هل كان الهدف طهران؟.. رسائل ضرب البحرية الإسرائيلية موانئ اليمن

"ترجيحات أن يكون التحرك البحري الإسرائيلي ضد اليمن له علاقة بالهجوم اللاحق على إيران"
قبل أن تتصاعد لغة الحرب بين الولايات المتحدة وإيران بسبب البرنامج النووي، وتسمح واشنطن لإسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية لطهران، ويشارك الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مناورة ما قبل العدوان، قصفت إسرائيل ميناء يمنيا.
لم يكن القصف، الذي تم في 10 يونيو/حزيران 2025، جويا كما جرت العادة في 10 ضربات إسرائيلية سابقة لليمن، ولكن بحريا لأول مرة، نفذته بحرية الاحتلال، عن بعد 1600 كم شمال البحر الأحمر.
رسائل الهجوم عديدة، بعضها يشير لتمدد الذراع العسكرية الصهيونية لإفريقيا ووصولها قرب إيران، لكن أخطرها، في ظل اشتعال الحرب بين إسرائيل وإيران، هو احتمال استخدام بحرية الاحتلال أيضا لقصف طهران، بهدف دقة الوصول للمواقع النووية.
الهجوم ذاته طرح أيضا تساؤلات حول كيفية وصول سفن الاحتلال إلى موانئ اليمن والعودة؟ وما الطريق الذي سلكته؟ وهل تسللت أو مكثت في موانئ إفريقية وربما عربية مثل الإماراتية، أو حصلت على تسهيلات فيها؟
ماذا جرى؟
حتى اللحظة يتعمد الاحتلال الإسرائيلي التعتيم على تفاصيل الهجوم، فقط أعلنت هيئة البث العبرية الرسمية أن "سفنا حربية من طراز ساعر 6 أطلقت صاروخين برؤوس حربية ثقيلة من البحر الأحمر على ميناء الحديدة في اليمن".
فيما قال مراسل القناة 12 العبرية إنه "ليس مسموحا بعد بالإفصاح عن تفاصيل العملية النوعية التي تعاون فيها سلاح الجو مع سلاح البحرية"، ما يشير إلى عدم رغبة إسرائيل في كشف طريقة وصولها لليمن قرب إيران لأسباب أمنية.
ونشرت البحرية الإسرائيلية لقطات تظهر زوارق صواريخ من طراز ساعر 4.5 وساعر 6، قبل ضرب ميناء الحديدة، للتلميح إلى أنها هي التي استخدمت في الهجوم.
لكن صحيفة يديعوت أحرونوت، ذكرت في 10 يونيو 2025، أن وحدة "شاييطت 3"، إحدى وحدات سلاح البحرية، شنت الهجوم بواسطة سفن عسكرية متطورة من طراز "ساعر 6"، بالإضافة إلى سفن أخرى في شمال البحر الأحمر.
ولفتت إلى أن “السفن أطلقت صاروخين دقيقين بعيدي المدى، يحملان كمية كبيرة من المواد المتفجرة، نحو البنية التحتية لرصيف الميناء، التي تُستخدم لنقل الأسلحة والمعدات العسكرية إلى الحوثيين، وأصابا أهدافهما”.
وكشف تقرير لموقع "واللا" الاستخباراتي الإسرائيلي، أن "السفن عبرت الخليج العربي تحت إشراف وحماية سلاح الجو"، ما يشير إلى تواطؤ خليجي ما.
كما يشير أيضا إلى فشل استخباري إيراني في رصد هذه السفن، ما يشكل خطرا لو تم استخدام سلاح البحرية أيضا ضد طهران، وفق تقارير غربية.
ومع هذا لم يشرح الجيش الإسرائيلي رسميا كيفية تنفيذ الهجوم البحري الاستثنائي المعقد على ميناء يمني يبعد 2000 كيلومتر عن ميناء إيلات، لكن خبراء عسكريين يرون أن أصعب ما فيه كان في "تأمين رحلة عودة السفن الصهيونية".
