النفط يرتفع والأسهم تتهاوى.. تداعيات حرب إسرائيل وإيران على الاقتصاد العالمي

منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

كنتيجة مباشرة وفورية للصراع الذي اشتعل بين إيران وإسرائيل، حدث ارتفاع حاد في أسعار النفط وانخفاض في أسعار الأسهم، ما سبب اضطرابات عنيفة في الأسواق العالمية.

ومع ذلك، قد لا تكون هذه الارتفاعات سوى بداية الصدمة، كما يتوقع خبراء اقتصاد تحدثوا إلى صحيفة "إزفيستيا" الروسية.

ففي حال أقدمت إيران على إغلاق مضيق هرمز، فقد يواجه العالم أزمة نفطية لم يشهدها منذ عام 1973، ما قد يدفع الاقتصاد العالمي إلى ركود يعادل في حدته الركود الناتج عن جائحة كورونا عام 2019.

حدث مختلف 

وترى الصحيفة أن "التجارب التاريخية أجبرت تجار النفط على التفاعل بحدة شديدة مع أي تحركات مفاجئة في الشرق الأوسط"، موضحة أن "درس صدمة النفط عام 1973 كان بالغ الأهمية"؛ إذ فرضت دول أوبك العربية (المنتجة للنفط)، إبان حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، حظرا نفطيا على الدول الداعمة لإسرائيل، مما تسبب في ارتفاع أسعار هذه المادة أربعة أضعاف في غضون أيام.

أما الصدمة الأصغر، والتي كانت أيضا بالغة الخطورة، فقد ارتبطت بحرب الخليج عامي 1990/ 1991.

وتعتقد الصحيفة أنه "مع مرور الوقت، بدأت الذاكرة الجماعية لتلك الأزمات تتلاشى، فقد اعتاد الاقتصاد العالمي على الاضطرابات المتكررة في الشرق الأوسط، دون أن تؤثر بشكل حاسم على سلاسل التوريد العالمية".

وأضافت: "هذا ما حدث أيضا خلال بدء العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة خريف عام 2023، وفي فترات تصعيد أخرى".

واستطردت: "حتى عندما بدأ الحوثيون باستهداف السفن في مضيق باب المندب، كانت ردة فعل السوق محدودة ولم تؤدّ إلى ارتفاع حاد في الأسعار".

وقالت إنه "لفترة طويلة، لم يُدرك التجار أن شيئا خطيرا يحدث في المنطقة هذه المرة، حتى فاجأهم التصعيد الإسرائيلي الإيراني، ثم بعد بدء تبادل واسع النطاق للضربات، بدأت الأسواق تتفاعل مع الحدث".

ففي 13 يونيو/ حزيران 2025 (يوم بدء الضربات الإسرائيلية على إيران)، قفز سعر خام برنت بنسبة 13 بالمئة، ورغم تراجع هذا الارتفاع لاحقا، ظلت الأسعار أعلى من حاجز 70 دولارا للبرميل.

"وبالتالي، يبدو أن العالم بدأ يدرك أخيرا أن لتلك التطورات عواقب قد تؤثر على الجميع، حتى وإن جاء هذا الإدراك بعد بدء القصف المتبادل"، وفق الصحيفة.

التأثيرات المتوقعة

وتحدثت عن الآثار الاقتصادية المتوقعة نتيجة الحرب الحالية، مشيرة إلى أن "التأثير الرئيس سيقع على سوق النفط (وربما الغاز) بالدرجة الأولى".

وهذا بدوره سيمتد ليشمل الاقتصاد العالمي بأسره، الذي لا يزال، رغم الانتقال إلى مصادر الطاقة الخضراء، هشا للغاية في مواجهة أي نقص في "الذهب الأسود" أو "الوقود الأزرق"، وهو الغاز الطبيعي الذي يتم معالجته وتحويله إلى وقود منخفض الانبعاثات.

وتابعت: "رغم العقوبات، تظل إيران لاعبا كبيرا على الساحة العالمية؛ حيث يبلغ إجمالي صادراتها من النفط ومكثفات الغاز نحو مليوني برميل يوميا".

وتوقعت أنه "إذا لم تهدأ وتيرة التصعيد، وواصلت إسرائيل قصف المنشآت النفطية الإيرانية، فمن المحتمل أن تُدمر ثلث أو حتى نصف هذه الطاقة التصديرية، أي ما يعادل نحو 1 بالمئة من الطلب العالمي، وهو ما يقترب من مليون برميل يوميا".

وبذلك، يمكن بسهولة إلغاء تأثير آخر زيادتين في إنتاج أوبك+ (تحالف يضم منظمة البلدان المصدرة للبترول وحلفاء آخرين من بينهم روسيا)، واللتين تجاوزتا معا 800 ألف برميل يوميا، مما يعنى ارتفاعا في الأسعار نتيجة انخفاض الإنتاج.

ويمكن لتحالف أوبك+ أن يعاود رفع مستويات الإنتاج لتعويض الكميات المفقودة؛ إذ توجد طاقات احتياطية كبيرة (تتراوح بين 4 و5 ملايين برميل يوميا.

إلا أن الصحيفة أوضحت أن "اتخاذ مثل هذا القرار ليس سهلا من الناحية السياسية، فإذا أقدمت السعودية ودول الخليج الأخرى على هذه الخطوة، فقد تتهمها إيران بالتواطؤ مع إسرائيل والولايات المتحدة".

وهذا "لا يعني فقط فقدانا كبيرا لصورة الدول العربية الإسلامية، بل يهدد أيضا بمواجهة مباشرة مع طهران".

