البرلمان الفرنسي يستقبل "حكومة القبائل" المطالبة بالانفصال عن الجزائر.. ما القصة؟

“المسار يتغير في الجزائر والحكومة تبحث عن حل سياسي”
في خضم أزمة سياسية ودبلوماسية مستمرة بين الجزائر وفرنسا، حظي وفد عن "حكومة القبائل" المطالبة بالانفصال عن الجزائر باستقبال من داخل البرلماني الفرنسي، وهو ما يدعو إلى بحث خلفيات ورسائل الخطوة.
واستقبلت النائبة الفرنسية حنان منصوري، عضو حزب "اتحاد اليمين من أجل الجمهورية"، وفدا من “الحكومة القبائلية” في المنفى بقيادة رئيسها، فرحات مهني، في الجمعية الوطنية بباريس في 18 يونيو 2025.
وبحسب موقع "الدار" الناطق بالفرنسية، في 18 يونيو/ حزيران 2025، فهذا الاستقبال الرمزي “يعكس الاهتمام المتزايد بالقضية القبائلية، ويُمثل خطوة جديدة نحو الاعتراف السياسي بقضية القبائل على الساحة الدولية”.
وذكر أن "المناقشات ركزت على وضع الحريات العامة في الجزائر، وحقوق الشعب القبائلي، وآفاق التعاون بين ممثلي الحكومة في المنفى والبرلمانيين الفرنسيين المدركين لنضالات الشعوب المضطهدة".
خلفيات سياسية
وفي هذا السياق، أشاد فرحات مهني، بشجاعة النائبة منصوري ووضوحها، واصفا لفتتها بـ"القوة والالتزام بالقيم الديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها".
وأكد في تصريحات صحفية أن هذا اللقاء يجسّد وعيا متزايدا في بعض الأوساط السياسية الأوروبية بالتهميش السياسي والثقافي الذي تعاني منه منطقة القبائل، في ظل نظام جزائري لم يتردد في وصفه بـ"الاستبدادي".
وأكد الوفد القبائلي أن مطالبته بحق تقرير المصير “ترتكز على التزام سلمي بعيد عن كل أشكال العنف والفوضى، وفي إطار مشروع سياسي واضح، يحمل التطلعات المشروعة لسكان المنطقة في الحرية والكرامة”.
ويأتي هذا التطور في إطار سلسلة من المبادرات التي اتخذتها حكومة القبائل في المنفى لتوسيع نطاق دعمها السياسي والدبلوماسي على الصعيد الدولي.
وتأتي هذه الخطوة بعدما أعلنت فرنسا استضافة رئيس الحكومة القبائلية في المنفى، مهني، خلال الدورة الـ36 لـ"مهرجان باريس للكتاب 2025" في إقليم منطقة بروتاني (شمال)، يومي 25 و26 أكتوبر/تشرين الأول 2025.
وبحسب بيان إدارة المهرجان، فإن "المهرجان المنظم في مدينة كاري سيكون مخصصا لمنطقة القبائل، وسيستضيف فرحات مهني بصفته كاتبا وشاعرا ومناضلا سلميا، وبوصفه رئيسا لحركة تقرير المصير لمنطقة القبائل (الماك) والحكومة المؤقتة للقبائل في باريس".
كما تأتي في سياق أزمة شهدتها العلاقات بين الجزائر وفرنسا، منذ أن أعلنت باريس نهاية يوليو/تموز 2024 دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية لإقليم الصحراء الغربية.
في المقابل، تدعم الجزائر جبهة "البوليساريو" التي ترفض الحكم الذاتي، وتدعو إلى منح سكان الصحراء حق تقرير المصير.
ولم يزر تبون فرنسا منذ أن تولى الرئاسة عام 2019، وكانت أول زيارة له إلى باريس مقررة بداية مايو/ أيار 2023، لكن الزيارة أُرجئت إلى يونيو/ حزيران 2023، قبل أن تتأجل إلى خريف 2024.
