انعقاد "قمة العلمين" الخماسية بدون السعودية.. غياب مبرر أم تغييب متعمد؟

كان غياب السعودية محيرا عن قمة العلمين الخماسية التي جمعت مصر والإمارات والبحرين والأردن والعراق في 23 أغسطس/ آب 2022، وركزت على المصالح العليا للدول العربية وتوحيد المواقف تجاه أمن المنطقة.
وقبل أسبوع من القمة ذكرت وسائل إعلام مصرية أن السعودية من أبرز المشاركين فيها، ولاحقا تحدثت عن قمة خماسية (تقلصت عمليا إلى رباعية بعد سفر رئيس وزراء العراق المفاجئ خلال القمة) واكتفت الصحف بالصمت عن غياب السعودية.
وأكدت القمة في بيان مشترك أنها هدفت إلى "ترسيخ الأمن والسلام والاستقرار والتعاون المشترك على مختلف الأصعدة، واستعراض القضايا والتطورات الإقليمية والدولية، وتبادل وجهات النظر والرؤى بشأنها".
وكلها أمور تهم وتخص السعودية، وبعضها قد لا يجري بدون ثقل المملكة الإقليمي، فلماذا غابت؟ أم غيبت؟ بينما برز الأخطبوط الإماراتي صاحب الأضلع الممتدة بأكثر من دولة بالمنطقة.
غياب أم تغييب؟
أجندة قمة العلمين أيضا كانت غامضة، فذكرت مصادر دبلوماسية مصرية لقناة "العربية" السعودية في 22 أغسطس 2022، أن من الملفات البارزة التي نوقشت دعم مصر في الحفاظ على أمنها المائي، أي سد النهضة الأثيوبي، فلماذا لم تتم دعوة السودان؟
وذكرت صحف مصرية منها "اليوم السابع" التابعة للمخابرات المصرية في 23 أغسطس 2022، أن القضية الفلسطينية أحد أبرز الملفات في القمة.
ومع هذا لم يحضر الرئيس الفلسطيني محمود عباس ما يؤكد التخبط والغموض واجتهاد كل صحيفة ومصدر في ذكر أسباب غير حقيقية.
تحدثت تقارير إعلامية أيضا عن أن القمة هدفها تسريع وتيرة التطبيع، ولهذا لم تحضرها السعودية التي تحرص على رؤية مختلفة في هذا الملف، لكن مشاركة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي تجرم بلاده التطبيع، تضعف ذلك أيضا.
القمة نفسها كانت غامضة، وامتد الغموض من أجندتها إلى تعريف القمة نفسها.
حيث أطلقت عليها صحف مصرية اسم "لقاء ودي تشاوري خاص"، وليس قمة، ووصفها المتحدث الرئاسي بـ "لقاء العلمين الخاص"، ما يعني أنها لم تشهد مباحثات جدية.
وتردد أن القمة الخماسية توسيع للقمة الثلاثية التشاورية التي عقدت في 24 مارس/ آذار 2019 ووصفت بأنها آلية تشاور ثلاثية بين قادة: مصر والعراق والأردن.
ولم يصدر عن القمة بيان ختامي، ربما لحرص مصر على وصف الاجتماع بأنه "لقاء أخوي خاص"، بحيث لا تبدو قمة رسمية، ولم يعرف إذا ما كانت هذه القمة تستهدف تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول العربية، أم بحث أمور سياسية وأمنية.
وكان للإعلامي المصري حافظ الميرازي تفسير آخر لغياب السعودية يشير ضمنا إلى غضب أو خشونة في تعامل الكفيل السعودي مع مصر، حسبما كتب في موقع "المنصة" في 24 أغسطس 2022.
تحدث عن الدبلوماسية السعودية التي أصبحت في عهد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تدير علاقاتها مع حلفائها الإقليميين "بخشونة"، بعد أن حصل المستثمر السعودي على ما أراد من مصر.
أوضح أنه بعد استلام السعودية الجزر وإجهاض الربيع العربي لم يعد لدى الكفيل السعودي استعداد لضخ أموال بلا طائل في "قربة مقطوعة".
أو لتمويل "زعامة إقليمية" أو "جمهورية جديدة" تريد بناء عاصمة جديدة وعلمين جديدة وترسانات أسلحة بقروض لا نهائية أو مقابل استحواذات على مشروعات غير مجدية.
وقال الميرازي إن "الكفيل السعودي بقيادته الشابة الجديدة لا يعرف تقبيل أو "بوس اللحى" عند أي خلاف مع أي حليف أو تابع، فطالما كان لديه أرز يملك منحه أو منعه، فهو لا يتردد في قطع الأرزاق وربما حتى الأعناق، إن لم يحصل على تبعية كاملة".
