اللوبي الإسرائيلي الأميركي في بريطانيا.. كيف ساهم بتصنيف "حماس" إرهابية؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

جاء إعلان وزيرة الداخلية البريطانية برتي باتيل، 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، تصنيف حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بشقيها السياسي والعسكري "منظمة إرهابية"، وسجن من يدعمها 14 عاما، ليطرح تساؤلات بشأن خلفيات القرار وأسبابه وتوقيته.

لا سيما أن الوزيرة البريطانية موالية لإسرائيل، شغلت عضوية جمعيتين داعمتين لإسرائيل في بريطانيا، ولقاءاتها السرية مع 12 وزيرا ومسؤولا إسرائيليا، التي طردت بسببها من الحكومة 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2017.

وكذا تاريخ التغلغل الإسرائيلي المباشر وغير المباشر في الأحزاب البريطانية ولدى كبار السياسيين، لضمان دعم لندن لتل أبيب ومنع الأنشطة التي تعتبرها "معادية لها". 

قرار "باتيل" يكشف المدى الذي وصل له الاختراق وتغلغل اللوبي الصهيوني في الحكومة والأحزاب البريطانية، إلى حد تجنيد قيادات ووزراء في الحزب الحاكم (المحافظين)، منهم هذه الوزيرة المعروفة بارتباطها القوي بإسرائيل.

الوزيرة زعمت في خطابها أمام مؤسسة "هيريتاج" البحثية الأميركية أن حماس تمتلك قدرات عسكرية وصفتها بأنها "قدرات إرهابية كبيرة"، وأسلحة واسعة النطاق ومتطورة، كما أنها "معادية للسامية"، وكلا الأمرين يخصان إسرائيل لا بريطانيا.

وشغلت الوزيرة سابقا منصب "رئيس مجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين" ومعروف عنها معاداة الفلسطينيين.

لذا يرى كثيرون أن القرار لا يعكس نظرة المؤسسة البريطانية السياسية والأمنية بقدر ما ينطلق من عمل اللوبيات وداعمي إسرائيل في الحكومة البريطانية الحالية.

وقد يعكس ضغط لوبيات غير بريطانية مثل اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة "إيباك" حيث أعلنت باتيل عن نيتها بشأن حماس من واشنطن لا بريطانيا.

ويعتقد ناشطون في بريطانيا أن الوزيرة اختارت توقيت القرار الآن لتوقعها تمرير مجلس العموم له حيث يمتلك المحافظون أغلبية برلمانية كبيرة.

كما أن 80 بالمئة من البرلمانيين المحافظين أعضاء في "مجموعة أصدقاء إسرائيل" في الحزب.

وصل هذا الاختراق لحزب "العمال" الذي كان زعيمه جيرمي كوربين مؤيدا لفلسطين، ومعاديا للاحتلال، ونجحت الاختراقات والضغوط الإسرائيلية في إبعاده عن زعامة الحزب أكتوبر/تشرين الأول 2020.

كانت مفارقة أن تعلن الوزيرة قرارا ضد حماس، بعد يومين من دعوة "كوربين" للاعتراف بدولة فلسطين، ومعارضة الاحتلال غير الشرعي، ورفض حصار قطاع غزة.

التاريخ الأسود

كشفت صحيفة "Declassified UK" البريطانية أن الوزيرة "باتيل" واحدة من 8 وزراء بريطانيين (من أصل 23) مولتهم ودعمتهم إسرائيل ماليا، منها رحلات سياحية إلى إسرائيل فقط بـ 14 ألف جنيه إسترليني (نحو 19 ألف دولار أميركي).

موقع الصحافة الاستقصائية الذي يسمى "رفع السرية عن المملكة المتحدة" كشف 22 مايو/أيار 2021 أن وزيرة الداخلية "برتي باتيل" التي أصدرت قرار حماس، حصلت على 2500 جنيه إسترليني (3530 دولارا) من إسرائيل.

أوضح الموقع أنها حصلت على المبلغ من مركز أبحاث يميني مؤيد لإسرائيل، هو جمعية هنري جاكسون (HJS) عام 2013 مقابل كلمة في منتدى نظمته منظمة اللوبي اليهودية الأميركية "إيباك".

وبين أن جمعية هنري جاكسون، ومقرها لندن لا تكشف عن مموليها ولكن لديها موقف قوي مؤيد لإسرائيل وروابط وثيقة معها، وقد انتقل اثنان على الأقل من موظفيها مباشرة من المجموعة للعمل في وزارة الخارجية الإسرائيلية.

