبدو أن من وراء تصريحات الكوني، تلوح ملامح مشروع سياسي يتخطى حدود الجنوب، وربما يراهن على فراغات مستقبلية في مشهد لم يستقر بعد.

من الكوني؟

لا شك أن الكوني، وإن بدا في نظر البعض كصوت معارض في لحظة اضطراب، لا يمكن فصله عن ماضيه القريب. 

فتاريخه خلال الثورة الليبية عام 2011 ليس خاليا من الشبهات؛ إذ وُجهت إليه اتهامات بتجنيد مرتزقة لصالح نظام القذافي. 

وهي تهم لطالما حاول الكوني أن يجعلها تظل في الظل، لكن كلما دخل في معركة سياسية، يظهر من يسلط الضوء عليها. 

وتأتي الأسئلة تباعا، فهل الرجل بصدد إعادة تقديم نفسه كلاعب نظيف في ساحة سياسية متسخة؟ أم أن طموحه السياسي هو محاولة لتبييض صفحة ما زالت بقعها سوداء؟

ويعد الكوني واحدا من أبرز الشخصيات السياسية والدبلوماسية في ليبيا، وصوتا معروفا لقبائل الطوارق في الجنوب، حيث شغل مناصب دبلوماسية رفيعة في عهد نظام معمر القذافي، وخلال الوقت الراهن.

وولد موسى الكوني في 5 يونيو/ حزيران 1951، في مدينة سبها بالجنوب الغربي الليبي، التابعة لإقليم فزان، حيث تبعد عن العاصمة طرابلس، نحو 640 كيلو متر. 

تلقى السياسي الليبي تعليمه الأساسي في مدن إدري الشاطئ، أوباري، وسبها، قبل أن ينتقل إلى العاصمة لإكمال دراسته. 

وينتمي إلى عائلة عريقة، إذ إن والده، الكوني بلكاني، كان من أبرز رموز الجهاد الليبي ضد الاحتلالين الإيطالي والفرنسي في فزان. 

بينما شقيقه إبراهيم الكوني يعد من أشهر كتاب ليبيا وزعماء الطوارق ثقافيا وفكريا.

ودخل الكوني عالم السياسة من بوابة قبيلته، الطوارق، حيث شغل منصب مسؤول المواصلات في مدينة أوباري عام 1985. 

ثم عيّن في 1989 أمينا للجنة الشعبية العامة للمواصلات في المدينة، قبل أن ينتقل لتولي المنصب ذاته في عموم منطقة فزان حتى عام 1993، ليقدم استقالته لاحقا في عام 1994.

وفي عام 2005، تم تعيين الكوني قنصلا عاما لليبيا في مدينة كيدال شمال مالي، ثم انتقل إلى العاصمة باماكو حيث واصل مهامه الدبلوماسية حتى اندلاع الثورة الليبية في فبراير/شباط 2011.

ومع اشتعال الاحتجاجات ضد نظام معمر القذافي، لعب الكوني دورا مختلفا، عندما وجهت إليه اتهامات بتجنيد شباب الطوارق للقتال إلى جانب النظام المترنح. 

صعود الكوني

ففي 9 مارس/ آذار 2011، نشرت وكالة "فرانس برس" الفرنسية، نقلا عن "باجان أغ حماتو"، رئيس الجمعية الإقليمية في كيدال "شمال شرقي مالي"، أن  الكوني هو من أرسل 150 مليون فرنك أفريقي (ما يقارب ثلاثة ملايين يورو) إلى شمال مالي لتجنيد الطوارق للقتال في صفوف القذافي.

ثم وصف الكوني بأنه "محتال انتهازي"، فبعد اختفائه حاملا أكبر مبلغ من المال من عملية تجنيد المرتزقة، غير رأيه وأعلن انشقاقه عن النظام، بعد أن تأكد أنه انتهى. 

والطوارق الذي حاول الكوني استمالتهم للقتال، فضلا عن كونه واحدا منهم، هم مجتمع بدوي يبلغ تعداده حوالي 1.5 مليون شخص، يتوزعون بين النيجر ومالي والجزائر وليبيا وبوركينا فاسو.