في حين يرجح آخرون أن يكون جانبا من التحرك البحري الإسرائيلي ضد اليمن له علاقة بالهجوم الإسرائيلي اللاحق على إيران في 13 يونيو 2025، سواء لجهة نقل جواسيس الموساد للأراضي الإيرانية، أو عتاد عسكري وطائرات مسيرة.
دلالات الهجوم
أكثر ما لفت أنظار الخبراء العسكريين، وفقا لتقارير صحفية أميركية وأوروبية، هو سبب تنفيذ الهجوم بحرا هذه المرة على اليمن، وهل لذلك علاقة بتجربة الوصول البحري لأهداف إيرانية نووية لأن القصف الجوي غير مضمون النتائج.
والسبب هو اندلاع الحرب بعد التهديدات الإسرائيلية والأميركية، بعد تصريحات ترامب في 12 يونيو 2025 بأن ضربة إسرائيلية على إيران "ربما تحدث بسهولة"، وفق وكالة "رويترز" في 12 يونيو 2025، وأنباء تسلل الموساد إلى إيران برا وبحرا.
وكان لافتا أن العنوان الذي اختارته صحيفة "معاريف" لتقريرها: "هجوم اليمن: البحرية الإسرائيلية تُوجه رسالة للحوثيين - وللشرق الأوسط بأكمله"، في 10 يونيو 2025؛ حيث ذكرت أن الصواريخ التي انطلقت من بوارج حربية صوب الميناء اليمني كانت في الواقع "مصوّبة إلى موقع آخر ليس ببعيد عن هناك هو طهران".
وقالت: إن الهجوم بتلك الطريقة الجديدة يمثل "بيانا إقليميا مهما"؛ وذلك بهدف توصيل رسالة قوية لدول المنطقة عن قدرات إسرائيل التي لا تقتصر على سلاح الطيران أو سلاح المدفعية والصواريخ الباليستية التي تُطلق عن بعد، وفق الكاتب.
وثانيا، لأنه يمكن القيام بعمليات إضافية عن طريق البحر، من جمع المعلومات الاستخبارية إلى إنزال القوات البرية.
وثالثا، أن إسرائيل نفذت العملية البحرية بعد أن دمرت سلاح الجو الحوثي وألحقت أضرارا بقدراتهم البحرية في خليج عدن.
وكان مسؤولون أميركيون أكدوا قبل العدوان أن إسرائيل "مستعدة بالكامل" لمهاجمة إيران في الأيام المقبلة، و"جاهزة تماما" لشن ضربة عسكرية ضد طهران، بحسب صحيفة "هآرتس" العبرية في 21 يونيو 2025.
وذكر المحلل الإسرائيلي تامير هايمن لقناة "N12" العبرية في 10 يونيو 2025، أن "الضربة البحرية في اليمن هي نقطة تحول، لكن الجيش الإسرائيلي لن يستطيع حل مشكلة الحوثيين وحده".
وقال: إنه على الصعيد الإستراتيجي فإن استعداد إسرائيل لتفعيل قواتها في مضيق باب المندب يشير إلى حدود الاهتمام الجديدة والمسؤولية الأمنية الإسرائيلية، وإذا كان مضيق تيران هو حدود سلاح البحرية الإسرائيلية، فالحدود الآن تصاغ من جديد، وهذا مهم".
أي يقصد تغيير المعادلة الإستراتيجية، وبعدما كان يقال إن البحر الأحمر بحيرة عربية، وكانت تل أبيب لا يمكنها التحرك خارج مضيق تيران أصبحت قرب باب المندب.
وألمح الكاتب إلى إيران ضمنا بقوله: إن "العملية البحرية تفتح خيارات عملياتية جديدة، والحديث هنا يدور حول قدرات استخباراتية وهجومية ما يفتح أمام الجيش الآن بنك أهداف فورية لضربها وتوسيع بنك الأهداف، ووتيرة عمليات عالية".
لكنه اعترف أن الحسم العسكري لا يمكن تحقيقه فقط عبر المناورة البرية، لذلك "لن يتغير الوضع جذريا".
