انتهى دورهم.. لماذا أغلق السيسي أهم منبر إعلامي تابع لسلفيي السلطة؟

محمد السهيلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

ضربة جديدة قاسية وجهها النظام المصري، لتيار السلفية في البلاد، مستهدفا هذه المرة الداعية محمد حسان أهم رموز ذلك التيار وأكثرهم تأثيرا، بغلق فضائية "الرحمة"، التي يشرف عليها، وتتمتع بالحضور الأقوى بين القنوات الدينية منذ نشأتها عام 2007.

وفي 21 يونيو/ حزيران 2022، أنهى القضاء المصري 15 عاما من عمر فضائية ارتبطت باسم حسان، وكانت منبرا لمشايخ السلفية الكبار محمد حسين يعقوب، وأبوإسحاق الحويني، وحازم شومان، وظلت الوسيلة الأهم لنشر الفكر السلفي، إذ تحول بتأثير برامجها آلاف المصريين للالتزام الديني.

وأيدت محكمة "القضاء الإداري" المصرية، قرار "الشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي" الصادر عام 2019، المتضمن إلغاء ترخيص قناة "الرحمة" وتصفية نشاطها، بدعوى "فقدانها للشروط الواجب توافرها والمحددة بنصوص القانون لإمكانية منحها الترخيص".

صعود وسقوط

الحكم القضائي، المثير للجدل يأتي برغم تأييد نسبة غالبة من السلفيين ومشايخهم ودعاتهم وأصحاب المنابر والصوت المسموع من أنصار "الدعوة السلفية" بقيادة الشيخ ياسر برهامي، للانقلاب العسكري في مصر عام 2013، إلا أن رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، تخلص من قيادات ذلك التيار واحدا تلو الآخر.

فمع توالي السنين، منع السيسي، أغلب دعاة السلفية من الخطابة وارتياد منابر المساجد الكبرى وإلقاء الدروس وإصدار الفتاوى الدينية، وقلص حضور ذلك التيار بالبرلمان.

فلم يعد يمثل حزب "النور" الذراع السياسي للدعوة السلفية إلا 11 نائبا، بعدما كان يسيطر على نحو ثلث "برلمان الثورة" عام 2012.

ومن الذين طالتهم قرارات المنع الشيخ محمد حسان، أحد أكثر الدعاة السلفيين انتشارا بعهدي حسني مبارك (1981- 2011) والمجلس العسكري (2011- 2012).

إذ طاله ما طال أقرانه من دعاة السلفية من التهميش والحظر والمنع، ليفقد قناة "الرحمة"، آخر منابره التي كان يظهر عليها عبر برامج مسجلة ومن آن لآخر بطلة مباشرة لكنها نادرة.

وفي تعليقه على أسباب حرمان السيسي للسلفيين من أهم منابرهم الإعلامية والمرتبطة باسم أهم دعاة السلفية الشيخ محمد حسان، قال الإعلامي قطب العربي: "النظام يفرق بتعامله مع السلفيين بين من دعمو انقلابه، ومن ناهضوه".

وأضاف لـ"الاستقلال": "السلفيون المؤيدون لا يزالون موجودين بالمشهد السياسي عبر حزب (النور) ونوابه بالبرلمان"، ملمحا إلى "تقليص هذا الحضور البرلماني لبضع نواب بعد أن كان (النور) الثاني بعد (الحرية والعدالة) في 2012".

ولفت إلى أنه بعد استخدامهم بمواجهة الإخوان، "ضيق النظام كثيرا على المجموعة السلفية الموالية ومنع خطباءها من المساجد وجعل حضورهم بأقل قدر ممكن؛ وكانت أحدث التضييقات إغلاق قناة (الرحمة)، بحجج واهية ومضحكة مثل أن صاحبها غير مصري".

ويرى العربي أن "غلق القناة جزء من سياق قمع حرية الإعلام، والتضييق على التيار السلفي الموالي"، متوقعا أن "يتبع ذلك بعض التضييقات الأخرى".

