غياب الحاضنة.. هذه نتائج معركة "سوريا الديمقراطية" مع تنظيم الدولة بسجن الحسكة
.jpg)
هجوم "تنظيم الدولة" على سجن في محافظة الحسكة شمالي شرقي سوريا، والذي يقبع فيه سجناء له، وتديره "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، أرسى مكاسب جديدة وأوراقا لكلا الطرفين.
وكشفت العملية التي نفذتها خلايا "تنظيم الدولة" في 20 يناير/كانون الثاني 2022، الغطاء عن الضعف الأمني لقوات "قسد"، وقدرة التنظيم على تجاوز "مرحلة الهدوء" بعد ثلاثة سنوات من إعلان القضاء عليه.
قتال شوارع
لكن العنوان الأبرز لما خلفته المواجهات الجديدة بين الطرفين، هو جعل العرب السنة في عين العاصفة وتحمل نتائج هذه المعركة التي ينظر إليها الكثيرون على أنها "مفتعلة" سيكون الخاسر الأكبر فيها هم أبناء المنطقة.
وبدأ هجوم "تنظيم الدولة" مساء 20 يناير/كانون الثاني 2022، بعدما دخلت ثلاث سيارات على متنها خلاياه يرتدون زيا شبيها بزي "قوات سوريا الديمقراطية"، وتوجهوا نحو منازل عناصر تابعة لـ"قسد" على أنهم مطلوبون لأداء مهمة عسكرية وقاموا بتصفيتهم.
وتزامن ذلك مع تفجير خلايا "التنظيم" صهريجا للنفط قرب محطة الغاز "سادكوب" الواقعة قرب سجن "الصناعة" في "حي غويران"، بعد استهدافه بالرشاشات.
فيما نفذ السجناء ويقدر عددهم بخمسة آلاف، أعمال شغب أجبرت الحراس من قوات "قسد" لتسليم أسلحتهم إلى عناصر التنظيم الذين قتلوا قائد السجن، "جمال كوباني" ومسؤول آخر "ذبحا"، بالإضافة لعدد من الحرس، واعتقال آخرين، بحسب ما نقلت شبكة "الشرقية 24" المحلية.
وتمكن عناصر التنظيم المقتحمين للسجن من إخلاء 20 عنصرا تابعا له، والتي انسحبت على الفور، تاركة وراءها فوضى تؤمن انسحابها متخلية عن المئات من السجناء يواجهون مصيرهم.
وبعد ستة أيام على المواجهات، أعلنت قوات "قسد" في 27 يناير/كانون الثاني 2022، استعادة السيطرة على سجن "الصناعة"، في وقت أفادت فيه مواقع محلية بمقتل ما لا يقل عن 181 شخصا، بينهم 124 من تنظيم الدولة و50 من "قوات سوريا الديمقراطية" وحراس السجن.
وعقب ذلك، جرى تداول تسريبات عن حدوث اتفاق بين مليشيا قسد وتنظيم الدولة بتأمين خروج 200 من الأخيرة نحو البادية السورية، مقابل إطلاق سراح أربعة عناصر من "قسد" أسروا خلال الهجوم.
غياب الحاضنة
وما كان واضحا هو رفض أهالي الحي المحيط بالسجن احتواء السجناء الفارين، مما يؤكد عدم وجود حاضنة لتنظيم الدولة في المنطقة، فيما جرت عمليات تصفية لمدنيين رفضوا استضافة عناصر "التنظيم" في منازلهم.
كما نزح عشرات الآلاف من سكان أحياء "غويران" و"الزهور" من منازلهم وافترشوا المساجد والحدائق العامة، بعد أن تحولت الأزقة والمنازل لساحة قتال شوارع بين قوات "قسد" وخلايا "تنظيم الدولة".
وتخضع 83 بالمئة من مساحة محافظة الحسكة لسيطرة قوات "ي ب ج" العمود الفقري لـ"قسد"، وهو الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، والأخير هو الفرع السوري من حزب "العمال الكردستاني" المتشدد (بي كا كا) الموجود جنوبي تركيا وشمالي العراق، والمصنف كمنظمة إرهابية لدى أنقرة وواشنطن.
فيما يقتصر وجود النظام السوري في المحافظة على عدد من القرى بريفها، وبعض النقاط الأمنية والعسكرية بالإضافة إلى مطار القامشلي، الذي تتمركز فيه القوات الروسية ومجموعة من الحرس الثوري الإيراني.
واستطاع تنظيم الدولة منذ أن تمدد مطلع 2014 في سوريا، أن يجعل البادية السورية موطنا لخلاياه، وتمركز فيها بشكل دائم عقب هزيمته على يد قوات النظام السوري أواخر عام 2017 وإخراجه من دير الزور والميادين والبوكمال.