وتحدثت الصحيفة عن عامل آخر، فقالت: "من غير المرجح أن يكون لدى السعودية والجهات الفاعلة الأخرى في المنطقة أي اعتراض على ارتفاع أسعار النفط ضمن حدود معقولة، ففي النهاية، تحتاج الرياض إلى حوالي 100 دولار للبرميل لموازنة ميزانيتها".

بدوره، يرى إيفان تيمونين، مدير المشاريع في شركة "إمبليمنت" الروسية المتخصصة في دعم الاستثمار في قطاعي الطاقة والتعدين أن "الضربات الأخيرة على إيران أثرت بالفعل على السوق؛ حيث ارتفع سعر خام برنت بنحو 7 بالمئة، ليصل إلى حوالي 75 دولارا للبرميل".

أما بالنسبة للآفاق القريبة، فتوقع الخبير الاقتصادي "ألا يحدث انقطاع كبير في الإمدادات". فإذا بقي مضيق هرمز مفتوحا، فإنه من المرجح أن تستقر الأسعار في نطاق يتراوح بين 70 و80 دولارا للبرميل.

ولفت في الوقت نفسه إلى أن "التقلبات ستظل مرتفعة حتى في هذا السيناريو؛ حيث يمكن أن تتسبب التصريحات السياسية أو الحوادث المحلية في ارتفاعات مؤقتة، لذا، من المهم متابعة تطورات الأوضاع في المنطقة عن كثب".

آثار إيجابية

في سياق متصل، تقدر الصحيفة الروسية أن "ارتفاع أسعار النفط إلى هذه المستويات لا يشكل تهديدا بحدوث اضطرابات خطيرة خارج حدود المنطقة".

ودللت على ذلك قائلة: "ففي عام 2024 وبالتزامن مع الاضطرابات في الشرق الأوسط، لم تتجاوز المؤشرات ما يعد ضمن المعيار الطبيعي".

ورجَّحت أن "يؤدي الاضطراب الحالي إلى تباطؤ طفيف في نمو الاقتصاد العالمي بمقدار بضعة أعشار من النقطة المئوية، ولكن ليس أكثر من ذلك".

من جانب آخر، "تعني هذه المستويات من الأسعار، بالنسبة لروسيا، زيادة في عائدات الصادرات ودعما للمؤشرات المالية في الموازنة"، تقول "إزفيستيا".

وتابعت: "فارتفاع سعر النفط بمقدار 10 دولارات للبرميل قد يُضيف إلى الخزينة ما بين 2 إلى 3 تريليونات روبل سنويا، مع التأكيد أن هذا التأثير المتوقع يعتمد أيضا على عوامل أخرى".

وأشارت، في ذات الوقت إلى تعقد الوضع، قائلة: "سيعزز سعر النفط الباهظ من قوة الروبل (العملة الروسية)، نتيجة الإقبال على شراء النفط بالدولار، ثم تحويله إلى العملة المحلية من قبل شركات النفط الروسية، الأمر الذي سيؤدي إلى إبطاء التضخم من جهة".

"لكن في المقابل، قد تضطر وزارة المالية والبنك المركزي إلى شراء العملات الأجنبية بشكل أكثر نشاطا، حتى لا ترتفع قيمة الروبل بشكل كبير".

وهو ما "سيؤثر بالسلب على المصدرين الروس، الذين يفضلون القيمة المنخفضة للروبل حتى تستطيع سلعهم المنافسة في السوق العالمية".

صدمة حقيقية 

ويتمثل السيناريو الأكثر دراماتيكية في إغلاق إيران مضيق هرمز بالكامل، وقد أشار النائب الإيراني إسماعيل كوثري في 14 يونيو/ حزيران 2025 إلى أن طهران "تدرس بجدية هذه الخيار".

وترى الصحيفة أنه "من الصعب تقييم الجوانب التقنية لهذه الخطوة، لكن في حال نُفذت، فإن سوق النفط العالمية سيواجه صدمة حقيقية".

وأردفت: "فبينما تستطيع السعودية تحويل جزء من إنتاجها عبر خط أنابيب الشرق-الغرب، فإن دولا مثل قطر والعراق والكويت محرومة من هذه الفرصة".

وينوه إيفان تيمونين إلى التأثيرات الخطيرة المتوقعة على الاقتصاد العالمي حال أقدمت طهران على هذه الخطوة. 

ويرى أنه "في حال أغلق مضيق هرمز بالكامل ولمدة طويلة، فإننا نتحدث عن توقف مرور ما يقارب 17 إلى 20 مليون برميل يوميا، أي نحو 20 إلى 30 بالمئة من الشحن البحري العالمي للنفط، وحوالي 20 بالمئة من الاستهلاك العالمي".

ولفتت إلى أنه "لا يمكن لطرق الإمداد البديلة أو القدرات الاحتياطية أن تُعوض سوى نحو 4 ملايين برميل يوميا، ما يعني أن العجز قد يصل إلى 10–15 مليون برميل يوميا في حال استمرار الإغلاق".

ووفق تقييمه، "سيؤدي هذا الوضع إلى نقص حاد جدا في سوق الطاقة العالمية، ونتيجة لذلك، يمكن أن ترتفع الأسعار إلى ما يتجاوز بكثير حاجز 100 دولار للبرميل".

واختتم حديثه بالتحذير من أن "مثل هذه التأثيرات قد تدفع الاقتصاد العالمي نحو الركود، خاصة إذا ترافق التصعيد في الشرق الأوسط مع تفاقم أزمة الحروب التجارية، التي لا تزال بعيدة عن الحل".