مقال عماد أديب يثير ذعر نظام السيسي.. محاولة سعودية لتطويعه أم إسقاطه؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في توقيت لافت، ووسط أزمات عديدة يواجهها نظام عبد الفتاح السيسي، نشر الكاتب عماد الدين أديب، المحسوب إعلاميا على الكفيل السعودي، مقالا في 14 أغسطس/آب 2022 يرصد فيه "14 سببا لسقوط الحكّام والأنظمة".

المقال نُشر في موقع "أساس ميديا" اللبناني الممول من السعودية، وحظي بضجة كبيرة لأن ما كتبه أديب يكاد ينطبق على نظام السيسي دون أن يذكره، ويختمه بتأكيد سقوطه قبل منتصف 2023.

مقال أديب أثار تساؤلات: ما الذي دفعه للكتابة عن أسباب سقوط الحكام والأنظمة الآن؟ ولمن يوجه كلامه في المقال؟ ولمن يبيع بضاعته؟ ولماذا حدد موعد سقوط الأنظمة بدقة قبل منتصف 2023؟ وهل لديه معلومات؟

ما زاد الجدل أن "أديب" كتب مقالا سابقا في يونيو/ حزيران 2022 في صيغة تبدو كتهديد من نظام السيسي لدول الخليج والعالم أن نظامه في أزمة، وأنه ما لم يتدخل الخليج فورا سينهار النظام والمنطقة أوائل 2023.

لكنه الآن عاد ليكتب مقالا يبدو كتحذير أو تنويه خليجي عن سقوط السيسي!، فهل هذا المقال الثاني هو رد الخليج على تهديد السيسي في مقال أديب السابق؟

وما دور أديب؟ هل هو بوسطجي بين النظامين؟ وهل يمكنه كتابة ذلك دون أن يكون ظهره مُؤمَّنا؟

رسائل المقال

كان ملفتا أن أديب، في سرده لهذه الأسباب الـ14 التي عدها من أسباب سقوط الأنظمة، لم يقترب من "المؤسسة العسكرية"، فهل ضرب في كل الاتجاهات وترك الجيش لإيصال رسالة أنه هو الملاذ الأخير لتغيير الأوضاع؟

هل هدف المقال هو تأكيد أن الجيش هو الحل الأفضل لتغيير النظام في مصر؟ وهل لذلك علاقة بتكهنات جهات غربية عن ثورة شعبية مرتقبة حذر منها أديب نفسه في مقاله السابق في 12 يونيو/حزيران 2022؟

هل يلمح عماد أديب للإطاحة بالسيسي قبل منتصف 2023؟ لذلك قال: "كثير من أنظمتنا وشعوبنا من الآن حتى منتصف العام المقبل حينما تصبح لقمة العيش وسوء الخدمات واستحالة الحياة اليومية هي وقود اضطرابات اجتماعية مدمرة!". 

ولمن يوجه حديثه بقوله إن "أخطر ما يمكن أن يقع فيه الحاكم هو ألا يُحسن اختيار فريقه الأساسي، وألا يتعامل مع أعضائه بناء على مدى التزامهم بالإنجاز بل على أساس عبارات المديح والولاء الفارغة"؟. 

كان أديب أكثر دقة وهو يحدد موعد سقوط نظام السيسي بشكل غير مباشر "من الآن حتى منتصف العام المقبل"، والسبب "حينما تصبح لقمة العيش وسوء الخدمات واستحالة الحياة اليومية هي وقود اضطرابات اجتماعية مدمرة".

ذكر عدة أسباب لسقوط الأنظمة العربية تكاد تنطبق على نظام السيسي، منها "صراع أجهزة الحكم بعضها مع البعض الآخر بشكل مدمر"، وهو أمر مثار في مصر.