ولفت إلى أن المدير التنفيذي للمجموعة، آلان ميندوزا، هو المدير المؤسس لـ "مبادرة أصدقاء إسرائيل" في بريطانيا.

الصحيفة ذاتها كشفت أيضا أن الوزيرة "باتيل" كانت عضوا في "المجلس السياسي" لـ HJS منذ عام 2013، حتى 2016، كما عملت سابقا كمسؤولة برلمانية في مجموعة الضغط المؤيدة لإسرائيل (CFI) وتقاضت أجرا عن ذلك.

وصل الأمر إلى عقدها لقاءات تنسيقية سرية مع مسؤولين سياسيين وأمنيين إسرائيليين، عندما كانت عضوا في البرلمان عن حزب المحافظين ثم وزيرة للتنمية الدولية في حكومة ديفيد كاميرون.

وسربت قناة "بي بي سي" البريطانية تفاصيل هذه الاجتماعات السرية مع الإسرائيليين في أغسطس/آب 2017.

 وبينت أن الوزيرة أخفتها عن الحكومة، فأجبرت "باتيل" على الاستقالة من منصبها 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، حسبما أكدت صحيفة "الغارديان" البريطانية.

الوزيرة المحبة لإسرائيل والمعادية للمقاومة الفلسطينية، سبق لها أيضا في عام 2017 تجميد ثلث المساعدات البريطانية المقدمة للفلسطينيين، وبالمقابل أوصت بمساعدات مالية لمستشفيات ميدانية يديرها الجيش الإسرائيلي في الجولان المحتل.

وهناك وقائع عديدة تشير إلى وجود اختراق ملحوظ لإسرائيل والمناصرين لها لمجمل القوى السياسية البريطانية، والسعي أحيانا لتدبير مؤامرات استخبارية للسيطرة عليهم، وترويض الساسة خصوصا من الحزب الحاكم.

كانت الفضيحة الثقيلة التي كشفتها قناة الجزيرة الإنجليزية 8 يناير/كانون الثاني 2017، حول تآمر مسؤول كبير في السفارة الإسرائيلية، يدعى شاي ماسوت، مع واحدة من كبار الموظفين في الحكومة البريطانية، هي ماريا ستريزولو، مثالا صارخا.

تحقيق الجزيرة كشف حينئذ في يناير/كانون الثاني 2017 عن تدخل إسرائيلي عميق في السياسة البريطانية لكسب مزيد من الدعم وإبعاد معارضي إسرائيل وسياساتها من مناصبهم وعن المشهد السياسي البريطاني.

التحقيق كشف عن خطط إسرائيلية لـ "تصنيع" فضيحة لإسقاط وزير الخارجية البريطاني وقتها "آلان دنكان" لانتقاده الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، وكيف تدير إسرائيل "حملة ضغط ضخمة خفية ووقحة" ضد سياسيي لندن المعارضين لها.

المسؤول السياسي الكبير في السفارة الإسرائيلية "شاي ماسوت"، جرى تصويره حينئذ سرا وهو يكشف عن مؤامرة مع الموظفة الحكومية البريطانية "ماريا ستريزولو" لتدمير كبار السياسيين البريطانيين المنتقدين لإسرائيل.

وقتئذ، اضطرت السفارة الإسرائيلية في لندن للاعتذار لوزير الخارجية البريطاني عن هذه الفضيحة والتعليقات التي أدلى بها أحد موظفيها حول خطط "لإسقاطه".

وشكل البرلمان البريطاني في 29 يناير/كانون الثاني 2017 لجنة تقصي حقائق للعمل على قضية تدخل السفارة الإسرائيلية في السياسة البريطانية.

تمويل ودعم

عقب دعم حكومة لندن للعدوان الإسرائيلي الأخيرة على غزة مايو/أيار 2021، نشرت صحيفة Declassified UK تحقيقا استقصائيا كشفت فيه أن ثلث وزراء الحكومة، بمن فيهم رئيس الوزراء جونسون، مولتهم إسرائيل هي واللوبي المؤيد لها.

كشف الموقع في 22 مايو/أيار 2021 "الطرق المقززة" التي تعاملت من خلالها إسرائيل مع أعضاء الحكومة البريطانية على مر السنين، لإخضاعهم.

وأشار إلى بعض أساليب "التودد وإغراء نواب بريطانيين بعدة طرق"، منها تنظيم رحلات لهم إلى إسرائيل بدعم مالي من جماعات اللوبي الصهيونية، وتمويل حملاتهم الانتخابية.

