برلماني موريتاني: الفساد يتوسع والحوار الوطني فاشل والاتفاق مع أوروبا غامض (خاص)

“يجب على السلطات الموريتانية أن تكون متوازنة في تشكيل علاقاتها بين الشرق والغرب”
قال البرلماني الموريتاني، محمد الأمين ولد سيدي مولود، إن التقارب الحاصل بين بلاده ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو) "أمر طبيعي ما دام هناك حضور روسي في القارة الإفريقية".
ورأى ولد سيدي مولود في حوار خاص لـ"الاستقلال" أن الموقع الجغرافي لموريتانيا “يؤهلها أن تكون هدفا للطرفين الغربي والروسي”.
ولفت إلى أن الاتفاق الحاصل بين بلاده والغرب بخصوص المهاجرين “هو اتفاق غامض” قد يجعل من بلاده شرطيا يعمل لمصالح الغرب و"هو أمر مرفوض على المستويات كافة".
كما عرج ولد سيدي مولود على قضايا الفساد في موريتانيا التي يرى أن "لها أصولا وآخذة في التمدد والتوسع".
كما علق على الانتقادات التي وجهتها السنغال إلى موريتانيا بشأن التعامل مع المهاجرين في موريتانيا مُفرقا بين الموجودين بشكل قانوني والآخرين غير النظاميين.
وعن الحوار الوطني الشامل الذي تعتزم الرئاسة إطلاقه، قال رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية بالبرلمان: إن التجارب الشبيهة في هذا الإطار "قد باءت بالفشل"، وهو ما لا يجعله متفائلا بنتائج مثل هذا الحوار.
وأكد أن الدعوة للحوار مطلوبة واستمرارها في مصلحة الجميع، لكن شرط أن تعود بنتائج إيجابية على المشهد السياسي في البلاد.
وفيما يخص تقييم أداء الرئيس محمد ولد الغزواني في ولايته الثانية، قال ولد سيدي مولود: إن “المؤشرات الواقعة لا تبشر بخير في هذا الإطار”.
وفي يونيو/ حزيران 2024، أسفرت نتائج الانتخابات الرئاسية عن تولي ولد الغزواني لولاية ثانية تعهد خلالها بفتح باب الحريات والتواصل الجيد مع المعارضة.
ومحمد الأمين سيدي مولود (45 عاما)، رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية بالبرلمان الموريتاني، وعضو البرلمان العربي.
انتخب نائبا منذ 2018، ثم أعيد انتخابه في 2023 نائبا عن دائرة نواكشوط الشمالية.

