لعبة كراسي أم شبح انقلاب.. لماذا أطاح السيسي بوزير الدفاع ورئيس الأركان؟

السيسي جاء بلواء متقاعد على المعاش ليضعه قائدا للجيش
مفارقة غريبة حدثت في التعديل الوزاري الذي أعلنته مصر على مرحلتين يومي 2 و3 يوليو/تموز 2024، تمثلت في تسريبه للصحف خاليا من اسم وزير الدفاع، وفي اليوم التالي، وأثناء أداء القسم تبين الإطاحة به بشكل مفاجئ.
إطاحة رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي بالوزير محمد زكي، بعدما عينه عام 2018 مكافأة له على دوره الرئيس في الانقلاب العسكري ضد الرئيس الراحل محمد مرسي، بصفته قائدا للحرس الجمهوري، أثارت علامات استفهام كثيرة.
وعين السيسي مكانه عبدالمجيد صقر وزيرا للدفاع بعد ترقيته رتبتين لـ "فريق أول" بدلا من "زكي"، ما أثار علامات استفهام أكثر حول دوافع تعيين "لواء متقاعد" وتجاهل قادة المجلس العسكري الـ 25، وآخرين.
إقالة وزير الدفاع وتعيين آخر بدلا منه، في ذكرى انقلاب 3 يوليو 2013، الذي شارك فيه محمد زكي طرحت تساؤلات بشأن وجود أزمة في المؤسسة العسكرية؟ أم أن ما جرى هو استمرار للعبة الكراسي التي يجيدها السيسي لإحكام سيطرته على الحكم وتفادي شبح أي انقلاب محتمل ضده؟
سر التعتيم
وحتى نهاية 2 يوليو 2024، كانت مواقع الصحف الحكومية المصرية تعلن أسماء وزراء الحكومة الجديدة التي ستؤدي اليمين الدستورية، خالية من تحديد وزارة الدفاع، وسط غموض غريب.
دفع هذا صحفا للتكهن بأن وزير الدفاع "محمد زكي" باقٍ في منصبه، لأنه منصب سيادي. ونشرت صحف أخرى أن اللواء عبدالمجيد صقر هو وزير التنمية المحلية، قبل الإعلان فجأة أنه أصبح يحمل حقيبة الدفاع .
صحفيون قالوا لـ "الاستقلال" إن الأمر جرى التعتيم عليه عمدا من جانب رئاسة الجمهورية، ولم يتم مدهم بأي أخبار حول مصير وزير الدفاع، من "جهاز سامسونج"، أي الجهات الرقابية التي تملي عليهم ما يكتبونه.
فجأة منح السيسي اللواء عبدالمجيد صقر، وهو لواء متقاعد من خارج الخدمة، ويشغل منصب محافظ السويس، رتبتين عسكريتين في وقت واحد، فريق ثم فريق أول، وعينه وزيرا للدفاع وقائدا عاما للجيش، وعزل الفريق أول محمد زكي.

كان بيان المتحدث باسم رئاسة الجمهورية حول تعيين الوزير الجديد أيضا غريبا ومرتبكا، حيث قال إن السيسي "أصدر قرارا جمهوريا بترقية عبدالمجيد أحمد عبدالمجيد صقر إلى رتبة الفريق أول"، دون أن يتحدث عن توليته المنصب.
وتبع هذا إعلان موقع الرئاسة عملية حلف الوزراء اليمين للحكومة الجديدة ومن بينهم وزير الدفاع الجديد عبدالمجيد صقر، ثم قرار بتعيين “محمد أحمد زكي محمد”، مساعدا لرئيس الجمهورية لشؤون الدفاع.
وتعني عبارة "مساعد لرئيس الجمهورية" في تاريخ السياسة المصرية، إحالة صاحبها إلى مخزن التاريخ، بصورة تبدو لائقة لحين اختفائه نهائيا من الصورة بوفاة أو تعيين مساعد جديد "مُقال" بدلا منه.
وقبل ثبوت إقالته، لوحظ أن موقع وزارة الدفاع الرسمي حذف السيرة الذاتية لمحمد زكي من على الموقع تمهيدا لرفع صورة وسيرة الوزير الجديد.
وتكرر الأمر بإزالة السيرة الذاتية لرئيس الأركان الفريق أسامة عسكر، أيضا من على الموقع، وظلت فقط أسماء قادة الجوية والبحرية والدفاع الجوي.
