قنابل القذافي تعود للانفجار مالياً في وجه ليبيا الجديدة.. ما القصة؟

منذ ١٨ ساعة

12

طباعة

مشاركة

انتفض البرلمان الليبي في وجه مساعٍ أوروبية خاصة من قبل المملكة المتحدة تهدف إلى استعمال الأموال الليبية المجمدة لديها، وسط انتظار محلي لاسترجاعها.

المسعى البريطاني جرى داخل مجلس اللوردات في 28 أبريل/نيسان 2025، وتناول مقترحا باستخدام جزء من الأموال الليبية المجمدة لتعويض ضحايا الجيش الجمهوري الأيرلندي، بسبب اتهام النظام الليبي السابق في المساهمة بقتلهم.

ومنذ عام 2011، جُمدت أصول الدولة الليبية في الخارج بقراري مجلس الأمن 1970 و1973، في محاولة لحمايتها من النهب أو الاستغلال في خضم الاضطرابات التي أعقبت سقوط نظام العقيد معمر القذافي.

وتُقدّر هذه الأصول بما يزيد على 200 مليار دولار، موزعة بين أرصدة مصرفية، وسندات، وأسهم، واستثمارات متنوعة، إضافة إلى 144 طنا من الذهب، جرى تجميدها في عدة دول، خصوصا الأوروبية منها.

youcef_akouri_parlement_libye.jpeg

رفض برلماني

وتأتي هذه المحاولات اليوم استنادا إلى اتهامات قديمة موجهة للنظام الليبي السابق بدعم جماعات مسلحة في أيرلندا الشمالية، فيما تقول طرابلس الحالية: إنه لا يمكن تحميلها تبعات الماضي، لا سياسيا ولا قانونيا.

وتفيد تقارير إعلامية أن ليبيا كانت قدَّمت بين عامي 1984 و1987 أكثر من 120 طنا من الأسلحة والذخيرة والعتاد للجيش الجمهوري الأيرلندي المؤقت.

وكانت أيرلندا الشمالية شهدت أحداث عنف بين البروتوستانت والكاثوليك منذ ستينيات القرن الماضي، مما دفع الحكومة البريطانية إلى إرسال قوات للمساعدة في التهدئة، لكن استمرت التفجيرات والاغتيالات وأعمال الشغب بين جميع تلك الأطراف في أوائل التسعينيات. 

وتقول تقارير غربية: إن الشحنة الليبية مددت الاضطرابات لأعوام عدة أخرى، حتى أنهى "‏‏اتفاق الجمعة العظيمة"‏‏ لعام 1998 ثلاثة عقود من الصراع الدامي في أيرلندا الشمالية.

وفي تلك الحقبة وبعد سلسلة من التفجيرات من ‏‏الجيش الجمهوري الأيرلندي المؤقت‏، أعلن القذافي أن "القنابل التي تهز بريطانيا وتكسرها هي قنابل الشعب الليبي، ولقد أرسلناهم إلى الثوار الأيرلنديين حتى يدفع البريطانيون ثمن أفعالهم الماضية".

وأعرب مجلس النواب الليبي على لسان رئيس لجنة التحقق من الأموال الليبية المجمدة بالخارج، يوسف العقوري، عن رفضه القاطع لأي مساعٍ من قبل المملكة المتحدة أو أي دولة أخرى تحتجز الأرصدة الليبية المجمدة، تهدف إلى التصرف فيها أو الاستيلاء عليها.

ووفق موقع "أخبار ليبيا"، 5 مايو/أيار 2025، أكد العقوري أن هذه الأموال تمثل جزءًا من مقدرات الشعب الليبي ولا يجوز المساس بها تحت أي مبرر.

وشدَّد رئيس اللجنة أن أي محاولة للتصرف في تلك الأصول تُعد انتهاكا صارخا للقانون الدولي، وتتناقض مع قراري مجلس الأمن (1970) و(1973) لسنة 2011، واللذين ينصان بوضوح على تجميد الأموال الليبية دون المساس بها إلا بموافقة السلطات الليبية الشرعية.

ورأى أن أي إجراء أحادي من هذا النوع يمثل اعتداء على السيادة الليبية وانتهاكا لحقوق الشعب الليبي.

وأكَّد أن اللجنة ستتخذ كل الإجراءات القانونية والسياسية الضرورية لحماية أموال الدولة ومنع استغلالها في غير مصلحة الليبيين.