وكانت باريس قد قرّرت في 15 أبريل/نيسان 2025، استدعاء سفيرها ستيفان روماتيه، للتشاور، ومنذ ذلك الوقت بقيت السفارة بإدارة القائم بالأعمال، في أعقاب قرار الجزائر طرد 15 موظفا في المصالح الدبلوماسية الفرنسية، ردت عليها باريس بطرد 12 موظفا من الطاقم القنصلي والدبلوماسي الجزائري العامل في فرنسا.
وأعلنت الرئاسة الفرنسية نهاية مايو 2025، أن الرئيس إيمانويل ماكرون، دعا إلى استئناف الحوار بين البلدين، ورأى أن "مصلحة كل من فرنسا والجزائر تقتضي استئناف الحوار".
حركة "ماك"
وتسعى حركة استقلال منطقة القبائل المعروفة اختصارا بـ"ماك" إلى "استقلال" أو "انفصال" هذه المنطقة التي تقع شمال شرق الجزائر، وتتألف من 6 ولايات (تيزي وزو، بجاية، بومرداس، البويرة، سطيف، وبرج بوعريريج).
وتأسست "ماك" عام 2001 على يد مهني في أعقاب الذكرى الـ 34 لما يُسمى بـ"الربيع الأمازيغي"، حيث شهدت أحداث شغب وعنف كبيرة في منطقة القبائل راح ضحيتها حوالي 126 قتيلا، و5000 جريح، و200 حالة بعاهات مستديمة.
ودرس مهني العلوم السياسية في جامعة الجزائر، واعتقل أكثر من 12 مرة لأنشطته السياسية والاجتماعية، إذ شارك في العديد من الاحتجاجات والإضرابات خلال فترة التسعينيات للمطالبة بالحقوق الأمازيغية، وهو ما جعله من أهم ممثلي الحركة الثقافية الأمازيغية.
وشارك مهني في تأسيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان عام 1985، وتأسيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية.
وتتخذ حركة "ماك" من باريس مقرا لأنشطتها، وترفض الحكومات الجزائرية المتعاقبة الاعتراف بها، بل اتجهت حكومة تبون، في مايو 2021، لتصنيفها "حركة إرهابية".
وفي ظل هذا التصنيف، رفضت محكمة الاستئناف بباريس في 14 مايو 2025 تسليم المعارض والمسؤول البارز في حركة “ماك”، أكسل بلعابسي، الذي كان مطلوبا من قبل الجزائر التي تتهمه بـ"أعمال إرهابية ".
وعلق محامي بلعابسي، جيل ويليام غولدنادل قائلا إنه "لأمر مريح للغاية، إنه يوم سعيد للعدالة الفرنسية. بل يُمكنني القول إنه يوم حزين للعدالة الجزائرية، إلا أنه لا عدالة في الجزائر ما دام النظام الديكتاتوري يُواصل قمع مواطنيه، وخاصة شعب القبائل"، وفق تعبيره.
واتهم بلعابسي، البالغ من العمر 42 عاما، من قِبل النظام القضائي في بلاده بارتكاب 14 جريمة، بعضها يُعاقَب عليه بالإعدام.
ورغم أن عقوبة الإعدام منصوص عليها في قانون العقوبات الجزائري، إلا أنها لم تعد تُطبّق بموجب وقف مؤقت ساري المفعول منذ عام 1993.
وأعلن زعيم المعارضة الجزائرية خارج قاعة المحكمة أن "المعركة مستمرة لأننا لن نتوقف هنا"، مشددا على أن "القبائل أبرياء" من اتهامات النظام الجزائري.
مجلس الشيوخ
خطوة الجمعية الوطنية الفرنسية تأتي بعد مفاجأة أخرى في العلاقات المتوترة بين فرنسا والجزائر، حيث استقبل مجلس الشيوخ الفرنسي في أبريل 2025 وفدا من حكومة القبائل في المنفى وحركة "الماك"، مما يؤكد أن قضية القبائل دخلت إلى الساحة السياسية الفرنسية.
وبحسب موقع "لوبسيرفاتور" الفرنسي، في 1 أبريل 2025، فإن هذه الاستضافة جاءت مباشرة بعد المكالمة الهاتفية بين ماكرون وتبون بغية الوصول إلى حل للأزمة القائمة بين البلدين.
