تلميع الاحتلال.. ماذا وراء شبكات الضغط الإسرائيلية بالبرلمان الأوروبي؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

رغم ترويج صحف غربية لتدخلات قطرية ومغربية في شؤون البرلمان الأوروبي تحت عنوان "قطر جيت" و"المغرب جيت"، يجرى التعتيم على فضيحة فساد إسرائيلية في البرلمان الأوروبي، تتمثل في "وكلاء أوروبيين يعملون لصالح الاحتلال ويلمعون سياساته".

وفي 2 فبراير/ شباط 2023، تم رفع الحصانة عن نائبين في البرلمان الأوروبي بسبب ما قيل إنه قضية رشوة "مرتبطة بقطر والمغرب" مقابل التأثير على البرلمان الأوروبي، بحسب  هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

ونفى النائبان الإيطالي أندريا كوزولينو والبلجيكي مارك تارابيلا مخالفة القانون، كما نفت كل من قطر والمغرب بشدة سعيهما للتأثير على نواب البرلمان الأوروبي، ولم تثبت هذه المزاعم حتى الآن، لكن إعمال "الشفافية" حول أنشطة النواب، كشف "وكلاء إسرائيل" بالأدلة.

وكلاء إسرائيل

وفي 9 مارس/ آذار 2023، نشرت مجلة "أوريان 21" التي يديرها مجموعة من الصحفيين والأكاديميين والنشطاء في منظمات غير حكومية ودبلوماسيين سابقين، تفاصيل الفضيحة الإسرائيلية.

وتتمثل الفضيحة في قيام عدة جماعات ضغط متسترة موالية لتل أبيب ومنظمات يهودية، تعمل في بروكسل، بتشغيل نواب أوروبيين لصالح إسرائيل.

وأوضحت المجلة (مقرها فرنسا) أن هدف هذه الجماعات "تمرير رسائل تتعارض مع السياسة الرسمية للاتحاد الأوروبي، خاصة بشأن المستوطنات، فضلا عن الترويج لعمليات التطبيع".

ويجرى لهذا الغرض استضافة نواب أوروبيين في إسرائيل، ومناطق أخرى مجانا، ليقوموا بأدوار كوكلاء للاحتلال يدافعون عنه، ويروجون لممارساته.

"ناتالي جان دوتي"، مسؤولة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المركز الوطني للتعاون الإنمائي ببلجيكا، ذكرت في التحقيق، أن عدة منظمات يهودية غير مدرجة في سجل الشفافية في البرلمان الأوروبي تستقطب نواب البرلمان الأوروبي للعمل لصالح الاحتلال.

وأوضحت أن هذه المنظمات لا تمتلك مكاتب أصلا في بروكسل، مثل "مؤسسة حلفاء إسرائيل" (Israel Allies Foundation).

ويرأس "مؤسسة حلفاء إسرائيل" ديف ويلدون، عضو الكونغرس السابق عن ولاية فلوريدا، كما يرأس منظمة للمسيحيين الإنجيليين الذين يعدون إسرائيل "تحقيقًا لنبوءة الرب للشعب اليهودي بخصوص أرض إسرائيل" وفق زعمهم.

وتساءلت "ناتالي جان دوتي": هل ستكون يوماً للبرلمان الأوروبي الشجاعة الكاملة للتعامل مع النفوذ الإسرائيلي داخله بنفس الطريقة التي يتعامل بها مع ما يشاع عن تأثيرات النفوذ القطرية والمغربية؟.

وكشفت أن إسرائيل على رأس الوجهات المفضلة لأعضاء البرلمان الأوروبي، وأنه وفقًا لمعلومات مستقاة من تصريحات أعضاء البرلمان الأوروبي، قامت هذه المنظمات الثلاثة بتنظيم ستة رحلات إلى إسرائيل للنواب منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019.

ثلاث رحلات منها بواسطة شبكة القيادة الأوروبية الإسرائيلية European Leadership Network، (Elnet)، واثنتان بواسطة مشروع التبادل للجنة اليهودية الأميركية (AJC Interchange).

وواحدة بواسطة منظمة "بناي بريث"، وهي منظمة صهيونية تأسست عام 1843 في نيويورك.

وعلى الرغم من أن هذه المنظمات الثلاث مستقلة رسميًا عن الحكومة الإسرائيلية، إلا أنها تدافع دائمًا عن سياساتها باتباع أجندة صهيونية، ويؤكد ذلك الأهداف المنشورة على مواقع الإنترنت الخاصة بكل منها. 