وأوضح أن التصرف في الأرصدة الليبية يجب أن يكون محكوما بموافقة ممثلي الشعب الليبي ومؤسساته الرسمية، وفي إطار يحترم السيادة الوطنية والتزامات المجتمع الدولي تجاه ليبيا.

وخلص إلى أن لجنة التحقيق تتابع عن كثب أي تحركات دولية بشأن هذا الملف، محذرا من مغبة اتخاذ أي قرارات أو إجراءات أحادية تتجاهل الواقع القانوني والسياسي، أو تمس حقوق ليبيا الاقتصادية.

801131.jpeg

حقوق سيادية

وهذه الأموال ليست مجرد أرصدة مصرفية، بل رصيد من الحقوق السيادية التي لا يجوز لأي جهة المساس بها، وفق ما يؤكد الباحث الليبي حسون بركات.

وأضاف بركات لـ "الاستقلال" أن ليبيا، كدولة ذات عضوية كاملة في الأمم المتحدة، لها الحق في المطالبة باستعادة هذه الأموال دون قيد أو شرط، وأنه على المجتمع الدولي أن يدعم هذا المطلب العادل.

وشدد على أن "التراخي في معالجة هذه الأزمة قد يفتح الباب أمام مزيد من الانتهاكات التي تنال حقوق الشعوب في التصرف بثرواتها الوطنية".

بدوره، قال الباحث الأكاديمي السنوسي بسيكري، إن الأبعاد السياسية لا تغيب عن موضوع تجميد الأموال، و"هذا نراه من ضغوط بريطانية لاستخدامها في تعويض المتضررين من عمليات الجيش الأيرلندي".

ونبَّه بسيكري لـ“الاستقلال” أن السلطات الليبية ليس لها الكلمة الأقوى للمحافظة على هذه الأموال؛ لأنها بيد الدول والحكومات التي تحتضنها، وموقفها تابع للأمم المتحدة التي تصدر قوائم خاصة بالإبقاء عليها مجمدة أو العكس.

واسترسل: “هناك تقدير حقيقي بأن هذه الأموال كانت ستتضاعف لولا القيود الغربية والأجنبية”.

وشدَّد على أن المستفيد الأول من هذا الوضع هي البنوك والمصارف التي توجد بها تلك الأموال، في ثماني دول رئيسة، وهي النمسا وبريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ولوكسمبورغ والولايات المتحدة.

وأوضح: “يتحقق هذا أساسا من كون تجميد الحسابات يهم صاحب المال أي الدولة الليبية وليس البنك الذي توجد فيه”.

وعليه، يقول: إن “تلك المؤسسات المالية تعيد تدوير تلك الأموال واستثمارها”. مشيرا إلى أن الأمر يلفه غموض كبير ولا توجد حوله معطيات دقيقة.

ورأى بسيكري أن مبررات الدول الغربية بشأن عدم إعادة هذه الأموال، وإن كانت مقبولة شكلا أو من حيث المبدأ، إلا أنها تُظهرها وكأنها تقف لحماية مصالح جهات غربية وأجنبية أساسا.

ومن هذه المبررات، قولها بعدم وجود استقرار سياسي، وغياب حكومة موحدة وسلطة مركزية، وتعطل عملية الانتقال الديمقراطي والسياسي في البلاد، وفق المتحدث ذاته.

وتابع أن “هناك من يقول: إن الأزمة طبيعتها صراع بين القوى السياسية الداخلية، تريد جميعها هذه الأموال في حربها السياسية بل والعسكرية القائمة، مما يعطل إرجاعها للدولة الليبية”.

ونبَّه الباحث السياسي إلى أنه يجب أن إقناع الجهات التي تستحوذ على الأموال بأن ليبيا قادرة على تدبيرها وإدارتها بالشكل الأمثل.

كما يجب التحرك بإيجابية مع دول مجلس الأمن الدولي الخمس دائمة العضوية (أميركا، الصين، روسيا، المملكة المتحدة، فرنسا) بتقدير أن هذا الهيكل هو الفاعل الرئيس أمام كل قرار يمكن اتخاذه بشكل هذه الأموال، وفق قوله.

وخلص إلى أنّ هذه الإجراءات قد تكون بداية جيدة للخروج من الأزمة، مما يعني أن ليبيا بحاجة إلى تقديم صورة إيجابية للمنتظم الدولي، وعلى رأسها معالجة الوضع الداخلي، والوصول إلى اتفاق بين الفرقاء، ومعالجة الانقسام السياسي الداخلي.