أشار إلى أن هذا "يجعل حالة العداء بين أجهزة الحكم بدلا من أن يكون العداء أو الخصومة لأعداء النظام الحقيقيين" موضحا: "باختصار أن تكون مشاكل النظام الداخلية ذات أولوية على مشاكله مع الأعداء".

وركز أديب في رصده للأسباب الـ14 لسقوط الحكام على "حاكم يجهل ما يُرضي شعبه وما يغضبه، حاكم يعطي امتيازا خاصا استثنائيا لجهاز سيادي أو طبقة أو طائفة أو منطقة حيوية، مفضلا أحدها على الآخر".

وضمن هذه الأسباب أيضا "شعور بعض التيارات أو القوى بعدم أحقية الحاكم في الحكم، وهو ما يجعلهم يتآمرون سرا على إضعافه والإضرار به، حتى يتوفر لهم مناخ يمكنهم ويبرر لهم الإطاحة به تحت دعوى فشله في إدارة شؤون البلاد".

ومن أسباب السقوط للأنظمة ذكر أيضا "اعتماد الحاكم على رجال ثقة موالين له على الرغم من ضعف كفاءتهم وفشلهم في التصدي لمشكلات البلاد والعباد".

وأضاف: "تغاضي الحاكم وسماحه للحلقة الضيقة القريبة منه بممارسة الفساد والإفساد"، و"قيام بعض عناصر الحكم بالارتباط بعلاقة عمالة مع قوى إقليمية أو دولية؛ للاستقواء بها، في معادلة اختطاف الحكم لصالحها".

أوضح: "فليذهب الحاكم مقابل أن يبقى الحزب أو الجهاز أو التيار أو الطائفة"، وهي إشارة للجيش الذي لم يره أديب أحد أسباب فشل النظام التي ستؤدي لسقوطه.

رسالة سعودية

وعرج عماد أديب في مقاله، إلى أسباب أخرى تؤدي لسقوط النظام، وكأنه يتحدث عن سياسات السيسي تماما ولكن دون أن يذكر اسمه صراحة.

حيث قال: "تعرض بعض الحكام إنسانيا لضغوط عاطفية من أفراد عائلتهم تجعلهم يضعونهم في مناصب، لا يستحقونها وغير مؤهلين لإدارتها، وتحمل مسؤولياتها الصعبة".

وهي إشارة قوية لما يتردد في الشارع المصري عن "حكم السيسي العائلي" الحالي بعدما عين العديد من أبنائه وأشقائه وأقاربه في مناصب حساسة لضمان الولاء لنظامه.

لذا يرى مراقبون ونشطاء أن المقال عبارة عن رسالة سعودية للسيسي ردا على رسائل ابتزاز النظام للخليج في المقال السابق، تشير لتوقعهم سقوط النظام وتفضيلهم أن يفعل الجيش ذلك من داخله، بعدما تخلى الخليج عن دعم السيسي.

ورأوا أن رفض غالبية دول الخليج تقديم أموال سائلة أو "دولارات طازجة" كما طالبهم السيسي في مقال أديب السابق في يونيو 2022، والدخول في استثمارات وشراء أصول مصرية- رسائل "رفع غطاء الحماية" عن السيسي.

وذكر عماد أديب في نهاية مقاله أن "كل الأسباب السابقة تزداد خطورتها وتصبح معها الأنظمة في مهب الرياح، إذا ما توفرت واجتمعت في عالم مرتبك فوضوي، مثل عالم اليوم".

واختتم متوقعا الإطاحة بعدد من الأنظمة قبل منتصف عام 2023 عبر اضطرابات اجتماعية مدمرة قائلا: "يا خوفي الشديد على كثير من أنظمتنا وشعوبنا من الآن حتى منتصف العام المقبل".

نشطاء أبرزهم المعارضة غادة نجيب، كتبوا يؤكدون أن أديب ما كان له أن يكتب هذا إلا بـ "ريموت الكفيل"، وأن هذا مؤشر على قبول الخليج بسقوط السيسي.