حيث تقول شبكة القيادة الأوروبية (Elnet) إنها "تجمع القادة الذين يؤمنون بأهمية العلاقات الوثيقة بين أوروبا وإسرائيل".

ويقدم "المعهد عبر الأطلسي"، وهو الفرع الأوروبي للجنة اليهودية الأميركية (AJC) المعروفة، نفسه على أنه "أهم منظمة عالمية للدفاع عن حقوق اليهود"، و"مكافحة معاداة السامية وتعزيز موقع إسرائيل في العالم".

ويتكفل فرع مشروع التبادل للجنة اليهودية الأميركية (AJC Interchange) بتنظيم الرحلات، خاصة للمعهد عبر الأطلسي.

أيضا تعلن "بناي بريث" أنها "تحارب حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)، وإنكار الهولوكوست وتدافع عن مصالح إسرائيل".

وكشف تحقيق "أوريان 21" أن 80 بالمئة من البرلمانيين المحافظين اليمينيين أعضاء في "مجموعة أصدقاء إسرائيل".

وأكدت "ناتالي جان دوتي" عبر تويتر أن نواب البرلمان الأوروبي الذين تعانوا مع إسرائيل كوكلاء لها أصبحوا بهذه الطريقة "شركاء للمجرمين الإسرائيليين أنفسهم".

تمويل ورشاوى 

وكانت قد نشرت صحيفة "لو سوار" البلجيكية في 12 فبراير/ شباط 2023 أيضا تفاصيل عن هذه الفضائح المتمثلة في تشغيل إسرائيل ومنظمات يهودية لنواب أوروبيين كوكلاء لدولة الاحتلال، عبر رشاوى تتمثل في رحلات وإقامات طويلة لأعضاء البرلمان الأوروبي من طرف ثالث.

وأشارت إلى أنه رغم حديث وسائل إعلامية عما سُمي "قطر جيت" و"المغرب جيت"، إلا أنه لم يتم تسليط الضوء على إسرائيل، أكثر دولة سافر لها أعضاء البرلمان الأوروبي ولها نفوذ على نواب البرلمان الأوروبي.

وحللت الصحيفة 328 رحلة خارجية لنواب البرلمان الأوروبي وكشفت العديد من المفاجآت عن سفر النواب لإسرائيل وواجهات أخرى بدعم وتمويل إسرائيلي كنوع من الرشاوي لهذا الغرض.

وذكرت أنه من بين 328 رحلة لنواب أوروبا، كانت إسرائيل وجهة 30 منها وتم إهداء 115 ليلة لأعضاء البرلمان الأوروبي في فنادق فاخرة في إسرائيل.

وأوضحت أن "أمن إسرائيل" كان محور جميع برامج السفر، وزار هؤلاء "الوكلاء المتجولون لصالح إسرائيل" الأنفاق التي بناها حزب الله على الحدود الشمالية والمنطقة المتاخمة لقطاع غزة. 

كما تلقوا معلومات عن "التهديد الإيراني أو تمويل الإرهاب"، وزاروا حتى المستوطنات رغم أنها أرض محتلة من قبل البرلمان الأوروبي، ولم ينبسوا ببنت شفة عن "مسألة أمن الشعب الفلسطيني".

وحضروا مأدبة عشاء في مستوطنة بساغوت، التي تصدر النبيذ إلى الاتحاد الأوروبي، وزاروا مستوطنة بركان الصناعية، الواقعة في شمال الضفة الغربية، والتي تعتمد تنميتها الاقتصادية جزئيًا على قدرتها على التصدير إلى الأسواق الأوروبية والأميركية. 

وفي البرلمان الأوروبي، يجب الإعلان عن الرحلات المدفوعة من قبل أطراف ثالثة وإعلانها على الملأ، لذا جمع العديد من الصحفيين من "لو سوار" جميع البيانات المتاحة لتحليلها، فجاء رصد "وكلاء إسرائيل" بسهولة.

ووجدت الصحيفة أن إسرائيل هي من بين الوجهات الثلاث الرئيسية للرحلات التي يقوم بها أعضاء البرلمان الأوروبي بدعوة من المنظمات الخارجية، وبينها ثلاثة مجموعات مؤيدة لإسرائيل.

وقالت إن هذه المنظمات الموالية لإسرائيل والنشطة في بروكسل والتي تتولي تسفير نواب البرلمان الأوروبي "لديها دوافعها الخاصة لدعم الحكومة الإسرائيلية بغض النظر عما تفعله. إنهم يسترشدون بمشاعرهم القومية".