السلفيون والأنظمة

وارتبط السلفيون في العقود السابقة بالأنظمة الحاكمة لمصر، وبدا لافتا ظهورهم بالسنوات العشر الأخيرة من عهد مبارك، الذي تخوف نظامه من مخاطر صعود جماعة الإخوان المسلمين سياسيا ومنافستها الحزب "الوطني" الحاكم على مقاعد مجلسي الشعب والشورى أعوام 1984، و1987، و2000، و2005 و2010.

وإثر صعود كبير في المرحلة الأولى من انتخابات البرلمان عام 2005، وحصول مرشحي الإخوان على 88 مقعدا وسط دعم وزخم شعبي، تمكن نظام مبارك من تحجيم هذا الصعود بالمرحلتين التاليتين من الانتخابات، وفي المقابل قام النظام بدعم تيار السلفية ليقلل رصيد الإخوان بالشارع.

وفي إطار صناعة منافس قوي للجماعة التي يعود تاريخها لعام 1928، فرش نظام مبارك، للسلفيين المساجد، وبنى العديد منها باسم جمعيات تابعة لهم، ومنحهم أهم منابر القاهرة والإسكندرية وعواصم المحافظات، ورخص لهم الفضائيات التي حازت أعلى نسب مشاهدة.

وهو الأمر الذي أكده تصريح للكاتب المصري طارق حجي، لفضائية "دريم" المحلية في أكتوبر/ تشرين الأول 2011، والتي نقلها عن وزير الداخلية الأسبق بعهد مبارك، اللواء حبيب العادلي، الذي كان مسجونا حينها في قضايا فساد وتربح، وقتل متظاهري ثورة يناير.

حجي، قال حينها إن العادلي، أكد له خلال إفطار رمضاني عام 2010، ببيت أحد رجال الأعمال المصريين، أنه "جند جيشا من السلفيين لمواجهة الإخوان لخدمة نظام مبارك، وكسر عضد الجماعة وتشويه صورتها".

ووفق شهادة حجي، فإن العادلي، قال للحاضرين: "توصلنا إلى الجماعة التي ستعمل على تفتيت عضد الإخوان، وتعمل على تشويه صورتهم، وهم السلفيون"، مؤكدا أن "تزايد أعداد السلفيين وتنسيقهم العالي فجأة كان جراء تنظيم العادلي، لهم".

المجلس العسكري، وريث نظام مبارك، وبقيادة قائد جيشه المشير حسين طنطاوي، استخدم طوال 18 شهرا حكمها قيادات السلفيين أيضا، واجتمع بهم، وبدا لافتا دور الشيخ حسان بأزمات تلك الفترة، وخاصة "أحداث الفتنة الطائفية" بالعياط بمحافظة الجيزة في 2012.

سمح طنطاوي، للسلفيين بتكوين حزب "النور"، في مايو/ أيار 2011، والتقدم لانتخابات مجلسي الشعب والشورى نهاية 2011، والتي تصدرها حزب "الحرية والعدالة" التابع لجماعة الإخوان المسلمين بـ235 مقعدا، وحصل حزب النور على 96  مقعدا، في سابقة تاريخية.

ورغم تأييد السلفيين للرئيس محمد مرسي، بداية حكمه (2012- 2013)، إلا أنهم انضموا إلى الانقلاب العسكري، وقبل ذلك فجروا أزمة "أخونة الدولة" التي كانت سببا في زيادة الضغط الإعلامي على حكومة مرسي، ثم اتهامه بالفشل والعجز.

قائد المخابرات العسكرية السابق وقائد الجيش السيسي، حذا حذو سلفيه مبارك والمجلس العسكري باستخدام السلفيين ونجح في توظيفهم لتشويه أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا، لتؤيد قيادات حزب "النور" و"الدعوة السلفية" انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013. 

وكان صادما للكثيرين، صمت بعض مشايخ ودعاة السلفية على مجزرة فض اعتصام "رابعة العدوية" و"النهضة" 14 أغسطس/ آب 2013، وغيرهما العشرات من المجازر بحق أنصار مرسي، والتي راح ضحيتها آلاف المصريين واعتقل بعدها أكثر 60 ألف معتقل.