ويعني تعيين لواء متقاعد بدلا من القادة الحاليين، الأعلى منه رتبه أو الأقدم في الخدمة، في العرف العسكري، صعوبة بقاء هؤلاء العسكريين (الأكثر أقدمية) في مناصبهم، لأن الوزير (الأقل أقدمية منهم) سيكون قائدا لهم.
لذا جاءت إعادة تعيين عسكري متقاعد (أي كان مدنيا) للخدمة وترفيعه من رتبة "لواء" إلى "فريق" ثم "فريق أول"، مربكا أيضا.
ويتوقع أن يتبعه سلسلة قرارات أخرى تتضمن إقالة عدد آخر من القادة أيضا لأنهم أعلى منه في "الأقدمية والرتبة".
حل اللغز
وجرى العرف في مصر، غالبا، على تعيين رئيس الأركان، وزيرا للدفاع، حال الاستغناء عن خدمات الثاني، باستثناء حالات معينة، ووفق ظروف تاريخية محددة.
مثل تعيين الرئيس الراحل محمد مرسي، رئيس المخابرات الحربية عبدالفتاح السيسي وزيرا للدفاع عام 2012.
وجاء ذلك بعدما أحال مرسي وزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي ورئيس الأركان الفريق أول سامي عنان إلى التقاعد.
وتعيين الرئيس الراحل حسني مبارك الفريق المتقاعد يوسف صبري أبو طالب وزيرا للدفاع في 1989 للتخلص من سابقه القوي عبدالحليم أبو غزالة.
وكذلك تعيين الرئيس الراحل السادات الفريق المتقاعد أحمد إسماعيل في عام 1972 لإدارة حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وفي ظل وجود خلافات مع قيادة الجيش آنذاك.
ويُعد وزير الدفاع الجديد الفريق أول عبدالمجيد صقر هو ثالث عسكري متقاعد منذ 1970 يتولى وزارة الدفاع بعدما ترك القوات المسلحة وتولى وظائف تنفيذية أخرى، بعد الفريق أول يوسف صبري أبوطالب والمشير أحمد إسماعيل.
لذا جاء استدعاء السيسي لـ "اللواء المتقاعد" عبدالمجيد صقر، مستغربا، إذا إن هناك 24 قائدا عسكريا آخر في الخدمة بالمجلس العسكري بجانب وزير الدفاع، كان يمكن الاختيار منهم، بخلاف قادة آخرين ليسوا أعضاء بالمجلس.
وتساءل رئيس تحرير صحيفة "المصريون" جمال سلطان عن سر استبعاد السيسي لكل هؤلاء القادة الذين يرأسون الجيوش والقطاعات العسكرية، "ولم يجد من بينهم قائدا واحدا يصلح لتولي قيادة الجيش؟
وبين سلطان أن السيسي جاء بلواء متقاعد على المعاش، ترك الخدمة منذ سنوات، ليضعه رئيسا لهم وقائدا للجيش.
تبع هذا سؤال آخر طرحه محللون عسكريون، بجانب السياسي المعارض والمرشح الرئاسي السابق “أيمن نور” حول مدى موافقة المجلس العسكري على ترشيح "متقاعد" وزيرا للدفاع، وعما إذا كان الأمر يتوافق مع الدستور.
إذ تنص المادة 234 من الدستور المصري على أن يكون تعيين وزير الدفاع "بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة".
وكانت هذه المادة تنص في دستور 2014 على أن “تسري أحكام هذه المادة لدورتين رئاسيتين كاملتين”، لكن حين عدل السيسي الدستور عام 2019 ألغي ذلك، لأنه ينوي البقاء في المنصب مدى الحياة.
"نور" تساءل: “ولو افترضنا وجود موافقة سابقة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة فلماذا تم نشر اسم الفريق محمد زكي وزيرا للدفاع حتى يوم 2 يوليو، وحتى دقائق معدودة سابقه من عزله؟!”
وقد دفع هذا عسكريين سابقين لمطالبة المجلس العسكري بإقالة السيسي لمخالفته للقانون العسكري والأوامر المستديمة ومخالفة الدستور، ومحاكمته.
لكن، مصدرا عسكريا متقاعدا بجهاز كبير، أبلغ "الاستقلال" أن السيسي أقال زكي بناء على طلب الأخير، لأنه أصيب بمرض (لم يحدده)، ظهر على هيئته وصحته في الفترة الأخيرة.
أوضح أن "زكي" كان مقررا بقاؤه في التشكيل الجديد، لذا صدر التعديل الوزاري دون أن يتضمن اسمه، لكنه اعتذر في اللحظة الأخيرة، وطلب إعفاءه.