وأوضحت أن من بين أعضاء البرلمان الأوروبي الذين يسافرون لإسرائيل بشكل منتظم منذ عام 2019 ثلاثة أعضاء هم: الإسباني أنطونيو لوبيز إستوريز وايت، السويدي ديفيد ليجا (أطلق شبكة لدعم لاتفاقات أبراهام) والهولندي بيرت جان رويسن.

وهم أيضًا أعضاء في مجموعة "أصدقاء إسرائيل عبر الأطلسي"، التي أنشأها معهد "عبر الأطلسي" Transatlantic Institute في عام 2019، ويجمع الأخير 32 من أعضاء البرلمان الأوروبي ويفتخر بنفوذها في البرلمان الأوروبي.

وهؤلاء النواب الثلاثة وغيرهم ممن سافروا إلى إسرائيل، يدافعون عن المواقف المؤيدة لإسرائيل، واحتلالها فلسطين، بما يتعارض مع القانون الدولي والسياسة الرسمية للاتحاد الأوروبي، ولا سيما بشأن المستوطنات غير الشرعية.

من هؤلاء نواب البرلمان الأوروبي الذين يعملون لصالح إسرائيل كذلك، أيضا الهولندي "بيرت يان رويسن" 51 عامًا، والذي ينتمي إلى مجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين، ومن المؤيدين النشيطين لإسرائيل.

ويدافع "رويسن" وهو نائب رئيس وفد العلاقات مع إسرائيل في البرلمان الأوروبي، عن الاستيطان الإسرائيلي بحماسة شديدة، ويستعمل القاموس الصهيوني في وصم المقاومين، حيث يصفهم بـ "الإرهابيين الفلسطينيين".

وقد تكفلت "مؤسسة حلفاء إسرائيل" برحلتين إلى إسرائيل لهذا النائب الأوروبي، في ديسمبر/ كانون الأول 2019 ومارس/ آذار 2022. 

بل وصل الأمر بهذا النائب، حد زيارة المستوطنات الإسرائيلية في 2019، مع أنها غير مُعترف بها من قبل الاتحاد الأوروبي.

ومنذ توقيع اتفاقيات أبراهام، أخذ "وكلاء إسرائيل الأوروبيين" على عاتقهم الترويج لها في كل دول العالم والندوات والمؤتمرات مدافعين عن حق إسرائيل في الوجود وكيف أن بعض العرب أدركوا خطأهم وطبعوا علاقتهم معها ويجب على الجميع فعل ذلك.

وقالت الصحيفة: "بغض النظر عما إذا كانت تمنح الأموال لأعضاء البرلمان الأوروبي، فهناك أدلة كثيرة على أن إسرائيل ومجموعات الضغط التابعة لها تشتري النفوذ في بروكسل".

فواتيرهم تدفعها إسرائيل

ويوضح "ديفيد كرونين" في تقرير بموقع "الانتفاضة الإلكترونية" في 17 فبراير 2023 تفاصيل أخرى عن هؤلاء النواب الموالين لإسرائيل في البرلمان الأوروبي، وكيف دفعت حكومة الاحتلال فواتير استضافتهم.

وأوضح أن "روبرتا ميتسولا"، رئيسة البرلمان الأوروبي، دفعت حكومة إسرائيل فواتير فندقها في القدس عام 2022. 

وفي 23 مايو 2022، ألقت روبرتا ميتسولا كلمة أمام الكنيست الإسرائيلي بصفتها رئيسة البرلمان الأوروبي، ومكثت ليلتين في فندق الملك داوود بالقدس، وكانت رحلتها دعما واضحا لدولة الاحتلال.

وأضاف كرونين أنه عقب ما أثير عن "قطر جيت" و"المغرب جيت"، سبب هذا صداعا للوبي الإسرائيلي في البرلمان الأوروبي الذي خشي افتضاح أمره خاصة أن رحلاته وفواتيره المدفوعة من جانب إسرائيل مسجلة في البرلمان الأوروبي.

وذكر أن حملة "الضغط من أجل مزيد من الشفافية" التي انطلقت في البرلمان الأوروبي، "عرضت للخطر مبادرة جديدة لوكلاء إسرائيل الأوروبيين تدعم اتفاقيات أبراهام، وصفقات التطبيع بين إسرائيل والعديد من الدول العربية".