حالة اختلال
كيف ترون الفترة التي مرت من الولاية الثانية للرئيس ولد الغزواني وهل من مآخذ عليه؟
غالبا ما تكون الفترة الثانية في مسيرة الرؤساء أقل إنجازا من الفترة الأولى، لأنه في الفترة الأولى يسعى للتجديد مستقبلا فيكون الأداء أعلى وأفضل وأنفع،
لكن بالنسبة إلى الرئيس الموريتاني لا يمكن تقييم الأداء من الفترة الثانية حاليا؛ لأنه لم تمر سنة بعد، لكن هناك مؤشرا مهما أن الرئيس فشل في فترة ولايته الأولى أصلا في إنجاز الكثير مما تعهد به.
والكثير مما أتاحت له الظروف أن يفعله لكنه لم يفعله، وهذا يعطينا مؤشرا إلى مدى احتمالية الإنجاز في الولاية الثانية.
ماذا تتوقعون بخصوص الحوار الوطني الشامل الذي دعا إليه الرئيس ووعد بانطلاقه على مستوى الملفات كافة وخاصة الحريات؟
الحقيقة هناك تجارب سابقة في هذا السياق لا تبشر بالخير أبدا، كانت السلطات قد أعلنت في بداية الفترة الرئاسية الأولى عن حوار شامل بين مكونات المشهد السياسي لا يترك موضوعا مهما ولا يقصي طرفا على الإطلاق..
وبالفعل بدأ التجهيز لهذا الحوار وأسند إلى أمين عام رئاسة الجمهورية حينها، وفي قمة استعداد الأطراف كافة أعلنت الدولة عن إلغائه بشكل فجائي..
ثم دعت الداخلية إلى حوار مع الأحزاب يتعلق بالانتخابات واللجنة المستقلة للانتخابات، واتفقوا على بنود ولم تحترم السلطات ووزارة الداخلية بنود هذا الاتفاق المتعلق بالانتخابات.
بعدها وُقع اتفاق بين السلطة وحزبي "التكتل" و"تقدم" وهما حزبان معارضان يميلان حاليا إلى السلطة ويتحالفان معها.. ووقعا معها ما عُرف بـ"الاتفاق الجمهوري"، ولم تلتزم به السلطة.
هذه تجارب توحي بأن الحوار الحالي لن يكون الأفضل؛ لأن السلطة هي ذاتها والمنطق هو ذاته.
فإذا كانت السلطة لم تحترم النصوص القانونية الصريحة التي تخص قضايا الفساد والحريات وترخيص الأحزاب والقضاء فكيف ستلتزم بمخرجات حوار مع أطراف سياسية منافسة لها.
كما أن أي سلطة لم تلتزم بتعهداتها الانتخابية وبرامج رئاسة الجمهورية ورئيسها معروف بتعهداته فقط، كيف ستلتزم باتفاق مع معارضيها؟
لا أتوقع حدوث هذا، ولذلك أتوقع فشل هذا الحوار المدعو إليه…
ومع ذلك يبقى الحوار مطلوبا إن توفرت مؤشرات جادة على أنه سيكون حوارا مختلفا وقابلا لتنفيذ الاتفاق المترتب عليه.

مبالغة كبيرة
كثيرا ما تطرح مسألة العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في موريتانيا.. كيف ترى الأمر الآن؟
هذه علاقة في حالة اختلال تام للأسف، وذلك من حيث البنية السياسية للبرلمان، إذ تهيمن الأغلبية على نحو 90 بالمئة وهذا خلل كبير يفقد العملية التشريعية اتزانها ومنطقيتها..
وكذلك هي علاقة مختلة بسبب هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية وعدم ترك الجهاز التنفيذي أي صلاحيات للسلطة التشريعية أو أي هامش للمناورة،
وكذلك الذراع التشريعي الموالي للسلطة يفعل الأمر نفسه، نحن مثلا في آخر ثلاث سنوات لم نقدم أي تعديل على الميزانية في أي جلسة علنية،
النظام الداخلي للجمعية الوطنية الجديد قلص صلاحيات النواب وعرقل إيداع ملفات طلبات التحقيق البرلماني، وقلص الوقت وصعب إجراءات الاستجواب والمساءلات للوزراء من طرف النواب. لكل هذه الأسباب فالعلاقة بين الجهتين مختلة بشدة وغير متوازنة بالمرة.
أخيرا تم تشكيل لجنة للتحقيق في مخالفات قديمة وقعت أثناء حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز فال وكنت أنت مقررها.. كيف ترى الأهداف من وراء هذه اللجنة؟
باختصار شديد، اكتشفت أن هذه اللجنة تم تشكيلها في إطار معين، وهو إطار معركة سياسية بين جانبين يمثلان نظاما واحدا، فالفساد واقع هنا وهناك.
وهذا القرار لا علاقة له بمحاربة فساد بقدر ما هو مكوّن من مكونات معركة سياسية ليس أكثر.

