معركة الكنائس.. أوكرانيا تتحول إلى حلبة صراع بين الأرثوذكس والكاثوليك

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تحول الصراع بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة (إنجيليون وكاثوليك)، وروسيا (أرثوذوكس) إلى معركة يجري فيها تبادل المصطلحات الدينية، وسط اتهامات متبادلة بشن حرب صليبية تجاه بعضهما البعض.

وحذر الرئيس الأميركي جو بايدن في 7 أكتوبر/ تشرين أول 2022 من أن أي استخدام روسي للأسلحة النووية سيجر العالم إلى معركة "هرمجدون"، وهو مصطلح مسيحي يعني "حرب نهاية العالم".

وقال بايدن إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "لا يمزح" بشأن الأسلحة النووية التكتيكية، وخطر حدوث "هرمجدون" أصبح عند أعلى مستوى منذ أزمة الصواريخ الكوبية (عام 1962).

وقبل ذلك، وفي الخطاب الذي هدد فيه باستخدام الأسلحة النووية بأوكرانيا، شجب بوتين في 30 سبتمبر/ أيلول 2022 سياسات أميركا والغرب، ووصفها بـ"الشيطانية" واستشهد بتعبيرات من "الكتاب المقدس".

وقال بوتين إن "هذه الفاكهة السامة أصبحت مرئية"، ليس فقط للناس في روسيا، ولكن أيضا للكثيرين في الغرب، متهما الدول الغربية بالسعي إلى تدمير بلاده وإخضاعها لما أسماه بـ"ابتزاز نووي".

ودفع هذا التطور الكاتب الإنجيلي المقرب من الكيان الصهيوني "جويل سي روزنبرغ"، للتساؤل في 7 أكتوبر، بمقال في موقع "كل أخبار إسرائيل": هل بوتين هو "يأجوج"، الديكتاتور الشرير الذي تتنبأ به التوراة؟ وهل هذا يعني أن حرب يأجوج ومأجوج وشيكة؟

يوم القيامة

لأن هذه أول مرة يجري فيها استخدام مصطلحات "يوم القيامة" أو "هرمجدون" بين دولتين نوويتين، ومنح اصطلاح "الحرب النووية" بعدا دينيا، عبر تحذيرات أميركية وروسية ترتدي عباءة دينية، بدا أن الدين يدير صراع الغرب وروسيا، كما تؤكد صحف غربية.

وزاد الأمر خطورة مشاركة قيادات الكنيسة الروسية في "تديين" حرب روسيا مع أوكرانيا والغرب، عبر تصريحات لبطريرك روسيا "كيريل"، كما شاركها ناشطون عبر تويتر.

وفي عهده، سمح بوتين للكنيسة باستعادة صدارتها ومجدها، وقدم لها الدعم كما لم يفعل أي حاكم روسي منذ الثورة البلشفية.

وبالمقابل، مدت الكنيسة بوتين بالدعم الفكري والثقافي لتوفير أرضية لرؤيته، وتوسيع مجال نفوذ روسيا حول العالم.

وتقول المؤرخة الدينية الأميركية "ديانا باتلر باس" في مقال بمجلة "ريلجن نيوز 24" نشر في فبراير/ شباط 2022 إن لبوتين أسبابا دينية "مبطنة" أخرى للغزو، من بينها تتويج نفسه إمبراطورا مسيحيا أرثوذكسيا لروسيا وأوكرانيا. 

وأضافت باس أن بوتين يرغب في جعل الكنيسة الأرثوذكسية رأس حربة في مشروعه لإعلاء القومية الروسية، وأداة قوية لدعم أيديولوجيته السياسية عن روسيا المقدر لها أن تكون قوة عظمى.

لذلك قالت صحيفة "الغارديان" البريطانية في 7 أكتوبر 2022 أن هذه التصريحات تمثل خروجا عن نبرة بايدن الحذرة عادةً في الرد على تهديدات بوتين.

وتؤكد دراسة أجراها الكاتب الأميركي دان يانكليفتش عام 1984، أن 39 بالمئة من الأميركيين يؤمنون أن "هرمجدون" التي تنبأ بها الإنجيل هي حرب نووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، سينهزم فيها قوى الشر السوفييت، حسب اعتقادهم.

وكتب مدير برنامج السياسة النووية في مؤسسة كارنيغي للسلام جيمس أكتون: "لا أعتقد أن تعليقات بايدن كانت مجرد ثرثرةٍ فارغة، إذ سيكون المسؤول عن سلامة مئات الملايين من الناس في حال اندلاع أزمة نووية فعلية، وأعتقد أن تصريحاته تخبرنا بما يركز عليه الآن".

أوضح أكتون أنه من الخطأ افتراض أن فكرة التهديد بالإبادة هي مجرد آثار من زمن الحرب الباردة، أو أن احتمالية استخدام روسيا لأسلحة تكتيكية في أوكرانيا تعني إمكانية احتواء هذه النوعية من التصعيد، في حال لجأ بوتين لاستخدام النووي.