بحسب الصحيفة البريطانية، جرى تنظيم زيارة لرئيس الحكومة الحالية بوريس جونسون، لمدة خمسة أيام إلى تل أبيب في نوفمبر/تشرين الثاني 2004، مدفوعة الأجر، كما دعمت مجموعة الضغط المؤيدة لإسرائيل (CFI) أيضا حملته لرئاسة بلدية لندن عام 2012.

وبينت أن إسرائيل دفعت أيضا تكاليف رحلات خمسة وزراء في مجلس الوزراء الحالي هم: ألوك شارما، وكواسي كوارتنغ، وروبرت جينريك، وأوليفر دودن، وأماندا ميلينج، إلى تل أبيب من عام 2011 إلى 2016. 

كما مولت مجموعة اللوبي الصهيونية الأميركية "إيباك" زيارة وزيرين بريطانيين هما: مايكل جوف، وبريتي باتيل، لواشنطن لحضور مؤتمراتها.

ومولت "إيباك" أيضا زيارة لرئيس مكتب مجلس الوزراء "مايكل جوف" إلى واشنطن عام 2017 بعدما وصف إسرائيل بأنها "نور للعالم" و"مصدر إلهام".

كما تلقى "جوف" أكثر من 3000 جنيه إسترليني (4000 دولار) من "إيباك" للتحدث في مؤتمرها في واشنطن عام 2017 وساهمت جمعية هنري جاكسون أيضا في هذه الرحلة.

وفي 2016 دفعت له نفس الجمعية 2.764 جنيها إسترلينيا (3700 دولار) للسفر إلى نيويورك للحصول على جائزة من صحيفة The Algemeiner Journal المؤيدة لإسرائيل.

أوضح التحقيق أن وزير الخارجية البريطاني الأسبق جيمس كليفرلي، الذي دافع عن سياسة لندن ضد غزة في مجلس العموم، تم تمويله من قبل جماعة ضغط مؤيدة لإسرائيل لزيارة تل أبيب في عام 2015.

ولأن حزب العمال ورئيسه السابق جيرمي كوبين من المناصرين للقضية الفلسطينية والمناهضين للاحتلال الإسرائيلي، فقد عملت إسرائيل على تدبير انقلاب داخل الحزب لصالح مؤيديها وإبعاد الرجل وأنصاره، وفق تقديرات لصحف بريطانية.

تمكنت من إحداث انقلاب كبير داخل "العمال" أدى إلى إزاحة كوربين، زعيم الحزب، وتنصيب كير ستارمر، المعروف بدعمه القوي لإسرائيل، بدلا منه.

عمل "ستارمر" بقوة على لجم تيار اليسار في الحزب وعزل المناصرين للقضية الفلسطينية فيه، بدعوى «مكافحة معاداة السامية» حسب قول الصحافي البريطاني جوناثان كوك على موقع "ميدل إيست آي" 29 يونيو/حزيران 2020.

مع أن "كوربين" هو الذي اقترح على الحزب عام 2016 "مدونة سلوك" جديدة تمنع صراحة معاداة السامية وغيرها من الأشكال العنصرية"، فقد استخدمتها إسرائيل واللوبي اليهودي وخصومه ضده، حتى ترك رئاسة الحزب أواخر 2020.

في مارس/آذار 2019 تعرض كوربين إلى حملة تشهير إعلامية وقفت خلفها تل أبيب اتهمته بالتسامح مع معاداة السامية داخل الحزب، خاصة وأنه يعلن من وقت لآخر أن إسرائيل مشروع عنصري.

أوقف حزب العمال عضوية كوربين 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 بدعوى تهوينه من شأن تقرير يتناول بالتفصيل أوجه قصور خطيرة في تعامل الحزب مع شكاوى بشأن معاداة السامية خلال فترة قيادته للحزب بين عامي 2015 و2019.

ثم أعيدت له العضوية في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 لأن الادعاءات الجاهزة ضده بمعاداة السامية جاءت على أساس أن تعريف الأمر يشمل أيضا أي نقد موجه لإسرائيل، ولعضويته في حركة مقاطعة إسرائيل الدولية BDS.

واقعة أخرى أظهرت اختراق إسرائيل واللوبي المؤيد لها حزب العمال، هي استقالة وزيرة في حكومة الظل لأنها نشرت مقالا تنتقد فيه قمع الشرطة الإسرائيلية، بدعوى معاداتها للسامية.

