رئيس السنغال يعلن حربا قضائية على 5 وزراء من حكومة سلفه.. ما القصة؟

منذ ٨ ساعات

12

طباعة

مشاركة

انخرط البرلمان السنغالي في المسار الجديد للرئيس باسيرو ديوماي فاي، والذي وعد بمحاربة الفساد، وهو ما تجسد في قرار بتحويل وزراء من حكومة سلفه ماكي سال إلى القضاء، دون أن يخفي ذلك تخوفات المعارضة من الاستغلال السياسي للملف.

حيث اعتمد البرلمان السنغالي بالأغلبية في 8 مايو/ أيار 2025، خمسة مشاريع قرارات تتعلق باتهام 5 نواب كانوا وزراء في عهد الرئيس السابق ماكي سال، أمام محكمة العدل العليا في قضية "فساد".

وذكر موقع "africanperceptions"، في 9 مايو، أن الوزراء متهمون بسوء إدارة أموال صندوق تبلغ ميزانيته نحو 1000 مليار فرنك إفريقي (1.5 مليار يورو)، ممول من قبل الدولة السنغالية ومانحين.

وأوضح أن الصندوق كان يهدف إلى تعزيز النظام الصحي ودعم الأسر خلال أزمة كورونا، غير أن تقريرا صادرا عن محكمة الحسابات في ديسمبر/كانون الأول 2022 سجل اختلالات كبيرة في تدبير الصندوق.

ومنذ عام 1960، لم يتم تقديم مسؤولين حكوميين أمام محكمة العدل العليا إلا مرتين، الأولى سنة 1963؛ حيث تمت محاكمة رئيس الوزراء الأسبق مامادو ديا، والثانية سنة 2005، حيث جرى محاكمة رئيس الوزراء الأسبق إدريسا سيك.

اختلالات كبيرة

من جانبه، قال رئيس لجنة القوانين واللامركزية والعمل وحقوق الإنسان بالجمعية الوطنية عبد الله تال، إن "الجمعية هي الجهة الوحيدة المخولة بإصدار قرار الإحالة على المحكمة العليا".

وأشار تال، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية السنغالية، إلى أن الجمعية الوطنية "ليست هيئة سياسية رغم أنها مكونة من نواب"، مشددا أن قرارها جاء على أساس وقائع وليس لتقديرات سياسية.

وخلال الجلسة العامة للتصويت على قرارات عزل الوزراء السابقين، حذر نواب من خطورة التراخي في مواجهة الجرائم المالية، ومن ذلك ما جاء على لسان النائب عن الحزب الحاكم "باستيف" جاي ماريوس سانيا.

حيث قال “سانيا”: "هناك تراخ شديد في إدارة الشؤون العامة. الموظفون الحكوميون متواطئون مع الوزراء الذين يختلسون أموال دافعي الضرائب. لذا، علينا مراجعة نظامنا. أبلغوا حكومتنا أننا سنقاضيهم على أي تساهل، ولو على ملعقتين".

وشدد سانيا أن الفساد والاختلاس وعوامل أخرى هي التي أدت إلى وضع السنغال ضمن أفقر 30 دولة في العالم. داعيا إلى وضع حد لهذه "الممارسات غير الصحية".

واسترسل، يجب أن يتوقف اختلاس المال العام، فعلى مدى 60 عاما اختلس أصحاب السلطة أموال دافعي الضرائب.

5ministres.jpg

اتهامات الوزراء

حيث يُشتبه في أن وزير التنمية الصناعية السابق والنائب البرلماني مصطفى ديوب متورط في اختلاس أموال أثناء ممارسة مهامه.

ويتهم على وجه الخصوص بإنفاق 2.5 مليار فرنك إفريقي (3.8 ملايين يورو) نقدًا، وهو ما يشكل "انتهاكا" لقواعد المحاسبة، وفقا لتقرير برلماني.

كما تحدثت تقارير أن ساليماتا ديوب أنفقت أكثر من 52 مليون فرنك إفريقي (79273 يورو) دون وثائق داعمة أو من خلال ممارسات احتيالية أثناء توليها حقيبة وزارة شؤون المرأة والأسرة والطفل.

وتشتبه السلطات في تورط زميلتها عيساتو صوفي غلاديما (المناجم والجيولوجيا) في اختلاس أكثر من 193 مليون فرنك إفريقي (294.220 يورو).

ويشتبه في أن وزير التنمية المجتمعية السابق أمادو منصور فاي "متورط في اختلاس أموال عامة" بعد إنفاق "فائض إجمالي قدره 2.7 مليار فرنك إفريقي" (4.1 مليون يورو) على شراء الأرز.

وأما إسماعيل ماديور فال (العدل)، فمتهم بـ"الفساد والرشوة" في قضية أخرى، وذلك بناء على اتهامات وجهها إليه أحد مطوري العقارات في صفقة أراض. 