وتقول الكاتبة الصحفية "غريس هالسل" في كتاب عن التطرف الأصولي المسيحي بعنوان: "يد الله .. لماذا تضحي الولايات المتحدة بمصالحها من أجل إسرائيل؟"، أن الإنجيليين في أميركا يساعدون إسرائيل في هدم بيت المقدس، لاعتقادهم أن الخلاص يكمن في حرب مدمرة تسمي هرمجدون.

من جانبه قال القس والمبشر الإنجيلي "فرانكلين جراهام" أحد داعمي فكرة "هرمجدون"، عبر تويتر إن "الرئيس بايدن محق تمامًا عندما قال إن تهديد بوتين باستخدام الأسلحة النووية حقيقي، وسنواجه هرمجدون".

أيضا قال منسق الاتصالات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، في مقابلة مع شبكة "إيه بي سي" في 9 أكتوبر، إن تصريحات بايدن "تعكس بدقة المخاطر الكبيرة للغاية المتجسدة الآن".

وأضاف "عندما يكون لديك قوة نووية حديثة، ويكون قائد تلك القوة مستعدا لاستخدام خطاب غير مسؤول كما فعل بوتين عدة مرات في الأسبوعين الماضيين، فهذا يعني صحة حديث الرئيس بايدن أن "المخاطر جسيمة جدا في الوقت الحالي". 

ولأن أوروبا ستكون مسرح هذه الحرب النووية (هرمجدون) فقد وبخ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره الأميركي لتذرعه بإمكانية حدوث "هرمجدون" نووي وقال إن بايدن يجب أن يختار كلماته بعناية.

وقال ماكرون للصحفيين في قمة للاتحاد الأوروبي في براغ 7 أكتوبر/ تشرين أول 2022 "يجب أن نتحدث بحكمة عند التعليق على مثل هذه الأمور."

حرب صليبية

مؤشرات عديدة سبقت وواكبت الحرب الروسية الأوكرانية، أظهرت تدخل رؤى دينية مسيحية فيها، وظهور إشارات على احتمال تحولها إلى حرب دينية بين الطوائف المسيحية المختلفة في أوروبا.

وأكد مؤرخون أوروبيون في تاريخ المسيحية، أن العامل الديني لعب دورا في قرار الغزو الروسي، وأن بوتين، يلعب على وتر توحيد الكنيستين المنفصلتين في روسيا وأوكرانيا، وتتويج نفسه زعيما أرثوذكسيا لهما بحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في 27 فبراير/شباط 2022.

ومع تدخل أوروبا الكاثوليكية، وأميركا الإنجيلية في الحرب، أشار رئيس مجلس وزراء البوسنة والهرسك سابقا حارث سيلاذيتش لاتساع هذا الصراع الديني والنظر إلى روسيا الأرثوذكسية على أنها باتت تحارب أوروبا الكاثوليكية، في حوار مع قناة "الجزيرة" في 26 فبراير/شباط 2022.

ويتبع 73 بالمئة من الروس الكنيسة الروسية الأرثوذكسية، في حين يتوزع الأوكرانيين بين الكنيسة الأوكرانية الأرثوذكسية والكنيسة الروسية الأرثوذكسية (منفصلتان)، وفق مركز "بيو" للأبحاث الأميركي.

بينما الكاثوليك هم أكبر جماعة مسيحية في الاتحاد الأوروبي، ويشكلون 45.3 بالمئة من مجمل السكان، مقابل 11.1 بالمئة للبروتستانت، و9.6 بالمئة للأرثوذكس، و5.6 بالمئة لباق الطوائف المسيحية الأخرى.

وتنقسم الطوائف المسيحية في أميركا للبروتستانتية الإنجيلية (ما بين 30 إلى 35 بالمئة)، والبروتستانتية الخط الرئيس أو التقليديَة (48 بالمئة) والكاثوليكية (23 بالمائة) وفق معهد "غلوب" 2016.

وفي 14 أكتوبر، اتهم المستشار الألماني أولاف شولتز بوتين بشن "حرب صليبية" ضد الغرب والنظام الدولي القائم على القواعد، مؤكدا أن "الأمر لا يتعلق فقط بأوكرانيا"

وما يجعل "الحرب النووية الدينية" غير مستبعدة، على الأقل على الجانب الروسي، هو أن تهديد كبار المسؤولين الحكوميين الروس علانية، باستخدام السلاح النووي، له علاقة بأفكارهم الدينية.

ويُنظر إلى التسلح النووي على أنه طريقة الله لضمان بقاء روسيا الأم، كما هو مفصل في كتاب منشور عام 2019، بعنوان "الأرثوذكسية النووية الروسية" للمحلل دميتري أدامسكي، بحسب موقع "بوليتيكو" الأميركي في 4 مايو/أيار 2022.