سرية الهجوم
بسبب سرية الهجوم، طُرحت تكهنات وتفسيرات في صحف أجنبية، مثل هل ساعدت دول إفريقية أو الإمارات، السفن الإسرائيلية ووفرت لها غطاء من السرية والدعم اللوجستي، وهذا سبب سرية الهجوم والتعتيم على تفاصيله؟
وكانت ترجيحات الخبراء بإمكانية أن تكون البحرية الإسرائيلية قد نفذت العملية انطلاقا من إحدى القواعد الخارجية في القرن الإفريقي تدور حول انطلاقها من القواعد العسكرية في إريتريا على البحر الأحمر، الأقرب جغرافيا من سواحل اليمن والأسهل لوجيستيا.
واستخدم الجيش الإسرائيلي سفنا بحرية من قاعدة "دهلك" في إريتريا خلال حربه مع حزب الله في يوليو/ تموز 2006، وشن منها هجمات صاروخية على مواقع داخل لبنان.
ورجّحت تقارير عبرية أن يكون الهجوم البحري الإسرائيلي على ميناء الحديدة له صلة بما تردد عن "تقارير استخباراتية" تحذر من إمكانية أن يهاجم الحوثيون القواعد الإسرائيلية في جزر أرخبيل (دهلك) الإريتري، والموجودة على الجهة المقابلة للساحل اليمني من البحر الأحمر (جزر ديسي ودهوم وشومي).
وكان جنرال في الجيش الصومالي كشف لموقع "إرم نيوز" الإماراتي، 3 يونيو/حزيران 2025، أن إسرائيل أخلت بشكل مفاجئ قاعدة "دهلك" بمدخل البحر الأحمر، والتي تُعد ثاني أكبر قاعدة عسكرية خارج إسرائيل.
وهي قاعدة عسكرية منحها الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي لإسرائيل في التسعينيات بعد مساندتهم للجيش الإريتري في حروبه ضد اليمن وجيبوتي وإثيوبيا بعد الاستقلال عن إثيوبيا عام 1991.
وعزا الجنرال الصومالي سحب نحو 1500 عسكري إسرائيلي من القاعدة لمستجدات الحرب مع الحوثيين، وخشية تل أبيب من استهداف القاعدة التي تضم عددا من الطائرات الحديثة والرادارات.
لذا تدور تكهنات حول هل تم الهجوم الإسرائيلي على ميناء الحديدة من القواعد الإسرائيلية في البحر الأحمر، لكن إسرائيل ضخمت منه وزعمت أن سفنها قطعت آلاف الكيلومترات من إيلات وأشدود لضرب الحديدة؟
فشل إيراني
رغم تحذير إسرائيل علانية، عبر بيان للجيش في 7 يونيو 2025، من توجيه ضربة لموانئ يمنية ومطالبته بإخلاء المنشآت في ثلاثة موانئ، لم تكن هناك أية استعدادات يمنية لصد الهجوم البحري.
لكن الأكثر أهمية وخطورة كان الفشل الإيراني في رصد السفن أو الغواصات الإسرائيلية التي قامت بالعدوان على اليمن، وربما كانت تنفذ "بروفة" لضرب إيران لاحقا.