ونجح تنظيم الدولة آنذاك في تقسيم البادية إلى قطاعات من أجل ضمان بقاء مجموعاته، التي زادت عقب إعلان الولايات المتحدة الداعمة لـ"قسد" القضاء على التنظيم بشكل نهائي بمحافظة دير الزور في 23 مارس/آذار 2019، وسلم المئات من عناصره أنفسهم وزوجاتهم وأطفالهم، في آخر معقل له بالبلاد في بلدة الباغوز بمحافظة دير الزور.
وعقب ذلك جرت عملية فرز دقيقة، إذ نقل بعض عناصر وقادة تنظيم الدولة الخطرين وغالبيتهم من الأجانب، إلى سجن في حقل العمر النفطي بريف دير الزور، والذي يعد حاليا أكبر قاعدة للقوات الأميركية شرق سوريا.
كما جرى سجن نحو خمسة آلاف عنصر بينهم بعض قادة الصف الثاني المحليين من الجنسية السورية والعراقية في سجن "الصناعة"، فيما عزل أمراء التنظيم عن هؤلاء الأسرى في سجن سري بالحسكة.
أما نساء "تنظيم الدولة" والأطفال دون سن العاشرة فقد احتجزوا في مخيم "الهول" شرق الحسكة، أما الأطفال الذين تجاوزت أعمارهم 12 سنة فأودعوا في سجن "الأحداث" بقرية تل معروف شمال شرق المحافظة.
وخصص مخيم "روج" والواقع قرب مدينة المالكية شمال الحسكة، كسجن أمني حساس جدا، احتجزت فيه فقط نساء وأطفال قادة وأمراء تنظيم الدولة.
تجاوز الهدوء
وبحسب تقرير لموقع "فويس أوف أميركا"، نشره في 4 يناير/كانون الثاني 2022، حذر خبراء من أن تنظيم الدولة يخطط لشن المزيد من الهجمات القاتلة في سوريا خلال عام 2022.
فيما قال الباحث الأول في مركز "سوفان" الأميركي، كولين كلارك، إن "الديناميكيات الأمنية المحلية على الأرض في سوريا لم تتغير".
ودارت تكهنات كثيرة حول أحداث "سجن الصناعة" في غويران، إذ دفع بعض المحللين بالقول إن العملية كانت بتواطؤ من قوات قسد، التي تستغل ورقة تنظيم الدولة وتتلاعب بها لما يخدم مصالحها.
واتهم البعض "قسد" بالتخطيط لتهجير المكون العربي، في الأحياء المحيطة بسجن الصناعة كأحد الغايات من "معركة غويران"، عدا عن استجلاب المزيد من الدعم والضغط على الداعم الأميركي تحت شماعة محاربة الإرهاب.
وما يدعم فرضية "المزيد من الدعم"، أن سيناريو هجوم تنظيم الدولة، أشبه بفيلم هوليودي، لعملية تحرير سجناء خلف خطوط التماس، وتحت أنظار القوات الأميركية الراعي الرسمي لـ"قسد"، وحتى الروسية التي تنتشر في عدة مناطق من محافظة الحسكة.
من جانبه، يستبعد الخبير العسكري والإستراتيجي السوري، فايز الأسمر، "بشكل مطلق ما حدث في غويران على أنه مسرحية".
واعتبر الأسمر في حديث لـ"الاستقلال" أن "هذه العملية بكل تفاصيلها باعتقادي أراد من خلالها تنظيم الدولة إرسال رسائل بأنه تجاوز مرحلة الكمون التي مر بها بعد خسارته السيطرة الجغرافية عام 2019، وأنه لا يزال الرقم الأصعب القادر على الوصول إلى أشد الأماكن والمناطق التي تتمتع بإجراءات أمنية مشددة وإقلاق كافة أصحاب النفوذ".
وشرح الخبير العسكري، الاحتمالية التي وصلت فيها خلايا تنظيم الدولة إلى الحسكة بقوله إنه "جرى التسرب إلى محيط السجن على مدى أشهر قليلة، والتغلغل هناك، وربما ساعد تلك الخلايا تجاوز حواجز قسد بالرشاوي المالية، فضلا عن استفادة التنظيم من خبرته العسكرية في التخطيط للهجوم والقيام بعملية التفخيخ للملغمات التي ضربت أسوار السجن".
وشدد الأسمر على أن "العملية أظهرت مدى الضعف الأمني لمليشيا قسد في مساحة 1 كم لم تستطع حمايتها، خاصة مع وجود السجن الذي يضم سجناء التنظيم، ولا سيما أن الحسكة هي معقل قسد السياسي أو العسكري، وجرى اختراقها الأمني وفرار المئات من عناصر التنظيم من السجن وقد يكونون وصلوا خارج نطاق الحسكة".