وقال إن "كل جزء من الثالوث النووي (الجوي والأرضي والبحري) له قديس من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، يرش الماء المقدس على الأسلحة النووية".

وأضاف: "حتى الغواصات المسلحة نوويا مبني داخلها كنائس صغيرة والكهنة يخدمون الأفراد العسكريين المسؤولين عن نظام الأسلحة النووية في البلاد".

وأكد "بوليتيكو" أن بوتين نفسه قال إن "العقيدة الأرثوذكسية والأسلحة النووية مكونان مترابطان بشكل وثيق من الدولة الروسية". 

وأوضح أن بوتين أعلن عن هذا على شاشة التلفزيون وهو يزف للروس نبأ نجاح تجربة إطلاق أقوى صاروخ باليستي عابر للقارات في روسيا على الإطلاق، وهو RS-28 Sarmat، الذي أشار إليه حلف الناتو باسم Satan-2.

وفي روسيا يسمون هذا الصاروخ "يوم القيامة"، والغرب يسميه "الشيطان"، والاسمان لصاروخ واحد هو "سارمات" الخارق الذي وصفته موسكو بأقوى صاروخ نووي بعيد المدى في العالم.

قوى شريرة

لذا حذر بابا الفاتيكان فرانسيس، الزعماء الدينيين من استخدام الدين لتبرير "شر الحرب"، وهو انتقاد مبطّن للكنيسة الأرثوذكسية الروسية، التي دعمت غزو بوتين لأوكرانيا.

وحث في حديثه في المؤتمر السابع لزعماء الأديان العالمية والتقليدية في العاصمة الكازاخستانية نور سلطان، في 14 سبتمبر/ أيلول 2022 القادة الدينيين الموجودين في القاعة أن يتحدوا في إدانة الحرب والمبررات الدينية لها.

وكان من المفترض أن يحضر البطريرك كيريل، الذي أعرب عن دعمه لبوتين والغزو، المؤتمر، لكنه تراجع وحضر بدلا منه وفد من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، بحسب "راديو أوروبا الحرة" في 14 سبتمبر.

وبرر "كيريل" الغزو الروسي على أسس روحية وأيديولوجية، ووصف خصوم بوتين في أوكرانيا بـ "قوى الشر"، ووصف المعركة مع الغرب بأنها "روحية" وأنهم "قوى مظلمة ومعادية"، ودعا الجنود الروس لخوض الحرب لأنها لصالح الأرثوذوكس.

وبعد أيام قليلة من التعبئة الجزئية التي أمر بها بوتين بعد هزائمه في أوكرانيا، قال رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية إنه سيتم العفو عن الجنود الروس الذين يموتون في الحرب ضد أوكرانيا، ويدخلون الجنة.

وأضاف كيريل: "الموت في الحرب ضد أوكرانيا يطهر كل الذنوب"، بحسب صحيفة "برافدا" الأوكرانية في 25 سبتمبر 2022.

وتابع: "إذا مات شخص ما أثناء أداء هذا الواجب الذي يرقى إلى التضحية من أجل الآخرين، ستغسل كل الذنوب التي يرتكبها مثل هذا الرجل".

وسبق أن زعم البطريرك كيريل يوم 3 أبريل/ نيسان 2022 أن "الشباب الروس يقومون بعمل بطولي بقتل الأوكرانيين"!

وتشير "هرمجدون" باللغة العبرية إلى "تل مجدو"، على بعد 96 كيلومترا شمالي القدس، وهو المكان الذي سيشن فيه "ملوك الأرض تحت قيادة شيطانية"، حربًا على "قوات الله في نهاية التاريخ"، وفقا لتفسيرات أوردتها الموسوعة البريطانية "بريتانيكا".

ويذكر سفر "رؤيا نهاية الزمن" في "الكتاب المقدس" للمسيحيين حدوث حرب طاحنة بين قوى الخير بقيادة المسيح وقوى الشر التي سيقودها الشيطان أو "المسيح الدجال"، وستفني تلك المعارك العالم وتحرق الأرض، قبل أن ينتصر الخيرون ويؤسسوا "مملكة الرب".

وقد استخدم الأصوليون البروتستانتيون (الإنجيلون) مصطلح هرمجدون للإشارة إلى صراع كارثي وشيك بين قوى الخير والشر، أو إلى أي سيناريو يشير إلى نهاية العالم بشكل عام ثم سيعود المسيح، وتأتي نهاية العالم.

أما يأجوج ومأجوج فهما قبيلتان متوحشتان احترفوا الإغارة والسلب والنهب والقتل والظلم من قديم الزمان، وكانوا يقطنون الجزء الشمالي من قارة آسيا شمالا.

وقد ورد ذكرهم في اليهودية والمسيحية والإسلام وتعددت حولهم الروايات وتباينت.