وأشار لقطع السعودية سابقا إمدادات البترول السعودي عن طريق شركة أرامكو إلى مصر ولستة أشهر، من أول أكتوبر/ تشرين الأول 2016 إلى أول أبريل/ نيسان 2017، حين تأخر تسليم جزيرتي تيران وصنافير.
ولم يستأنف ضخ البترول إلى مصر إلا بعد التزام السيسي رسميا وعلنا بتسليم الجزيرتين رغم معارضة الشعب ومجلس الدولة.
كما ربط بين مقال عماد الدين أديب "سعودي التمويل"، كما وصفه، وبين "غياب الكفيل السعودي عن حضور قمة العلمين المصرية".
وتساءل الميرازي: "هل يتصرف الكفيل السعودي كأنه غير مستعد لمواصلة تمويل المشروع المصري، وأنه حان وقت دعوة القائم عليه إلى قهوة المصارحة والانصراف؟".
ألمح لتعارض رؤية السعودية مع رؤى مصر والإمارات فيما يخص التقارب مع إيران وسوريا، وهي قضايا تردد أنها نوقشت في العلمين مع اقتراب قمة الجزائر العربية المفترض أن تبحث أو تشهد عودة سوريا إلى الجامعة بعد مقاطعتها منذ 11 سنة.
وأكد أن توقيت مقال (أديب) بشأن التحذير من أسباب سقوط الحكام والأنظمة، جاء متزامنا مع مقال للباحث ستيفن كوك بمجلة فورين بوليسي، الذي دعا فيه صانع القرار الأميركي والدولي والخليجي إلى "التوقف عن تمويل بيت السيسي المصنوع من ورق الكوتشينة".
آراء متضاربة
خبراء ونشطاء عدوا غياب السعودية عن القمة أمرا محيرا، مشيرين إلى "محور جديد غامض يتشكل بدون السعودية"، وتحدث آخرون عن خروج السعودية من ملعب الإمارات ومصر والتطبيع مع إيران وتركيا وروسيا.
أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت الدكتور عبد الله الشايجي تساءل عن سر غياب السعودية صاحبة الثقل الإقليمي، ومشاركة الدول المطبعة مع إسرائيل باستثناء العراق، كأنها قمة للمطبعين، ما يشير لدلالات غامضة.
��بمتابعة القمة الخماسية التي عقدت بين قادة #مصر،#العراق،#الإمارات-#البحرين و #الأردن في #العلمين(موقع معركتين حاسمتين في الحرب العالمية الثانية بين قوات الحلفاء والنازيين الألمان)
— عبدالله الشايجي Prof (@docshayji) August 24, 2022
��لفتني غياب #السعودية صاحبة الثقل الإقليمي!
��ومشاركة الدول المطبعة مع إسرائيل باستثناء #العراق!�� pic.twitter.com/3oJnkdyITY
من جانبه أشار أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة أم القرى سابقا عبد الحفيظ مهبوب ضمنا لرفض السعودية مناقشة مسألة تحسين العلاقات مع إيران، والتي يتردد أن القادة الخمسة تناقشوا حولها.
وقال مهبوب عن عدم مشاركة السعودية في قمة العلمين، عبر تويتر، أنه "هناك وضع متأزم في العراق، ووضع متأزم مع إسرائيل، واتفاق نووي مع إيران قادم".
وأوضح أن السعودية مارست اختبارا سياسيا مع إيران بإرسال سفيري الإمارات والكويت وهي تهدئة لا تودها إسرائيل ولا اليسار الأميركي، لكن السعودية نفسها لن ترسل سفيرها حتى تتوقف إيران عن دعم الحوثيين والمليشيات في العراق.
وعد هدف اجتماع العلمين هو "كيف يواجه العراق أزمته السياسية، وهي رسالة أن العرب بجانب العراق للتوصل الى تسوية سياسية تصب في صالح العراق، وليس في صالح إيران وتصب أيضا ضمن التهدئة بين السعودية وإيران".
وأشار لوجود "لوبي سعودي وأيضا إسرائيلي داخل الكونغرس" ضد الاتفاق النووي، والسعودية "هددت بخفض الإنتاج لأن أميركا ستجعل إيران تفرج عن خمسين مليون برميل لخفض الأسعار".