وهو ما يطرح تساؤلات منها، كيف استطاعت البوارج البحرية الإسرائيلية الاقتراب إلى شواطئ ميناء الحديدة لتكون المنشآت الحيوية في نطاق نيرانها؟
وكيف قصف الحوثيون سفن أميركا وحاملات طائراتها ولكنهم فشلوا في التصدي للبوارج الإسرائيلية؟، وكيف يُصفّون مدمرة أميركية ولا يردون على قصف مباشر من بحرية أقل قوة؟
وكيف تضر إسرائيل اليمن من البحر بعد ساعات من تهديد (رئيس المجلس الأعلى للحوثيين) مهدي المشاط بإسقاط الطائرات الإسرائيلية لو هاجمت بشبكة دفاع جوي؟ وهل تعرضوا لخدعة "المفاجأة" فانتظروا الهجوم من الجو فجاء من البحر؟
وأين اختفت البحرية الإيرانية وتركت سفن إسرائيل تعربد في المنطقة؟ أم أن التفاوض مع واشنطن، والذي ثبت أنه ملهاة، جعل طهران تخفّف من تنسيقها مع الحوثيين، ولا ترصد عربدة سفن الاحتلال قرب شواطئها في البحر الأحمر؟
وما معنى تهديد المشاط بعد العدوان الإسرائيلي ورد الحوثيون بصاروخ على مطار بن غوريون بقوله إن “ميزات صواريخنا المعلن عنها سابقا لم تستخدم بعد والتنسيق مهم قبل استخدامها؟!”
هل يقصد أن لديهم صواريخ إيرانية ممنوعون من استخدامها ولم يتم التنسيق مع طهران بشأنها أو ينتظرون الإذن منها؟
دور الغواصات
تكهنات أخرى رجحها خبراء تشير إلى أن القصف البحري الإسرائيلي للميناء اليمني، ربما تم من غواصة بحرية لأن سفن الاحتلال اختفت عقب القصف ولم يتم رصدها، أو أن الغواصات الإسرائيلية لعبت دورا في حماية سفن الاحتلال على الأقل.
وهل كان الهجوم البحري من غواصات إسرائيلية غير مرئية قصفت من الأعماق لا سفن عائمة رغم إعلان المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي أن الهجوم “تم من خلال سفن وصواريخ تابعة لسلاح البحرية”.
وتملك إسرائيل أسطولا من الغواصات يشكل ذراعا إستراتيجية موازية لسلاح الجو، وفي 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، حصل كيان الاحتلال على سادس غواصة ألمانية متطورة، من طراز "دولفين" وفق موقع التلفزيون الإسرائيلي "i24news".
وقد أطلق عليها "أحي راهف" أو "رهاف" وتتمتع هذه الغواصة، التي تبلغ تكلفتها نحو 550 مليون يورو، بأنظمة وتقنيات فريدة، وتم تطويرها بما يسمح بإطلاق الصواريخ عموديا من هيكل الغواصة.
وبحسب تقرير أجنبية، فإن جميع غواصات “دولفين” لديها القدرة على إطلاق صواريخ كروز من تصنيع شركة رافائيل الإسرائيلية، وهي صواريخ تحمل رأسا حربيا نوويا بمدى أكبر.
وقد كشف المعلق العسكري الإسرائيلي يوسي ميلمان في صحيفة معاريف" في 12 يناير/ كانون الثاني 2016، أهمية هذه الغواصة قائلا: "جرى بناؤها من أجل هدف أساسي واحد تحدثت عنه التقارير الأجنبية هو منح إسرائيل القدرة على توجيه ضربة نووية ثانية!".
وذكر أنه وفقا لما نشرته مصادر أجنبية، تقوم إسرائيل بتحسين هذه الغواصات “حتى تستطيع من فتحات صواريخ الطوربيد التابعة لها إطلاق رأس متفجر نووي”.
وأشار إلى أن "قرار إسرائيل بناء أسطول موسع للغواصات، جاء نتيجة تفكير إستراتيجي واستغلال للفرص، ونبع من خشية تسلح الشرق الأوسط بسلاح نووي وخلال محاولات منع إيران من الوصول إلى سلاح نووي".
المصادر
- After Navy attack on Houthi port, missile fired from Yemen sends millions of Israelis to shelters
- Israeli Navy carries out Yemen strikes for 1st time, targeting houthi-port
- الضربة البحرية في اليمن هي نقطة تحوُّل، لكن الجيش لن يستطيع حلّ المشكلة وحده
- Israel 'Fully Ready' to Attack Iran in Coming Days, U.S. Officials Reportedly Say
- " ذات قدرات خاصة": الجيش الإسرائيلي يكشف عن الغواصة السادسة- الأكثر تطورا في القوة البحرية