إلا أن شهر عسل السيسي وسلفيي النور، لم يدوم طويلا، إذ انقلب المنقلب على أعوانه بالانقلاب، وبدأ قراراته بالتهميش والتحجيم والتنحية والإبعاد والتصفية والمنع من الخطابة وصعود المنابر والظهور الإعلامي وفي النهاية غلق فضائية "الرحمة" أهم المنابر.

ذراع الأنظمة

وفي تعليقه على المشهد، أكد مستشار وزير الأوقاف الأسبق الشيخ سلامة عبدالقوي، أن "الجيش حرص على طول مواجهته مع الإخوان على إيجاد ذراع يضرب الجماعة، وفي محاولات بعهدي جمال عبدالناصر وأنور السادات، وأيام مبارك وجد العسكر ضالتهم في التيار السلفي".

وأضاف لـ"الاستقلال": "بهذا الوقت مارست السعودية نفوذا ناعما عبر الدعوة الوهابية السلفية مستخدمة بعض الشباب الذين يتكلمون بطلاقة وأنفقت عليهم أموالا ضخمة وصدروهم إلى مصر، مثل حسان وغيره الذين أغدقوا عليهم الإنفاق وأسسوا لهم فضائيات وحصلوا على شهرة وصيت ذائع".

وتابع عبد القوي: "لكن مع حضور الإخوان القوي سياسيا واجتماعيا أيام مبارك جرى استخدام المخابرات التي كان يدير فرعها العسكري عبدالفتاح السيسي، للدعوة السلفية بتكوين تيار قوي شعبوي يواجه الإخوان".

"وتأسس لاحقا حزب (النور) ونال شيوخ السلفية حظوة كبيرة عند المجلس العسكري، الذي ساعده شيوخ السلفية في حل بعض أزمات الشارع المصري، مثل أزمة (كنيسة العياط) التي بدا فيها حسان بدور المنقذ"، بحسب الشيخ.

وأكد أن "دور السلفيين لسحب البساط من الإخوان فشل بانتخابات البرلمان والرئاسة (2011 و2012) بل زاد ثقل الجماعة بالشارع؛ فكان للسلفيين دور آخر أكبر في الانقلاب، وعندما تدخل حسان وبعض السلفيين كحمامة سلام بين السيسي والإخوان أو هكذا تم تصدير الأمر".

وقال "لو أحسنا الظن بحسان فهو مغرر به، ولو أسأنا الظن وبحسب معلومات قالها الشيخ السلفي محمد عبدالمقصود وغيره، فإن حسان من البداية يلعب دورا مخابراتيا أمنيا، والشاهد أنه يؤدي وغيره دورا كلفه به النظام ثم ألقى بهم بسلة قمامة".

وختم الداعية بالقول: "لا أستغرب من غلق القناة بل هو متوقع؛ وسيمنع حسان من الظهور الإعلامي مثل يعقوب، وسيتبعهما العدوي وغيره، وسيوجهون لهم تهما، ويجري تصدير دعاة آخرين كيوت مثل عبدالله رشدي، وعلى هوى النظام مثل سعد الهلالي ومبروك عطية".

ضربات متتالية

وكان صادما للسلفيين منع الدولة لأغلب مشايخهم من الخطابة في وقت مبكر من الانقلاب، إذ إنه في ديسمبر/ كانون الأول 2013، منعت وزارة الأوقاف أبو إسحاق الحويني، ومحمد حسان، وحسين يعقوب، من الخطابة والدعوة، لعدم وجود ترخيص.

وفي أبريل/ نيسان 2014، حررت الوزارة محضرا ضد يعقوب، لاعتلائه منبر قرية المطاهرة القبلية مركز أبو قرقاص بمحافظة المنيا، عنوة وبدون ترخيص. 

وفي 21 ديسمبر/ كانون الأول 2015، ألغت الأوقاف تصريح خطابة نائب رئيس "الدعوة السلفية" ياسر برهامي، بمنطقة العامرية بالإسكندرية أحد أهم معاقل السلفيين.

وفي 21 سبتمبر/ أيلول 2018، حرمت الوزارة الداعية السلفي محمد رسلان من الخطابة وصعود المنابر، برغم تأييد رسلان المعلن للسيسي وانتقاده الدائم لجماعة الإخوان.