تعرضت موريتانيا لانتقادات من بعض الدول المجاورة بشأن التعامل مع المهاجرين.. كيف ترون هذا الأمر؟
أرى أن هذا الأمر حدثت فيه مبالغة كبيرة، فمواقف السلطات الرسمية لهذه الدول أن بعضها أعرب عن قلقه أو تخوفه..
ثم جاءت هذه السلطات بوفود رسمية إلى موريتانيا كما حصل من السنغال مثلا ومالي وبوركينا فاسو، لم نسمع أي انتقادات من هذه السلطات بعد هذه الزيارات والاطلاع على ما يجرى داخل بلادنا.
نحن على بوابة جغرافية حساسة وأصبحنا عرضة لموجات هجرة هائلة، وقد تورطت حكومتنا في اتفاق غامض مع الأوروبيين وأصبحنا بموجبه شبه حارس لهم دون أي مقابل محترم أو مفيد.
المهم أنه ترتب على موقعنا الجغرافي أننا في خطر يستدعي موقفا حازما من الهجرة، ونحن يجب ألا نكون حارسا للأوروبيين الذين نهبوا ثروات القارة الإفريقية سنوات طويلة عندما استعمروها.
هذا الأمر خلق عندنا إشكالا كبيرا تمثل في دخول آلاف المهاجرين بعضهم دخل بشكل غير نظامي وهذا هو الصنف الذي نعده يمثل أزمة للبلاد..
السلطات الموريتانية شرحت وضعية هؤلاء المهاجرين غير النظاميين وسلطات بلادهم تفهمت بدورها أن مواطنيها يجب أن يحترموا القانون، دخولا وإقامة وإجراءات، وإلا فسيجرى ترحيلهم بطرق يجب أن تكون مسؤولية - طبعا- تراعي حقوق الإنسان والأعراف الدولية ولا تتم إهانتهم أو إيذاؤهم.

خلق التوازن
يعتبر حقل آحميم للغاز الواقع في السواحل السنغالية الموريتانية مشروعا مهما وواعدا بالنسبة للدولتين.. هل ترى الآفاق مفتوحة لمزيد من هذه المشروعات مع السنغال خصوصا؟
العلاقات بيننا وبين السنغال جيدة ويجب أن تبقى كذلك بل وتتحسن أكثر لمصلحة البلدين، والزيارات الرسمية المتبادلة بين الطرفين والتي جرت أخيرا مؤشر جيد لاستقرار هذه العلاقات..
وكذلك بين الشعبين الموريتاني والسنغالي، فالجالية السنغالية ليست بالقليلة والعكس أيضا صحيح..
وهناك أمور عديدة تدعم هذا الواقع، منها العلاقات الاجتماعية وصلات الرحم والعلاقات التاريخية بين الشعبين.
أيضا العلاقات "الروحية" القوية من خلال المدارس الصوفية العريقة، والارتباط الاقتصادي المرتبط بالغاز دعم العلاقات طبعا أكثر، وأتوقع أن تتنوع اتفاقيات أخرى بين البلدين في مجالات أخرى متنوعة..
ولا ننس أن كثيرا من الموريتانيين درسوا دراساتهم الجامعية في جامعات سنغالية على مدار العقود الماضية.
هذا الواقع المفترض أن يرتقي بهذه العلاقات وينعكس عليها اقتصاديا وسياسيا وعلى كل الصعد.

موريتانيا تعتمد بشكل كبير على استيراد السلع الأساسية.. كيف ترى تأثير ذلك في الصناعة المحلية وهل ترى السلطات جادة في تجاوز هذا الأمر وتشجيع الإنتاج المحلي؟
السلطات تحاول محاولات خجولة لدعم الإنتاج المحلي، لكن سياستها تجاه هذا الأمر ضبابية..
أداء الدولة تجاه تطوير البنى التحتية مازال ضعيفا فكيف سندعم المنتج المحلي دون بنى تحتية؟
وعندنا أيضا ضعف في مسألة استغلال الطاقة وليس توليدها، وأيضا مسألة الحديد، معروف أن الحديد الموريتاني من أهم مصادر الاقتصاد ومع ذلك نصدره في شكل خام كما ذكرنا.
لماذا؟ بسبب عدم وجود مصانع لإعادة إنتاجه أو تكريره، إذا كنا نريد دعم المنتج المحلي فلا بد من التركيز على أهم مصادر دخلنا القومي والحديد مهم جدا في هذا الإطار.
مع الأسف، مازلنا نستورد جميع حاجاتنا تقريبا وهذا خلل تنموي كبير،
والحقيقة، غير واضح أن النظام الحالي قادر على خلق توازن حقيقي في هذا المجال أم لا، وذلك بسبب غياب الشفافية وضعف الاهتمام بالبنى التحتية وكذلك عدم القدرة على استغلال مصادر الاقتصاد الاستغلال الأمثل.
والحقيقة هذا كله يعود إلى وجود فساد ينتشر انتشارا كبيرا في موريتانيا.
هل من الممكن أن توضح لنا أشكالا من هذا الفساد؟
أوَضحُ الأمور رواتب الأطباء والجنود على الحدود والمعلمين والتي لا تكفي لأن تسد رمقهم..في حين تُنفق مليارات من الميزانية في غير محلها..
مرضى الكبد والسرطانات وغيرها من الأمراض المزمنة والتي يعاني منها قطاع ليس بالقليل من الشعب لا يجدون الرعاية الكافية أو العلاج اللازم وهذا حقهم على الدولة.
وقد ناشدنا الدولة وقدمنا كثيرا من الطلبات وأوضحنا هذه الأمور في سياقات عديدة، لكن للأسف الفساد متوغل في تصرفات أصحاب القرار ورجال الأعمال.