ريبيكا لونغ بيلي انتقدت على حسابها على مواقع التواصل «الأساليب التي استخدمتها الشرطة الأميركية بالجثو على رقبة جورج فلويد (توفي وقتها) وقالت إنها تعلمتها من الشرطة السرية الإسرائيلية"، فجرى إقالتها، بحسب وكالة رويترز البريطانية 25 يونيو/حزيران 2020.

تداعيات وإحراج

ولخص رئيس مكتب العلاقات الدولية والقانونية لحركة حماس، موسى أبو مرزوق تداعيات القرار البريطاني مؤكدا أن لندن هي الخاسرة لأنها عزلت نفسها بذلك عن أي مفاوضات تخص القضية الفلسطينية.

أوضح لقناة "تي آر تي عربي" التركية أن "انعكاس القرارات على الدبلوماسية البريطانية سيكون أشد من انعكاسها على حماس، وتحرم المملكة المتحدة من أن تكون فاعلا بسياسة الشرق الأوسط".

قال إن القادة الغربيين يتواصلون مع حماس بشكل "سري" بعيدا عن أعين شعوبهم، بما فيهم بريطانيا، ولا يريدون الإعلان عن هذه الاتصالات، لأنهم لا يستطيعون مواجهة اللوبيات الصهيونية في بلادهم.

لم ينس أبو مرزوق الإشارة للتغلغل الصهيوني في الأحزاب البريطانية، مؤكدا أن منبع القرار البريطاني "واضح جدا"، وهو تأييد وزيرة الداخلية بريتي باتيل للحركة الصهيونية.

أوضح أنها (وزيرة الداخلية) خالفت قوانين بريطانيا نفسها حين اجتمعت سابقا بالمستوطنين في الجولان والضفة الغربية، كما أنه يدعمها اللوبي الصهيوني وهي جزء من الحركة الصهيونية".

مراسل القناة "12" العبرية نير دفوري أكد في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الشاباك" نقل لنظيره البريطاني معلومات تتهم حماس بتنفيذ نشاطات في الساحة البريطانية وتتخذ أراضي المملكة قاعدة لبناء قوتها السياسية والعسكرية، وطلب حظرها.

وشكل تأكيد الصحفي البريطاني ديفيد هيرست أن رئيس الوزراء السابق توني بلير تعامل مع قادة حماس، بالتزامن مع اعتبار بريطانيا لها "إرهابية"، مصدر إحراج بالغ للحكومة البريطانية، لأنه هدم مصداقية لندن.

قال إن "بلير" دعا زعيم حماس آنذاك، خالد مشعل، إلى لندن لإجراء محادثات، وأنه التقى بقادة الحركة سبع مرات على الأقل، ما يكشف تناقض بريطانيا بين التفاوض معها ثم حظرها، ودور إسرائيل.

"هيرست" أكد في "ميدل إيست أي" 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 أن بلير التقى مشعل أربع مرات في العاصمة القطرية عندما كان يتولى منصب مبعوث اللجنة الرباعية للشرق الأوسط، ودعاه للندن عام 2015 بعلم حكومة "ديفيد كاميرون".

بلير نفسه اعترف بهذا في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، مؤكدا أن المملكة المتحدة حافظت على حوار غير رسمي مع الحركة، وأعرب عن أسفه لاستبعاد بريطانيا ودول غربية أخرى، حماس من طاولة المفاوضات.

قال هذا لصحيفة "الغارديان" البريطانية وأضاف: "أعتقد أنه كان يجب علينا منذ البداية محاولة جر حماس إلى حوار وتغيير مواقف هذه المنظمة، وهذا ما كنت لأفعله". 

توقيت نشر هذه الحقائق المحرج لحكومة لندن ووزيرة الداخلية قد ينعكس على مناقشات مجلس العموم لتعامل المسؤولين البريطانيين المتناقض مع حماس بين مقابلة قادتها ثم تصنيفهم إرهابيين.

وقد يفتح هذا الباب للبحث عن أسباب قرار وزيرة الداخلية الآن، وهل وراءه دوافع لصالح إسرائيل أو ضغوط اللوبي الصهيوني في لندن وواشنطن؟

رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون سبق أن وصف نفسه في حوار مع "UK Jewish News" في 25 يوليو/تموز 2019 بأنه "صهيوني متحمس" ما يبرر شكر إسرائيل له ولوزيرة داخليته.