كثير من الاصدقاء يسالون عن عدم مشاركة السعودية في قمة العلمين، هناك وضع متازم في العراق، ووضع متازم مع اسرائيل، وهناك اتفاق نووي مع ايران قادم، مارست السعودية اختبار سياسي مع ايران بارسال سفيري الامارات والكويت وهي تهدئة لا تودها اسرائيل ولا اليسار الامريكي .. يتبع
— dr.abdulhafeez mahboob (@drabdulhafeezm1) August 24, 2022
بالمقابل، عد المعارض السعودي عبد الحكيم بن عبد العزيز الدخيل أن غياب السعودية معناه "تراجع شديد للثقل السياسي لمكانة السعودية وتأثيرها الإقليمي"، وتدهور لدور المملكة لصالح أطراف أخرى أهمها أبو ظبي.
تراجع شديد للثقل السياسي لمكانة #السعودية وتأثيرها الإقليمي.. القمة الخماسية العربية المنعقدة في مدينة العلمين المصرية وتجمع بين مصر والأردن والعراق والبحرين والإمارات مثال أخر على التدهور الحاصل للمملكة لصالح أطرف أخرى أهمها أبوظبي. pic.twitter.com/CvtwuDV29p
— عبدالحكيم بن عبدالعزيز الدخيّل AbdulhakimAldukheil (@Abdulhakim_01) August 22, 2022
صدارة أبو ظبي
ونقل موقع "ميديا لاين" الأميركي عن الباحث في جامعة "باريس بانتيون أساس" رشيد شاكر، إن غياب السعودية عن العلمين، اللافت للنظر، يثير عدة علامات استفهام.
وتساءل في 23 أغسطس 2022: هل هذه وسيلة أبو ظبي للاحتفاظ بالصدارة في الشؤون العربية بإبعاد السعودية؟ أم أن القاهرة أيضا تحاول استئناف دورها كقوة إقليمية كبرى، والقمة مناسبة لها لإعادة تأكيد نفوذها في الشرق الأوسط؟
"ميديا لاين" تساءل أيضا عما إذا كانت إسرائيل هي "الفيل في الغرفة"، أي في كواليس قمة العلمين، بسبب مشاركتها في مشاريع الطاقة بالمنطقة مع مصر والأردن ودول التطبيع الخليجية.
عزز هذا تأكيد تقارير صحفية أخرى أن هدف القمة زيادة صادرات الغاز لأوروبا التي تعاني نقصا كبيرا في الطاقة بسبب الأزمة الأوكرانية، وأن مشاركة مصر والأردن لأنهما متلقيان للغاز الإسرائيلي، والعراق كمنتج كبير للنفط، والإمارات مثله.
وكان ملفتا تبني صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية وجهة نظر "ميديا لاين" بشأن دور تل أبيب في كواليس القمة، ونشرها تقريرها في اليوم التالي في 24 أغسطس 2022.
بقدر ما كان اجتماع العلمين غامضا ومفاجئا، بقدر ما أثار الجدل الذي أعقبها لغياب أطراف عربية أبرزها السعودية تساؤل: هل نحن أمام بداية تشكل محاور جديدة في المنطقة.
غياب السعودية وأطراف عربية أخرى عن "العلمين"، والانقسام العربي الحالي بشأن حضور قمة الجزائر، بسبب ملفات عودة نظام بشار الأسد للجامعة العربية، والربط بين سوريا وإيران، وبين إيران والاستقرار في الخليج، أظهر وجود محاور متضاربة.
وأكد خبراء لقناة "دويتش فيله" الألمانية أن غياب السعودية ربما سببه "عدم توافقها مع بعض ملفات القمة" وأن هذا مؤشرا على فشل أو "ضعف القمة".
وأشارت دراسة لمركز كارنيغي للشرق الأوسط في 4 يناير/كانون الثاني 2022 أن مراجعة إماراتية واسعة للسياسة الخارجية تعطي الأولوية لتوسيع الشراكات التجارية، ومحاولة جني منافع سياسية وأمنية بانتهاج الحوار والتهدئة.
أوضحت أن أحد أبعاد هذه المراجعة هي تحسين العلاقات مع إيران (أبو ظبي أعادت سفيرها لإيران أغسطس 2022) والتخفف من سياسة الانتشار العسكري والمحاور حسبما أظهرت زيارة مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد لإيران.
ما يزيد الارتباك في المحاور الإقليمية أيضا هو دخول دولة الاحتلال على خط المحاور الجديدة، بعد اتفاقات التطبيع، وفي ظل الحديث عن لقاءات واتفاقات أمنية سرية بين دول عربية وإسرائيل.
يزيده أيضا أن الولايات المتحدة تسعى لبناء حلف جديد يضم دول المنطقة وتل أبيب، وبالمقابل سعي الصين وروسيا كقوى مؤثرة في المنطقة وسط اختلال موازين القوى العالمي لتشكيل محاورها الخاصة وتداعيات ذلك على أمن المنطقة.
