"نائحة مستأجرة".. هكذا يستغل السيسي أزمات حلفائه في الخليج لاستنزاف أموالهم

أحمد يحيى | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

قديما قال الشاعر العربي أبو الطيب المتنبي "بذا قضت الأيام ما بين أهلها.. مصائب قوم عند قوم فوائد"، واليوم يبرز بشدة هذا البيت الذي صار مضربا للأمثال في عالم السياسة العربية، في ظل ما تشهده منذ سنوات من انتكاسات يحاول البعض الاستفادة منها.

فمثلا قصف مليشيا الحوثي اليمنية الأخير للإمارات، مثل فرصة لرئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، للسفر إلى أبوظبي وعرض خدماته، في إطار تصريحه الشهير "مسافة السكة"، في إشارة إلى استعداده للتدخل العسكري حال تعرضت دول الخليج لعدوان. 

لكن الواقع وما فرضته الأحداث خالف ذلك، فلم يتدخل السيسي لإنقاذ حلفائه في أشد لحظات الاحتياج، وتخلف عن المشاركة بالتحالف السعودي الإماراتي ضد الحوثي، ولم يحرك ساكنا عندما جرى استهداف عملاق النفط السعودي "أرامكو".

كما غاب أيضا عن دعم الإمارات التي تعرضت عديد من مؤسساتها الحساسة في الأسابيع الأخيرة للحظات حرجة أمام هجمات متكررة من مليشيا الحوثي المدعومة إيرانيا. 

وأعادت زيارته الأخيرة إلى أبو ظبي، تساؤلات بشأن ظهور السيسي كـ"النائحة المستأجرة"، التي تذهب إلى أماكن العزاء للندب والبكاء بأجر، بينما "النائحة الثكلى" تتخبط في أزماتها، وهو ما يراه مراقبون ابتزازا واستغلالا للمصائب للحصول على الأموال.

إلى الإمارات 

في 26 يناير/ كانون الثاني 2022، وبعد أسبوع من قصف حوثي على الإمارات، أجرى السيسي زيارة إلى أبوظبي في ظروف استثنائية.

وخلال الزيارة شارك في اجتماع رباعي جمعه مع محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومحمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، حاكم دبي.

ومن هناك أعلن السيسي "إدانة مصر لأي عمل إرهابي تقترفه مليشيا الحوثي لاستهداف أمن دولة الإمارات وسلامتها واستقرارها ومواطنيها، ودعمها كل ما تتخذه الإمارات من إجراءات للتعامل مع أي عمل إرهابي يستهدفها".

وبحسب صحيفة "الرؤية" الإماراتية المحلية يعد هذا اللقاء رقم 27 في سلسلة اللقاءات والقمم التي جمعت السيسي وابن زايد، منذ اللقاء الأول بينهما في 7 يونيو/ حزيران 2014 (بعد نحو عام من انقلاب 2013 الذي وقفت وراءه الإمارات). 

وقبل زيارة السيسي نفذت مليشيا الحوثي هجومين على الإمارات، الأول في 17 يناير على مطار العاصمة وصهاريج نفطية، وأسفر عن مقتل 3 أشخاص وإصابة 6 آخرين، ثم أتبعته بآخر في 24 من الشهر ذاته وتسبب بخسائر مادية.

وتعليقا على الزيارة تحدث محللون عن مدى قدرة وفاعلية السيسي على حماية الإمارات من هجمات الحوثي، وهل بالفعل هو صادق وقادر على الاشتباك والدخول في معارك خارجية من أجل حلفائه؟ 

واعتبر مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق حسين هريدي أن "السيسي لم يكتف بالحديث الهاتفي هذه المرة، وإنما ذهب بنفسه، في دلالة على أهمية المسألة بالنسبة له". 

ولعل ما يجيب على تلك التساؤلات، التاريخ القريب للرجل، الذي خذل الرياض قبل سنوات، وكانت في أشد الحاجة إلى دعمه. 

فعندما أعلنت السعودية في 25 مارس/ آذار 2015، عملية عاصفة الحزم، ضد الحوثيين في اليمن، وكانت في مستهل حكم الملك سلمان بن عبدالعزيز، قامت بحشد عربي واسع.