وذكر المصدر ذاته، أن حركة "أنافاد" ورئيسها، فرحات مهني، حظيت بترحيب حار من أعضاء مجلس الشيوخ المؤيدين لقضيتهم، و"الذين يناضلون من أجل استقلال منطقة القبائل"، وفق تعبيرهم.
وشرح الوفد لأعضاء مجلس الشيوخ الوضع في منطقة القبائل الذي يتسم بالقمع الشديد الذي يتعرض له المواطنون الذين هم "ضحايا الدكتاتورية الجزائرية"، حسب مهني، الذي أكد أن "صرخة الاستغاثة من منطقة القبائل يجب أن تُسمع".
وذكر الموقع أن فتح مجلس الشيوخ الفرنسي الباب أمام حكومة وحركة القبائل "يُشير إلى أن القضية تتقدم".
وأشار إلى أن عدة هيئات دولية، منها الولايات المتحدة وكندا، استقبلت ممثل القبائل، وهم يُعِدّون قضيتهم للجنة الأمم المتحدة لـ"إنهاء الاستعمار".
أداة قياس
يرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة المغربية، خالد شيات، أن "الاستعمال الفرنسي لملف القبائل، سواء من لدن مجلس الشيوخ أو الجمعية الوطنية، هو استعمال سياسي وليس بمبدئي".
وأضاف شيات لـ"الاستقلال"، “وكذلك بعض الأطراف بفرنسا التي تستثمر في هذا الملف، بناء على معطيات ذات طبيعة مبدئية إن صح القول، تتعلق بالحق في تقرير المصير للشعوب التي كانت تحت الاستعمار”.
واستطرد: “وجود جزائر مقسمة ستكون مناسبة لبعض الدول، ولذلك يمكن أن يكون الآن مسعى عمليا وفعليا لتطبيقه، ولذلك فالاستعمال الفرنسي للملف في ظل الأزمة القائمة بين الجزائر وفرنسا يمكن أن يكون مؤشرا لقياس درجة التعاطي مع هذه القضية”.
وتابع: “خاصة أن هذه القضية تتوفر على جميع التوابل الضرورية للانفصال، مما يعني أن هذا الاستعمال الفرنسي سيكون له بُعد مرحلي وأيضا بعدٌ ذو طبيعة جيوسياسية عميقة في بناء هذه المنظومة الانفصالية في الجزائر”.
وأشار الأستاذ الجامعي إلى أن “المغرب لا يحبذ هذا الأمر، ولا يريد للجزائر أن تنفصل أو تتقسم، إذ الرباط تريد من جارتها الشرقية أن تكون موحدة ومستقرة، في إطار سياسي تكاملي تضامني مع محيطها، لا أن تكون دولة مبلقنة أو سائرة نحو الانفصال”.
لكن، يستدرك شيات، “قد يكون الاتجاه في هذا المسار صعبا، أي الحفاظ على الجزائر دون انقسام، بالنظر إلى طبيعة اختيارات النظام السياسي وخاصة على مستوى الجيوسياسي وعلى مستوى الاختيارات الكبرى، لأنها غير صائبة وغير سليمة، يمكن أن تؤدي إلى مرحلة من مراحل الانفصال أو الانقسام”.
يشار إلى أن المغرب رفض الترخيص للقاء تحضيري لجمعية تحت اسم "لجنة الدعم المغربية للاعتراف بالدولة القبائلية"، في مايو 2024 بمدينة أغادير (وسط غرب).
وأكد والي منطقة "سوس ماسة"، سعيد أمزازي، في تعليله لأسباب الرفض، من أن اللقاء "يتناقض والمبادئ الأساسية للمملكة المغربية الشريفة التي لا تدعم الانفصال بالدول".
وكان محامون بارزون في المملكة المتحدة قد أصدروا رأيا قانونيا في سبتمبر/أيلول 2024 يؤكد أهلية أكثر من 10 ملايين شخص من القبائل، الذين يعيشون داخل الحدود الجزائرية الحالية أو المنفيين اختياريا في الخارج، ليكونوا "شعبا" بموجب القانون الدولي.