سيناريوهات مستقبلية
وقال الخبير العسكري والإستراتيجي السوري، الأسمر، إن "هذه العملية سيكون لها ارتداداتها السياسية والميدانية على الصعيد المحلي والدولي، وأتصور أن ما كان قبل عملية غويران ليس كما بعدها".
واستطرد: "لا شك أن المدنيين وأخص هنا العرب هم الأكثر تضررا من هذه العملية التي ستستثمرها مليشيات قسد وستتهم الكثيرين منهم بـ(الدعشنة) وتقديم المساعدة للتنظيم لتنفيذ هذه العملية".
وتابع الأسمر: "ناهيك عن الضرر الحالي وتشريد أكثر من 50 ألفا خارج أحيائهم، وما سيصاحب ذلك من القيام بسرقات ممتلكات الأهالي من قبل عناصر قسد؛ بحجة التمشيط والبحث عن خلايا التنظيم".
وتعرضت عشرات المنازل القريبة من السجن للتدمير، بعد قصفها من قبل الطيران الأميركي، وقذائف "قسد" التي قيل إن عناصر تنظيم الدولة كانوا يتحصنون فيها.
لكن هناك أطراف تنظر إلى "أحداث سجن غويران" على أنه عبارة عن "مسرحية ضعيفة الإخراج" من قبل مليشيا قسد، وفق المتحدث باسم مجلس القبائل والعشائر السورية المعارضة، مضر حماد الأسعد.
وقال الأسعد في حديث لـ"الاستقلال"، إن "مسرحية سجن غويران هي رسالة من مليشيا قسد للعالم تزعم فيها أنها تحارب الإرهاب وما يقومون به من أعمال عسكرية هي لمحاربة تنظيم الدولة والإرهاب القادم من سوريا".
وبين الأسعد أن "فبركة هذه المسرحية الركيكة في حي غويران بالحسكة تقف وراءها أسباب عدة، أولها، إفراغ الحي من سكانه العرب وهو أكبر أحياء مدينة الحسكة ومهد الثورة السورية والذي يعتبر خارج سيطرة مليشيات قسد رغم كثافة مرتزقتهم داخل شوارعه".
ثانيا، تسهيل "اعتقال قسد للرافضين للخضوع والعمل معهم بحجة تعاونهم وتعاطفهم مع تنظيم الدولة أو الذين يرفضون قرار التجنيد الإجباري والقسري"، وفق الأسعد.
ولفت المتحدث إلى أن "مليشيا قسد عملت على إخراج عملائهم ومرتزقهم من السجن بطريقة هوليودية، حيث جرى تهريب 65 من عناصر تنظيم الدولة الخطرين جدا، وأغلبهم من المهاجرين الأجانب إلى البادية الشامية".
#بالفديو
— العامري 2 (@rahim_6464) January 21, 2022
هروب الدواعش من سجن غويران بالحسكة pic.twitter.com/6oqxQ3JCPR
وكذلك "تهريب حوالي 200 عنصر إلى العراق وإقليم كردستان بشمال العراق وإلى المناطق المحررة في الشمال السوري المحرر، بهدف التأكيد للمجتمع الدولي الذي يدعمهم بالمال والسلاح والإعلام أن تنظيم الدولة ما يزال موجودا ويجب مواصلة وتعزيز الدعم لمحاربته وملاحقة خلاياه".
والأمر المهم، وفق الأسعد، هو "وجود الآلاف من السجناء العرب الأبرياء وأصبح لهم سنوات في معتقلات مليشيا قسد يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب والإهانة، وجرى إلصاق التهم بهم وخاصة أن حوالي 70 بالمئة من سجناء سجون حي غويران ليس لهم علاقة بتنظيم الدولة، بل من سجناء الرأي والمنتقدين لسياسات قسد".
وتواجه قوات "قسد" في مناطق سيطرتها شمال شرقي سوريا مظاهرات احتجاجية متكررة ضد الغلاء ونقص الخبز والمحروقات، وضد فرضها عملية التجنيد الإجباري والقسري على الشباب والأطفال.
ووفق مراقبين، تفرض "قسد" من خلال ممارساتها تلك نفسها كسلطة أمر واقع بدعم أميركي كامل، حيث تجد بشماعة تنظيم الدولة "متنفسا وعصا" تلوح بها ضد أهالي المناطق التي تسيطر عليها عبر التحذير من خطر عودته.
المصادر
- أكدت المصادر هروب قياديين من داعش خلال الهجوم وأن عملية السجن كانت تهدف لذلك فقط..!
- هدم الأسوار… كيف بدأت وأين وصلت بعد 4 أيام وإلى أين تتجه
- سوريا: القوات الكردية تستعيد السيطرة على سجن حي غويران بالحسكة
- سجن غويران: هجوم تنظيم الدولة الإسلامية في الحسكة يقرع ناقوس الخطر
- الحسكة.. نازحو “غويران” يجدون من يلاحقهم لا من يؤويهم