وزادت الأزمات العربية وتعمق المشكلات الاقتصادي بفعل فيروس كورونا وحرب روسيا في أوكرانيا من تأثر المحاور السياسية القائمة وتفكك بعضها وإعادة تشكيل آخر.
سياق متوتر
وتشهد المنطقة العربية أزمات أمنية واقتصادية فاقمتها تداعيات كورونا منذ عام 2020 قبل أن تتلقى صدمة أكبر مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية فبراير/شباط 2022، تبعها نقص في إمدادات الطاقة والغذاء تسبب في تداعيات اقتصادية سلبية.
قبل قمة العلمين كانت المنطقة العربية تشهد ثلاثة محاور إقليمية كبرى، تتنافس على استقطاب العالم العربي، وهي الإيراني والتركي والسعودي الإماراتي.
وبدأت هذه المحاور تتبلور وتظهر بقوة على السطح منذ اندلاع ثورات الشعوب العربية عام 2011 وما تلاتها من تحولات كبرى.
وفي ظل الاضطرابات التي أعقبت الربيع العربي عادت سياسة المحاور لتبرز بقوة، مؤججة التنافس بين أطراف المثلث الإقليمي الأساسية التي تتحكم في أوراق اللعبة داخله، وهي إيران وتركيا والحلف السعودي الإماراتي.
لكن مع أفول الربيع العربي بدأت دول دعمت الثورات مثل تركيا وقطر، وأخرى شاركت في إجهاضها، مثل دول الخليج، في إعادة صياغة علاقاتها وتحالفاتها، وظهرت محاور جديدة بناء على مصالح كل طرف، فحدث تبدل في التحالفات القديمة.
ومع التطبيع الإسرائيلي الإماراتي وتطبيع دول أخرى، وتزايد انهيار الدور المصري الذي بات تابعا لمن يدفع، بدأت الإمارات والسعودية تبنيان كل على حدة تحالفات إقليمية مختلفة نسبيا بسبب تداخل ملفات مختلف عليها أبرزها إيران وسوريا.
هناك أسباب أخرى، أبرزها دور إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، والأزمات الاقتصادية، لعبت دورا في تشكيل هذه المحاور الجديدة.
حيث أظهرت أميركا تخليها عن حلفائها العرب، رغم تصديها لتحكم دول "الثورة المضادة" بالشرق الأوسط، ما مثل دافعا لمصالحات إقليمية، أبرزها بين السعودية والإمارات، من جهة، وقطر وتركيا من جهة أخرى.
وجاءت أزمة الوقود وارتفاع أسعار النفط لتدفع واشنطن نفسها لمصالحة أنظمة تنبذها مثل ابن سلمان وعبد الفتاح السيسي، وما تبعه من تحريك ملف المصالحات العربية والإقليمية.
وفي السياق، رأى رئيس تحرير موقع "عربي 21" الإلكتروني فراس أبو هلال في 27 يونيو/حزيران 2022، أن هذه التحالفات معرضة للتغير مرة أخرى لأن الربيع العربي لم ينته والصراع بين الشعوب والأنظمة غير الشرعية لم يحسم بعد، رغم هزيمة الموجة الأولى من الثورات.
وقال إن تعبير "الفيل الذي في الغرفة" كما يقال، لا يزال حاضرا أيضا، حيث لا تزال أسباب الثورات قائمة، بل هي أكثر حضورا مما كانت عليه عام 2011، ولا يمكن الرهان طويلا على أن الشعوب يئست من الثورة وخضعت تماما بفعل القمع.
ومن الطبيعي أن يؤثر هذا على التحالفات المؤقتة الحالية وعلى ظهور أخرى حال تبدلت الأمور واشتعلت الثورات القادمة.
لذلك يقول إن ما يحدث الآن هو حراك دبلوماسي مدفوع بتغييرات سياسية معظمها غير إستراتيجي، بين دول لا يثق بعضها ببعض، لا يزال بعضها يخشى التغيير الديمقراطي وبعضها جاهزا لإعادة التموضع في حال نشطت قوى التغيير.
ولهذا فإن ما تشهده المنطقة هو استدارات آنية، لا تحالفات مستدامة.
وهو ما يؤكده "علي أنوزلا" الصحفي المغربي، في مقال بموقع "العربي الجديد" حيث يعد أن "الغائب الكبير في سياسة هذه التحالفات والمحاور القائمة هي إرادة شعوب المنطقة".
ويشير إلى أنه "مهما تقوت هذه التحالفات عسكريا وسياسيا واقتصاديا، ستظل هشة أمام كل الإرادة الحقيقية للشعوب العربية، عندما يحين موعد استعادتها زمام أمورها".