وهو ما يفسر نشر الصحف أنه باقٍ ثم تعيين بديل له، وإن كانت التوقعات ترجح تعيين بديل له من القادة الحاليين لا لواء متقاعد.
وأكد "المصدر" أن "زكي" هو الذي رشح اللواء عبدالمجيد صقر، ليكون وزيرا للدفاع بدلا منه.
وكان صقر، مساعدا للفريق محمد زكي أثناء توليه قيادة الحرس الجمهوري في عهد الرئيس محمد مرسي.
وقد تولى عام 2018 منصب محافظ السويس، وشغل مناصب عدة أبرزها، مساعد وزير الدفاع عام 2015، ورئيس إدارة الشرطة العسكرية ثم نائبًا لرئيس الإدارة.
لكن "المصدر" استغرب، ضمنا، تعيين لواء متقاعد وزيرا للدفاع، وليس أحد القادة الحاليين في الخدمة.
وتوقع حدوث تغييرات في صف القيادة العسكرية بعد تغيير وزير الدفاع، مشيرا إلى أن هذا يأتي "في وقت حساس بسبب التوترات في المنطقة وعلى حدود مصر مع إسرائيل وغزة والسودان وغيرها".
أربعة أسباب
وفق آراء محللين عسكريين وخبراء، ترجع إقالة "زكي" واستدعاء لواء متقاعد لتولي منصب وزير الدفاع إلى أربعة أسباب هي:
الأول استمرار السيسي في لعبة الكراسي مع القادة العسكريين وتدويرهم بعدم بقائهم في مناصبهم لإحكام سيطرته على الحكم.
والثاني إبعاد "شبح الانقلاب" في ظل تكهنات عن خلافات محتملة بين القادة العسكريين وتصاعد الحديث عن مخاوف من ثورة شعبية بسبب تفاقم الأوضاع الاقتصادية، قد تدفعهم لاستبدال السيسي.
والثالث أن تعيين "صقر" مجرد مرحلة، (مثل مرحلة الفريق أول يوسف صبري أبوطالب 1989) بتعيين وزير دفاع جديد غير معروف، ومن خارج المجلس العسكري وكبير في السن، يجهز من خلالها السيسي لتعيين وزير دفاع معين قريب منه.
الرابع أن كل التعديل الوزاري وإطالته بلا معنى هدفه التخلص من رئيس الأركان أسامة عسكر الذي رشحته التكهنات لأن يكون المنافس العسكري والبديل للسيسي.
ويقول الباحث أحمد عابدين إنه في كل مرة يجرى تعيين وزير دفاع من ضباط المعاش تكون هناك أزمة كبيرة بين مؤسستي الرئاسة والجيش.
أوضح أنه حين عين أنور السادات الفريق أحمد إسماعيل، كانت هناك أزمة بينه وبين وزير الدفاع وقتها الفريق أول محمد صادق، وخلاف على إستراتيجية حرب أكتوبر 1973.
وفي المرة الثانية كان استدعاء مبارك للفريق يوسف صبري أبوطالب، في أبريل 1989 بسبب خلاف بين الرئاسة والجيش.
ووقتها أطاح مبارك بالمشير أبو غزالة بتدبير فضيحة علاقته بحسناء بيانكي لوسي أرتين.
والمرة الثالثة، بإقالة الفريق محمد زكي، والذي يتردد أنه قدم طلبا بالتقاعد ثلاث مرات بعد إصابته بالسرطان وتعيين اللواء "صقر" بدلا منه، في الوقت الذي شغل منصب الرجل الثاني بالمؤسسة الفريق أسامة عسكر وكان يفترض توليه وزارة الدفاع.
وتواردت أنباء حول وجود عداوة بين عسكر وبين السيسي بسبب شعبيته داخل الجيش وعلاقاته الجيدة بوزارة الدفاع الأميركية وبعض دول الخليج.
وهو ما جعل السيسي يطيح به سابقا قبل إعادته مرة ثانية إثر أزمة مظاهرات سبتمبر 2019، وتدخل المشير طنطاوي.
ويحرص السيسي على "تدوير" القادة العسكريين بما يحصنه من تشكيلهم مراكز قوة يخشى أن تنقلب ضده مستقبلا.
بتقدير أن التدوير هو أفضل وسيلة تضمن أن يكون من الصعب والمستحيل أن يتكون تكتل ضده في قيادة الجيش يشكل خطرا عليه.
كما أن الوزير الجديد لا يمتلك نفوذا قويا داخل الجيش يمكن أن يهدد سلطة السيسي.