ورأوا أن ما نُشر مُعبر عن "بوصلة الخليج"، الذي باع السيسي وسط أزمته الاقتصادية.

أكدوا أن الوضع في مصر بات معروفا ولا يحتاج شرحا والديون وانهيار الجنيه والغلاء وبيع الأصول مؤشرات لثورة شعبية ربما يجري تداركها عبر نصائح خليجية للجيش أن يتدخل.

وصل الأمر لحد تغريد رجل الأعمال المصري المحسوب على النظام أشرف السعد، معلّقاً على المقال: "لو كان الاستاذ عماد الدين أديب يقصد الرئيس السيسي فمن الشجاعة أن يوجه الكلام له وليس كما كتبه كلام مثل الحكمة أو الفزورة".

مؤشرات السقوط

تحت عنوان "من يعوّض الفاتورة المؤلمة للحرب الروسية – الأوكرانية؟" كتب أديب في مقال سابق يزعم أن هناك 25 مليار دولار أميركي زادت بين ليلة وضحاها على الموازنة المصرية بسبب ارتفاع فاتورة الطاقة والغذاء الأساسية.

أكد أن ترك الحالة المصرية كما هي من دون تدخل اقتصادي ومالي عاجل "كارثة بكل المقاييس".

وحذر من أنه مع بدايات 2023 ستحدث اضطرابات في مصر مشابهة لثورة يناير 2011، وحذر من عدم "توقع ردود فعل القوى الشعبية الداخلية"، مخوفا أوروبا والخليج من "نزوح عشرات الملايين من المصريين"، كما يقول.

وخير أنظمة الخليج بين "تدبير موارد من الدولارات الطازجة لتنعش الاقتصاد، وبين "استفحال الأزمة والضغط الشديد على حالة الاستقرار السياسي والاجتماعي في مصر بما يفتح أبواب جهنم في مصر".

وعقب تحذيرات مقال أديب وحديث السيسي بشأن مجاعة ونزوح المصريين عبر البحر لأوروبا، أصدر سفراء دول مجموعة السبع الصناعية بيانا في 14 يونيو 2022 يعلنون التزامهم بدعم مصر في أزمة الغذاء الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا.

وأكدت مجموعة السبع أنها ستقدم مساعدات ثنائية، وأنهم "يتشاورون عن كثب" مع الحكومة المصرية بشأن الأزمة.

كما قدمت دول الخليج قرابة 22 مليار دولار في صورة "استثمارات" وشراء "أصول" لا أموال للنظام. 

وكان ملفتا عقب نشر مقال أديب الثاني عن انهيار الحكام، تأكيد الدكتور هاني جنينة الأستاذ بالجامعة الأميركية، أن النظام ملزم بدفع 30 مليار دولار بداية من يوليو/ تموز 2022، وحتى نهاية العام الجاري، وألا بتخلف عن السداد ما يضعه في خيارات صعبة.

أضاف خلال لقائه ببرنامج "الحكاية" مع شقيق "أديب"، المذيع عمرو أديب: "يجب سدادهم بأي حال من الأحوال قبل نهاية العام، حتى لا نصبح مثل سريلانكا لا قدر الله"!!.

وتبعا لـ"قاعدة بيانات البنك الدولي" في 16 يوليو 2022، مطلوب من مصر أن تسدد أكثر من 33.36 مليار دولار في الفترة من مارس/ آذار 2022 وحتى نفس الشهر في 2023 ما بين أقساط قروض وفوائد. 

أي إنه سيكون على حكومة السيسي أن تدفع مستحقات ديون خارجية خلال عام واحد تعادل تقريبا كل الاحتياطي النقدي الأجنبي الذي يُقدر الآن بـ 33.3 مليار دولار.