وفي يونيو/ حزيران 2021، منعت الأوقاف الشيخ علاء الدين يعقوب، من الخطابة بمسجد عباد الرحمن بمدينة 6 أكتوبر، وهو ما رد عليه نجل يعقوب، بالقول إنني "أسير على الكتالوج".

وكان لافتا غياب الشيخ حسان عن المشهد تماما منذ أبريل/ نيسان 2016، حينما أعلن عن منعه رسميا من درسه الأسبوعي بمسجد الحصري بمدينة 6 أكتوبر، لكنه ظهر عبر فضائية "الرحمة"، عقب مجزرة مسجدي نيوزيلندا وقتل 51 مسلما، مارس/ آذار 2019.

وفي ظهور اضطراري لنفي شائعة وفاته ظهر حسان بفضائية "الرحمة"، في 7 ديسمبر/ كانون الأول 2019، لكن اللافت بظهوره القليل عدم تطرقه لأية مواقف تخص النظام، وبدا صامتا عن تعاونه مع الكيان الإسرائيلي وحملات التطبيع، وأزمة جزيرتي "تيران وصنافير" ومشكلة مياه النيل.

برغم تغييبهم عن الساحة، إلا أن الجدل بشأن السلفيين في مصر عاد بقوة بعد ضربة قاصمة للتيار السلفي بشكل عام وليس تيار برهامي وحده، إثر شهادة الشيخين محمد حسين يعقوب ومحمد حسان، أمام محكمة جنايات القاهرة في قضية "داعش إمبابة".

حينها خرجت الصحف المصرية بعناوين مهينة عن "ضبط وإحضار يعقوب وحسان أمام المحكمة"، كما أن أسئلة القاضي وما أحدثته أجوبة يعقوب بشكل خاص صدمت الكثيرين خاصة ما عده البعض تبرؤه من دوره كداعية ومن فكره السلفي، ما تبعه سخرية واسعة بإعلام النظام.

ويبدو أن القادم سيكون أكثر سوءا، فمع نشاط بعض دعاة السلفيين بمواقع التواصل الاجتماعي وتقديم المحتوى عبر شبكة الإنترنت طالب أعضاء مجلس النواب نادر مصطفى، ونشوى الديب، وعمر حمروش، وآمنة نصير، في 25 ديسمبر 2017، المجلس الأعلى للإعلام بغلق مواقعهم الإلكترونية.

غلق فضائية "الرحمة" وإبعاد الدعاة السلفيين عن الإعلام والمنابر؛ يأتي وسط توجه عالمي وعربي ومصري نحو الإسلام الصوفي واعتماده كصورة للإسلام الصحيح، والتخلص في المقابل من الإسلام السياسي والسلفي.

تلك الرؤية يدعمها تقرير مركز "راند" المرتبط بصناع القرار والعقل الإستراتيجي الأميركي عام 2007، والذي جاء بعنوان (بناء شبكات من المسلمين المعتدلين في العالم الإسلامي)، بمشاركة الباحث بجامعة هارفارد أنجيل رابسا، والنمساوية شيريل بينارد صاحبة كتاب "الإسلام الديمقراطي المدني"، ودعا لدعم الإسلام الصوفي.

وهو ما يسعى النظام المصري لفعله وبدا واضحا بأكثر من مناسبة منها الحديث الإعلامي لمستشار السيسي للشؤون الدينية أسامة الأزهري، في يونيو/ حزيران 2021، عن الفكر الصوفي وجذب المصريين له بفكرة ربط الحسابات والأرقام في الذكر بأسماء الله الحسنى والقرآن الكريم.

وفي السياق، فإن الإمارات المعروف عنها توجهاتها المثيرة للجدل والكارهة لتيارات الإسلام السياسي، تدعم بشدة توجه نشر الإسلام الصوفي، اعتمادا على مخرجات دراسة "راند".

وهو الأمر الذي يتوافق أيضا مع توجهات السعودية ورؤية ولي العهد محمد بن سلمان 2030، والتي تتخلى عن الفكر الوهابي والسلفي الذي عاش فيه المجتمع السعودي عقودا.