وأشار لإعلان "روبرتا ميتسولا" حضور حفل إطلاق ما يسمى "شبكة دعم اتفاقات أبراهام"، في فبراير 2023 ثم تراجعها خشية اتهامها بعدم الشفافية والعمل لصالح إسرائيل.

كما لفت إلى أن إلغاء المشاركة بالحفل الداعم للاحتلال "كان بمثابة انتكاسة لديفيد ليجا، العضو السويدي في البرلمان الأوروبي، الذي تم تعيينه قائدًا لهذه الشبكة التي تروج لاتفاقات أبراهام من قبل "شبكة القيادة الأوروبية"، وهي مجموعة مؤيدة لإسرائيل.

وسبق أن صرح "ليغا" أن الهدف الأساسي لهذه الشبكة هو إيجاد "طرق جديدة لجمع الأغلبية" داخل البرلمان الأوروبي لصالح إسرائيل.

ويقول "ديفيد كرونين" أن "الغرض الضمني من اتفاقيات إبراهيم هو تشجيع مبيعات الأسلحة بين إسرائيل ودول عربية"، ونهب الحقوق الفلسطينية.

ويريد "ليغا" أن يلقي البرلمان الأوروبي بثقله وراء تلك الجهود، وقد أعلن أنه ناقش اتفاقات إبراهيم في اجتماعات مختلفة في مقر البرلمان الأوروبي مع دبلوماسيين وجماعات ضغط.

وسبق أن كشفت "الاستقلال" بالتفصيل دور هذا اللوبي الصهيوني بين نواب بريطانيا خصوصا ووقائع عديدة تشير إلى وجود اختراق ملحوظ لإسرائيل والمناصرين لها لمجمل القوى السياسية البريطانية، والسعي أحيانا لترويض الساسة خصوصا من الحزب الحاكم.

نواب ضد إسرائيل

ولا يعني هذا أن كل نواب البرلمان الأوروبي يدعمون الاحتلال، فهناك نواب يساهمون في فضح ممارسات الاحتلال ويدعمون حركة مقاطعة إسرائيل.

وفي 23 فبراير 2023 رحلت إسرائيل عضو البرلمان الأوروبي الإسبانية "آنا ميراندا باز" من مطار بن غوريون لدعمها حركة المقاطعة، حسبما ذكرت شبكة i24NEWS الإسرائيلية، بعد محاولتها دخول مقر السلطة الفلسطينية.

وبرر المسؤولون الإسرائيليون قرارهم على أساس أن قانون الدولة يمنع أعضاء حركة المقاطعة من دخول القطاع وأن النائبة آنا ميراندا، شاركت في أسطول "مافي مرمرة" الذي حاول كسر الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة في عام 2015.

كما وجه عدد من النواب في البرلمان الأوروبي انتقادات لاذعة للاتحاد الأوروبي بسبب سياسته المنحازة إلى جانب "إسرائيل" في العدوان الذي تشنه على الفلسطينيين، بحسب موقع "الميادين" في 19 مايو/أيار 2021.

وطالبت ماريا أرينا، رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي، خلال جلسة للبرلمان حول ما يجري في فلسطين المحتلة، الاتحاد باستخدام ما يلزم من نفوذ لوقف "العنف الممنهج من جانب الاحتلال ونظام الأبرتهايد ضد الشعب الفلسطيني".

وفي 12 مارس 2023 دعا نائب بلجيكي لفرض سلسلة عقوبات على حكومة إسرائيل، وأكد أن موقف بروكسل والاتحاد الأوروبي تجاه ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة هو "بمثابة رخصة للقتل".

وخلال لقائه نائب رئيس الوزراء ووزير الاقتصاد والتوظيف في بلجيكا بيير إيف درمان، ومنظمات مدنية بلجيكية، استعرض مسؤول الاتصال في المرصد الأورومتوسطي، محمد شحادة، العواقب الخطيرة لتوسع الحكومة الإسرائيلية غير المسبوق في إنشاء المستوطنات والبؤر الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية.

كما ناقش "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" في 13 مارس 2023 خلال سلسلة من الاجتماعات واللقاءات العامة في العاصمة البلجيكية بروكسل، الانتهاكات الإسرائيلية المتصاعدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وذكر المرصد، الذي يتخذ من جنيف مقراً له، في بيان، أن فريقه التقى، خلال جولته ببروكسل، مسؤولين حكوميين بلجيكيين، ونوابًا في البرلمان الأوروبي، وأعضاء في "كلية أوروبا" إلى جانب أفراد ومؤسسات من المجتمع المدني البلجيكي والأوروبي.