ووفق القاعدة نفسها أيضا ارتفع الدين الخارجي لمصر إلى 157.8 مليار دولار بنهاية مارس 2022 بعدما كان 145.5 مليار دولار نهاية ديسمبر/ كانون أول 2021، بزيادة نحو 12.3 مليار دولار في ثلاثة أشهر.

وأكد البنك أن توسع نظام السيسي في الاقتراض الخارجي، أدى لارتفاع الديون من 38.38 مليار دولار في مارس 2013 إلى 157.8 مليار دولار في مارس 2022، بزيادة بلغت نحو 311 بالمئة.

وسبق أن توقع تقرير صادر عن شركة "Verisk Maplecroft" لمراقبة المخاطر السياسية، في 11 مايو/أيار 2022 أن تواجه ثلاثة بلدان عربية خطر "الاضطرابات الاجتماعية والعنف" بعد ارتفاع الأسعار، هي مصر وتونس ولبنان.

"أديب" والسعودية

يبدو عماد الدين أديب وكأنه متحدث غير رسمي باسم حكام السعودية، إذ يتولى الدفاع عنها في كل أحاديثه ومقالاته ويحلل تحركات ولي العهد محمد بن سلمان ويدافع عن كل سياسته.

كشفت مداخلاته على عدة فضائيات أنه يقيم في جدة، رغم أنه مطلوب للقضاء في مصر بتهم شيكات بلا رصيد، لكن النظام سمح له بدخول مصر دون مساءلته لعلاقته بولي العهد السعودي، وفق رصد صحيفة الأهرام الحكومية في  8 أغسطس 2014.

وهرب "أديب" خارج مصر بسبب ثلاثة أحكام نهائية بحقه على خلفية عدم سداد مديونية كبيرة وصلت إلى 16 مليون جنيه لصالح مؤسسة الأهرام نظير طباعة جريدتي "العالم اليوم" و"نهضة مصر" ومجلة "كل الناس" منذ عام 2010.

وحين زار الرئيس الأميركي جو بايدن المملكة لحضور قمة عربية في يوليو 2022 انبرى أديب، عبر شاشة "إم بي سي مصر" السعودية، ليقول "بايدن جاء للسعودية ليكفر عن الذنب الأميركي"، ويبرر لماذا لم يتصافح ابن سلمان وبايدن. 

ورأس أديب تحرير صحف ومجلات سعودية أو ممولة من السعودية منها مجلة "المجلة" اللندنية، ومؤسسة "الصحفيون المتحدون" التي صدر منها: مجلة العالم اليوم، مجلة كلام الناس، مجلة آدم اليوم، ومؤسسة "جود نيوز" للإنتاج الفني.

وحين نشر موقع "ويكي ليكس" حوالي 70 ألف برقية دبلوماسية قال إنها مسربة من مراسلات وزارة الخارجية السعودية عام 2015 كشف عن اتباع المملكة "سياسة الشيكات" مع صحفيين مصريين وعرب لضمان تبعيتهم للمملكة.

كشفت الوثائق المسربة من ويكليكس سبل السيطرة على وسائل الإعلام المصرية وتطويعها، بين دعم مالي مباشر، ودعوات حضور لقاءات ومؤتمرات وتأشيرات، وتقديم دعم وأموال لصحفيين واعلاميين ذكر أسماء بعضهم دون آخرين.

صحفي كبير كان يعمل في مؤسسة صحفية بمصر كان يملكها عماد أديب كشف لـ"الاستقلال"، ردا على سؤال عن معلوماته عن حصول أديب عن دعم مالي سعودي أن "أديب هو الذي كان يوزع الأموال السعودية على الصحفيين والجهات المصرية".

الصحفي، الذي رفض ذكر اسمه، قال إن المؤسسات الصحفية التي أسسها أديب في مصر كانت "أبواقا للسعودية" وأنه كان حلقة وصل بين المملكة ومن جرت رشوتهم من الصحفيين أو المؤسسات الصحفية المصرية قبل وبعد ثورة يناير 2011 مباشرة.