وفي بث مباشر على إحدى القنوات الخاصة، نفى فال التهم الموجهة إليه.

senegal-assemblee-nationale-780x470.jpeg

“تهم غير قانونية”

تحركات الأغلبية لم تنل رضا أو موافقة المعارضة، حيث انتقدت النائبة البرلمانية والوزيرة السابقة في عهد الرئيس السابق، عيشاتا تال سال، الإجراءات التى جرى اتخاذها ضد هؤلاء الوزراء، وترى أن النواب "حلوا محل المدعي العام".

وأوضحت تال سال وهي قانونية التكوين، وسبق أن عملت في مجال المحاماة، أن تصويت البرلمان على "التهمة الموجهة للوزراء الخمسة السابقين غير قانوني".

بدوره، أدان سيدو جايي، الوزير السابق والمسؤول التنفيذي في "التحالف من أجل الجمهورية" المعارض، ما وصفه بـ "مشروع كارثي لسياسة انتقامية عنيفة"، تستهدف الرئيس السابق ماكي سال والمقربين منه والتحالف من أجل الجمهورية.

وبحسب موقع "pressafrik"، في 9 مايو 2025، قال جايي: "إن حزبنا هو الهدف الرئيس لمحاولة محو اسم وصورة وعمل الرئيس ماكي سال من الذاكرة الجماعية لمواطنينا".

وندد جايي بـ"مؤامرة" تديرها الأغلبية البرلمانية"، متهما إياها بـ"إصدار الحكم" ضد الوزراء الخمسة من النظام السابق، الذين تم تجريمهم حتى قبل أي تحقيق قضائي.

وأكد جايي "رفض السماح بمعاملة موظفي دولتنا كغنائم حرب من قبل حكومة ليس لديها ما تقدمه للشعب السنغالي".

وإزاء هذا الوضع، أعرب الحزب الرئاسي المنتهية ولايته عن "تضامنه الكامل" مع الوزراء المشهر بهم، معتبرا أن محاكمتهم ذات طابع سياسي واضح.

محكمة استثنائية

من جانبها، قالت الناشطة السياسية والحقوقية نداي فاتو توريه، إن إعلان قرارات تقديم الوزراء السابقين أمام المحكمة العليا يهم كل السنغاليين.

وأضافت لـ"الاستقلال" أن هذه المحكمة المنصوص عليها في الدستور هي محكمة استثنائية، ولا يمكن استخدامها لتصفية الحسابات أو الانتقام.

ورأت توريه أن "الحقائق في الاتهامات الموجهة للوزراء يجب أن تسبق الاتهامات، وليس العكس. ومع ذلك، في العديد من الحالات المذكورة، تبدو القواعد القانونية هشة، والأدلة غير مؤكدة، والإجراءات بدأت في مناخ من الشك".

وتساءلت المتحدثة ذاتها إن كانت هذه المتابعة تروم ترسيخ ثقافة الخوف، الشيء الذي من شأنه أن يثني الوزراء والمسؤولين الآخرين عن التصرف، خوفا من تعرضهم للملاحقة القضائية عند كل تغيير للحكومة. الذي يضعف استمرارية الدولة.

وأضافت، "الحكم هو اتخاذ القرارات، وإذا كان كل فعل قابلا للإلغاء سياسيا، فمن يجرؤ على تحمل المسؤولية الوزارية؟ لذلك علينا أن نستمع إلى تطلعات الشعب ونفهمها، والقيام بإصلاحات هيكلية، وليس استعراضات قضائية يتم التحكم فيها عن بعد.

من جانب آخر، عبرت الناشطة السياسية والحقوقية عن ثقتها بأن السنغال تتوفر على مؤسسات رقابية فعالة، داعية البرلمان إلى توضيح كل التفاصيل التي تؤكد أن قرارها كان على أساس موضوعي وليس بغية الانتقام.

وشددت توريه أن التحدي الأساس الذي يستحق أن تعمل عليه الأغلبية الحاكمة هو إعطاء مؤسساتنا معنى حماية المصلحة العامة، مع احترام سيادة القانون وأسس الديمقراطية ومبادئ الجمهورية.

ومنذ تولي باسيرو ديوماي السلطة في مارس 2024، أطلقت السلطات الجديدة، التي ترفع شعار "جوب، جوبال، جوبانتي" (الاستقامة، القدوة، الإنصاف، بلغة الولوف المحلية)، عدة عمليات تدقيق على إدارة البلاد بين عامي 2019 و2024.

وتعهد الرئيس ديوماي فاي، ورئيس وزرائه عثمان سونكو، بمحاسبة الزعماء السابقين الذين يتهمونهم بسوء السلوك في إدارة الشأن العام، بدءا من الرئيس السابق ماكي سال وباقي أعضاء حكومته وكبار مسؤولي البلاد.