لكن المشاركة المصرية كانت صادمة وعلى استحياء، وسرعان ما تحولت إلى إحجام كامل. 

وزاد من الطين بلة ما وقع في 11 يوليو/ تموز 2015، بعد أشهر من انطلاق العملية، حيث سمحت حكومة السيسي للحوثيين بإقامة معرض في القاهرة تحت عنوان "أوقفوا العدوان على اليمن".

وقتها انتقد إعلاميون ومؤثرون سعوديون ما أسموه "خيانة السيسي للسعودية"، ، قائلين إن الخطر لا يكمن في المعرض ذاته، بل في "العلاقات الخفية بين مصر وإيران"، وفي دلالاته على موقف السيسي مما يجري في اليمن.

غرد حينها الداعية عوض القرني بالقول: "مفارقة.. أقام (الرئيس الراحل محمد) مرسي أول مؤتمر للأحواز المحتلة، بينما أقام السيسي أول معرض لفضح العدوان السعودي على اليمن".

وفي تغريدة غاضبة، كتب الأكاديمي محمد الحضيف، المقرب من الديوان الملكي: "الحوثي يقيم معرض (فضح العدوان السعودي على اليمن)، برعاية المنافق السيسي، والله يقول عن المنافقين: (فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا)".

الملفت للنظر في تلك الأزمة أن نظام السيسي كان لتوه قد حصل  على دعم خليجي في المؤتمر الاقتصادي في مارس2015، في صورة استثمارات وودائع لدى البنك المركزي بقيمة 12 مليار دولار.

ما اعتبر حينها أنه مقابل دعم عسكري مصري للعمليات العسكرية في اليمن، وفق صحيفة "غارديان" البريطانية في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2016. 

ابتزاز مفضوح

وقبل ذلك، كشف السيسي عن زيف وعوده التي أعطاها لحكام الخليج خلال ندوة تثقيفية للقوات المسلحة، في 2 أبريل/ نيسان 2015.

وفيها قال صراحة إن "الجيش المصري لمصر فقط مش لحد تاني"، وهو ما اعتبر عودة عن وعوده إلى أمراء وملوك الخليج والتي حصل مقابلها على مليارات الدولارات. 

فكانت تلك التصريحات على خلاف ما صرح به سابقا عندما سئل عن أمن الخليج، فقال: "مسافة السكة"، قاصدا أن الجيش سيكون حاضرا بخصوص أي إشكالية تواجه الأمن الخليجي. 

وخلفت تلك الأزمة توترا في العلاقات وصل مداه في أكتوبر 2016، عندما أعلنت وزارة البترول المصرية أن شركة "أرامكو" السعودية للطاقة أبلغت الهيئة العامة للبترول المصرية شفهيا بالتوقف عن إمدادها بالمواد النفطية.

حينها لجأ السيسي إلى ورقة جديدة ليحلحل الموقف عن طريق ابتزاز الخليج والنظام السعودي، بالتقارب من طهران الخصم اللدود للرياض.

واللعب على وتر إيران يعد من أبرز أوراق استغلال السيسي للخليج.

وظهرت معالم ذلك في أبريل/ نيسان 2019 مع كشف وكالة "رويترز" البريطانية عن إبلاغ مصر الإدارة الأميركية بانسحابها من التحالف الأمني المزمع تشكيله في مواجهة إيران، الذي عرف إعلاميا باسم "الناتو العربي".

وقتها نشرت "وكالة أنباء إرنا" الإيرانية الرسمية، ترحيب وزارة الخارجية بالقرار المصري، وتوسعت في مجاملة إدارة 3 يوليو، واصفة مصر بأنها دولة مهمة بالنسبة لطهران.

وفتح الموقف المصري حينذاك الباب للتساؤل عن علاقة نظام السيسي بالحليف السعودي، حيث كانت العلاقات المصرية الإيرانية تسير بوتيرة إيجابية منذ الانقلاب وحتى مارس/آذار 2016، أو ما يرتبط بوصول الصواريخ الحوثية إلى الرياض.

واستمر مشهد الجفوة حتى شهد طفرة مفاجئة في يناير 2019، بالانسحاب من الناتو العربي، على خلفية تباينات واختلافات مع السعودية. 