وسبق أن أقال السيسي زميله في الانقلاب ووزير الدفاع الأسبق "صدقي صبحي" عام 2018، كما أقال صهره رئيس الأركان الأسبق الفريق محمود حجازي، ثم محمد فريد حجازي، وأخيرا أسامة عسكر الذي أقاله مع وزير الدفاع "زكي".
ويقول الخبير في شؤون الشرق الأوسط رامي عزيز، إن السيسي "محترف للانقلابات والمكائد"، لذا فإن "أكثر ما يخشاه هو الانقلاب عليه أو تدبير مكيدة ضده".
أضاف، عبر “إكس”: هو يعلم أن من يستطيع ذلك هو المجلس العسكري، ولذا هو دائم التغيير لوزير الدفاع ورئيس الأركان، ودائم لزرع الفتن بين أعضاء المجلس العسكري".
و"هو يعرف أن المجلس العسكري من الممكن أن ينقلب عليه، في حالة ثورة شعبية أو أوامر خارجية".
ورأى السياسي والحقوقي المصري أسامة رشدي أن ما فعله السيسي "انقلاب جديد" على غرار ما جرى عام 2013 وفي ذكرى انقلاب 3 يوليو، ولكن هذه المرة على المجلس الأعلى للقوات المسلحة
تحدث عن مقاومة داخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة لتغييره الفريق محمد زكي مع رغبة السيسي في تجاوز كل من هم أحق بخلافته من قيادات الأركان وأعضاء المجلس الذين سيعصف بهم، وتوقع "قلب معظم قيادات المجلس".
قال إن السيسي جاء بانقلاب غادر ولا يأمن للجيش ويدرك أن العجلة تدور ولذلك هو دائم تشتيت القيادات العسكرية
انهيار الجمهورية
وتزامن التعديل الوزاري مع حديث عن خوف السيسي من اضطرابات وثورة ضده في ظل التدهور الاقتصادي وقطع الكهرباء والغلاء الفاحش وبيع مستشفيات الفقراء وغيره مع توقعات ترى أن "الجمهورية الجديدة" في مصر معرضة بشكل متزايد للانهيار.
ويعتقد كثير من المغردين والناشطين على مواقع التواصل أن التغييرات الأخيرة، خصوصا في رئاسة الأركان ووزارة الدفاع، تحمل خوفا لدى الرئاسة المصرية من شبح الانقلاب على السيسي.
موقع "ميدل إيست آي" أشار في تحليل نشره "حسام الحملاوي"، وهو صحفي وناشط أكاديمي في شؤون القوات المسلحة والأجهزة الأمنية المصرية، أن "الانفجارات الاجتماعية أمر لا مفر منه".
أوضح أنه في ظل الدمار الاقتصادي والقمع القاسي، تدهورت نوعية الحياة بشكل حاد منذ عام 2013، وسواء كانت هناك معارضة منظمة أم لا، فإن الانفجارات الاجتماعية قادمة، لأن السياسات الاقتصادية المصرية فشلت في تحقيق أهدافها.

ويشير التقرير إلى أن النظام المصري "لا يملك مجتمعا مدنيا قادرا على استيعاب المعارضة أو صرفها، ولا تحالفا عريضا من الطبقات يستثمر في بقائه، والعقد الاجتماعي الوحيد القائم هو القمع في مقابل لا شيء".
أيضا حذر المحلل السياسي والعسكر ماجد مندور في مقال بموقع "ميدل إيست آي" مطلع يوليو 2024 من أن "رؤية السيسي أدت إلى شلل مصر" لأن "الدولة تتأرجح على حافة الخراب الاقتصادي".
قال إن "مصر تمر الآن بتحول هيكلي شامل، حيث سقط الملايين من الناس في براثن الفقر وتراكمت الثروات في أيدي قلة من الناس، منها النخب العسكرية وأعوانها".
"وسوف يخلف هذا التحول عواقب طويلة الأجل يصعب التنبؤ بها إلى حد كبير"، وفق "مندور".
ويقول مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بهي الدين حسن إن "انقلاب 3 يوليو 2013 لم يعد يحتاج ثورة لإطاحته، فقد مات فعليا، لكن مراسم دفنه لم تجر بعد".
أكد في مقال نشره بموقع "العربي الجديد" 3 يوليو 2024 أن الانقلاب فقد شرعيته السياسية والأخلاقية، ومات وظيفيا، وتُوشك الديدان على نهش جثته، وتتحول لنهشِ البلاد ذاتها.