ابتزاز سياسي

وعبّر "حزب صوت الشعب" عن رفضه الشديد لمداولات مجلس اللوردات البريطاني بشأن استخدام الأصول الليبية المجمدة لتعويض ضحايا الجيش الجمهوري الأيرلندي.

ووصف هذه التحركات بأنها "ابتزاز سياسي مرفوض ومحاولة لنهب ثروات الشعب الليبي تحت ذرائع قانونية زائفة".

وأكَّد الحزب، وفق موقع "عين ليبيا"، 4 مايو 2025، أن تحميل ليبيا، بعد أكثر من أربعة عقود، مسؤولية تصرفات نظام سابق يعد "عبثا قانونيا وسياسيا خاصة في ظل التغيرات الجذرية التي شهدتها البلاد منذ عام 2011".

وذكّر بأن "بريطانيا نفسها شاركت في تقويض مؤسسات الدولة الليبية عبر تدخلها العسكري ضمن حلف الناتو (شمال الأطلسي)، ما تسبَّب في فوضى أمنية واقتتال داخلي دفع الليبيون وحدهم ثمنه".

وطالب الحزب الدول المتورطة في هذا التدخل، وعلى رأسها بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا، بدفع تعويضات عادلة للشعب الليبي عن الخسائر البشرية والمادية التي لحقت به منذ عام 2011.

ودعا القوى الوطنية كافة إلى التكاتف ورفض أي محاولات للمساس بالأموال الليبية المجمدة.

كما دعا إلى تحرك قانوني ودبلوماسي لمقاضاة هذه الدول أمام المحاكم الدولية، وإصدار قرارات تلزمها بتحمّل مسؤولياتها الأخلاقية والمالية تجاه ما لحق بليبيا من دمار واضطراب.

وبدوره، رأى موقع "الساعة 24" المحلي أن استمرار تجميد الأموال الليبية بالخارج، ومحاولات بعض الدول التصرف بها بشكل أحادي، "يهدّد مبادئ القانون الدولي ويضع سيادة ليبيا واستقرارها المالي على المحك".

وأوضح خلال تحليل في 3 مايو 2025، أنَّه رغم مرور أكثر من عقد على انتهاء حكم معمر القذافي، وتغير المعادلة السياسية في ليبيا، ما تزال هذه الأموال مجمدة، في تجاهل واضح للتحولات الداخلية وحق الليبيين في التصرف في ثرواتهم الوطنية.

وحذَّر من أن "هذه الأموال بدأت تُستغل من قبل بعض الدول الغربية كورقة ضغط سياسي، أو وسيلة لتعويض ضحايا نزاعات لا علاقة لليبيا الجديدة بها، ما يثير علامات استفهام حول نوايا الجهات التي تحتفظ بها".

وأشار إلى "تحركات بريطانية متكررة لمحاولة شرعنة استخدام الأموال الليبية المجمدة داخل المملكة المتحدة، تحت ذريعة تعويض ضحايا هجمات الجيش الجمهوري الأيرلندي (IRA)".

ويرى الموقع أن "هذا الطرح يفتح سابقة خطيرة تخرق مبدأ الحصانة السيادية للأموال العامة للدول".

ونبَّه إلى أن التصرف في الأموال الليبية المجمدة دون موافقة السلطات الليبية يُعد انتهاكا صريحا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وخروجا على قواعد القانون الدولي التي تحمي ملكية الدول لأصولها المالية.

وشدد على أن "تسييس هذه القضية قد يزعزع الثقة في النظام المالي العالمي، ويخلق سوابق تهدد أموال دول أخرى قد تجد نفسها مستقبلا في وضع مشابه".

وأكد أن "ليبيا تمر بمرحلة حساسة من إعادة البناء السياسي والاقتصادي، وأن الأموال المجمدة تمثل ركيزة أساسية في أي خطة مستقبلية للتنمية".

ورأى أن "حرمان الشعب الليبي من هذه الأصول، أو التلاعب بها تحت ذرائع سياسية، يُعد حرمانا من حقوق أساسية، ويؤخر جهود الاستقرار الوطني".

ودعا المصدر ذاته الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف موحد من هذه القضية، وممارسة ضغوط حقيقية على الدول الغربية المعنية بالإفراج الفوري وغير المشروط عن الأموال الليبية المجمدة.