حذر شديد
كيف ترى واقع السيادة الاقتصادية؟ هل بالفعل التحكم في الاقتصاد الموريتاني في يد سلطاتها؟
نحن بعيدون جدا عن هذه المرحلة، فمن لا ينتج غذاءه ودواءه وملبسه وأجهزته الإلكترونية في زمننا هذا لا يمكن أن يكون متحكما بشكل كامل في اقتصاد بلاده، ولن يكون قراره الاقتصادي مستقلا.
كيف ترون الاتفاقية التي وقعتها موريتانيا مع المغرب في مجال الطاقة أخيرا وماذا تحتاج موريتانيا في هذا الإطار؟ كيف تفتح مجالا لمزيد من هذه المشروعات مع شركاء آخرين؟
في مجال الطاقة نحن بحاجة شديدة إلى مزيد من المشاريع والاتفاقات، فرغم موقعنا ومساحتنا الجغرافية التي تسمح لنا بتوريد الكثير من الطاقة سواء كانت هوائية أو شمسية أو غيرهما، الصحراء الشاسعة عندنا والشمس الساطعة معظم فصول السنة، والتيار المائي من السنغال والمحيط الأطلسي..
رغم هذه المعطيات ما زال عندنا نقص شديد في الطاقة، معدن الحديد أيضا، نصدر حديدنا خاما ويعود إلينا بأسعار عالية جدا وهذا شيء مؤسف..
وكثير من المصانع يعطل عملها وعمل المستثمرين ضعف مستوى الطاقة عندنا، ولدينا مشكلة حقيقية في الكهرباء، رغم إنتاجنا لكن نعاني مشكلة في البنية المتعلقة بشركات الكهرباء.
وفي كل الأحوال، نحتاج إلى مزيد من اتفاقات الطاقة سواء مع دول الجوار الشقيقة مثل المغرب والسنغال ومالي وغيرها، أو مع الدول الأخرى البعيدة عنا كدول الاتحاد الأوروبي.

ثمة محاولات لصنع تقارب بين الناتو وموريتانيا وذلك لحاجة الناتو لتأمين الحلف نفسه تجاه أي تغيرات مفاجئة من ناحية الساحل الإفريقي.. كيف تقيم نتائج هذه المحاولات؟
من الطبيعي أن يسعى الناتو لتأسيس تحالفات جديدة في المنطقة، خصوصا بعد أن فقد الغرب بعض حلفائه مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو وغيرها..
شهدت موريتانيا زيارات متعددة من بعض قيادات الناتو، ومع الوجود الروسي في مالي يزداد القلق الغربي وقلق الناتو، بالتالي يكثف سعيه لكسب المزيد من الحلفاء..
هذا طبيعي، ولكننا في موريتانيا يجب أن نتعامل مع هذا الأمر بحذر شديد؛ لأن الصراعات الدولية كثيرا ما تؤدي بالدول الصغيرة أو الضعيفة إلى أوضاع صعبة جدا..
لذلك يجب على السلطات أن تكون متوازنة في تشكيل علاقاتها بين الشرق والغرب في هذه المرحلة المؤججة بالصراع، وأن تراعي مصالح الشعب واستقرار المنطقة من حولنا.