واندلعت تمردات الطوارق في مالي والنيجر في تسعينيات القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، مع تجددها في الفترة من عام 2006 إلى عام 2009. 

وعلى أثر تلك الأحداث والاضطرابات، فر عشرات الآلاف منهم إلى ليبيا هربا من الحروب واستقروا بها تحديدا في إقليم فزان. 

بعد سقوط القذافي، ورغم المسار المتنوع لموسى الكوني، من مسؤول محلي إلى دبلوماسي ثم ثائر، ومن ممثل للجنوب إلى نائب في أعلى هيئة تنفيذية بالبلاد، تبقى مسيرته محفوفة بالمتناقضات. 

فهو من جهة يحمل صورة الرجل التوافقي، المتحدث باسم المهمشين والطوارق، والساعي إلى المصالحة، ومن جهة أخرى، لا تزال بعض المواقف المرتبطة بفترة ما قبل الثورة، وتحديدا موقعه داخل مؤسسات النظام السابق، محل تساؤلات ونقاش داخل الأوساط السياسية الليبية.

ومع ذلك فتحت له أبواب النفوذ والسيطرة من باب قوة قبيلته وامتدادها الإقليمي. 

لذلك في 30 مارس 2016 تم تعيينه في منصب نائب رئيس الوزراء الليبي، ضمن حكومة أحمد معيتيق. 

كما تم تعيينه في نفس اليوم نائبا لرئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج، كأحد ممثلي الجنوب في المجلس. 

لكن في 2 يناير/ كانون الثاني 2017، قدم استقالته تحت دعوى عجز المجلس عن الاستجابة لانتظارات الليبيين والعجز عن رفع ما سماه الوجع عنهم.

وأعلن في مؤتمر صحفي بالعاصمة طرابلس "أضع نفسي أمام القضاء عما اقترفته بقصد أو دون قصد أثناء فترة وجودي بالمجلس الرئاسي".

نظام الأقاليم الثلاثة 

ولطالما أثار الكوني جدلا بسبب أفكار وأطروحات سياسية، مثل تلك التي حدثت في 9 مارس 2025، عندما تحدث حول اعتماد نظام الأقاليم الثلاثة في البلاد.

ليتسبب في موجة جدل واسعة في الأوساط السياسية والقانونية، وسط تحذيرات من أن مثل هذه المبادرات قد تمهد لتقسيم ليبيا وتفكيك سلطتها التشريعية الموحدة.

فخلال لقائه بالسفير البريطاني لدى ليبيا، مارتن لونغدن، دعا الكوني إلى اعتماد نظام الأقاليم الثلاثة (طرابلس، برقة، فزان) في مجالس تشريعية مستقلة. 

مقدرا أن هذه الخطوة ضرورية لتحقيق الاستقرار وضمان العدالة في توزيع الثروات والميزانيات على مختلف المناطق. 

كما دعا إلى العمل بنظام المحافظات كسلطة تنفيذية، يتم من خلالها تسليم الميزانيات لإدارة المشاريع والخدمات محليا، في حين تتفرغ الدولة المركزية لمهامها السيادية، بحسب تعبيره.

وأوضح الكوني أن من شأن هذا الطرح أن يخفف الضغط عن العاصمة طرابلس التي باتت ـ حسب وصفه ـ ساحة لصراعات سياسية ومكاناً تتنافس فيه الأطراف المختلفة على السلطة والغنائم.

في المقابل، قوبلت تصريحات الكوني برفض واسع، حيث أعرب رئيس مجلس المنافسة ومنع الاحتكار، سلامة الغويل، عن رفضه القاطع لمقترحات إنشاء مجالس تشريعية مستقلة للأقاليم. 

محذرا من أن هذه الخطوة "ستؤدي إلى تشتيت القرار الوطني وفتح الباب أمام سيناريوهات تقسيمية خطيرة".