توازنات صعبة

وفي سبتمبر/ أيلول 2016، أقر وزير الخارجية المصري سامح شكري بوجود تباين في الرؤى بين القاهرة والرياض بشأن تسوية النزاع في سوريا، خصوصا فيما يتعلق بـ"ضرورة تغيير نظام الحكم أو القيادة السورية".

هذا التباين انقلب لخلاف حاد في أكتوبر 2016، إذ صوتت القاهرة في مجلس الأمن لصالح مشروع قرار روسي بشأن الأوضاع في حلب.

ما تسبب في انتقاد مندوب السعودية في مجلس الأمن عبد الله المعلمي خيار القاهرة التصويتي بقوله: "من المؤلم أن يكون الموقف السنغالي والماليزي أقرب إلينا من موقف المندوب المصري حيال مشروع القرار الروسي".

وأعقب ذلك إعلان وزير النفط المصري طارق الملا، أن شركة أرامكو السعودية للبترول أبلغت الهيئة المصرية العامة للبترول بالتوقف عن إمدادها بالمواد النفطية "لحين إشعار آخر". 

إلا أن هذا التوتر يبدو وكأنه قد بدأ في التغير، عندما بدا أن إيران تطرح نفسها كبديل لتزويد مصر بالنفط مقابل تسهيلات.

وبرغم هذا الموقف المتمايز لنظام السيسي، رأى مراقبون، منهم الباحث بشؤون الشرق الأوسط بهاء الدين فويزي  في مقال "إنترناشيونال بوليسي" الأميريكي، في 2 ديسمبر/ كانون الثاني 2018، "أن القرار المصري حيال إيران ليس بيد قادتها، وأن مصر لا تحتمل مزيدا من الدفء في العلاقات مع إيران". 

وفي ظل ما تشهده مصر حاليا من وضع مالي صعب وسط تحذير وكالة فيتش العالمية للتصنيف الائتماني في 13 يناير 2022 من تراجع الأصول الأجنبية بمصر، ما يضع البنوك المصرية تحت ضغوط.

اتجه السيسي لطرق أبواب حكام الخليج مجددا، وهو ما تجلى بوضوح في إعلان القاهرة في 12 يناير 2022 حصولها على 3 مليارات دولار من مجموعة من المؤسسات المالية الخليجية يقودها بنكا "أبو ظبي الأول" و"الإمارات دبي الوطني".

كما طلبت قرضا جديدا بقيمة 368 مليون دولار من صندوق النقد العربي للمساعدة في تعزيز وضعها المالي وتلبية "الاحتياجات الطارئة" حسبما أعلن الصندوق في بيان بتاريخ 29 يناير 2022.

وبناء على ذلك، دعمت مصر عقد اجتماع للجامعة العربية في 30 يناير 2022، لمناقشة التهديدات الحوثية على الإمارات والسعودية و"ما يهدد أمن واستقرار الدول العربية".

كما أكدت مصادر خاصة لصحيفة "العربي الجديد" الإلكترونية في 29 يناير وصول خبراء عسكريين مصريين إلى اليمن، في أعقاب الهجمات الحوثية التي استهدفت أبو ظبي ودبي، لمراجعة خطط قوات ألوية العمالقة.

وأوضحت أن "المجموعة المكونة من سبعة خبراء عسكريين مصريين رفيعي المستوى، يوجدون في غرفة العمليات الميدانية لألوية العمالقة، التي خاضت معارك ضارية أخيرا ضد الحوثيين أدت لإخراجهم من محافظة شبوة".

ومطلع يناير 2022، أطلقت ألوية العمالقة عملية أسمتها "إعصار الجنوب"، وتمكنت خلالها من تحرير 3 مديريات في شبوة كان يسيطر عليها الحوثيون، إضافة إلى تحرير مديرية حريب في مأرب المجاورة، وكلا المحافظتين ينتشر بهما آبار نفط.

و"من بين المهام الموكلة للخبراء العسكريين المصريين تجهيز خطط لتطوير الهجوم البري من جانب قوات التحالف الإماراتي السعودي ضد مناطق سيطرة الحوثيين، مع إعداد خطط محكمة لتأمين المناطق الحيوية"، بحسب المصادر.