وصدر الرأي القانوني عن روبرت ماكوركوديل من شركة المحاماة "بريك كورت تشامبرز" وبينيلوبي نيفيل من شركة المحاماة البريطانية "إسيكس كورت تشامبرز".
ويخلص تحليلهما إلى أن "سكان منطقة القبائل هم شعب بموجب القانون الدولي لذلك يصبح لهم الحق الإنساني في تقرير المصير بموجب القانون الدولي".
ويعدّ هذا أول اعتراف قانوني مستقل بوضع شعب القبائل كمجموعة متميزة تتمتع بحق تقرير مصيرها بموجب القانون الدولي.
سلبية للغاية
لمواجهة تنامي دعم الملف على الصعيد الدولي، بدأت السلطات الجزائرية سلسلة من الاتصالات غير المباشرة ولكن المستمرة مع فرحات مهني.
وبحسب موقع "ساحل إنتيلجنس" (مقره باريس)، في 19 أبريل 2025، فإن الهدف من هذه التبادلات "يتمثل في وضع أسس الحكم الذاتي لمنطقة القبائل، في إطار سيادة الدولة الجزائرية".
ونقل الموقع عن مصادر مقربة من وزارة الدفاع والرئيس تبون، أنه تم تكليف وسطاء غير رسميين بالتواصل مع فرحات مهني في الأشهر الأخيرة في محاولة لحل قضية القبائل سلميا.
ورغم تصنيف الحركة “منظمة إرهابية” من لدن السلطات الجزائرية، إلا أنه، بحسب المصدر، "المسار يتغير في الجزائر والحكومة تبحث عن حل سياسي، وهذا يشمل فرحات مهني".
ووفقا للمصادر نفسها، تُركز المناقشات، على إنشاء إطار مؤسسي محدد لمنطقة القبائل، برلمان إقليمي، وحكم ذاتي، واستخدام رسمي للغة الأمازيغية كلغة رئيسية، وإدارة محلية للشؤون الاقتصادية، لا سيما في مجالات الغابات والصناعات الحرفية والسياحة.
من جانبه، وضع مهني عدة شروط لأي مفاوضات جادة، ومنها رفع الحظر عن حركة تحرير الأمازيغ، وإطلاق سراح السجناء السياسيين القبائليين، والاعتراف الرسمي بالهوية الأمازيغية التعددية، والأهم من ذلك كله، وساطة دولية محايدة للإشراف على العملية.
تأتي هذه التطورات في ظلّ هشاشة سياسية متزايدة في الجزائر العاصمة. فالحكومة المركزية، التي تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية ودبلوماسية، تسعى إلى تخفيف حدة التوترات الداخلية.
وشدد موقع "ساحل إنتيلجنس" على أن أصوات من داخل الدولة “أدركت حاليا مأزق الإستراتيجية الأمنية البحتة المتبعة ضدّ مطالب القبائل، وأن الحوار اليوم أفضل من الهروب”.
وأشار إلى أن ردود الفعل على هذه المحادثات المزعومة ما تزال متباينة؛ فبينما يرحب بعض أفراد المجتمع المدني بهذه المحاولة لحل الأزمة، تنظر بعض النخب السياسية والعسكرية إلى أي اعتراف بحركة (ماك) أو زعيمها "نظرة سلبية للغاية".
وهكذا، قد يعود فرحات مهني، الذي طال تهميشه، إلى الواجهة في النقاش الوطني، حيث إن "استقلال" منطقة القبائل، الذي كان من المحرمات سابقا، أصبح في الوقت الراهن محورا أساسيا للنقاش في المشهد السياسي في الجزائر.
المصادر
- Nouvelle gifle pour le régime algérien : réception officielle du Gouvernement kabyle en exil au Parlement français
- Le gouvernement kabyle en exil reçu au sénat français
- رأي قانوني بريطاني بأحقية حركة القبائل بالجزائر في استفتاء لتقرير المصير
- La justice française refuse l’extradition d’Aksel Bellabbaci, un opposant kabyle réclamé par l’Algérie
- Kabylie : L’Algérie en pourparlers discrets avec Ferhat Mehenni pour une autonomie de la Kabylie sous souveraineté nationale